"المطر نعمة"، ودائمًا ننتظره، إلا أن خسائر كبيرة تكبدها المزارعون، الذين بكروا في المحاصيل الصيفية، فتلف الكوسا، والبامية، والفقوس، وتبخر أمل أصحابها في تسويق منتوجاتهم مبكرًا بسعر مرتفع. الأمطار هذا العام كشفت ضعفنا، وللأسف لا أحد يقف في صف المزارع، ولا تحظى الزراعة بالدعم الكافي لاستمرارها. أدت الأمطار الغزيرة إلى انجرافات في التربة، وشكلت سيولًا، وغرق سهل صانور في معظمه، وقد يأتي شهر حزيران دون التمكن من زراعته. كما غرقت بعض الحقول بالكامل، ولم ينجح البعض في الوصول إلى أرضهم مثل سهل دير بلوط. وهذا يستدعي التفكير في أنماط زراعية صيفية جديدة. الأرض هذا العام لم تجف لتتم حراثتها جيدًا، وأخذت الأعشاب تنمو بشكل متسارع، وسارع مزارعو شرق جنين في زراعة القمح بشكل مبكر، ما أدى إلى تضرره. المشكلة ليست في القمح والحمص والبازيلاء فقط، بل في حقول الزيتون التي لم يتمكن أصحابها من حراثتها أو تعشيبها، واضطر كثيرون لاستخدام مبيدات الأعشاب، ذات الآثار السلبية. الأمطار كلها إيجابية، وتغذي المخزون الجوفي، لكنها تؤجل الزراعة والحراثة في مواعيدها المعتادة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
الأضرار الناجمة عن الأمطار الغزيرة |
تابع المزارع وجيه الدبك الأضرار المتلاحقة في محصولي البازيلاء والحمص، بسبب غزارة الأمطار. وقال، وهو يتفقد محصوله إن معظم حقول الأغوار الشمالية وطوباس تضررت بسبب الأمطار الغزيرة، وبفعل الأنماط الزراعية الخاطئة، فقد أصيبت البازيلاء بعفن السيقان، أما الحمص فتعرض للفحة "الأسكوكيتا" بنحو 90%، وأتلفت الكثير من المساحات، وخاصة التي لم يرشها أصحابها.
وأضاف: عالجت أعراض اللفحة أكثر من مرة، وفي كل واحدة أدفع مبالغ كبيرة. وكان بإمكاننا تفادي هذا الوضع لو زرعنا الحمص في أوانه، لكننا بكّرناه بنحو شهرين، وهذه من المرات النادرة التي تتلف محاصيلنا، وقد وصلتنا طواقم وزارة الزراعة، ولم نحصل على تعويض جراء الخسائر.
وأبدى المزارع الأربعيني محمد أمين، قلقله على محصول القمح، فقد زرع 120 دونمًا في سهل عرابة، لكن معظمها غرق من شدة الأمطار، وأصبح يفكر ببديل.

الأمطار الغزيرة أغرقت العديد من الأراضي الزراعية الفلسطينية
تلف
وقال: "المشكلة أن الخيارات محدودة، المحصول تلف في معظمه، ولم تعد الأرض تستوعب كميات مياه إضافية، وأصّفر لون القمح، وليس أمامنا سوى خيار الحمص البلدي والسمسم، وهي عمليًا زراعات غير ذات جدوى؛ بسبب الاستيراد".
وتابع أمين: "يحتاج الدونم الواحد إلى 20 كيلو غرامًا من البذار، ويتطلب حراثة، وسمادًا، في العام الماضي ضّمنا الأرض لشركات تصنيع الفريكة، وتلقينا عن كل دونم 750 شيقلًا".
وأوضح أن الخسارة الكبيرة، هي ضياع فرصة زراعة محصول بديل، وتضرر الدورة الزراعية التي كنا نعد لها، وخسارة تكلفة الزراعة.
وتابع: "المطر نعمة، ودائمًا ننتظره، وهناك خسائر كبيرة تكبدها المزارعون، الذين بكروا في المحاصيل الصيفية، فتلف الكوسا، والبامية، والفقوس، وتبخر أمل أصحابها في تسويق منتوجاتهم مبكرًا بسعر مرتفع".
في قلب سهل عرابة، أحصى المزارع "زيدان خلف" خسائره في محصول البطاطا، فقد تحول حقله إلى بركة ماء لم تجف إلا حديثًا.
وأفاد: "خسرت ثلث الموسم، وتعرضت التقاوي للعفن من كثرة الأمطار، وسأجد صعوبة في إعادة زرع المحصول، ولم يبق عندي غير 30 دونمًا سليمة، بعد أن فقدت 20 منها".
ومضى خلف:" الأمطار هذا العام كشفت ضعفنا"، وللأسف لا أحد يقف في صف المزارع، ولا تحظى الزراعة بالدعم الكافي لاستمرارها".

العديد من الأراضي الزراعية تضررت بسبب غزارة الأمطار
تأخير
وأكد مدير عام الإرشاد في وزارة الزراعة، صلاح البابا، بأن الوزارة لم تتلق حتى إعداد التقرير إحصاءات حول حجم الأضرار في القطاع الزراعي بسبب الأمطار الوفيرة.
ورجح أن تكون الأضرار طفيفة، ولا تستدعي دفع تعويضات؛ لأن القانون يشترط أن تكون الأضرار ناجمة عن عوامل طبيعية، وتتسببُ بخسارة أكثر من 20 % من إنتاج الموسم.
وأفاد البابا أن الوزارة "لا تتعامل مع الخسائر الطفيفة". مشيراً إلى اتخاذ مزارعي منطقة مرج صانور احتياطاتهم مبكرًا، حيث يتفادون الزراعة الشتوية فيه، ويتوجهون إلى المحاصيل الصيفية.
وأشار إلى أن التأخير في زراعة المحاصيل الربيعية أمر لا مفر منه هذا العام، بسبب وفرة الأمطار وتوزيعها الجيد وتغذيتها للمخزون الجوفي.
ومضى البابا: "الموسم هذا العام سيتأخر، وبالفعل تفادى بعض المزارعين محصول الخيار؛ لمصادفة قطافه مع شهر رمضان، ولغياب الأيدي العاملة، واتجهوا إلى الزراعات الممكن حصادها آليًا كالبطاطا الصناعية والاستهلاكية".
وتوقع أن لا يتكبد المزارعون خسائر فعلية جراء التأخير، وأن لا يتم دفع تعويضات عن الخسائر بفعل شدة الأمطار؛ لأنها تتصل بقرار مجلس الوزراء، وتتطلب توفر سيولة نقدية.
وتابع البابا: سيكون هناك تحويل لبعض الزراعات، كما سيجري استبدال الخيار التقليدي بـ"الخيار البيئي" في الدفيئات.
وأوضح أن تدخلات الوزارة إرشادية، فتعمم قبل المنخفضات الجوية وخلالها سُبلَ تقليل الخسائر، من خلال تعميم رش المحاصيل ببعض المبيدات.

غرق الأراضي الزراعية كشف هشاشة القطاع الزراعي
حلول
وبيّن عضو الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الفلسطينيين، والأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب، جمال خورشيد، بأن الشتاء الحالي شهد هطولات ممتازة، وتوزيعًا وانتظاماً خفف على معظم المزارعين من مدخلات الإنتاج، وقلّت الأوبئة والحشرات والديدان.
وتابع: "أدت الأمطار الغزيرة إلى انجرافات في التربة، وشكلت سيولًا، وغرق سهل صانور في معظمه، وقد يأتي شهر حزيران دون التمكن من زراعته، كما غرقت بعض الحقول بالكامل، ولم ينجح البعض في الوصول إلى أرضهم مثل سهل دير بلوط. وهذا يستدعي التفكير في أنماط زراعية صيفية جديدة".
وزاد خورشيد: "تعمل وزارة الزراعة وشركاء على إطلاق صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعية، وهو يتحدث عن الأضرار جراء التغيرات المناخية كالرياح، والسيول، والصقيع، والجفاف، أو استهداف الاحتلال، فيما يجري حصر الخسائر بموظفين مزودين بتقنيات إلكترونية حديثة، تعطي إشارة عن إحداثيات الموقع، ويجري إدخال اسم المنتج، ونوع الضرر، ثم يصلُ إلى قيمة التعويض".

غرق الأراضي الزراعية
يعمدُ مزارعون وفق خورشيد لتبكير زارعة الحمص؛ لتحقيق سعر مرتفع بداية الحصاد، لكنهم يتناسون أنه محصول شبه صيفي، يزرع منتصف شباط، وفي هذا العام، يكمل خورشيد، تضرّر كثيرون بسبب اللفحة، وتطلب الأمر استعمال علاجات مكلفة.
ووفق خورشيد، فإن الحاجة تتطلب أخذ احتياطات لازمة لتقليل أضرار الأمطار والرياح والصقيع، وعدم الإسراع في تبكير المحاصيل.
وأضاف: "تسببت الأمطار في الكثير من المناطق في أضرار لبعض المحاصيل كالقمح، والحمص، والبازيلاء، كما ستؤخر زراعة المحاصيل الصيفية كالخيار، ولن يستطيع المزارع الحصول على إنتاجية عالية، وستنتشر الحشرات والآفات بشكل كبير في الزراعات المتأخرة، وسيضطر لاستخدام مُفرط للكيماويات الضارة بالبيئة والإنسان".

غزارة الأمطار كشفت هشاشة القطاع الزراعي الفلسطيني
خسائر
وتابع خورشيد: "إذا لم يتمكن الفلاحون من زراعة مواسمهم في موعدها، فهم على قوائم المتضررين، وملتزمون بتعاقد مع شركات إسرائيلية لتسليم المحصول في وقت محدد، وبعضهم يحصل على مبالغ مقدمة، وفي هذا الوضع يحتاجون إلى تعويضات، كما أن زراعة المساحات بمحصول آخر، كالبندورة، يعني كسادها.
وقال سفيان غنام، وهو صاحب مشتل، إن عدم جفاف الأرض، وحراثتها وهي رطبة سيؤدي إلى تأخير في استلام الأشتال، وأحيانا إتلافها، وزراعة أخرى جديدة، وهذا يعني تكلفة إضافية، وخسارة وقت الموسم، ما سينعكس على الإنتاج. وتابع إن الشتلة الواحدة تكلف 3 أغورات، ويحتاج الدونم الواحد قرابة 1500 منها.
وأفاد منسق مركز العمل التنموي / معا في جنين، م. حسن أبو الرب أن الأرض هذا العام لم تجف لتتم حراثتها جيدًا، وأخذت الأعشاب تنمو بشكل متسارع، وسارع مزارعو شرق جنين في زراعة القمح بشكل مبكر، ما أدى إلى تضرره.
وأضاف: "المشكلة ليست في القمح والحمص والبازيلاء فقط، بل في حقول الزيتون التي لم يتمكن أصحابها من حراثتها أو تعشيبها، واضطر كثيرون لاستخدام مبيدات الأعشاب، ذات الآثار السلبية".
وفق أبو الرب، يبدأ موسم الزراعات الشتوية منتصف شباط في غالبية مناطق جنين، لكن هذا العام تأخرت الزراعة أكثر من شهر، ما يعني أنها لن تكون في وقتها.
وبحسب أبو الرب، فإن الأمطار كلها إيجابية، وتغذي المخزون الجوفي، لكنها تؤجل الزراعة والحراثة في مواعيدها المعتادة.
وقال: غرق المحاصيل الشتوية كالقمح، يعني أن "الخيارات ضيقة للبدائل"، ولا يمكن التفكير إلا في أنواع محددة كدوار الشمس، والسمسم، وهي محاصيل أقل إنتاجية من الخضروات.