خاص بآفاق البيئة والتنمية
أطلق مدير عام مجلس الزيت والزيتون، فيّاض فيّاض، قبل 11 سنة، فكرة تدشين بنك وطني للزيت في فلسطين، هدفه الرئيس جمع الزيت وحفظه بطريقة مناسبة، والمساهمة في تسويقه بطريقة مُنظّمة، وامتلاك مخزون وطني إستراتيجي من هذا السائل.
وقال لـ (آفاق) إن هذا البنك يأتي في مكانته بعد بنوك الدم، ويسبق المصارف التقليدية؛ كونه يتخصص في التعامل مع شجرة لها قيمة اقتصادية ووطنية، ولها مكانة اجتماعية أيضًا.
واللافت بحسب فياض، الذي ولد قبل سبعة عقود لأب ولجد سرى حب الأرض في عروقهما، وأسسا معصرة في دير الغصون بطولكرم عام 1927؛ فإن فكرة البنك التي عبّر عنها في مقالات صحفية وأحاديث إعلامية، وتدوينات عبر منصات التواصل الاجتماعي، انتقلت للنقاش مطلع 2020 في مجلس الوزراء، بعد عرضها من قبل وزير الزراعة.
تعبئة زيت الزيتون في عبوات بلاستيكية يعد من أسوأ المسلكيات غير الصحية الشائعة
أرقام وأزمة
واستعرض أرقامًا متصلة بإنتاجية الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من الزيت؛ ففي 2019 كانت الكمية 30 ألف طنًا، وفيها لم تستطع فلسطين الوفاء بالالتزامات التجارية، وتعرض تصدير الزيت لأسواق العالم لأزمة، وارتفع سعر الكيلو إلى 35 شيقلًا.
وقال إنه طالب في 2009، بإنشاء بنك للزيت، وعرض الفكرة على وزير الزراعة حينها، إسماعيل إدعيق، الذي اقتنع بها، وأعلن الشروع في تطبيقها في 2010. وفي ذلك العام ارتفعت الإنتاجية إلى 24 ألف طن، وتراوحت الأسعار بين 20-25 شيقلاً للكيلو، لكن تعذر إكمال الخطة لإشكالات واجهت الوزير.
وذكر فيّاض أن إنتاج 2011 كان 21 ألف طن، وفي 2012 قفز الرقم إلى 23 ألف طن، وأصبح لديهم فائض زيت، وهبط سعره في 2013 إلى أقل من 20 شيقلًا للكيلو، وتراجعت فكرة إنشاء البنك مرة أخرى.
وبحسب مدير عام مجلس الزيت والزيتون، فإن احتياجنا الوطني، وفي "قنواته الأربع" كما اسماها: السوق الداخلي (13-16 ألف طن)، والخليج العربي 4 آلاف طن، والهدايا للأردن ألف طن، وللتصدير الخارجي قرابة ألفي طن، تُحقق في بعض السنوات، مع سعر معقول بين 22-25 شيقلًا للكيلو.
وتابع: "في 2018 كانت الإنتاجية 14730 طنًا، وهو أقل من احتياجنا، وفي 2019 واجهتنا مشكلة سوء جودة المنتج، وعدم القدرة على تصديره، وهذا العام لدينا فائض نعجز عن تسويقه".
تعبئة وتخزين زيت الزيتون في عبوات بلاستيكية يسيء لجودة الزيت ولصحة المستهلك
مخزون احتياطي
وشرح فيّاض أهداف البنك، وأولها "إيجاد مخزون وطني إستراتيجي من الزيت"، سواء للتصدير أو "الأمن الغذائي"، ويكون بمعزل عن التصرف، بغض النظر عن أداء المحصول. وهو ما يشبه احتياط النفط.
وتابع: "إذا ما أسسنا بنك زيت وطني، ووضعنا احتياطيًا مناسبًا، فسنوفر ما يحتاجه السوق المحلي والخارجي، فما يهمنا الأمن الغذائي، واقتصاد المزارعين والتجار."
ورأى أن البنك سيحلّ مشكلة تخزين الزيت الخاطئة في المنازل والذي يقلّل من جودة الزيت، فيصبح غير قابلٍ للاستهلاك.
واستعرض مثالًا على التخزين البيتي الرديء، ففي إحدى الورش، طلب المدرب من 50 مشاركًا عينات زيت من مخزونهم، وأرسلها في اليوم التالي للفحص، ولم تنجح أي عينة منها. والحال ينطبق على غالبية الزيت، الذي ما أن ترتفع درجات الحرارة في آذار إلا وتتراجع جودته، وفي تموز يحدث به تحولات فيزيائية وكيميائية مع تخزينه في عبوات بلاستيكية، وحتى في عبوات لمبيدات كيماوية، مع تراجع طاقة مصنعي التنك الوحيدين الإنتاجية والتشغيلية.
فياض فياض مدير عام مجلس الزيت والزيتون
ضبط الأسعار
وأشار إلى أن وظيفة البنك تحديد تسعيرة ثابتة للزيت الذي يشتريه من المزارعين، وقيمة بيعه للمستهلك، ففي تونس مثلًا يجري تسويق الزيت عالي الجودة هذا العام بعبوات 5 لترات، وبسعر 7 شواقل للتر.
وقدم فيّاض وصفًا للبنك، الذي يضم خزانات كبيرة إما أرضية أو خارجية من الفولاذ غير القابل للصدأ (ستانلس ستيل)، يمكن للمزارع إما بيع محصوله للبنك، أو تخزينه فيه بمقابل، للحفاظ على جودته، والتخلص من استعمال العبوات البلاستيكية، وتنظيم تسويقه.
وأضاف: "كشف موسم 2019 عيوبنا، وهشاشة بنيتنا التحتية، وعجزنا عن التعامل مع 30 ألف طن، ودون شك لن نستطيع التعامل مع 40 ألف طن زيت نخطط لها، ولكن لو وصل إنتاجنا إلى 50 ألف طن، وتماشت الأسعار مع السوق العالمي، يمكن تسويق الكمية في إيطاليا بسرعة كبيرة، وهي كميات قليلة، فكل إنتاج المناطق الفلسطينية عام 1967 لا يصل إلى ما تنتجه شركة تونسية أو تركية واحدة".
وقال فياض، الذي يدير المجلس منذ عام 2004، وترأّس اتحاد الجمعيات التعاونية لعصر الزيتون: "التعامل مع الزيوت في تركيا وتونس مختلف، فمعظم المزارعين يبيعون إنتاجهم يوميًا من الثمار لشركات، تعصرها بشكل جماعي، وتحصل على زيت موحد".
وأوضح أن تحديد موقع البنك يمكن أن يكون في جنين أكبر منتج للزيت بنحو 25%، أو الخليل، ويسبقه تأهيل البنية التحتية وإقامة شبكة خزانات ضخمة تستوعب 500 طن.
ولخص فياض، الذي سجل علامة تجارية باسم العائلة من مؤسسة طلال أبو غزالة: "نتكبد خسائر كبيرة لغياب بنك زيت، تبدأ بجودة المنتج، وصعوبة تصديره، وتذبذب أسعاره، وتفاوته من منطقة لأخرى، وتوحيده، وسيبدأ طلب الزيت وفق حموضته وجودته، وليس وفق المنطقة، وسيكون بوسع المستهلك شراء ما يرغب به، وسنتخلص من العبوات البلاستيكية القاتلة، ويتم تصنيع عبوات صحية للمستهلك".
وختم بالقول: "بنك الزيت مهم إذا ما انطلق، فسيوُقف التهريب، ويُنهي الغش، وسيطوّر كل الخدمات والاستشارات المتصلة بالزيت وشجرة الزيتون".
aabdkh@yahoo.com