خاص بآفاق البيئة والتنمية

العنب الخليلي
عرضت يسرى شاهين بضاعتها من الملّبن "الحلوى المصنوعة من عصير العنب" في الأيام التسويقية لمهرجان "الشهد في عنب الخليل"، الذي تنقل بين محافظات الوطن، وحط قبل أيام في جنين.
وقالت: أصنع هذه الحلوى منذ 30 سنة، وأحرص على اختيار عنب بلدي لعصره وتصفيته من الشوائب، وأضيف السميد والمكسرات إلى الملبن بعد سكبه. وللأسف، هذه الحلوى لا تجد من يشتريها، كما في الخليل والقدس ورام الله، ولا نعرف تسويقها في القدس بسبب الحواجز والحصار.
وزادت: ورثت الصنعة من أمي، التي تعلمتها من جدتي، وهي أفضل من الحلويات التي نستوردها، أو نصنع معظمها من السكر، أو الأصناف التي لا نعرف كيف تُصنع وتتسبب لنا بأمراض لا تُحصى.

شكري سلطان
70 ألف دونم
ووفق إحصاءات وزارة الزراعة تمتد مساحات العنب فوق 70 ألف دونم في محافظات الضفة وغزة، 40 ألف منها في الخليل وبيت لحم وحدهما، و8 في غزة، وأرقام متواضعة في جنين، تنتج مجتمعة 50 ألف طن لا يُصدر سوى ربعها إلى الأردن، وتذهب نحو 20% منها لصناعة الملبّن والدبس والزبيب.
وأفاد مدير عام زراعة محافظة جنين م. باسم حماد، خلال افتتاح اليوم التسويقي إن 17 صنفًا من العنب منتشرة في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، فيما وزعت الوزارة 120 ألف شتلة منه، ضمن مشاريع تخضير فلسطين المتواصلة منذ 2008.
وأشار وكيل الوزارة عبد لحلوح إلى أن التسويق هو الحلقة الأخيرة في سلسلة الإنتاج الزراعي، فيما وصل عدد السلع الزراعية التي تُصدر من فلسطين إلى 60 دولة. وتابع: تولي الوزارة أهمية كبيرة لتطوير البنية التحتية للقطاع الزراعي، وتبنت إدخال أنماط حديثة لتلبية احتياج السوق المحلي من الفاكهة.
وأوضح لحلوح إن الحكومة تضع الزراعة على رأس اهتماماتها، وبدأت بإنشاء صندوق درء المخاطر والتأمينات الزراعي، وستطلق في بداية العام المقبل "المؤسسة الفلسطينية للإقراض الزراعي" وتعفي المزارعين من ضريبة الدخل، وفعّلت نظاماً لاسترداد ضريبة القيمة المضافة ( بـ 70% للإنتاج النباتي، و50% للحيواني) منذ سنوات.
وتابع: اتخذت الحكومة قرارات بحماية المنتج الوطني، حيث شددت على الإجراءات القانونية لملاحقة المخالفين، وستطبق عقوبات رادعة ضد مهربي السلع الفاسدة.

محمد سلطان يعرض عنبه الخليلي في مهرجان جنين
أزمة حادة
ورأى الباحث المختص بقضايا الزراعة مازن غنّام بأن غالبية المحاصيل، ومنها العنب، تعاني أزمة حادة في التسويق تعود لأسباب عديدة، فتكاليف النقل مرتفعة، وحجم المنتج الزراعي كبيرٌ بطبيعته ما يضاعف التكلفة، كما أن البنية التحتية للتخزين والتبريد ضعيفة.
وقال لـ(آفاق): الأصل البدء بتنظيم فاعل وسريع وعملي للتسويق لأنه "المرحلة الأهم" في كل العملية، ويجب تلبية حاجة السوق المحلي على مدار العام من المحاصيل المختلفة، وهي عملية تبدأ بتنظيم زراعة الأصناف، وتفعيل نظام التخزين والتبريد، وتنتهي بالوصول إلى المستهلك.
وأكد أن السوق المحلي ينقصه "إدارة نظام جيد للتعبئة والفرز والتدريج للأصناف المختلفة"، وصولًا إلى تحقيق النتائج المرجوة، ودعم القطاع الزراعي الذي يعاني بفعل إغلاق الأسواق الخارجية، وعدم سهولة الوصول إلى الأسواق المحلية.

نايف محارمة يعرض إنتاجه من السمن البلدي
موسم خجول
وراح الستيني شكري سلطان يروج لعنبه، ووصف أداء الموسم الحالي بـ"الضعيف"، بسبب الأمطار المتأخرة، وعوامل الطقس التي "سممت الإنتاج"، وانتشار الآفات بشكل كبير، خاصة "البياض الزغبي" و"البياض الدقيقي".
ويعمل سلطان منذ نحو 50 عامًا في مزرعته التي تضم 8 أصناف أهمها الزيني، الذي وصفه بـ"ملك العنب دون منازع، وسيد المزرعة".
ووصف خالد بربراوي، القادم من حلحول التسويق بـ "مشكلة المشاكل، والقلق الدائم"، فالأسواق الخارجية مقفلة، ومنذ 30 سنة لم يتحرك عنب الخليل بحرية، ولو توفر التصدير لكانت الأحوال أفضل مئة مرة.
واشتكى من منافسة العنب الإسرائيلي اللابذري للأنواع التقليدية، وأشار إلى غياب أصناف عنب أصيلة، كالشيوخي والجندلي، التي كانت منتشرة في الخليل، لكنها اختفت بفعل الأحوال الجوية وموجات الحر المتكررة.
وأخذ السبعيني نايف محارمة يعرض بضاعته التقليدية من الجميد والسمن البلدي والزبدة، لكنه اشتكى قلة الزبائن، فهذه السلع "لا شعبية لها في جنين ونابلس وطولكرم، والمناسف فيها تكاد لا تُعرف".
وسرد: نصنع السمن البلدي والجميد منذ سنوات طويلة، وقديمًا كنا نخضه على أيدينا، وقبل سنوات قليلة صارت العملية آلية، لكننا حافظنا على منتجنا التقليدي الخالي من الدهون الصناعية، وللأسف الزبائن تذهب إلى السلع الأجنبية والمستوردة وتتخلى عن منتجاتنا التراثية.

يسرى شاهين تعرض إنتاجها من الملبن في الأيام التسويقية لمهرجان الشهد في عنب الخليل بمدينة جنين
استيطان وعطش
ووقف محمد راضي سلطان، الذي يقترب من عقده الثامن، بجانب زاويته وسط جنين، وقال: أعمل في العنب منذ 60 عامًا، منذ كنت في الرابعة عشرة، بعد وفاة والدي. وتحاط مزرعتي بمستوطنتي "كريات أربع" و"خارصينا".
وقال: عشت بين العنب، وزرعت كرومًا عام 1956 على مساحة 40 دونمًا، وعندي أصناف عديدة منها الحمداني، وهناك أنواع تنقرض.
وتابع: سرق منا الاحتلال بعض الأنواع، وهجنوها دون بذور مثل الحلواني، وهم يروونها ونحن نتركها بالعطش، ولو توفرت المياه لتضاعف الإنتاج كثيًرا. وأرفض استخدام الأسمدة الكيماوية وأستعمل "الزبل العربي"، ونعاني كثيرًا خلال موسم التسوق، والدونم الناجح يعطي 4 أطنان، وحتى يكون الموسم معقولاً يجب أن لا يقل السعر عن 4 شواقل.
وأضاف: التسويق هو "أبو المتاعب كلها"، وأيضًا الأيدي العاملة غير متوفرة بكثرة، وهي مرتفعة الأجور ويطلب الواحد 150 شيقلًا في اليوم ولا نجد.
وقالت هدى صلاح، وهي ربة بيت زارت الأيام التسويقية: العنب له مذاق مختلف، وهذه ثالث مرة أزور فيها هذا المهرجان، وأسعاره أقل من السوق، لكن الثمار لا تصمد فترة طويلة حتى في الثلاجة، وبعضها يعفن ويتلف، وهذا ربما كان أحد المؤشرات على أن كل زراعتنا وعنبنا فيه مواد كيماوية.
aabdkh@yahoo.com