خاص بآفاق البيئة والتنمية

المرحوم والد الزميل عبد الباسط خلف المزارع المتمرس عاشق الأرض
عام وأحزان
في 27 نيسان 2017، رحل والدي العزيز عن الدنيا، بعد سيرة اشتعلت وفاء وحبًا للأرض. بدأ –رحمه الله- منذ طفولته في رعاية حقوله وزيتونه، وعمل بجد طوال 75 عامًا في تطويع الصخور، وتكثير شجرة السماء، بعد تركه لمقاعد الدراسة.
مما لا تنساه عن سيد روحك التسعيني، قلقه الدائم على مواسم المطر، وتدوينه المتواصل للأحوال الجوية بحرّها وبردها، وحرصه على حراثة الأرض بالطرق التقليدية، وشغفه بزيادة أشجار الزيتون كل موسم، واهتمامه بريها في فصول الجفاف، وإصراره على إزالة الأشواك غير مرة في العام.
كان الخط الفاصل بين والدي الراحل وأحلامه حدوده السماء، ولم يعترف يومًا باليأس، واعتبر التفريط بالأرض أو بيع أي شبر منها من المحرمات، تحت أي ظرف.
حافظ سيد روحي على الأمن الغذائي للعائلة، واعتبر القمح والزيت العمود الفقري لأي اقتصاد منزل، وانتقد النزعة الاستهلاكية، وأسقط من حساباته كل المفرطين بتراثهم وأرضهم.
أحب والدي بجنون "النجمة"، و"بلعمة"، و"الوردانية"، و"وطاة أبو غازي"، و"المرج التحتاني"، و"البيادر"، وأتقن كل فنون العمل الزراعي منذ كان في العاشرة، وزرع البطيخ، والشمام، والفقوس، والسمسم، والذرة البيضاء، والعدس، والحمص، والقمح، والفول، ودوار الشمس، واليقطين، والكوسا، والبطاطا، والبندوره، والخيار، والبامية، وانحاز للزيتون، وفضّل التين على اللوزيات، وسافر لبيع محاصيله إلى الأردن، وسوريا، ولبنان.
ولا يزال يفيض كل شبر من أرضنا بسيرة والدي العطرة، وتكاد أشجاره تبكي فراقه، فيما تنتظر تجويفات الصخر المليئة بأمطار الشتاء عودته، أما موسم الزيتون فلا طعم له دون تدويناته عن أداء المحصول، ولا رائحة للشتاء في غياب طقوسه اليومية حول كانون النار، ولا معنى لجلسات السمر الصيفية بلا حديثه. ألف رحمة وذكرى، يا حارس الأرض والروح.

أمطار نيسان في منطقة جنين
شتاء مُتذبذب
تتابع أداء الموسم المطري هذا العام، وتوثق التذبذب الواضح في معدلات الأمطار وتوزيعها، وتسرع بعد كل جولة شتاء إلى مقياسك الخاص، تُدون الأرقام، وتقارن منطقتك بغيرها. ففي تشرين الأول بلغت أمطار بلدتنا برقين غرب جنين 17 ملم، وحمل تشرين الثاني معه 28 ملم، وسجل كانون الأولى 45 ملم، وهطلت في كانون الثاني 304 ملم، وفي شباط جادت السماء بـ 112 ملم، وفي آذار لم تهطل سوى 9 ملم، وحتى مساء 30 نيسان سقطت 56 ملم.
اللافت أن أمطار هذا العام إضافة إلى سوء توزيعها بين أشهر الشتاء وأيامه، تتميز بمحليتها، ففي آخر شتاء هطلت في منطقة مثلث الشهداء ( البعيدة هوائيًا عن بلدتنا أقل من ألفي متر) 27 ملم، فيما سجلت في برقين 13 ملم فقط، وجاءت هذه الكمية في المنطقتين خلال أقل من نصف ساعة. والارتفاع الكبير لدرجات حرارة الربيع، التي فاقت المعدل الموسمي في كثير من المناسبات.
تواكب حالة عدم الاستقرار التي حملتها الأيام الأخيرة من نيسان، فقد هطلت أمطار غزيرة، تسببت بفيضانات عارمة في مناطق الوسط والجنوب، ومما تقرأه وفق محطة رصد طقس القدس في شعفاط، فقد سجلت يوم 26 نيسان قوة تساقط وصلت إلى 140 ملم في الساعة. ما يعني إن الأمطار لو هطلت ساعة كاملة لأغرقت المنطقة...."
واستمرت عاصفة واحدة 20 دقيقة هطلت خلالها 34 ملم دفعة واحدة أغرقت الشوارع والمنازل، ودمرت طرقًا في بعض الأحياء، وسحبت مركبات، فيما تجاوزت أمطار الجنوب 100 ملم في وقت قياسي، ولم تتجاوز 10 ملم في العديد من المواقع.
نحنُّ إلى أيام الشتاء المُعتادة، التي كانت تجود السماء علينا بخيرها بتوزيع وشمولية أكبر مما نشهده في الوقت الراهن من تطرف مناخي.
قوانين وغرامات
بدأت بلدية نابلس نهاية آذار الفائت بفرض غرامات مالية على الملوثين للمدينة، ووفق تصريحات صحافية لرئيس قسم الصحة والبيئة في البلدية نضال منصور، فإن مراقبي الصحة حرروا 8 مخالفات خلال الأسبوع الأول لتطبيق النظام على ملوثين كبار من التجار وأصحاب الورش، بعد توثيق اعتداءاتهم بالصور، وإلقاء مخلفات البناء بمناطق غير مخصصة لها، ووصلت قيمة المخالفات 15 ألف شيقل.
وكانت آفاق" في عدد شباط تابعت النظام الجديد، وحللّت القرار الصادر عن وزارة الحكم المحلي رقم (5) لسنة 2017 حول نظام المخالفات لبلدية نابلس، بعد أن أقرته هيئة الفتوى والتشريع ونشر في جريدة الوقائع الفلسطينية.
ولاحقًا، أصدرت بلديتا قلقيلية وجنين نظامًا مماثلاً، مع اختلاف في قيمة المخالفات، فيما أقرت شرطة رام الله في السابق مخالفات على المتسببين بتلويث البيئة.
بالرغم من أهمية الخطوة كوسيلة رادعة للحفاظ على بيئة نظيفة، يبقى السؤال: لماذا لا يجري تطبيق قوانين: الهيئات المحلية، والصحة العامة، والبيئة، ووضع لوائح تنفيذية لها قبل إصدار أنظمة جديدة؟ ولماذا لا يتم التوصل إلى نظام موحد خاص للمكاره الصحية؟ وما الفارق الفعلي بين الحال البيئي لجنين ونابلس وسواها؟

أطفال منتدى الياسمين البيئي يحملون أزهارا ملونة من بقايا الأكياس البلاستيكية
ألوان وتدوير
أنتج المدرب أيمن عبد ربه من سلطة جودة البيئة أزهارًا ملونة من بقايا أكياس بلاستيكية، وعبوات وأغطية فارغة، وأسلاك معدنية، في رسالة وتدريب لأطفال منتدى الياسمين البيئي في نابلس على الاهتمام بالتدوير، وتقليل استعمال المواد البلاستيكية التي لا تقبل التحلل، وقد صنع الأطفال باقات ورد، وزينوا بها قاعات مركزهم.
وقال عبد ربه، الذي أبدع ألعابًا بيئية وتعليمية عددية من المخلفات، إنه أدخل تدوير الخامات البلاستيكية منذ عام، نفذ خلاله 120 ورشة في مدارس محافظتي نابلس ورام الله والبيرة، في رسالة تدعو لتقليل استخدام المواد البلاستيكية، والحرص على نظافة البيئة، والبحث عن بدائل من خامات صديقة للبيئة في الاستخدام اليومي.
وأشار خلال وورشة للصغار نفذها مركز التعليم البيئي بالتعاون مع مركز الطفل الثقافي وسلطة جودة البيئة: "البلاستيك مشكلة كبيرة، فهو يلوث البيئة، ولا يتحلل، ويسبب تداعيات صحية حال حرقه، كما يفرط المواطنون في استعماله، وبخاصة المواد التي تستخدم مرة واحدة، وسرعان ما تذهب إلى حاويات القمامة".
يتمتع عبد ربه بروح مرحة، ويبتكر أشكالًا جديدة كل يوم، ويتنقل بين محافظات الوطن، ويؤمن بأن التطوع يقدم حلولًا للتحديات. يختتم حديثة بابتسامة عريضة: "علينا حماية البيئة، ومن المعيب تلويثها، والتعامل مع الأطفال مثمر ورائع".
aabdkh@yahoo.com