من التسونامي إلى العواصف الثلجية والسيول | ذاكرة فلسطين للكوارث الطبيعية والمناخية (جزء1)
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تزدحم ذاكرة فلسطين بأخبار الحروب والمعارك التي نسمع عنها جميعاً في دروس التاريخ، بيد أن أكثرنا يجهل تاريخنا مع الكوارث الطبيعية، علماً أنها أثرت في حياتنا جميعاً، سواء كُنا نتحدث عن التخطيط العمراني وطرق البناء، أو وسائل حفظ المياه والطعام، أو حتى اختيار الطرق والمواصلات.. كلها تتأثر بما عاشه أسلافنا من حوادث صعبة على مرّ الزمان. التقرير الآتي يُسلط الضوء على بعض المحطات البارزة في تاريخ الكوارث الطبيعية مع التركيز على مجال الفيضانات والسيول التي حدثت بين عامي 1068 و1490.
|
|
قلعة أيلة (العقبة) - موقع هنا العقبة - أيلة |
ذاكرة فلسطين مكتظة بأخبار الحروب والمعارك التي نسمع عنها جميعاً في دروس التاريخ، بيد أن أكثرنا يجهل تاريخنا مع الكوارث الطبيعية، رغم أثرها في حياتنا جميعاً، سواء كنا نتحدث عن التخطيط العمراني وطرق البناء، أو وسائل حفظ المياه والطعام، أو حتى اختيار الطرق والمواصلات.. كلها تتأثر بما عاشه أسلافنا من حوادث صعبة على مرّ الزمان.
في التقرير الآتي نُسلط الضوء على بعض المحطات البارزة في تاريخ الكوارث الطبيعية، مع التركيز على مجال الفيضانات والسيول التي حدثت بين عامي 1068 و1490.
تسونامي الرملة: سنة 1068
مع أن التسونامي يصنّف غالباً باعتباره ضمن حوادث الزلازل والهزّات الأرضّة التي لا علاقة مباشرة لها بالعوامل المناخية، إلا أن ما يتبعه من فيضان لمياه البحر والغرق، يجعلنا نتوقف عند واحدة من أهم وأفظع الكوارث التي حصلت عام 1068 ميلادية (460 هجري)، وتوقف عندها المؤرخون من أمثال مجير الدين العليمي، وابن الوردي، وابن عماد الدين الحنبلي. وقد أوردها المؤرخ المقدسي المعاصر بشير بركات في كتابه "تاريخ الكوارث في بيت المقدس" باعتبارها زلزالاً عظيماً أدى إلى مقتل خمسة عشر ألفاً من أهل الرملة -ويبدو الحديث عن قرى قضاء الرملة المجاورة للبحر- وحصل ذلك عندما غار البحر (أي حدث جزر) لمسافة تقدّر بمسيرة يوم ولمّا تبعه بعض الناس لالتقاط السمك والصدف، رجع البحر عليهم فأغرق أعداداً منهم. [1]
سيول تجرف بيوت طبريا: سنة 1158
قبل معركة حطين الشهيرة التي وقعت قرب طبريا سنة 1187، وتحديداً في عام 1158 (548 هجري)، يذكر المؤرخون أن أمطاراً غزيرة هطلت على بلاد الشام، وقد حدث بسببها سيل جارف في مدينة طبريا. وكان من نتائجه، هدم العديد من مساكنها، حتى أن حجارة هذه المباني قد جُرفت إلى بحيرة طبريا.[2] هذه الإشارة إلى انجراف الحجارة، تؤكد أن قوّة اندفاع المياه كانت استثنائية، بالأخص أن البحيرة تقع وسط جبال عالية.
السيول تجرف قلعة أيلة: سنة 1181
قوّة اندفاع مياه السيول، لم تعرّض بيوت فلسطين وبلاد الشام لخطر الانجراف كما حصل في طبرية سنة 1158، بل نجد المؤرخين يذكرون أن الأمطار الغزيرة التي سقطت على مدينة أيلة (وهي مدينة العقبة على حدود فلسطين الجنوبية قرب أم الرشراش)، أحدثت أضراراً كبيرة بها،[3] فوصل الأمر إلى تهدّم القلعة ومنازل المدينة، وذلك لوقوعها عند مصبّات سيول الجبال المحيطة بها.[4]
السيول تقضي على "الأسود" في الرملة: سنة 1293
ومن الحوادث اللافتة التي يشير إليها الباحث محمد صلاح في دراسته حول الكوارث الطبيعية في بلاد الشام ومصر، أن الأمطار هطلت بغزارة على مدينة الرملة في شهر كانون الثاني سنة 1293 (692 هجري)، فحصل بها سيل عظيم، وزادت المياه في نهر العوجا؛ ففاض وأحدث أضراراً متفاوتة في المنطقة. وقضى السيل على 11 أسداً.[5]
من الجدير بالذكر أن عدداً من المؤرخين ذكروا وجود الأسود في فلسطين، ولكنها انقرضت كما يبدو في مرحلة مبكرة، بيد أن النمور استمر وجودها في طبيعة فلسطين حتى عام 1965، وقصّة مقتل هذا النمر مشهورة عند عرب العرامشة في الجليل.[6]
السيول تجرف الجيش المملوكي عند نهر العوجا: سنة 1300
ليست صدفة أن تذكر منطقة نهر العوجا أو نهر أبي فطرس في سياق الفيضانات والسيول بشكل متكرر، فعند هذا النهر مرّت تاريخياً طريق البحر القديمة (Via Maris). وعلى أطراف منابع النهر، توجد قلعة مهمة لا تزال آثارها موجودة حتى اليوم (قلعة رأس العين).
وتشير الوثائق التاريخية إلى أن الجيش المملوكي كان متواجداً هناك (مُعسكراً) في شهر صفر سنة 700 هجرية، وهو الموافق لشهر تشرين الأول سنة 1300 ميلادية. فصادف ذلك هطول الأمطار بغزارة على بلاد الشام، ما أدى إلى ذوبان ثلوج كانت متراكمة، فزادت مياه النهر وفاض وألحق أضراراً فادحة بالجيش.[7] وللعلم، فبعد مرور حوالي 700 عام على هذه الحادثة، فقد حصلت فيضانات كبيرة جداً في نفس المنطقة سنة 1955، وهو ما يُعرف بـ "عاصفة كفر قاسم".[8]
ومن الأمور اللافتة، أنه بعد 3 سنوات تقريباً من هذا الحدث النادر، وهو وجود الثلوج عند نهر العوجا، نجد المؤرخين يتحدثون عن نزول برد كبير سنة 1303 على مدينتي غزة والرملة، وكانت حجم حبّة البرد كما وصفه كاتب "تاريخ سلاطين المماليك"، بحجم بيض النعام.[9]
وحوادث نزول البرد الكبير كانت حدثاً يستحق التدوين عند المؤرخين، إذ نجد "ابن شاهين" يذكر نزول "بَرَد كبار" ببعض قرى صفد سنة 1422.[10]
ثلوج في غزّة والرملة والقدس تهدم البيوت: سنة 1393
يبدو أن العاصفة الثلجية التي حصلت في كانون الثاني 1393، كانت من الأحداث النادرة في تاريخ فلسطين. يذكرها مجير الدين العليمي بكل ما فيها من تفاصيل حتى يُخبرنا: "وحكى الكبار أنهم لم يروا مثل ذلك في هذه الأزمنة من نحو سبعين سنة (..) وكان حجمه فوق الأرض في بعض الأماكن أكثر من أربعة أذرع"، والذراع حوالي 50 سنتمتراً وبالتالي 4 أذرع تعني نحو مترين، وعن أثر تلك العاصفة، يقول: "تقطعت السبل، وسدت الشوارع، وأصبح الناس يوم الجمعة، ثاني ربيع الآخر، في شدة شديدة. وأقيمت صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى الشريف، فلم يحضرها من أهل بيت المقدس النصف، بل ولا الثلث!"
ولعل ما يؤكد أهمية هذه العاصفة، أنها لم تكن في القدس فحسب، فوقوع الثلج في مناطق مثل الرملة أمر يؤكد أنها كانت عاصفة استثنائية، ويشير إلى ذلك قول "العلمي" بأن أهل الرملة أطلقوا على تلك السنة تسمية "سنة الثلج". ويضيف: "ولم يعلم أنه بلغ قدر ما بلغ في هذه المرة، فإنه وصل إلى البحر، واستمر في شوارع القدس أكثر من عشرين يوماً، واشتد حتى صار كالحجارة".[11]
من اللافت أنه وبعد هذا العام ببضع سنين، نجد الدراسات تذكر كارثة طبيعية استثنائية في الرملة وغزة وذلك سنة 1398 الموافق 800 هجرية، حيث انهدم في الرملة أكثر من ألف بيت.[12]
السيل العظيم في غزّة: سنة 1490
بعد نحو 100 عام من سيول عام 1398، نجد كتاب "نيل الأمل في ذيل الدول" لمؤلفه ابن شاهين، يذكر سيلاً عظيماً حدث في غزّة خلال تدوينه لأحداث "سنة ست وتسعين وثمانماية" (896 هـ)، فيقول: "وفيه وصل الخبر من غزة بأنه حدث بها سيل عظيم أخذ عدة ديار وأضر بالناس وكان مهولاً".[13]
خبر هذا السيل لم يدوّن في المصادر، ومع هذا نجد الدراسات تشير إلى أمطار غزيرة هطلت على غزة سنة 1351 تهدمت فيها البيوت، وهلك تحتها الناس. ومن جملة المنازل سقط نصف دار النيابة وسكن النائب بإحدى الجوامع، وتلف كثير من الزروع، وصاحب هذه الأمطار الغزيرة تساقط الثلوج بكثرة على غزة وما حولها.[14]
ولأن الكوارث الطبيعية و/أو المناخيّة أكبر من أن يحصيها تقرير، فإننا سوف نتابع سرد الكوارث التي حدثت بين عامي 1509 و1920 في العدد المقبل.
[1] بشير عبد الغني بركات: تاريخ الكوارث في بيت المقدس - صفحة 8-9.
[2] صلاح، محمد حمزة محمد. (2009). الكوارث الطبيعية في بلاد الشام ومصر (491-923 هــ = 1097-1517 م). (أطروحة ماجستير). الجامعة الإسلامية، فلسطين (قطاع غزة)
[3] صلاح، محمد حمزة محمد. (2009). الكوارث الطبيعية في بلاد الشام و مصر (491-923 هــ = 1097-1517 م). (أطروحة ماجستير). الجامعة الإسلامية, فلسطين (قطاع غزة)
[5] صلاح، محمد حمزة محمد. (2009). الكوارث الطبيعية في بلاد الشام و مصر (491-923 هــ = 1097-1517 م). (أطروحة ماجستير). الجامعة الإسلامية, فلسطين (قطاع غزة) - صفحة 230
[7] صلاح، محمد حمزة محمد. (2009). الكوارث الطبيعية في بلاد الشام و مصر (491-923 هــ = 1097-1517 م). (أطروحة ماجستير). الجامعة الإسلامية, فلسطين (قطاع غزة) - صفحة 290
[9] الكوارث الطبيعية و آثارها في بلاد الشام في العصر المملوكي: 648-922 هـ / 1250-1517 م The natural disasters and their effect in Cham during Mumluki age نافذ محمد عبدربه الشوامرة؛ إشراف شوكت رمضان حجة
[10] فرج محمد السبيعي: الأوبئة والآفات الزراعية والسيول في بلاد الشام من خلال کتاب نيل الأمل في ذيل الدول لابن شاهين (744–896/1343–1491م). حوليات أدب عين شمس. 2017 Jan 1;45(ینایر-مارس (أ)):297-308.
[11] بشير عبد الغني بركات: تاريخ الكوارث في بيت المقدس
[12] فوزي خالد الطواهية: الكوارث الطبيعية وأثرها على الحياة الزراعية في بلاد الشام في العصر المملوكي الثاني (1516-1382م/922-784ه). Dirasat: Human & Social Sciences. 2014 Jan 1;41(1).
[13] زين الدين ابن شاهين: نيل الأمل في ذيل الدول - طبعة المكتبة العصرية صيدا (القسم الثامن من الجزء الثاني (891-896هـ) - صفحة 216)
[14] فرج محمد السبيعي: الأوبئة والآفات الزراعية والسيول في بلاد الشام من خلال کتاب نيل الأمل في ذيل الدول لابن شاهين (744–896/1343–1491م). حوليات أدب عين شمس. 2017 Jan 1;45 (ینایر- مارس (أ):297-308.