خاص بآفاق البيئة والتنمية

التنوع الزراعي يساهم في ضبط الآفات ويقلل من المخاطرة الكامنة في الاعتماد على الزراعة الأحادية
يلعب التنوع الزراعي دورا هاما في ضبط انتشار الآفات، كما أنه يهدف إلى توزيع الإنتاج على أطول فترة ممكنة، بمعنى توفير الإنتاج خلال كل مواسم السنة، وفي نفس الوقت التقليل من المخاطرة الاقتصادية الكامنة في الاعتماد على نوع واحد من المحاصيل، علما بأن نظام الزراعة الأحادي والمكثف يتسبب في تكاثر وانتشار الآفات التي يصعب غالبا مكافحتها.
ويتمثل الجانب الأساسي في عملية خلط النباتات وتكثيفها في مراعاة التأثير المتبادل والنافع بين النباتات، علما بأن بعض النباتات قد تعيق نمو النباتات المجاورة لها، بسبب إفرازها لمضادات حيوية أو لمواد ذبول وغيرها. بمعنى أن العلاقة بين النباتات قد تكون سلبية أحيانا. والتجربة والبحث يشكلان خير وسيلة لاستكشاف العلاقات المفيدة والمتكافلة بين النباتات، وبالتالي الاستفادة من هذه العلاقات لدى تصميمنا للمشروع الزراعي.
علاوة عن ذلك، توفر كثافة الزراعة وتنوعها العاليان، غطاء حيويا أخضر لكل سطح التربة، وبالتالي يمنعان الأعشاب من النمو، فضلا عن بلورة بيئة طاردة، غير مناسبة، للعديد من الحشرات الضارة التي تفضل الانفراد بالنباتات المتباعدة. إلا أنه، ومع ذلك، تكمن الخطورة التي لا بد من التنبه لها، في إصابة صنف معين أو أكثر من النباتات بالآفات التي يحتمل أن تنتقل إلى نباتات أخرى، من خلال الاحتكاك المباشر بين الأوراق والساق، أو بواسطة الجذور المتقاربة، فضلا عن أن الكثافة الزائدة للمزروعات، تعمل على رفع نسبة الرطوبة بين النباتات التي تزيد احتمالات تعرضها للأمراض الفطرية والبكتيرية.
وتعتبر زراعة النباتات المختلطة، أو المترافقة، جزءا أساسيا من الزراعة المتنوعة والمتداخلة. وتساهم هذه التقنية في إعاقة وردع الآفات، وضبط انتشارها، وذلك من خلال زراعة نباتات مختلفة ومتنوعة بعضها مع بعض، بشكل متداخل، بحيث تخدم وتعزز بعضها بعضا في عدة اتجاهات، بشكل تكافلي، ودون أية منافسة فيما بينها، علما بأن المنفعة قد تكون متبادلة بين النباتات المترافقة أو من طرف واحد. إذ إن نباتات عديدة تنمو بشكل أقوى لدى زراعتها بجوار نباتات أخرى. فمثلا "القريص" يعمل على تثبيت النيتروجين في التربة، وأوراقه تتساقط وتتحلل بسرعة مفرزة مادة دبالية مخصبة جدا للتربة ومشجعة لتواجد وحركة ديدان الأرض المفيدة.
وبالنتيجة، فإن النباتات التي تتعايش جنبا إلى جنب مع القريص تكون صفاتها أقوى، ويعتبر القريص نباتا مرافقا للنباتات التي تحتوي على الزيوت، مثل الميرمية والسمسم والنعنع وغيرها، حيث يعمل القريص على زيادة إنتاجها للزيت بنسبة تصل إلى 80%.
وتختلف آلية عمل النباتات المختلطة أو المترافقة، من مجموعة نباتية لأخرى. فهناك نباتات مترافقة يقوي بعضها بعضا، كأن تفرز جذور بعض النباتات موادا معينة وتطلق أوراقها روائح خاصة تعمل على تقوية نمو النباتات الأخرى المجاورة. كما أن بعض النباتات تفرز من أوراقها وجذورها كيماويات تعمل على تقوية النباتات المترافقة معها.
ويزود بعض النباتات الأخرى التربة بالنيتروجين ويثبته فيها، وبالتالي فإن مثل هذه النباتات تفيد النباتات المجاورة لها، علما أن البكتيريا المثبتة للنيتروجين تتجمع حول الجذور وبالتالي تثبته للنبات المجاور.
كما أن النباتات ذات الجذور العميقة تفيد النباتات ذات الجذور السطحية؛ إذ إن النباتات ذات الجذور العميقة تعمل على سحب الماء والعناصر الغذائية من المنطقة السفلى، وتُحْضِرَها إلى المنطقة السطحية، من خلال تساقط أوراقها التي تتحلل وتوفر الغذاء للجذور السطحية في النباتات المجاورة، فضلا عن تسرب العناصر الغذائية من الجذور العميقة إلى الجزء القريب والمحيط بالجذور السطحية.
وتعتبر بعض النباتات طاردة أو مربكة للحشرات الضارة. فنباتات الزينة ذات الرائحة القوية مثلا تعمل على إرباك أو طرد الحشرات الضارة لبعض النباتات الأخرى المجاورة. وتعمل النباتات ذات الأشكال المختلفة على إرباك الحشرات الضارة؛ إذ كلما ازدادت النباتات المترافقة تنوعا من حيث أشكالها، قلت الآفات.
وتجعل بعض النباتات، النباتات الأخرى المجاورة لها غير مرغوبة للحشرات الضارة؛ ذلك أن جذور هذه النباتات تفرز مواد كيماوية منفرة لبعض الحشرات الضارة، والتي، أي الإفرازات المنفرة، يتم امتصاصها من قبل النباتات الأخرى المجاورة التي تعمل على طرد الحشرات الضارة.
هناك أيضا نباتات تكافح بعض الأمراض الفطرية، حيث تفرز بعض النباتات، كالبصل والثوم، مواد تعمل على مكافحة بعض الأمراض الفطرية في النباتات المجاورة لها، كفطر اللفحة الذي يصيب البطاطا.
وتعمل بعض النباتات كمصائد للآفات والحشرات الضارة، إذ تعتبر بعض النباتات مرغوبة لبعض الآفات أكثر من غيرها، بحيث تتجمع الآفات على هذه النباتات؛ الأمر الذي يسهل مراقبتها والقضاء عليها، علما أن النباتات التي تعمل كمصائد توفر غذاءً "مغريا" للحشرات الضارة بعيدا عن المحاصيل الأخرى.
ومن بعض الأمثلة حول زراعة النباتات المترافقة، نذكر ما يلي:
زراعة البندورة مع النعنع المنفر للحشرات.
زراعة البصل والثوم مع البطاطا والملفوف، حيث يفرز البصل والثوم مواد تعمل على مكافحة فطر اللفحة الذي يصيب البطاطا وفطر "اسكوهيتو" الذي يصيب الملفوف.
زراعة البقدونس والجزر مع البطاطا والملفوف.
زراعة الفاصوليا مع الزعتر أوالبابونج أوالنعنع أوالميرمية.
زراعة البطاطا مع الجرجير.
زراعة الكوسا واليقطين مع الذرة.
زراعة البازلاء مع الريحان والفول.
زراعة الباذنجان مع الميرمية والبابونج والحبق.
زرعة الجزر مع الميرمية والريحان والزعتر.