خاص بآفاق البيئة والتنمية
فيروس "كورونا" المستجد أثار الهلع في العالم كله، ودفع عديداً من الدول لإعلان حالة الطوارئ، واتخاذ خطوات استثنائية. ولم تكن فلسطين المحتلة بمنأى عن هذه التطورات، وأعلنت خطوات تدريجية، توجتها في الـ 22 من آذار الماضي بإجراءات صارمة؛ لمنع انتشار الوباء. تكمل (آفاق) مواكبة فيروس كوفيد 19، وتبحث عن كيفية إدارتنا لأزمته من شتى جوانبها، والنجاح والإخفاق في مجابهة وباء يهدد البشرية، وما هي الإمكانات الطبية المتوفرة، وأبرز ما كشفته الأزمة محلياً.
|
أثار فيروس "كورونا" المستجد الهلع في العالم كله، ودفع عديداً من الدول لإعلان حالة الطوارئ واتخاذ خطوات استثنائية، ولم تكن فلسطين المحتلة بمنأى عن هذه التطورات، فأعلنت خطوات تدريجية، توجتها في الـ 22 من آذار الماضي بإجراءات صارمة؛ لمنع انتشار الوباء. تكمل (آفاق) مواكبة فيروس كوفيد 19، وتبحث عن كيفية إدارتنا لأزمته من شتى جوانبها، والنجاح والإخفاق في مجابهة الوباء، وما هي الإمكانات الطبية المتوفرة، وأبرز ما كشفته الأزمة محلياً.
كنموذج عن قربٍ لعمل وزارة الصحة، لا تكف هواتف مسؤول الطب الوقائي في جنين، د. عبد الله أبو حطب عن الرنين معظم الوقت، ويتلقى الكثير من التحديثات مصدرها غرفة العمليات حول آخر المستجدات، ويرسل أسماء أشخاص مشتبه بإصابتهم للفحص، ويتابع إجراءات الحجر المنزلي ويصدر إفادة للأجهزة الأمنية بانتهاء الأسبوعين عن المتعافين، كما يرسل عينات للفحص.
أكدّ أبو حطب أن الوفيات بفعل الأنفلونزا الموسمية تفوق مثيلاتها في "كورونا" التي لا تتعدى 5% عالميا، وسهلة العلاج بإتباع أساليب وقائية، ومضاعفة الاهتمام بالنظافة الشخصية، وتفادي العطس والسعال دون منديل، والتقيد بالمسافات الآمنة من متر إلى مترين. لكنه في ذات الوقت، أشار إلى أنه انتشر بسرعة بفترة حضانة تمتد في بعض الحالات إلى 37 يومًا كما في الصين.
وأوضح أن الفيروس يؤثر على ضعيفي المناعة وكبار السن، أما الشباب والأطفال فيمكن أن يصابوا بالفيروس من غير أن تظهر عليهم أعراضه." واستدل على ما حدث لموظفي الفندق ببيت جالا، وغالبيتهم شبان، ولم تظهر عليهم أية أعراض، في المقابل نُقل ثلاثة من كبار السن، وتعافوا. أما مصاب طولكرم، يضيف أبو حطب، فلم تظهر عليه إلا السخونة والزكام. فيما يتم علاج أول حالة بنابلس لستيني كان عائداً من ألمانيا.

ووفق أبو حطب، فقد خضع حتى الـ 18 من آذار الماضي 201 شخص في جنين للحجر المنزلي لأسبوعين، وفيه يعزل المريض بغرفة منفردة، ويقدم له الطعام من وراء الباب، ويجري تعقيم دورة المياه بعد استخدامه لها، مع اراتداء كمامة للمريض، وحرص الأهل على تعقيم المنزل، واستخدام الأواني البلاستيكية، ولا يتم تقديم أي علاج لهم إلا حسب الحاجة. ويرسل غير الملتزمين إلى أريحا.
وأفاد: "تعقيم المناطق المفتوحة كالشوارع لا علاقة له بعدم انتشار الإصابة، والأهم الوقاية والحرص على النظافة الشخصية".

أخذ عينة لمحجور فلسطيني في المنزل
إعلام تنموي ولكن...
وقالت مديرة مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت، نبال ثوابتة إن شكل الإعلام الذي نريد في الأزمة الراهنة "لم يتبلور بعد، ولم نحدد أولوية المطلوب". وتساءلت: هل المرجو القصص الإنسانية، وأحاديث الموت والخوف، أو المتاجر التي تشهد اكتظاظًا غير مسبوق؟ أم الحديث عن الجوانب الإيجابية في قدرة الناس على التأقلم؟ أو سرد حالات التعافي، والتزام البعض في الحجر البيتي؟ أو تتبع الدور والداء الحكومي المنفتح والشفاف مع الأزمة، عبر اللجنة الإعلامية والضخ اليومي للمعلومات؟
وأوضحت أن تفرعات "إعلام أزمة كورونا" كثيرة، ما يخلق حالة إرباك، وصعوبة السيطرة على ضخ المعلومات، لأن الموضوع ليس إعلامًيا فقط، بل الحصول على المعلومة والشفافية، وقدرة الحكومة على إدارة الأزمة.
وأكدت ثوابتة أن المركز حرص على تدريب وتأهيل صحافيين على قضايا تغطية إدارة الصراع، ولكن في السنوات الثلاث الماضية بدأ التفكير بالعمل في "إعلام إدارة الأزمة" إثر تطورات الإعلام الاجتماعي، والحراك النقابي، واتجهنا لـ"صحافة الحلول"، التي تركز على الإيجابية في التغطية، والقدرة على التعامل مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والقوانين، وأن يكون الإعلام جزءًا من الحل لا المشكلة.
وأشارت إلى تجربة الإعلاميين في بيت لحم، الذين "أدوا دورًا مهنيًا، وتجاوزوا ذلك بمهام إغاثية وإنسانية"، وهذا يفتح باب النقاش أيضًا حول حدود دور الصحافيين وقت الأزمة.
وحول الأداء الإعلامي للأزمة الراهنة، أوضحت ثوابتة أن المشكلة تكمن في ضخامة ما ينشر، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي، وهو يتطلب منا "غربلة" الأحداث والقصص.
وأوضحت أن إعلام الأزمات يختلف حسب "شكل الكارثة التي يعالجها"، والصعوبة أننا نحارب "شبحًا"، ولا نمتلك تجارب سابقة لنقرر الشكل المثالي للتعامل معه، وقد أشارت إلى دراسة كندية قاست حالة الهلع والرعب، المرافقة لفايروس "كوفيد 19".
ورأت ثوابتة أن وجود وسائل تواصل اجتماعي عقّد من الأزمة، وساهم في نشر الهلع، والتأثير على السلوك الاستهلاكي، ففي حوادث وكوارث سابقة لم نكن نسمع ونقرأ، ولم نعش حالة خوف وقلق كاليوم.
وقالت: أثبتت أزمة "كورونا" حاجتنا إلى إعلام تنموي يكون هو القائد الفعلي للمشهد الإعلامي، ولو كانت لدينا خطة لإعلام من هذا النوع، لوصلنا إلى وضع شائعات أقل، وأضرار بحدودها الدنيا، وسريان أفضل للمعلومة.
بنية طبية فقيرة
وبحسب المُحاضرة بكلية الطب وعلوم الصحة في جامعة النجاح وعضو الجمعية الأمريكية للعلوم الجنائية، د. بسمة الضميري، فإن المؤسسة الطبية في فلسطين تفتقر إلى البنية التحتية الكافية للتعامل مع وباء كورونا، فكبار السن في حال إصابهم بالفيروس يحتاجون لغرف عناية مكثفة، وأوكسجين، وهو ما لا تملكه السلطة.
وقالت: "جرى اتخاذ إجراءات إيجابية عديدة كإغلاق المدارس والجامعات والمساجد، لكن من يقف خلف إدارة الأزمة غير مؤهل تمامًا".
وعرضت الضميري تجربتها الشخصية، فقد وضعت نفسها منذ 7 آذار في حجر منزلي اختياري، عقب عودتها من مؤتمر علمي في دبي، واتصلت أثناء وجودها على الجسر بمسؤولي الطب الوقائي في محافظة طولكرم لفحص فوري، إلا أنهم لم يشددوا على قدومها، فأكدت لهم مجدداً بأنها كانت في دبي ومرت بمطارين، وشاركت في مؤتمر حضره أكثر من 100 شخص من دول عديدة، فأخبرها مسؤول الطب الوقائي مجدداً أنه لا داعي للفحص ما لم تظهر عليها الأعراض. وبعد اتصالها بمدير الصحة وتكرار طلب فحصها، اتصلت بها ممرضات وأرشدنها إلى تعقيم يديها واستعمال الكلور والبقاء في الحجر البيتي، دون فحصها!!
وقالت: "هناك عدم خبرة كافية في التعامل مع الفيروس، إذ يظن العاملون في ملف "كورونا" أن المصابين يجب أن تظهر عليهم أعراض، وهذا غير دقيق، فمن تظهر عليهم الأعراض هم 80% فوق سن 55 عامًا و20 % دون الـ 55، وهناك صغار سن يحملون المرض وينقلونه لغيرهم، دون ظهور أعراض عليهم، وهو ما حدث في الصين، حين تناقل المرض أفراد الأسرة الواحدة.
وأفادت أن وزارة الصحة تعتبر الحرارة فقط مؤشراً للإصابة بالمرض، وهذا ليس دقيقًا. كما أن فريق الطب الوقائي في طولكرم صغير ولا يستطيع السيطرة على محافظة فيها 200 ألف عامل، وتنقصنا بالعموم غرفة عمليات مركزية لإدارة الأزمة، تكون إحدى أذرعها غرفة للطب النفسي.
وتخشى الضميري أن تكون الحالة المكتشفة في طولكرم، منتصف آذار، قد تسببت بنقل العدوى إلى حالات أخرى، كما تشكك في الأرقام المعلنة من الجهات الرسمية، ففي كل دول العالم هناك ارتفاع كبير في الأعداد، وربما تحاول المؤسسة الصحية التقليل من حجم المصابين؛ لكي تبث الطمأنينة بين الناس، أو أن تكون هناك إصابات لا يعلم بها أحد. وعلينا تقديم معلومات دقيقة وموضوعية خاصة أعداد المصابين؛ لتقديم رسالة وتحذير للآخرين.

الشرطة الفلسطينية تدقق على السيارات في الشوارع
المطلوب إدارة سليمة
وأضافت: "الحل العاجل فرض حظر تجوال لأسبوعين، وخلال هذه المدة إما أن يتغلب الشبان حاملو المرض على الفيروس، أو أن تظهر عليهم أعراضه، ويذهب إليهم الطب الوقائي، وبذلك نحاصر المرض، ونجري الفحص للعمال داخل الخط الأخضر."
ووفق الضميري، هناك عدوى أفقية ورأسية ينقل المصاب العدوى للعشرات، فيما أثبتت الأزمة الراهنة حاجتنا إلى تخصص في علم الأوبئة والصحة العامة، وهو ما نفتقده. وعلينا أن نعمل في القاعدة الذهبية لعلم الأوبئة التي تطلب " أن نتعامل مع غيرنا على أنهم مصابين، ونتصرف كأننا نحن مصابون"، فالفيروس يبقى بعد العطس 12 ساعة على الجلد والملابس، وقرابة 9 أيام على البلاستيك.
وأفادت أن 81% من المصابين لا تظهر عليهم أعراض أو أعراض خفيفة، كما أن الفحص مهم جدًا، فسبب سيطرة كوريا الجنوبية على المرض أكثر من أمريكا؛ لأن الأولى لجأت إلى فحص 4000 من كل مليون مواطن، بينما امريكا لجات لفحص 5 فقط من كل مليون. واذا كانت نتيجة الفحص سلبية، فهذا لا يعني أن المفحوص غير مصاب، بل يجب حجره وإعادة الفحص بعد 14 يومًا.
واختتمت الضميري: "السؤال الذي أود من وزيرة الصحة أن تجيب عليه، لماذا كل المصابين هنا لم يسببوا عدوى لمن حولهم حسب تقارير وزارة الصحة على عكس ما يحدث في كل دول العالم؟ "
عادات اجتماعية وفراغ
وقال المختص بالفيزياء الذرية والإشعاعية د.عدنان جودة، إن قدرتنا على مواجهة المرض جيدة، ولكن ينقصنا الالتزام بتعليمات الوقاية وعدم الاستهتار. ورأى أن "كورونا" أظهرت أهمية النظام في حياتنا وكشفت سلبيات بعض العادات المتوارثة كالمصافحة باليدين والتقبيل اللتين تعدان من طرق انتقال الفيروسات، ويمكننا الاستفادة من هذه الأزمة بإعادة النظر في عاداتنا والتخلص مما هو سلبي.
وأقترح استثمار وقت الأطفال من خلال حثهم على التعلم الذاتي ومتابعة دروسهم، والتعليم الإلكتروني، واستغلال حديقة المنزل لما لها من أثر اقتصادي، ولمواصفات منتجاتها الخالية من الملوثات.
وأضاف: "تبدو قدراتنا الصحية جيدة. حتى الآن أعداد المصابين وكذلك المحجورين تعتبر قليلة نسبيًا. الاختبار الحقيقي لقدراتنا الصحية يكون في حال ارتفع عدد الإصابات لا سمح الله".

فحص درجة الحرارة لمشتبه بالإصابة بفيروس الكورونا
تحليل نفسي واجتماعي
وطالبت الأخضائية النفسية، وعضو فريق الدعم النفسي والاجتماعي ببت لحم، د. كفاح مناصرة، بضرورة إيجاد برامج تدخل عاجلة، تساهم في توعية الوالدين بكيفية التصرف في الظروف الصعبة وخلال المكوث الطويل في المنزل، وطرق التعامل السليمة مع الأطفال، وجعل الآباء أكثر قربًا منهم بمعنى أن لا يتركوا المنزل ويبقوا أطفالهم فيها لوحدهم.
وأوضحت أن "الأفراط في الحرص على الأطفال، وإجبارهم على الالتزام بمعايير السلامة العامة"، تحول في بعض الحالات إلى ممارسة العنف. بل علينا ممارسة الحذر الاعتيادي بسلام وهدوء كي ننقل هذه المهارات إليهم، وحتى يتشكل وعيهم بالأزمة من طرق إدارتنا لها.
وأضافت أن الأهالي في المناطق الريفية، التي يعتاد الأطفال على اللعب فيها طويًلا خارج بيوتهم، وفجأة أصبحوا رهائن المنزل، سيجدون صعوبة كبيرة في التأقلم، وإمضاء وقت الفراغ الطويل.
ورأت أن وسائل التواصل الافتراضي ليست حلًا بل مشكلة، إذا يمضي أفراد الأسرة وقتهم عليها دون حوار حقيقي، وهو ما يخلق أزمة تستوجب علاجًا. وتتطلب التصرف مع الأطفال كشركاء في النجاة الجماعية لا ضحايا.
وقالت مناصرة إن بداية أزمة الفيروس في بيت لحم سهلت مهمة تعميمها لمحافظات أخرى، وأعطت البقية متسعًا من الوقت للاستعداد، واستطاعت بيت لحم تقديم نموذج منضبط إلى حد ما، واستطاعت تجاوز الأزمة، وعلى الأهل في المحافظات الأخرى البدء بتهيئة أطفالهم لكيفية الالتزام بالحجر البيتي
وأختتمت أن المطلوب إدارة أزمة كبار السن، الذين يعانون بشكل مزدوج إذ يتعرضون لقلق صحي حول إصاباتهم بالفيروس، كما يمسهم التهديد الاقتصادي، الذي يهدد مستقبلهم، بفعل تداعيات الأزمة.
آراء مواطنين
وقال التربوي المتقاعد عوني ظاهر إنه لو كان مسؤولًا لطبق القوانين، ولفرض غرامات فورية على المخالفين. وأنتقد عدم اتخاذ إجراءات وقائية خلال اجتماعات لجان الطوارئ في بعض المحافظات، الذين يظهرون في قاعات مزدحمة.
وبحسب الإعلامي محمد عزموطي، فقد أثبت الفلسطيني قدرة جيدة في التعامل مع الأزمات ما ساهم في القدرة الفردية على مواجهة تفشي الفيروس. ورأى أن الفراغ في هكذا وقت حرج "معضلة" لعدم وجود طريقة ممنهجة لإدارته من الأفراد. فعادة ما يتم قضاء الفراغ بشكل عشوائي، وهذا ينتج عنه أعباءً تنعكس سلبًا على العلاقة مع الآخرين، وتفريغ الطاقة السلبية عند الآباء.
وأضاف بأن ثقافة الاكتفاء الذاتي غير موجودة رغم توفر إمكاناتها، فهي بحاجة إلى تحضير يسبق الأزمات، لكنها غير مكلفة ويكفي للأسرة أن تدبر أمرها من حديقة المنزل، وتخزن مؤنها، وتوفر المياه ووسائل الطاقة لأوقات الطوارئ.
ورأى المشرف التربوي محمد ملحم أن درس الاكتفاء الذاتي في هذه الأزمة مهم جدًا، فعلينا تقليل الإسراف في الطعام والشراب، والاعتماد على مأكولات نصنعها بأيدينا، والعودة إلى الأطباق التراثية المنزلية، والحد من "الطعام الجاهز القاتل.
تجربة حجر ذاتي
وأدخل الصحافي محمد دراغمة نفسه في حجر وقائي، بعد عمله في بيت لحم، وعاش 14 يومًا في البيت. وقال إنه لم يدخل المكتب ولم يزر أحدًا، وتجنب حضور حفل زفاف إبنة أقرب الناس له، ولم يذهب إلى طوباس لتقديم واجب العزاء بوفاة والد أقرب الأصدقاء، وقرأ كثيرًا، وشاهد الأفلام السينمائية، وأعجبه الحجر المنزلي. "إنه إجازة، وفرصة للتأمل والقراءة والبحث والتفكير والتعرف على أفراد العائلة وعلى النفس." هكذا لخّص دراغمة.
aabdkh@yahoo.com