فعالية "الساحة".. مساحة اجتماعية متنوعة للعودة إلى التراث والأسواق التقليدية
أكثر من 40 فردا ومؤسسة ومجموعة شاركوا في فعاليات العروض الثقافية والأكلات الموسمية والحلول الصامدة والحكايا والموسيقى الفولكلورية والسوق البديل، والتي كان مركزها ساحة مركز بلدنا الثقافي في وسط مدينة البيرة، للفت أنظار المارة إلى حياة كان يعيشها أجدادنا وشارفت بعض أنماطها على الإندثار. مئات المواطنين إنخرطوا في الفعاليات وتذوقوا مأكولات فلسطينية قديمة وشاهدوا عروضا متنوعة من التراث، وتسوقوا منتجات وصناعات فنية، ومجوهرات تقليدية وملبوسات تراثية، ومنتجات حقلية وبذور بلدية، ومواد غذائية.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
أطعمة بلدية تراثية في فعالية الساحة |
عروض ثقافية، أكلات موسمية، حلول صامدة، حكايا، موسيقى فولكلورية، وسوق بديل، كلها زوايا كانت في إطار فعالية "الساحة" التي نظمتها مؤسسة دالية المجتمعية بالتعاون مع مبادرة "شراكة" للحفاظ على الموروث الزراعي وبلدية البيرة لمدة يوم واحد في أواخر شهر نيسان.
أكثر من 40 فردا ومؤسسة ومجموعة، شاركوا في الفعالية التي كان مركزها ساحة مركز بلدنا الثقافي في وسط مدينة البيرة، للفت أنظار المارة إلى حياة كان يعيشها أجدادنا وشارفت بعض أنماطها على الإندثار. مئات المواطنين إنخرطوا في فعالية الساحة وتذوقوا مأكولات فلسطينية قديمة وشاهدوا عروضا متنوعة من التراث، وتسوقوا منتجات وصناعات فنية، ومجوهرات تقليدية وملبوسات تراثية، ومنتجات حقلية وبذور بلدية، ومواد غذائية.
تعزيز لأساليب العطاء المجتمعي
"الساحة" حسب مديرة مؤسسة داليا المجتمعية عايشة منصور، مساحة اجتماعية نستعيد بها، ولو مؤقتا، فضاءات فقدناها، من أسواق شعبية محلية وغيرها، تجسيدا لحق الفلسطينين بالتحكم في مواردهم ومصادرهم المحلية، من أجل تحقيق تنمية صامدة باستخدام أساليب العطاء المجتمعي.
وتم تحقيق هذه الأهداف لبضع ساعات من خلال دعوة أصحاب المنتجات المحلية في جميع أنحاء البلاد لعرض منتجاتهم. كما تخلل الفعالية زاوية للحلول الصامدة، حيث قدم علاء الحلو ومحمد صالح ورشة "اصنع بنفسك" حول صناعة موقد لطهو الطعام ومنصة لتعليم أساليب زراعة بيئية.
وتضيف منصور: "هذه المرة الثانية التي نقوم بهذه الفعالية، ففي العام الماضي نظمناها في البلدة القديمة في بيت ساحور، نحاول إحياء الاقتصاد المحلي عبر استخدام مواردنا المحلية، كما أن هذه المبادرة تحتوي على مثال على الأنظمة غير المالية، ففي النشاط السابق، قام جمهور الحاضرين بالتعرف على بعضهم البعض وتبادل الخبرات والمهارات، في نظام يُعرف بالمقايضة".
وأشارت في حديثها لآفاق البيئة والتنمية "فعالية الساحة فرصة لرفع الوعي عند الناس بضرورة العودة للمنتجات البلدية والموسمية وتشجيعها خصوصا في ظل توجه المجتمع لكل ما هو مستورد وأجنبي وهذا بطبيعة الحال لا يدعم الاقتصاد المحلي، بل بالعكس يساهم في تعزيز الثقافة الاستهلاكية.
إقتصاد مستدام للسيادة على الغذاء
من جهته يقول فريد طعم الله المتطوع في مبادرة شراكة التي تأسست عام 2009 في مدينتي رام الله والبيرة للحفاظ على الموروث الزراعي والبيئي الفلسطيني، إن الفعالية تحاول إعادة بناء العلاقة المباشرة "الشراكة" بين المزارع والمستهلك، وتشجيع الأنماط الأخلاقية سواء في الإنتاج أو في الاستهلاك وتعزيز وإحياء الأساليب الزراعية الصديقة للبيئة والإنسان، بغرض تحقيق السيادة الغذائية في فلسطين. مضيفا: "نريد أن تكون العلاقة بين المزراع والمستهلك علاقة اجتماعية وودية قائمة على الإحترام والثقة وليس علاقة منفعة فقط ، فالهدف العام هو إيجاد اقتصاد مستدام للسيادة على الغذاء في بلد شعبه يرزح تحت الاحتلال، من خلال الحفاظ على البذور البلدية وتشجيع الزراعة البيئية والعضوية".
ضحى عسعوس 57 سنة، من قرية بورين جنوب نابلس، والتي يقع منزلها بجوار مستوطنة للاحتلال، عرضت سلسلة من الإنتاج الزراعي العضوي كالبقدونس والفول والزعتر والميرمية والفلفل والزيت وغيرها من المنتجات الخالية من المبيدات. عسعوس دعت وهي ترتدي ثوبا فلسطينيا إلى العودة للزراعة حتى نأكل مما نزرع ونحقق ذاتنا.
الحكواتي وبسطة كتب وساعة قراءة
وفي زاوية "حكايا"، قدمت "الحكواتية" فداء عطايا، قصصا تتناول العلاقة مع الأرض والموروث الثقافي والاجتماعي الفلسطيني. بالإضافة إلى ذلك قدمت جمعية أبناء البيرة والبلدية "بسطة كتب" وكوّنوا سلسة لقراءة الكتب.
ويقول محمد عليان -والد الشهيد بهاء الذي نظم أطول سلسلة قراءة في القدس عام 2014- الذي حضر فعالية "حكايا" أنها فرصة للتذكير بتراث الشهداء، ومحاولة لجعلها تقليدا فلسطينيا لجعل القراءة عادة فلسطينية ووسيلة لتوعية الإنسان الفلسطيني وتقوية صموده في وجه الاحتلال لإن القراءة مقاومة.
مثل هذه الفعاليات يقول عليان، دليل على أن الشعب الفلسطيني يصبو للحياة ويسعى إليها وليس إرهابيا، وهي مظلة لفعاليات أخرى كالفن الشعبي والزراعة التقليدية وغيرها من الأنشطة التي تربطنا بأصولنا وتراثنا.
ملبوسات ومشغولات تراثية في فعالية الساحة
مأكولات شعبية
وفي زاوية الطعام، حظي الحاضرون بتذوق مأكولات شعبية لذيذة من إنتاج المتطوعة فيفيان صنصور مع عربة الطعام المتنقلة، وزميلها عز الدين بخاري، صاحب مبادرة "بيت البركة" حيث استخدم خضارا موسميا ومحليا. وعن مشاركته في هذه الفعالية قال عز الدين "الفعالية تركز على الأكل الموسمي الذي أقوم به في "بيت البركة"، فعند تأسيسي له كان هدفي الأساسي المشاركة في الأسواق المحلية التي يزورها أعداد كبيرة من المهتمين بالأكل الموسمي، وداعمي الاقتصاد المحلي، كما هو الأمر في فعالية "الساحة".
وأقامت مجموعة "شراكة" زاوية "لمّة أكلي بلدي" من أجل رفع الوعي حول أهمية الحفاظ على الموروث الزراعي الفلسطيني، حيث تم عرض بذور بلدية بالإضافة إلى أطعمة موسمية مختلفة.
وتخلل الفعالية فقرات وعروض ثقافية، فقدم ثائر برغوثي فقرات غنائية وطنية. وكان هناك فقرة فولكلورية مع سحجة ودبكة خاصة بمنطقة البيرة.
|
|
جانب من نشاطات فعالية الساحة |
فعالية الساحة في مدينة البيرة |
|
بذور فلسطينية بلدية عرضت للبيع في فعالية الساحة |
البذور البلدية كانت حاضرة أيضا
كان لافتا في أرض الساحة، ذلك الرجل الستيني يوسف أبو ريان من حلحول شمال الخليل، الذي كان ممثلا لجميعة حماية وتطوير البذور البلدية التي تنتج 16 نوعا من البذور البلدية كالحبوب والخضروات الصيفية والزراعات الشتوية. على طاولته عرض أبو ريان مجموعة من الأكياس الصغيرة بداخلها بذور من أصناف مختلفة إلى جانب بعض أكياس الزبيب والملبن ومربى العنب "العنبية". يبين أبو ريان أن البذور البلدية تتلائم مع الظروف الجوية في بلادنا، عدا عن كونها طبيعية خالية من المبيدات، خلافا للبذور المستوردة غالية الثمن التي تعتمد بالأساس على المبيدات والكيماويات.
وعرضت دولت أبو شاويش من مخيم الأمعري منتجات تراثية من التطريز الفلسطيني بلمسات عصرية وبأشكال مختلفة، وقالت "هذا شيء جميل، وفرصة لعرض منتجاتنا لعموم الناس، وإعادة ربطهم بتراث أجدادنا".
بدوره قال موسى جويد عضو مجلس بلدية البيرة إن بلديته تدعم أي نشاط مجتمعي، ثقافي، رياضي وتراثي، إيمانا منها بأن دورها لا يقتصر على تقديم الخدمات وتنفيذ مشاريع البنية التحتية وإنما توعية الناس بتراثها.
واتفق معه عامر عوض الله، مدير الدائرة الثقافية في بلدية البيرة حينما قال: "يُولي المجلس البلدي اهتماماً كبيراً بالتنمية المجتمعية بمختلف جوانبها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتطوعية. لذلك أي نشاط يركز على تلك الجوانب، نقوم بدعمه وتعزيز حضوره".
وأضاف جويد أن فعالية الساحة لها بُعد وطني، فهي تركز على دعم المنتج المحلي والاقتصاد الوطني، وتساهم في تعزيز صمود المزارعين، إضافةً إلى الحفاظ على التراث الشعبي من الطمس والتهويد، وهذا في صميم عمل الدائرة الثقافية في البلدية. "نهدف إلى تسليط الضوء على مدينة البيرة ودورها في الساحة الفلسطينية، ودعم بلديتها الدائم لمختلف البرامج والفعاليات الثقافية والشعبية واحتضانها".
ومؤسسة دالية هي مؤسسة مجتمعية، يتلخص عملها في حشد واستخدام كل الموارد المحلية اللازمة (مادية وغير مادية) وبالشكل الملائم، لتمكين وخلق مجتمع مدني مستقل مسؤول تسود فيه الشفافية والمحاسبة، ويأتي ذلك من الإيمان بحق الشعب الفلسطيني في التحكم بمصادره من أجل تحقيق تنمية مجتمعية. ويتم تحقيق ذلك من خلال تقديم منحٍ لدعم مبادرات المجتمع المدني المبدعة والملائمة، خاصة تلك الجهود التي تبذلها المجتمعات المحلية لاستخدام مواردها المتوافرة والاستفادة منها.
ويُذكر أن فعالية الساحة نظمت أيضا بالتعاون مع متطوعين من جمعيات إنعاش الأسرة، وأبناء البيرة ومسارات فلسطينية ومبادرة شراكة.