صراع حاد في جنوب إفريقيا بين الأقلية البيضاء التي تملك معظم المزارع والأغلبية السوداء التي لا تملك سوى نسبة هزيلة منها

جنوب أفريقيا/خاص: تقول الموظفة السوداء نتابيسينغ تشيفينغا "نعيش مكدسين مثل السردين بينما يعيش البيض على أراض مساحتها هكتارات. أعيدوا لنا أرضنا!"، قبل أن تدوي عاصفة من التصفيق في قاعة للحفلات التي اكتظت بالحضور في فيرينيغينغ.
وأوضحت ربة العائلة وهي ترفع قبضتها ان "أجدادنا رأوا كرامتهم تسرق من قبل المستوطنين المتوحشين" الذين استولوا على أراضيهم. وتابعت أن "غالبية السكان من السود وما زلنا الأفقر.. نعم لمصادرة الأراضي بلا تعويض!".
ومع اقتراب الانتخابات العامة في 2019 تعهّد رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامابوزا تسريع عملية إصلاح نظام ملكية الأراضي التي تهدف إلى "تصحيح ظلم تاريخي خطير" ارتكب حيال الأغلبية السوداء خلال فترة الاستعمار ونظام الفصل العنصري (الابارتايد).
وقال رئيس الدولة ان "الأقلية البيضاء التي تمثل اليوم 8% من السكان تملك 72% من المزارع مقابل "4% فقط للسود الذين يشكلون 80% من سكان البلاد".
ويلقى القرار ترحيب عدد كبير من السود، لكنه يثير قلق البيض، كما أثبتت حوالي ثلاثين جلسة مناقشات عامة عقدها البرلمان بين يونيو/حزيران وأغسطس/آب الماضي، وكان بعضها صاخبا.
وأكدت الممرضة السوداء تسابينغ رامالوبي التي تحدثت في تجمع في فيرينيغينغ أنها تدعم المشروع. وتساءلت هذه المرأة الثلاثينية "لماذا ندفع تعويضاً لأشخاص لم يحصلوا على الأرض بطريقة قانونية؟"، معتبرة أن مشروع الإصلاح تأخر كثيرا. وتابعت "هل ننتظر حربا أهلية لحل المشكلة؟"، مشيرة إلى عمليات عديدة لغزو أراض وقعت في الأشهر الأخيرة خصوصا في مناطق المدن.
في "قاعة المآدب" في فيرينيغينغ التي تبعد حوالي ساعة عن جوهانسبورغ، لم يكن عدد الكراسي كافيا لاستقبال آلاف الأشخاص الذين حضروا لإسماع صوتهم. في الصف الأول جلست نساء بأزياء تقليدية على الأرض.
وأوضح عضو في البرلمان فنسنت سميث "لدى كل واحد منكم ثلاث دقائق ليتكلم"، مشيرا بذلك إلى طريقة العمل الديموقراطي.
وقال الوسيط، الذي سلم البرلمان في الثامن والعشرين من آب الماضي تقريرا يوصي بتعديل الدستور، أن "البعض يرغبون بشدة في القول أنهم يريدون هذه الأرض أو تلك. لكن هذا ليس المكان المناسب. إذا فشل الاجتماع، فلن يؤخذ صوتكم في الاعتبار في خلاصاتنا".
وحذرت كارلي ديني (37 عاما) وهي بيضاء كانت تقرأ ملاحظات دونتها على ورقة من أن "تجربة زيمبابوي علمتنا أن المصادرة بلا تعويض فكرة كارثية".
وأضافت أن "سكان زيمبابوي ما زالوا يدفعون الثمن اليوم مع سنوات من التراجع الاقتصادي"، مشيرة إلى سياسة الإصلاح الزراعي التي أطلقها في العام 2000 الرئيس حينذاك روبرت موغابي.
وجاءت كارلي لتتحدث باسم والدها الذي يدير مزرعة مساحتها مئة هكتار وتملكها العائلة منذ خمسة أجيال. وصفق لها قلة من البيض الذين حضروا الجلسة. وقال أحدهم جون نوت وهو مربي ماشية "نحن جميعا دفعنا ثمن أراضينا ولم نسرقها".
وكان المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم منذ انتهاء نظام الفصل العنصري، تعهد بإعادة توزيع الأراضي. لكن ادوارد فون بودنستين المعارض لمشروع الرئيس قال إن الإصلاح "هو فشل ذريع بسبب الفساد ونقص الإرادة السياسية".
وفي تقرير نشر مؤخرا، دان رئيس جنوب أفريقيا الأسبق كغاليما موتلانتي العضو في المؤتمر الوطني الأفريقي التقدم الضئيل الذي سجل في إعادة توزيع الأراضي وذكر الأسباب نفسها.
وفي حديثه أمام الاجتماع دعا مفوفانا منغوني، رجل الأمن الأسود الذي يبلغ من العمر 38 عاما، الحضور بألا ينخدعوا، وقال "هذا الإصلاح سيستفيد منه من جديد مسؤولو الحكومة وليس القاعدة في جنوب أفريقيا" لكن روزلين سيغا (67 عاما) رفضت الإصغاء إليه، وقالت وهي تبكي "منذ أن ولدت لم أر قطعة أرض واحدة يمكنني أن أسميها بيتي".
أما خيتيسا خابو، المسؤول المحلي في الحزب الراديكالي "المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية"، فقد قال "نحن لا ندعو إلى إبادة البيض، لكن الأرض ملكنا. سنفعل ما بوسعنا لاستعادتها". وأضاف "نحن جالسون على قنبلة موقوتة". وقد جعل حزبه الذي جذب الذين خيب حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أملهم، من الإصلاح الزراعي واحدة من أولوياته مما يشكل ضغطا على حزب نلسون مانديلا.
لكن كونستانس موغالي، من التحالف من أجل ديموقراطية ريفية، وهي مجموعة منظمات تدافع عن عمليات مصادرة الأراضي بلا دفع تعويضات، فترى أن هذا الجدل خاطئ أساسا. وتقول أن الدستور يسمح بالاستملاك بلا دفع تعويضات، مكررة بذلك رأي الكثير من الخبراء. وأوضحت في ختام جلسة فيرينيغينغ أن "المشكلة هي التقصير في تنفيذ الدستور والقوانين" وأن "تغييرها سيستغرق وقتا طويلا ولن يعيد الأرض إلى الناس". وقالت "إنها مجرد ذرائع انتخابية" قبل اقتراع 2019.