شباط 2009 العدد (11)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

February 2009 No (11)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية
تراثيات بيئية اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب البيئة والتنمية في صور الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

 

 

الفوسفور الأبيض سيترسب في تربة غزة ومياهها لفترة طويلة

القنابل الفوسفورية الحارقة أفقدت بصر العديد من الأطفال الغزيين وفجرت الشرايين الداخلية لآخرين وأذابت الجلد وحرقت اللحم حتى العظام 

 

جورج كرزم

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

منذ بدء الهجوم البري الإسرائيلي على قطاع غزة، شوهدت في أجوائه قذائف "دخانية" ألقتها القوات المحتلة، تنشر دخانا أبيض كثيفا فوق مناطق مختلفة.  وتبين لاحقا أن هذه القذائف عبارة عن قنابل الفوسفور الأبيض التي، وبمجرد انتشار دخانها الأبيض في المناطق المزدحمة بالسكان، تتسبب في إصابات حارقة تصل إلى العظام.  وبالتالي، ليست هذه القنابل مجرد "قنابل تمويهية" تستخدم "لتمويه تحركات القوات ومنع جنود الاحتلال من رؤية الجنود الذين يتحركون  إلى الأمام"، كما ادعى عسكريون إسرائيليون.  فكلنا شاهد عبر شاشات الفضائيات، الأطفال الغزيين المصابين بحروق مروعة أذابت جلدهم، وفقدوا بصرهم، فضلا عن العديد من الوفيات الناتجة عن إصابات بنفس القنابل الحارقة، تمثلت في انفجار الشرايين الدموية والنزيف الداخلي الحاد غير المرئي للأطباء.   

وتعد القنابل الفوسفورية الحارقة التي ألقيت على الأهالي والمنازل في مدينة غزة ومخيم جباليا وبلدة خزاعة وبيت لاهيا وغيرها، فضلا عن إلقائها على مدارس الأمم المتحدة ومقراتها (الأنروا) وغيرها من المؤسسات- تعد هذه القنابل من أبرز الأسلحة "المحرمة دوليا" التي استخدمتها "إسرائيل" بشكل بشع في حربها الهمجية ضد شعبنا في غزة وبيئته وأرضه، وذلك على مدى أسابيع متواصلة، وفي بث حي ومباشر عبر الفضائيات، وعلى مرأى ومسمع "العالم الغربي الحر" ومؤسساته "الدولية" و"الحقوقية" و"الإنسانية" "والبيئية" التي ترفع شعارات "حقوق الطفل" و"حقوق المرأة" و"حقوق الإنسان" "وحقوق الحيوان" و"مكافحة الفقر" و"التنمية المستدامة" "ومحاربة مجرمي الحرب" وما إلى ذلك من شعارات مبتذلة، حولتها هذه الحرب النيونازية إلى نكات تراجيدية تقطر نفاقا ولؤما وحقدا.  وفي الأمس القريب، لم ينس أهل غزة الملكومون المقهورون المجوعون مطالبة مدعي محكمة الجنايات الدولية الخبيثة بمحاكمة عمر البشير، بادعاء اقترافه "جرائم حرب" في دارفور، أم محاكمة الاحتلال الأميركي وأعوانه في العراق لصدام حسين وإعدامه، بذريعة اقترافه "جرائم ضد الإنسانية".        

لقد ادعى الجيش الإسرائيلي أن الهدف من استخدامه لما أسماه "القنابل الدخانية" هو "إضاءة المواقع المستهدفة".  بل بلغ الأمر "بالخبراء" و"المحللين" العسكريين الإسرائيليين أن اعتبروا السحب البيضاء فوق غزة والناتجة عن هذه المتفجرات "جميلة المنظر" ("أَيَهُمُّ الشاة المعدة للذبح شكل السكين"؟)، وبأنها "تنتج دخانا كثيفا يعمي أعداءنا ويمنح ستارا واقيا لجنودنا. وقد أقرت إسرائيل، في حينه، استعمال الفوسفور الأبيض في حرب لبنان (تموز 2006)، وفي أثناء اجتياحها لبنان سنة 1982.  ونفى "دافيد يِشَع" الناطق باسم الجيش الإسرائيلي (في 4/1/2009) استخدام هذه القذائف في الحرب ضد غزة، وادعى بأن "إسرائيل تستخدم ذخائر مسموحا بها حسب القانون الدولي".  إلا أن قيادة الجيش الإسرائيلي اعترفت لاحقا باستخدام الفوسفور الأبيض في غزة، وادعت بأنها ستجري تحقيقا حول أسلوب وليس مبدأ استخدامه.

"القانون الدولي" في حماية شركات تصنيع السلاح

"القانون الإنساني الدولي" المتمثل في "ميثاق جنيف" لا يمنع استخدام هذه القنابل بالمطلق، بل يحرم استعمالها فقط في مناطق المدنيين، مهما كانت أغراض هذا الاستعمال، فكم بالحري حين الحديث عن مساحة صغيرة هي الأعلى كثافة سكانية في العالم.  لكن "الميثاق" ذاته "يسمح" باستعمال القنابل الفوسفورية بغرض "التغطية" و"التمويه" و"تضليل جيش الاحتلال"، أي "كساتر دخاني واق لإخفاء العمليات العسكرية"، وليس كسلاح حربي في مناطق مدنية؛ إذ إن دخانها الكثيف "يعمي جيش الاحتلال ويضمن تقدم قواتنا في ستارها" كما قال خبير عسكري إسرائيلي لنفس الصحيفة.  وهذا يعني ترك مسألة "قانونية" الاستخدام من عدمها لأهواء القوات المحتلة، وبالتالي، توفير "ساتر قانوني دولي" للمجرمين الذين بإمكانهم دائما الإدعاء بأنهم استخدموا هذه القنابل في مناطق مفتوحة وغير مأهولة بالسكان!  وهذه الثغرات القانونية الفاضحة بشكل متعمد في "ميثاق جنيف" وفي ما يعرف بالقانون الإنساني الدولي، تؤكد أن القوى الغربية التي صاغت وسنت تلك المواثيق والقوانين، إثر الحرب العالمية الثانية، أخذت بالاعتبار مصالح شركاتها المختصة بتصنيع الأسلحة؛ إذ حرصت تلك القوى على ضمان استمرار إنتاج وتسويق واستخدام منتجاتها العسكرية "المحرمة" و"غير المحرمة" في كل الحالات، وبغض النظر عما إذا كان الحديث يدور عن "جرائم حرب" أو مجازر بشرية.

 

"سلاح إرهابي" يذيب الجلد ويحرق اللحم حتى العظام

على أي حال، أكدت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية أن الجيش الإسرائيلي استخدم قنابل الفوسفور الأبيض "المحرم دوليا" في أثناء عدوانه على غزة، وحذرت من خطورته على المدنيين في القطاع.  وكشفت المنظمة ذاتها عن أن باحثيها رصدوا العديد من انفجارات الفوسفور الأبيض في الهواء والذي كانت تطلقه المدفعية الإسرائيلية في محيط مدينة غزة ومخيم جباليا.  وقالت المنظمة إن الفوسفور الأبيض يتسبب في حروق شديدة للناس، كما أنه يحرق المباني والحقول والمواد المدنية الأخرى.  وأشارت إلى أن أضرار هذا السلاح على المدنيين تتعاظم بسبب ارتفاع الكثافة السكانية في غزة، والتي تعد من أعلى الكثافات في العالم.  وطالبت بوقف استخدامه، وبخاصة في المناطق المزدحمة بالسكان في غزة.  وقال مارك جارلاسكو كبير المحللين العسكريين في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، إن "الفوسفور الأبيض يمكن أن يحرق المنازل ويسبب حروقا مروعة عندما يلمس البشرة".  ومن المعروف أن الفوسفور الأبيض يشتعل بسهولة في الهواء في درجة حرارة 30 مئوية، حيث يصعب إطفاؤه.

أما الدكتور رائد العريني الطبيب في قسم التجميل بمستشفى الشفاء بغزة، فيؤكد أن العديد من الأطفال الغزيين فقدوا البصر بالكامل نتيجة إصابتهم بالأسلحة الإسرائيلية "المحرمة دوليا"، ومنها الفوسفورية.  ويقول العريني:  "تم إسالة مادة عيونهم بالكامل، بحيث لا يمكن عمل أي عمليات تجميل".  ويتابع العريني:  "في حالات أخرى تم فيها تفجير الشرايين الداخلية، مما يحدث معه نزيف داخلي غير مرئي للأطباء وينتج عنه وفاة مباشرة...إن الحروق الناتجة عن تلك المواد تتسبب في إذابة الجلد تماما". 

وفي عددها الصادر بتاريخ 5 كانون الثاني 2009، أوضحت صحيفة "تايمز" البريطانية في تقرير خاص حول استخدام إسرائيل السلاح الفوسفوري في غزة، أن القنابل الفوسفورية التي استخدمتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، "يمكن أن تسبب حروقا مروعة، لأي شخص تنفجر فوقه.  وشككت الصحيفة بالإنكار الإسرائيلي، وأشارت إلى "الآثار الوخيمة لاستخدام هذه القنابل فوق مدينة مزدحمة كغزة"، ونقلت عن "تشارلز هايمان" الخبير العسكري البريطاني قوله:  "إذا ما أطلق الفوسفور الأبيض على تجمع بشري، فقد يؤدي بالفاعل إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".  وشدد "هايمان" على أن الفوسفور الأبيض يعد "سلاحا إرهابيا؛ إذ إن الفوسفور المتساقط يحترق فور احتكاكه بالجلد...وهو من نوع الحروق التي تصل العظم".

يضاف إلى ذلك، أن وفد منظمة العفو الدولية لتقصي الحقائق الذي زار غزة فور إعلان إسرائيل "وقف إطلاق النار"، أعلن (في 19 كانون ثاني الماضي) بأنه "عثر على أدلة لا تقبل الجدل على استخدام إسرائيل بشكل واسع للفوسفور الأبيض في قصف المناطق المزدحمة بالسكان في مدينة غزة وشمال القطاع".  وقالت المنظمة إن "تكرار إسرائيل لاستخدام الفوسفور البيض بشكل مفرط في غزة يمثل جريمة حرب"، وأشارت إلى أن وفدها عثر على الفوسفور الأبيض والقذائف الحاملة له داخل وحول المنازل والأبنية في غزة.  وأوضح "كريستوفر كوب" خبير الأسلحة في المنظمة وعضو وفدها، أن الأخير شاهد شوارع وأزقة مكسوة بالأدلة على استعمال الفوسفور الأبيض، ومن بينها شظايا ما تزال تحترق وقذائف قصفها الجيش الإسرائيلي.  أما "دوناتيلا روفيرا" باحثة الشئون الإسرائيلية في المنظمة فأكدت أن تكرار الاستخدام المفرط للفوسفور الأبيض بصورة عشوائية في المناطق المزدحمة بالسكان، رغم الأدلة على تأثيرها غير المقيد على المدنيين، "يمثل جريمة حرب".

غاز حارق درجة حرارته مرتفعة

يستخدم الفوسفور في القنابل الحارقة بسبب سرعة اشتعاله وانفجاره بمجرد ملامسته الهواء، وذلك بدلا من المغنيسيوم الذي كان يستعمل قبل الحرب العالمية الثانية لإشعال الخليط الكيماوي في القنابل الحارقة.  ويصنع الفوسفور الأبيض من الفوسفات، وهو مادة شمعية شفافة ومشتعلة، لونها أبيض يميل إلى الاصفرار، ورائحتها تشبه رائحة الثوم.  ويتفاعل الفوسفور الأبيض بسرعة كبيرة مع الأكسجين، فيشتعل مكونا غازا حارقا درجة حرارته مرتفعة، وغيمة دخانية بيضاء كثيفة.  ويتسبب في حروق من الدرجتين الثانية والثالثة.  وفي معظم الأحيان تخترق هذه الحروق جسم الإنسان ولحمه لتصل إلى العظام.  وإذا استنشق قليلا يؤدي إلى السعال وتهيج الرئتين والقصبة الهوائية.  أما إذا طالت فترة الاستنشاق فيُحْدِث جروحا في الفم وكسرا في عظمة الفك.

 

تهديد كبير على الصحة والبيئة والتربة

إن تلوث قطاع غزة بالفسفور الأبيض يشكل تهديدا كبيرا على الصحة العامة والبيئة، ومن المتوقع أن يترسب في التربة، فضلا عن ترسبه في البحر، وتحديدا في الكائنات البحرية والأسماك في المنطقة.

وفي الواقع، لا تعد "إسرائيل" الدولة الوحيدة التي استخدمت القنابل الفوسفورية، بل سبق أن استخدمتها القوات الأميركية في أثناء الحرب العالمية الثانية وفي حرب فيتنام في أثناء مطاردتها للثوار.  كما استخدمتها تلك القوات في العراق، وتحديدا لدى هجومها على مدينة الفلوجة في تشرين الثاني 2004.  وقد عرضت آنذاك فضائية إيطالية شريطا وثائقيا بين صور ضحايا القصف بالفوسفور الأبيض الأميركي، وشهادات لجنود أميركيين أقروا باستخدام جيشهم لهذه السلاح الفتاك.

 

مواجهة الكارثة الإنسانية والبيئية، فنيا وقانونيا

المطلوب حاليا من الجهات الرسمية والحكومية والأهلية العربية والفلسطينية المعنية، وعلى وجه السرعة، بلورة استراتيجية واضحة ومنهجية لمواجهة الكارثة الإنسانية والبيئية التي ضربت قطاع غزة.  كما من الضروري أن يتزود الفلسطينيون بالمعدات والآليات اللازمة لقياس مدى تلوث الهواء والتربة والمياه بالمخلفات الكيماوية الخطرة والسامة الناتجة عن الاحتلالان الإسرائيلي، فضلا عن محطات الرقابة المختصة بتقدير الأخطار الناجمة عن الملوثات الكيماوية والمشعة في الهواء، وبالتالي بلورة الخطط والسياسات والإجراءات الضرورية لمواجهة الآثار الصحية والبيئية الناجمة عن جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة.

والمطلوب أيضا من كل المعنيين، سواء وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية، والمؤسسات العلمية ذات الصلة، والجهات المهتمة بالقانون وحقوق الإنسان والبيئة، أن يرفعوا صوتهم عاليا وأن يشكلوا قوة ضاغطة باتجاه فرض تدخل المجتمع الدولي، لإرسال فرق فنية دولية إلى قطاع غزة، لفحص مستويات التلوث الكيماوي والإشعاعي التي خلفها الاحتلال في تلك المنطقة، وآثارها المرضية والبيئية الخطيرة الواضحة على السكان.

وأخيرا، لا بد من رفع شكوى لمحكمة الجنايات الدولية، من أجل مقاضاة القادة الإسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.  وهذا هو خط العمل الذي سار عليه إيفو موراليس رئيس بوليفيا الذي أعلن، هو ورفيقه البوليفاري هوغو تشافيز رئيس فنزويلا، عن قطع العلاقات مع إسرائيل، احتجاجا على الجرائم الإسرائيلية في غزة.  كما أعلن موراليس عن عزمه رفع شكوى ضد إسرائيل إلى محكمة لاهاي الدولية بتهمة ارتكاب "جرائم في حق الإنسانية" ضد الشعب الفلسطيني.    

 

كما، وفي أوج الاحتلالان، بادر اتحاد المحامين العرب، بالتعاون مع منظمات دولية لحقوق الإنسان، إلى إعداد الملفات اللازمة من أجل مقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين، حيث أخذ الاتحاد يحشد عددا كبيرا من الحقوقيين في العالم.    

للأعلىé

 
     

 

التعليقات

 
 

البريد الالكتروني: hmekdadi@yahoo.com

الموضوع: الرئيسي 1-العدد 11

التعليق:

أتفق معك تماما يا أستاذ جورج. حقا إن القوانين \"الإنسانية\" الدولية إنما سنت لحماية شركات تصنيع السلاح، بل إن الدول الغربية المالكة لأسلحة الدمار الشامل هي التي ابتكرتها بعد الحرب العالمية الثانية للتغطية على شركاتهاومصانعها العسكرية المجرمة

حامد المقدادي / بيروت


البريد الالكتروني: sarafandim@hotmail.com

الموضوع: الرئيسي 1-العدد 11

التعليق:


 
أعتقد بأن موقعكم يعد من أرقى وأصدق المواقع وأكثرها جرأة، خاصة وأنه لا يهاب من نشر الحقائق العلمية حول دور إسرائيل وأميركا في ممارسة أبشع أنواع الإرهاب البيئي في فلسطين ولبنان والعراق وغيرها...
 
مع احترامي وتقديري..
 
مروان السرفندي


البريد الالكتروني: mqudsi@hotmail.com

الموضوع: الرئيسي 1-العدد 11

التعليق:

أعتقد بأن التقارير والتحقيقات المنشورة في موقعكم الموقر والمتعلقة بالأسلحة المحرمة دوليا وأسلحة الدمار الشامل التي استخدمها الصهاينة ضد شعبنا في غزة، تصلح لاستخدامها وثائق مرجعية في المحاكمات الدولية ضد مجرمي الحرب في إسرائيل...وأنا شخصيا، بحكم عملي واختصاصي في الحقل القانوني، سأعمل على تعميم هذه الوثائق على أوسع نطاق ممكن من الحقوقيين وأخصائيي القانون الدولي ...
 
معاذ القدسي


 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
:
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.