منسقة مؤسسة FAN البيئية
لقد حدد سبحانه وتعالى للبشرية جمعاء قاعدة إلهية في كيفية التعامل مع الميت الآدمي، وهي مطبقة عند معظم الناس، أو كل من يؤمن بعقيدة دفن الموتى في التراب منذ أرسل الله سبحانه وتعالى الغراب لابن آدم عليه السلام{{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}}(المائدة:31)
وهو من الطيور، علم للإنسانية كيفية التصرف في جثث موتاهم، لحكمة إلهية، هناك من يفسرها بما يسمى بدورة الحياة لأي كائن حي، وخلال دورة الحياة هذه يتم المرور بعدة مراحل لا يمكن للكائن أن يتجدد مرة أخرى بدون اكتمال هذه الدورة بدليل قوله تعالى {{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}})طه55 )
ورغم أن هذا الدرس موجود بين أيدينا في رسالتنا الخاتمة ونقرأه كثيرا ونسمعه كثيرا، ولكننا كمسلمين لا نعمل به، لإهمالنا وتجاهلنا وهجرنا لآيات القرآن الكريم، ولا نطبق الدرس ولا نستفيد منه، على الرغم من أهميته وخطورته علينا وعلى حياتنا وعلى البيئة التي نعيش فيها.
يبقى السؤال مطروحا لماذا لا ندفن الحيوانات الميتة جراء مرض أو حادث في التربة..؟ مثلما ندفن الموتى من بني الإنسان .
معظم الناس يلقون الحيوانات الميتة في المجارى المائية أو المستخدمة في الري والشرب، على الرغم من تأكدهم أن هذه المياه تروى منها أراضيهم الزراعية التي يأكلون منها، وتأخذ منها محطات المياه المسئولة عن تنقية وتحليل المياه لضخها في أنابيب مياه الشرب، ورغم تعرضهم لروائح كريهة جدا عند المرور بالقرب من هذه الحيوانات الميتة وهي ملقاة على الطرقات أو أمام مكبات النفايات، أو يتم حرقها بطرق غير سليمة. فإنهم لا يأبهون بكل هذا ويكررون نفس الخطأ، ولا يدركون أن وجود هذه الحيوانات على الطرقات وفي المياه سيضر بهم آجلا أم عاجلا.
فإلى أي متى يُمكن أن تستمر البيئة في مقاومة كل هذا العبث؟
مع العلم، أن دفن الحيوانات الميتة في التربة الزراعية أو غير الزراعية له فوائد عظيمة جدا، فلو تم دفن هذه الحيوانات الميتة في التربة الزراعية؛ فسيساهم تحللها في زيادة خصوبة التربة حيث توفر للتربة جميع العناصر الموجودة في جسم الحيوان، وستكون بمثابة السماد العضوي من ناحية، ويمكن بعد مرور الزمان والعمر أن تكون ثروة للأجيال القادمة في صورة بترول.
فإذا كنا نستخدم فضلات (روث) البهائم في تسميد الأراضي الزراعية باعتباره سماداً عضوياً هاماً جداً يضيف للتربة المزيد من العناصر العضوية الطبيعية، فلماذا نبخل بدفن الحيوان كله عند موته لتكون الفائدة أكبر وأفضل.؟ مع تجنب الأضرار الناتجة عن إلقاء الحيوان الميت في الطرقات أو حرقه.
للأسف مثل هذه الثقافة منعدمة داخل مجتمعاتنا، فهي تحتاج لبرامج وحملات إعلامية كبيرة من السلطات لتوعية الناس ونشر الوعي الكافي بفوائد دفن الحيوانات في التربة، ومعرفة أضرار هذه السلوكيات الخاطئة المدمرة من عدة نواحي:
- أنها تضر بالثروة السمكية
- تضر بصحة الإنسان؛ وذلك بسبب تلوث الهواء الجوي وكذلك تلوث مياه الشرب
- انتشار الأمراض والفيروسات والأوبئة
- فقدان مصدر هام من مصادر تسميد التربة
أضف إلى ذلك، أن دفن الحيوان الميت يدخل في باب إزالة الأذى ورفعه، خاصة إذا كنا نتضرر منه، فالواجب شرعا دفنه.
لهذا، يجب علينا كمسلمين أن نكون قدوة حسنة في سلوكياتنا وجميع تصرفاتنا؛ وخصوصا ما تم شرحه وتوضيحه في كتاب الله القرآن الكريم، ولأننا كمسلمين أهل وأصحاب هذه الرسالة الخاتمة، فيجب علينا أن نكون قدوة ونكون أكثر الناس التزاما بها وتطبيقا لها كما فعل خاتم النبيين عليهم جميعا السلام، ومن هنا كان الرسول قدوة لنا جميعا لأنه طبق شرع الله "القرآن الكريم".
هنا سيتساءل البعض في حالة عدم إتاحة الأماكن القائمة للدفن؟؟؟
هناك طريقة جداً عملية، وتعرف بالتحلل العضوي، هذه الطريقة انتشرت جراء قدرتها على التخلص من جثة الحيوان الصلبة دون أخذ مساحة أو إحداث تلوث كبير في البيئة، فهي تُفقد الجثة أكثر من ثلاثة أرباع حجمها، وكأنها تُبخرها للهواء دون أن تُحدث أي تأثير فيه، وهو ما يُمكن اعتباره بالطبع عبقرية شديدة وطريقة غير تقليدية للتخلص من الجثث النافقة.
تعتمد طريقة التحلل العضوي بشكل كبير على التخمرّ، وأيضًا المواد الدقيقة التي تكون متواجدة ضمن المكونات الخاصة بهذه العملية، والحقيقة أنه مع مباشرة العملية تبدأ المواد الموجودة في جسم الجثة بالتحلل، بل ويتحول أغلبها إلى مواد مفيدة مثل المواد المُستخدمة في السماد العضوي، والواقع أن تلك الطريقة يُمكن وصفها بطريقة إعادة الكائنات إلى حجمها الطبيعي، وهو ما يظهر من حجم النفايات الذي تُخلّفه، والذي لا يتجاوز الـ25% من الحجم الطبيعي.
وفي الأخير أحب أن أشير، أن نسبة الحيوانات الميتة تزداد عاماً تلو الآخر بما لا يقل عن 20%، وهذا بالتأكيد بسبب كثرة الأمراض وأيضا بسبب الإبادة التي تنتهجها البلديات بتسميم الحيوانات الضالة والمتشردة أو قتلها بالرصاص، لهذا يلزمنا الكثير من التفكير وحساب الخسائر والأرباح سواء بالنسبة للبيئة أو بالنسبة لنا.