توصيل المفاهيم البيئية بأنشطة محببة... "جو جرين شباب" المبادرة التي أبكت رئيسة حزب الخضر السابقة
مبادرة فلسطينية مقرها "القدس: "جو جرين شباب" استطاعت تشجيع الاهتمام بالبيئة وثقافة تقليل الاستهلاك وخطَت خُطاها الأولى في هذا الجانب بمؤشرات واعدة. المبادرة البيئية لكي تجذب الأطفال والشبان تم تغليفها بإطار محبب لهم، وتم تقريبها لهم من خلال الفن سواء الرسم، الدراما، الرياضة وغيرها من الأنشطة. تدرك المبادرة أن الشباب والأطفال أصبحوا مرتبطين بهواتفهم الذكية أكثر من أي شيء آخر، فتراهم مزروعين ببيوتهم وكأنها داخل علب كبريتية ضيقة، لا يمارسون الأنشطة الرياضية أو يستكشفون العالم الخارجي من حولهم، لذلك؛ وثورةً على هذه العادات الآخذة بالتزايد، سعت المبادرة إلى تنظيم فعاليات لتشجيع الخروج من المنزل وتنفس الهواء النقي والعودة للألعاب الشعبية التقليدية، بمشاركة أهاليهم في مسعى لتقليص الفجوة الاجتماعية التي نشأت بين الآباء وأبنائهم مع التقدم التكنولوجي.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
أطفال مقدسيون أثناء زراعتهم الأشتال في حديقة مبنى إسعاف النشاشيبي |
كي تستطيع أن تقنع طفلاً بأن يترك هاتفه الذكي أو لعبة الفيديو المفضلة لديه ليمارس ألعاب أبيه وجده في حاكورة البيت. وأن يخرج من قمقمه المريح "المنزل" ليزرع شتلة ويعيد تدوير قنينة بلاستيكية؛ فهو ليس بالأمر الهيّن، لكن مبادرة فلسطينية مقرها "القدس" جو جرين شباب" استطاعت تشجيع الاهتمام بالبيئة وثقافة تقليل الاستهلاك وخطَت خُطاها الأولى في هذا الجانب بمؤشرات واعدة وفق مؤسسها "إبراهيم شهوان".
شهوان الذي عمل لسنوات طويلة كمدرب للتسويق الدولي ومدير إقليمي في شركة عالمية لحلول الطاقة مقرها فرنسا، يرأس منذ سنوات في مدينة رام الله إدارة "المجلس الفلسطيني للأبنية الخضراء".
هذه الخبرة المتراكمة في البيئة، وإيمانا من شهوان بدور الشباب والنشء الصغير في هذا الصعيد، جعله يطلق في عام 2015 مبادرته التنموية "جو جرين شباب" معلناً أن البيئة التي تشغل اهتمام العالم أجمع ولا تعرف الحدود والتقسيمات، يجب أن تكون في سلم اهتمام الشباب الفلسطيني أيضاً.

ابراهيم شهوان مؤسس جمعية جو جرين شباب يحلم بأن يرى الشباب عطوفا على بيئته وحاميا لها
"مبادرتنا البيئية لكي تجذب الأطفال والشبان غلّفناها بإطار محبب لهم، فلم ندخل عليهم بدايةً ومعنا كمّ من المفاهيم البيئية البعيدة عن اهتماماتهم، بل قربناها لهم من خلال الفن سواء الرسم، الدراما، الرياضة وغيرها من الأنشطة.
كرة قدم خضراء
أول نشاط نظمته الجمعية كان بإقامة بطولة كرة قدم في أحد ملاعب رام الله، لم تكن المباراة تقليدية بالمعنى الحرفي بل تخلّلها بصمات بيئية، حيث حصل الفريق الفائز على شجرة ليزرعها بدلاً من الكأس، وأثناء اللعب كان الفريق الذي يدخل في مرماه هدف يتم تعويضه باحتساب هدف موازٍ إن قام أعضاء الفريق بزراعة 5 شتلات في خمس دقائق. "تلك كانت طريقة إبداعية لاختراق اهتمام الشباب بمدخل محبب لهم كالرياضة". يقول شهوان.
ثلاثة محاور
المحطة الثانية كانت مع مدرسة فلسطين الأمريكية في البيرة، حيث تم اختيار 26 طالباً لتنفيذ مشروع " نحو فلسطين خضراء" حيث قُسموا إلى ثلاث مجموعات تم اعتماد محاورها مستقبلاً في كل أنشطة الجمعية. كل مجموعة أنيط بها دورٌ معين، الأولى: الهندسة عبر تنفيذ نشاطات متعلقة بإعادة تدوير الأخشاب والبلاستيك لبناء نماذج مختلفة من أهمها بيت بلاستيكي لزراعة النباتات، يستفيد منه طلبة الحضانة والمدرسة.
القسم الثاني مسؤول عن حملات الوعي، عبر تعميم الممارسات البيئية من المدرسة للمجتمع فالحي وهكذا دواليك، وذلك من خلال الفعاليات الفنية كالدراما والأنشطة المتنوعة.
أما المجموعة الأخيرة فهي تلك المسؤولة عن الإعلام البيئي بالتعاون مع مؤسسات إعلامية محلية ودولية، حيث يقوم الطلبة بمحاكاة عمل الإعلامي المتخصص بهدف إيصال صوت الجمعية وتعزيز الوعي البيئي فلسطينياً.

دمية مصنوعة من الجوارب المعاد استعمالها
"آن الأوان" تحصد جائزة
أثمرت جهود "جو جرين" عام 2016 حين تمت دعوة عدد من الطلبة لحضور مؤتمر دولي في فرنسا، فازوا على إثرهِ بجائزة الإبداع البيئي بعد أن عرضوا مسرحية "آن الأوان يا إنسان" والتي قامت بأدائها طالبات من مدرسة راهبات الوردية في القدس.
تحاكي المسرحية أبرز قضية عالمية بيئية "التغير المناخي وثقب طبقة الأوزون" التي تعتمد على الرقص والغناء دون وجود حوار عادي. مدتها 11 دقيقة. أبطالها أربعة: منجم أبو فحمة، بزنس أبو دولار، كسارة أم غبرة، الحرامي ثاقب الأوزون، حيث يحدث بينهم صراعٌ نتيجة الجشع على الأرض، الأخيرة التي تصرخ عليهم وتتساءل بغضب عما يريدون منها؟ ولكن في النهاية، تعطي المسرحية الأمل مع دخول براعم صغيرة تغنّي للطبيعة من طيور وزهور وشجر.
علامة فارقة من القدس
كانت مدرسة راهبات الوردية في القدس نقطة البداية في المدينة المحتلة حيث تم تنفيذ مشروع بيئي بمشاركة ما يزيد عن الـ 40 طالبة، جرى فيه تصنيع بيت بلاستيكي من 6 آلاف قنينة ولوح أخشاب معاد تدويره، زرع بداخله نباتات ذكرت في الديانات السماوية، واستخدم الخشب المتبقي في صناعة كراسٍ وطاولات ومواد للديكور.
في القدس مثلاً، يُكمل شهوان، تم تصنيع حاويات حديدية لوضع القناني البلاستيكية عند عدد من المدارس والمحلات التجارية والتي يتم جمعها بعد مدة وإعادة تدويرها في أنشطة الجمعية.

الإيطالية جراتسيا فرانشيسكاتو عضو البرلمان الأوروبي بكت تأثرا أثناء مشاهدتها مسرحية الأطفال- آن الآوان يا إنسان...
هم عالمي
وبالنسبة لأولويات الشعب الفلسطيني ووضع البيئة في ذيل اهتماماتهم أكد شهوان الحاصل على الشهادة العليا في إدارة الجودة من فرنسا هذه الحقيقة، وقال:
" (الأم الأرض) للجميع وتؤثر علينا بلا تفرقة، نعم البيئة ليست أولوية في مجتمعاتنا العربية، وهنا يكمن التحدي والصعوبة بالنسبة لنا".
وأشار إلى أن التغير المناخي يؤثر على الجميع وارتفاع استهلاك الطاقة الاحفورية سيقلّل من نسبة الأوكسجين بالجو في عام 2050، حيث سترتفع نسب غاز ثاني أكسيد الكربون، لذلك يجب العمل من أجل حماية الأرض وتحقيق الاستدامة.
تنفذ الجمعية نشاطات ومخيمات طوال العام لتمول نفسها بنفسها، حيث لم تتلقَ الجمعية أي دعم مالي من مؤسسات رسمية أو أهلية أو قطاع خاص، ولا تسعى أساساً لذلك، يقول شهوان: " لا نريد أن نستجدي أحداً أو نرهن نشاطاتنا واستمراريتنا بالدعم المالي، نحن نصدّر فكرة الإدارة الذاتية للتمويل حتى نضمن استدامة مشروعنا وبقائه".
مصادر تمويل الجمعية وفق شهوان تتمثل بتجميع رسوم المشاركة في المخيمات والورش وبيع قمصان ودفاتر بشعار الجمعية.

بناء علاقة بين الأطفال والأرض من خلال جمعية جو جرين
من علب الكبريت إلى الحواكير
تدرك الجمعية أن الشباب والأطفال أصبحوا مرتبطين بهواتفهم الذكية أكثر من أي شيء آخر، فتراهم مزروعين ببيوتهم وكأنها داخل علب كبريتية ضيقة، لا يمارسون الأنشطة الرياضية أو يستكشفون العالم الخارجي من حولهم، لذلك؛ وثورةً على هذه العادات الآخذة بالتزايد، سعت الجمعية إلى تنظيم فعاليات في أريحا وبيت لحم ضمن مشروع "حاكورة" لتشجيع الخروج من المنزل وتنفس الهواء النقي والعودة للألعاب الشعبية التقليدية مثل: الجلول، السبع حجار، طقة وأجري، بلابل، بمشاركة أهاليهم في مسعى لتقليص الفجوة الاجتماعية التي نشأت بين الآباء وأبنائهم مع التقدم التكنولوجي.
يستخدم شهوان الإبداع في نشر الثقافة البيئية، فنظم العام الحالي في القدس مخيماً باسم "سوبر كيدز" بمشاركة 100 طالب وطالبة، حيث تعلم فيه الأطفال الطبخ والأشغال اليدوية والزراعة، وذلك لتقريبهم أكثر من فكرة الإنتاج والعطاء أي المعنى الحقيقي للإنسان الصديق للبيئة.
يضيف شهوان: "كنت أسألهم بعد الورشات: هل أمهاتكم سعيدات بما تتعلمون؟ وكان ردهم بالإيجاب، حيث أضحى الأطفال يعتمدون على أنفسهم أكثر، ويمارسون أنشطة منتجة في بيوتهم، من هنا انطلقتُ بدوري للفكرة الأعم، وقاربت لهم الأمر وأخبرتهم: كذلك أمكم الثانية "الأرض" تكون سعيدة كلما أعطيتموها مثلما تعطيكم".
من لبنان إلى فلسطين
شهوان لا يعترف بالحدود الجغرافية أو الظروف التي تعيق التواصل بيننا وبين الدول العربية، هو مستعد للتجربة دائماً والمبادرة لخدمة "جو جرين شباب" لذلك تواصل مع أبناء الفنان اللبناني الراحل وديع الصافي" وطلب منهم حقوق استخدام أغنية والدهم الشهيرة "خضرا يا بلادي خضرا" حيث أعاد توزيعها وقام بتصويرها على طريقة الفيديو كليب بمشاركة فرقة دبكة فلسطينية وسط طبيعة البلاد المكسوة بالخضرة.
"بهذه الأغنية الشهيرة والتي يحبها الملايين، أردتُ أن أروّج للسياحة البيئية وأهمية الحفاظ على أرضنا وتراثنا ما يعزز الصمود ويقوي روابط الانتماء للوطن". يتحدث شهوان عن أسباب اختياره لهذه الأغنية التي يغنيها ويرقص عليها شباب الجمعية في مناسبات مختلفة.
بعد ثلاث سنوات ونصف من تأسيس الجمعية، وإثر العديد من الفعاليات والأنشطة والمؤتمرات المحلية والدولية، يرى شهوان أن متطوعي "جو جرين" أصبحوا أكثر نضجاً وفهمًا للمضامين البيئية كتدوير النفايات، كفاءة استهلاك الطاقة، التلوث البيئي.

نشطاء جمعية جو جرين في أريحا
الطموحات
يتطلع شهوان لمزيد من الانتشار فلسطينياً على المستوى الجغرافي والنوع الاجتماعي وكافة الفئات العمرية، حيث سيستهدف في مشاريع مستقبلية الأمهات كونهن الأقدر على نشر الثقافة البيئية والمتقاعدين من كبار السن، وسيتوجه للأندية الرياضية وليس فقط المدارس، بل سيتم طرق جميع الأبواب.
وحول حالة مجتمعية تحصر الاهتمام بالبيئة في النخب أو الطبقات المخملية المثقفة، أكد شهوان انه يحاول الخروج من هذا القالب من خلال أنشطة للفئات متوسطة الدخل وتحت المتوسطة، أي في المخيمات والقرى والمناطق النائية. يلفت شهوان: "هم أصحاب أفكار جميلة ومتحدثون رائعون ويثرون أي نقاش أو لقاء، ولا يمكن تحقيق تنمية بيئية من دونهم".
أكثر ما يمد مؤسس الجمعية بالدعم هو فرحة طفل أثناء أدائه نشاطاً بيئياً، وسعادة أهله بمهارة جديدة يكتسبها ولدهم بعيداً عن كسل التكنولوجيا، ولا يستطيع شهوان أن ينسى دموع السياسية الإيطالية ورئيسة حزب الخضر سابقاً جراتسيا فرانشيسكاتو حين رأت مسرحية " آن الأوان يا إنسان"، وذلك تأثراً بحماسة الشابات الفلسطينيات للدفاع عن البيئة.
"كلما أسير من أمام حديقة مبنى إسعاف النشاشيبي في القدس، والذي تم زراعته من قبل أطفالنا وأراهُ مزهواً بالورود والشتلات اليانعة، وأجد بالصدفة الطفل الذي زرع شتلته يمرُّ ليسقيها، أرى الأمل أكبر من أي تحدٍ". يختم شهوان.