خاص بآفاق البيئة والتنمية
في السنوات الأخيرة ، أدركت بعض الهيئات الدولية بأن هناك حاجة ملحة لمعالجة العلاقة السببية بين تدمير الطبيعة وانتشار الأمراض. ومنذ بداية العقد السابق، نشر بحث وجد بأن مصدر نحو ثلثي الأمراض المعدية التي تفشت في العقود الأخيرة هو الحيوانات، والتي يربي بعضها الإنسان، وبعضها الآخر يتم اصطياده أو جلبه من الطبيعة. النظام الإيكولوجي الصحي يولد مقاومة طبيعية لعوامل المرض فيعزلها. وعندما يتم اختراق ذلك النظام وإحداث تصدعات وتشوهات في بنيته، ينشأ عندئذ اتصال مباشر للفيروسات والبكتيريا مع الإنسان، فتختفي عوامل المقاومة الطبيعية لمولدات الأمراض. جائحة الكورونا عبارة عن حلقة في سلسلة معاصرة من الأمراض التي مصدرها الحيوان. تقارير بحثية أشارت، قبل الكورونا ببضع سنوات، إلى تفشي فيروس الإيبولا والسارس. وبنبرة تحذيرية، تجسدت في نهاية المطاف واقعا ملموسا على الأرض، أكدت التقارير بأنه خلال العقدين الأخيرين تسببت الأمراض المتفشية بخسائر مباشرة تقدر بنحو مائة مليار دولار. وفي حال تحولت تلك الأمراض إلى أوبئة عالمية تصيب البشر، فستصل الخسائر إلى تريليونات من الدولارات.
|
|
الاضطرابات الإيكولوجية مسبب أساسي للأمراض الفيروسية والبكتيرية والطفيلية |
عندما يحين الوقت لدراسة أسباب تفشي جائحة الكورونا والدروس المستفادة لمنع تفشي المزيد من الأوبئة في المستقبل، لن يكون هناك مفر من التعامل مع اضطراب الأنظمة البيئية في العالم والذي تسبب به الإنسان. هذا الاضطراب يزيد بشكل كبير من احتمالية انتشار الأمراض الفيروسية والبكتيرية والطفيلية.
في السنوات الأخيرة ، أدركت بعض الهيئات الدولية بأن هناك حاجة ملحة لمعالجة العلاقة السببية بين تدمير الطبيعة وانتشار الأمراض. ومنذ بداية العقد السابق، نشر بحث وجد بأن مصدر نحو ثلثي الأمراض المعدية التي تفشت في العقود الأخيرة هو الحيوانات، والتي يربي بعضها الإنسان، وبعضها الآخر يتم اصطياده أو جلبه من الطبيعة.
قبل أربع سنوات (2016)، أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة تقريرًا عن القضايا البيئية التي بدأت تتطور في السنوات الأخيرة. تم تخصيص فصل خاص للأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال بين الإنسان والحيوان (Zoonoses). وقال التقرير: "لم يسبق أن كان هذا العدد الكبير من البشر ممن يحتفظون بكم كبير من الحيوانات، كما لم تتوفر سابقا، كما هو الحال اليوم، فرص كثيرة لانتقال عوامل المرض من الحيوانات إلى الإنسان".
جائحة الكورونا تعد الأشد فتكا من حيث نطاقها وتأثيرها. وهنا نُذَكِّر بأن هذه الجائحة عبارة عن حلقة في سلسلة معاصرة من الأمراض التي مصدرها الحيوان. تقرير الأمم المتحدة المذكور سابقا أشار إلى تفشي فيروس الإيبولا والسارس. وبنبرة تحذيرية، تجسدت في نهاية المطاف واقعا ملموسا على الأرض، أضاف التقرير: "خلال العقدين الأخيرين تسببت الأمراض المتفشية بخسائر مباشرة تقدر بنحو مائة مليار دولار. وفي حال تحولت تلك الأمراض إلى أوبئة عالمية تصيب البشر، فستصل الخسائر إلى تريليونات من الدولارات".
يرتبط انتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر سببيًا بأنماط استخدام الإنسان للأرض. فإزالة الغابات، التغير المناخي، واستنفاد الحياة البرية في العديد من المناطق جراء الصيد، عبارة عن ممارسات تزيد من احتمالية تسلل عوامل المرض إلى البيئة البشرية. النظام الإيكولوجي الصحي يولد مقاومة طبيعية لعوامل المرض فيعزلها. وعندما يتم اختراق ذلك النظام وإحداث تصدعات وتشوهات في بنيته، ينشأ عندئذ اتصال مباشر للفيروسات والبكتيريا مع الإنسان، فتختفي عوامل المقاومة الطبيعية لمولدات الأمراض. أزمة المناخ تعد أحد العوامل التي قد تعجل بشدة مثل هذه العمليات. تغيير ظروف الرطوبة والحرارة في مناطق مختلفة يمكن أن يساهم في تطور المرض نفسه أو الحيوانات التي تنقله، بما في ذلك الحشرات.
يعتقد العلماء بأن بعض خفافيش الفاكهة تسببت في تفشي مرض الإيبولا
علاوة على ذلك، التغييرات في أنماط الزراعة تسببت أيضا في تسريع هذه العمليات المخلخلة للتوازنات الإيكولوجية والمولدة بالتالي للأمراض. حاليا، يوجد ارتباط أوثق بكثير بين الماشية والحيوانات البرية، ما يولد مسارًا سريعًا لانتقال مسببات الأمراض إلى البشر؛ بحيث تكون حيوانات المزرعة هي الوسيط. وبما أن هذه الحيوانات فقدت التنوع الجيني المميز للحيوانات البرية، فإن مقاومتها بالتالي للأمراض أقل. كما أن أسواق الحيوانات البرية المستخدمة في الغذاء تعد عاملا إضافيا. وتشير التقديرات إلى أنه في الموجة الأولى من جائحة الكورونا، كانت نصف الحالات المصابة لأشخاص عملوا في أسواق محلية تبيع حيوانات برية للطعام.
العديد من الهيئات، بما في ذلك منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو)، أدركت التهديد الصحي المتزايد من عالم الحيوان، فبادرت إلى إنشاء مشروع دولي يسمى "OneHealth"، هدفه تحسين التنسيق بين جميع الجهات العاملة في مجال الأمراض المنقولة بين البشر والحيوانات، وأيضا تحسين عملية مراقبة المسار الذي تسلكه مسببات الأمراض، وتحديد البؤر التي تتطلب معالجة، فضلا عن التنسيق بين الأطباء والأطباء البيطريين وجهات أخرى. قبل بضعة أشهر من تفشي جائحة الكورونا، نشرت هذه المبادرة لأول مرة دليلًا مفصلاً للتعامل مع الأمراض ذات المنشأ الحيواني.
بالإضافة لمعالجة الآثار الصحية والاقتصادية في فترة ما بعد جائحة الكورونا، فإن التحدي الأكبر الذي سيواجه البشرية هو دراسة علاقاتنا مع الطبيعة وطريقة استغلالنا للحيوان. من المؤكد أن الخطوة الأولى يفترض أن تكون فرض قيود صارمة على سوق الحيوانات البرية، وتشجيع الحد من استهلاك لحوم لحيوانات التي يتطلب إنتاج الأعلاف اللازمة لها القضاء على المناطق الطبيعية. مثل هذه الإجراءات ستقلل من فرص تفشي الأمراض، وستؤدي إلى انتعاش النظم الإيكولوجية/البيئية مثل الغابات والأنهار والبحيرات. هذا الانتعاش سيساعد هذه الأنظمة على تقديم خدماتها الضرورية لوجود كوكب الأرض.
في السنوات الأخيرة ، حاول العلماء إبراز أهمية هذه الأنظمة دون نجاح يذكر. الآثار الاقتصادية للكورونا قد تغير وعي صانعي القرار؛ لكن، يصعب علينا الركون إلى قدرات الأخيرين على رؤية الصورة العامة وبالتالي التخطيط طويل الأمد. وطالما أن الإنسان يسيء إلى الطبيعة ويدمرها، فإنه سيواصل زيادة احتمالية وقوع كوارث بيئية وصحية ستصيبه بمعدلات متزايدة. التكنولوجيا الطبية سوف تساعد في الكشف عن الكوارث المستقبلية، بل وعلاجها؛ لكن الأزمة الأخيرة علمتنا بأن تلك التكنولوجيا فشلت في منع أشد الأزمات التي عرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.