مرة بعد أخرى، يتم التأكد أن التخطيط الاستراتيجي وتوزيع الصلاحيات والتعاون بين مجموعات المصالح... هو المدخل الالزامي لحل قضايا البيئة وفي طليعتها قضية النفايات. وقد تم التأكد أيضا من خلال مشاركتنا في الزيارة العلمية لولاية - مدينة برلين في المانيا التي نظمتها مؤسسة فريديريش ايبرت - لبنان مؤخرا وشارك فيها ايضا ممثلون حكوميون وخبراء من المجتمع المدني، أن إدارة قطاع النفايات، تحتاج إلى فلسفة واستراتيجيات وتشريعات وخطط وتقسيم مسؤوليات من المستويات المركزية الى المستويات اللامركزية والبلدية... فالفردية... قبل الحاجة الى تقنيات محددة.
في برلين يظهر بوضوح حجم الصراع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي في اتخاذ القرار البيئي في إدارة النفايات او غيرها من القضايا.
كما كان مهما جدا معرفة المعايير التي على أساسها يتم اختيار التقنيات. فما الذي يحدد الخيارات للاستفادة من معالجة النفايات؟ وكيف تتم المفاضلة بين الانحياز لإعادة التدوير والتصنيع او في الاستفادة من القيمة الحرارية للنفايات والذهاب باتجاه توليد الطاقة الكهربائية والاستفادة من هذه القيمة دون غيرها؟ صحيح أن الجدوى الاقتصادية هي التي تحدد معظم الاتجاهات في بلد صناعي متقدم مثل ألمانيا، إلا أن سر نجاح استقراره وتوفيقه بين الكثافة السكانية العالية ومساحة الاخضرار العالية - أكثر من 60% من مساحة ألمانيا - وكونه بلدًا صناعيا متقدما في الوقت نفسه، هو احترام شعبه للقوانين مع عدم اعطاء اهمية كبيرة لمسؤوليته التاريخية (مع غيره من البلدان الصناعية) حول الانبعاثات الناجمة عن تقدمه الصناعي وتأثيرها على تغير المناخ العالمي، وارتياحه التاريخي لمعظم طالبي اللجوء والمعرفة والسياحة، الذين لا يزعجونه بالتذكير بمسؤولياته ويكتفون بطلب "المساعدات" وليس الحقوق!
هنا تقرير ملخص لهذه الزيارة العلمية التي طغت عليها مقابلات مع كبار المسؤولين عن إدارة قطاع النفايات في الحكومة والبرلمان والأحزاب والبلديات والقطاع الخاص، من دون مراكز المعالجة.
لتقييم كيفية المفاضلة بين اعادة التصنيع او حرق النفايات يقول الناطق باسم تحالف شركات النفايات بيتر كورتش، أن ما يشجع فرز النفايات هو الاستفادة من إعادة التصنيع لبعض المواد، وكلما كانت هذه المواد غير قابلة لإعادة التصنيع أو ان كلفة إعادة تصنيعها وتدويرها عالية، ذهبت الشركات إلى الخيار الثاني وهو الحرق.
في زيارتنا لمقر الاتحاد الألماني لإدارة النفايات وجدنا ان هذه الإدارة تدمج أيضا في مهامها، بالإضافة إلى إدارة النفايات، المياه والمواد الخام. وقد أظهرت المناقشات ان هناك ثلاث جهات أساسية، لكل منها مصالح مختلفة ووجهات نظر مختلفة، إلا أنها تتفاهم على الحد الأدنى للأمور وهي الإدارة الاتحادية الرسمية والبلدية (برلين) والقطاع الخاص. وتقول الشركة انها هي التي ابتكرت طريقة لتقسيم وفرز النفايات بحاويات بألوان مختلفة العام 1968.
المكبات العشوائية
كانت مكبات القمامة في المانيا لا تزال منتشرة مثلها مثل أي بلد صناعي واستهلاكي. وأول قانون أو قرار صدر بمنع المكبات العشوائية كان العام 1994. ولم يبق من المكبات المفتوحة سوى مكبات بقايا البناء فقط. لتحقيق ذلك تم فرض رسوم عالية على المكبات وصلت إلى 90 يورو على الطن.
يعترف الخبراء الألمان ان إعادة التدوير ليست اختراعا أوروبيا ولا المانيا وأنها كانت معروفة منذ قرون، كما بدأ الفرز منذ 30 سنة تقريبا، مع محاولات تحسين الفرز من المصدر بشكل مستمر. إلا أن مشاريع الفرز الأكثر نجاحا كانت مع المدارس حيث يتم جمع النفايات الورقية وإعادة تدويرها. صحيح أن الالمان يحبون الحرق ولكن هذه العملية تأتي في نهاية الهرم، وفق مفهوم ما يسمى "اقتصاد النفايات" أو "اقتصاد التدوير". في هذا المجال تطبق ألمانيا المبادئ التي وضعها الاتحاد الأوروبي والتي تبدأ بالتخفيف والتجنب كأولوية، ومن ثم إعادة الاستخدام، ومن ثم استرداد الطاقة او توليد الطاقة من النفايات. ولا تزال ألمانيا تدرس كيفية إعادة فتح المكبات القديمة المغلقة وإعادة الاستفادة منها، مع تقدير الكميات الموجودة او المدفونة في المكبات المغلقة بما يقارب المليار طن من النفايات!
أحجام وصراعات
تنتج برلين 430 مليون طن من النفايات سنويا. بينها 240 مليون طنا تصنف نفايات معدنية و60 مليون طن نفايات تجارية وصناعية والباقي نفايات منزلية. مع الإشارة الى ان شركات السيارات تعيد استغلال بعض نفاياتها في الصناعة وإدخالها في العمليات التصنيعية من جديد. بحسب القانون في المانيا لا يستطيع المواطن أن يبيع نفاياته، لا سيما القابلة لإعادة التصنيع. يستطيع ان يتصرف بنفاياته العضوية فقط. البلديات او الشركات هي التي لديها الحق في التصرف في الجمع والمعالجة، بعد أن يتم فرزها في المنازل. الخردة والمتبقيات الكبيرة لا تدخل ضمن صلاحيات البلدية وعلى المواطن ان يسلمها الى مراكز محددة. وهذا الموضوع خلافي بين البلديات والشركات. واجب على المواطن تسليم الخردة والنفايات المعدنية بعد الفرز، وهو أمر تم اقراره في القوانين. على البلديات ان تستقبل كل أنواع النفايات ولكن الخلاف على المواد القابلة لإعادة التصنيع التي تهتم بها الشركات ولا يبقى للبلديات غير النفايات العضوية. فالشركات التي تستثمر في محطات المعالجة تريد ان تستفيد أيضا من النفايات، لا سيما من المواد المفرزة والقابلة لإعادة التصنيع او تلك التي لديها قيمة حرارية عالية. مع الإشارة الى ان تطبيق مبدأ التخفيف والتجنب يضر بهذه العملية.
مسؤولية المنتج
في المانيا يتم اعتماد قانون فدرالي تحدد فيه المسؤوليات في معالجة النفايات يعتمد على مبدأ "مسؤولية المنتج". ويقصد بالمنتج، منتج النفايات، من المصنّع الى المستورد والتاجر الى المستهلك. وعليهم جميعا تحمل أعباء المعالجة. فالمنتج هو من يستخدم الموارد وهو مسؤول عن المعالجة، وكلما تم التقليل من استخدام الموارد يدفع ضريبة اقل. هكذا الحال بالنسبة إلى مواد التغليف، فإذا وضعت الضريبة عليها، يعني أن من يستخدمها هو الذي يدفع وليس أي مواطن. إذا تكاليف التخلص من البقايا هي على حساب المنتج. وهناك قانون للتغليف وخطط للوصول إلى نسبة 36% من تغليف المواد.
تنجح إعادة التدوير في المانيا بنسب عالية على بعض المواد تصل إلى 70% لا سيما على الورق والكرتون والزجاج بعد فرز الملون عن الأبيض منه في المصدر. اما إعادة تدوير البلاستيك فهي مكلفة (بين 60 و70 يورو للطن) ولا جدوى اقتصادية منها. ولهذا يتم زيادة الضريبة على بعض انواع البلاستيك لدفع المنتج إلى استخدام مواد بديلة. لذلك وضعت المانيا هدف الوصول الى ان تكون نسبة التدوير 70% ولم تحققه بعد.
قوة البلديات.. من دون العضوية
في النقاشات بين البلديات (11 ألف بلدية) والسلطة الفدرالية (16 ولاية) والشركات، تظهر دائما قوة البلديات، إلا أن التعاون بين الأطراف الثلاثة بنظر مسؤول النفايات في البلديات "مقبول". وليس هناك اجماع في المانيا بأن تتولى البلديات الفرز والشركات المعالجة. فالشركات يهمها المواد القابلة لإعادة التصنيع في الدرجة الأولى، ولا يبقى للبلديات غير النفايات العضوية التي لا ينجح فرزها عادة.
في المانيا 9000 محطة لمعالجة النفايات العضوية وتوليد الطاقة من غازاتها. ولهذا يتم التركيز على الفرز في المصدر أيضا. وتشكو البلديات والشركات من قلة تعاون المواطنين مع فرز النفايات العضوية لأنها تصدر الروائح أكثر من غيرها، وغالبا لا تنجح عمليات فرز المواد العضوية بالمقارنة مع الورقية والمعدنية، وتشكو البلديات من عدم تعاون كل المنازل. وتعتبر مهمة تنظيم الفرز من مهام البلديات في الغالب.
المحطات وسعتها
هناك 59 محرقة لديها قدرة لحرق النفايات بسعة 24 مليون طن سنويا. وهناك سعات متبقية تقدر بـ17 مليون طن سنويا. لذلك يتم استيراد نفايات من بلدان أوروبية مجاورة لمعالجتها في محارق المانيا. معظم هذه المحارق تولد الطاقة الكهربائية. عمليات نقل النفايات تحصل ضمن قوانين تنظمها مع التمييز بين أنواعها. وكل عمليات نقل النفايات تحتاج الى تصاريح ومراقبة. أكثر البلدان التي يتم استيراد النفايات منها هي إنكلترا. أكثر من مليوني طن تم استيرادها من إنكلترا بالقطار والسفن.
يعيش في برلين 3.5 مليون مواطن وهم ينتجون 240 مليون طن من النفايات المعدنية وأكثر من 100 مليون طن نفايات منزلية و60 مليون طن نفايات صناعية وتجارية. وفي ألمانيا لوائح لتصنيف النفايات، يتم تطويرها دائما. كل مواطن يساهم في الكلفة والأسواق الكبرى تتحمل تكاليف تختلف عن كل مواطن.
في برلين 15 مستودعًا للنفايات الالكترونية و70 محطة لجمع الخردة (40 منها بإدارة البلديات و30 محطة خاصة). معظم هذه المراكز الالكترونية تديرها شركات وتجمع فيها متبقيات الأجهزة المستخدمة التي يتم فرز المواد منها وتفكيكها تمهيدا لإعادة استخدام بعض المواد منها. لذلك يتم استشارة هذه الشركات في التشريع عند صياغة القوانين، مع تأكيد المشرعين أن "الاقتصاد البيئي" لا يمكن أن يستغني عن الشركات الخاصة. ولطالما حصلت خلافات مع البلديات حول طرق إدارة مراكز الخردة، لا سيما في القرى. فبعض البلديات أنشأت محطات لجمع الخردة واختلفت مع الشركات على كيفية الاستفادة من الخردة المجموعة، وعادة ما تتضرر الشركات الصغيرة من هذا الصراع بين البلديات والشركات الكبرى. والكل يعلم ان المشكلة هي في كلفة نقل هذه الخردة وتأمين الأراضي لتخزينها والاستفادة من إعادة استخدامها... وان الحصيلة البيئية ليست جيدة بالنسبة لهذا الموضوع. صحيح ان اقتصاد معالجة النفايات مربح، ولكن عندما تتضارب المصالح ولا يحصل تعاون بين الأطراف كافة، لا تسير الأمور على ما يرام.
مؤسسة عامة
في برلين مؤسسة (بي اس ار) لرفع القمامة. وهي شركة عمومية مملوكة من ولاية برلين، لا تبغي الربح. تمول هذه الشركة من رسوم يدفعها المواطن البرليني. مهماتها رفع القمامة ومعالجتها. كما من مهامها كنس وتنظيف الشوارع وجرف الثلوج في الشتاء ورفع وتنظيف مخلفات الكلاب. يؤخذ بالاعتبار في عمليات التنظيف وجود 25 مليون سائح في برلين سنويا. كما يتم تنظيف أوراق الشجر (ما يقارب 350 ألف شجرة). الشركة تتعامل مع النفايات المنزلية وتلك التي لا يمكن الاستفادة منها، لا سيما أعقاب السجائر. لدى الشركات حاويات بألوان مختلفة للفصل بين أنواع النفايات. وتشكو هذه المؤسسة من عدم تعامل المواطنين بشكل جيد معها، لا سيما من ناحية الالتزام بالفرز. يعمل في الجمع 1500 موظف، وآلياتها المستخدمة هي كآليات "سوكلين" في لبنان تماما، ولكنها باللون الليموني بدل الأخضر. تنظيف الشوارع أكثر تنويعا لناحية استخدام السيارات المختلفة. سيارات صغيرة للأرصفة وسيارات للجمع والكبس وسيارات صغيرة لنقل أوراق الشجر. ومع تطور السيارات، لا سيما الكنس، تم الاستغناء عن الكثير من العمال.
لهذه المؤسسة 4 مراكز لتجميع السيارات والآليات وعمال النظافة الذين يأخذون النفايات من الحاويات داخل كراجات المنازل. عادة كانت مهمات النفايات من اختصاص الرجال، وقد بدأ النساء بالعمل أكثر مؤخرا. غالبية العمّال الآن ألمان. كان هناك قسم من الأتراك والآن زاد عدد العمال العرب.
المخلفات الكبيرة ينقلها أصحابها أنفسهم الى مراكز التجميع. كما أن مخلفات البناء والردم لا تدخل في نظام جمع النفايات ولديها نظام آخر تتولاه شركات خاصة. الخردة المعدنية تتولاها شركات أخرى.
بعض الغازات المتولدة من محطات معالجة النفايات العضوية (على الطريقة اللاهوائية) يتم استخدامها في تشغيل آليات النقل. حوالي 150 شاحنة تعمل على غاز النفايات، أي ما يقارب نصف عدد الشاحنات.
بعض متبقيات النفايات يتم ضغطها في مكعبات بعد سحب المعادن منها، ومن ثم نقلها إلى معامل تصنيع الفحم، كوقود بديل للفحم الحجري وتوليد الطاقة الكهربائية. وإذا كان معدل المتبقيات يقدر بمليون طن، نصفها يذهب إلى المحارق ونصفها الآخر الى المكعبات البديلة عن الفحم.
مختبر الأفكار
بدأت فكرة إنشاء "مختبر الأفكار" العام 2008، عندما طلبت إدارة مؤسسة (بي اس ار) الاهتمام بموضوع الابتكارات من دون ان تكون هناك لها مهمة محددة. والهدف التخطيط للمستقبل بشكل مبتكر ومبكر. تم تأسيس فريق عمل من العاملين في الأقسام المختلفة لجمع الأفكار الجديدة في مجالات مختلفة بشرط أن يبقى العامل في عمله. من بين الأفكار أيضا التعامل مع الجامعات التي لدى طلابها أفكار ابتكارية جديدة. ويتم تنظيم ورش عمل وتفكير وتنظيم مسابقات والاستعانة بطلاب في اقسام التصميم. بالإضافة الى التعاون مع مؤسسات معنية بقطاعات أخرى في المدينة كتأمين المياه وقطاع النقل. وقد تم ابتكار أفكار بأن تكون سلة القمامة متنقلة وتفرغ نفسها في وقت معين.
اقتصاد النفايات
فهمنا أكثر ما المقصود من "اقتصاد النفايات" من مدير إدارة الولاية للتخطيط العمراني والبيئة ميشال تيبيكي الذي رد نشأة المفهوم الى توجيهات الإطار القانوني على الصعيد الأوروبي والذي ترجم في قوانين خاصة بكل ولاية وبأخرى على الصعيد البلدي مع ضرورة حصول تكامل بين كل هذه المستويات لنجاح فكرة "اقتصاد النفايات". وبرأيه "أي سياسة ناجحة تحتاج الى تجاوب المجتمع المدني وانتقاداته، لان نظام اقتصاد النفايات لا يمكن أن يعمل إلا إذا حصل تعاون بين مختلف هذه الأطر". وأضاف: "مستوى البلديات مهم لأنها أدرى بمشاكلها. ولكن هناك حاجة إلى تنظيم حكومي، وعلى هذه المستويات ان تتداخل. ما وصلت اليه أوروبا لم يحصل بين ليلة وضحاها. من السبعينيات لم يكن هناك وعي وكان هناك العديد من المكبات. ولا يزال النظام ناقصا. الاستراتيجية الأساسية التي ارساها الاتحاد الأوروبي هي باعتماد الهرمية وفي رأسها مبدأ التجنب وإعادة الاستخدام ثم الطمر والحرق، وهي ملزمة للدول الأعضاء. وهي لا تقوم إلا على التعاون بين القطاع الخاص والبلديات والسلطة المركزية". ويستدرك: "لا يزال النظام مدار جدل بين المستوى الاتحادي والبلديات. النفايات المعدنية والبلاستيكية مسؤولية القطاع الخاص. إدارة النفايات في النهاية تجارة وتتعلق بالمصالح الاقتصادية. المواطن يدفع الرسوم لكي تُجمع نفاياته. كل مواطن ملزم بجمع نفاياته. في السبعينيات رفع الخضر مستوى الاهتمام بشؤون البيئة. على الصعيد الاقتصادي طرح موضوع توليد أقل ما يمكن من النفايات وادخار وتوفير المواد الخام".
التخطيط أولا
في خلاصة الحوارات مع أكثر من خبير ومسؤول ألماني يمكن الاستنتاج ان موضوع تطبيق "مبدأ التجنب" لا يزال ضعيفا حتى الآن ونتائجه غير مغرية بالمقارنة مع إعادة التدوير بكونها صناعة. في الحصيلة سياسة البيئة لا تزال سياسة اقتصادية.
صحيح ان المحطات التي تعالج النفايات في المانيا تكفي لمدة عشر سنوات في برلين... وهذا بفضل التخطيط الدقيق كما يؤكد أكثر من مسؤول ألماني، إلا أن التخطيط بحاجة الى قاعدة بيانات. وهذا مهم لإنشاء المحطات. فإذا كانت المحطات أكبر او أصغر فهي تسبب مشكلة. وتقدر تكاليف انشاء محطة محرقة بسعة 700 طن يوميا 150 مليون يورو.
العام 2005 صدر قانون جديد وضع النفايات دون معالجة في مطامر. أهمية التخطيط تندرج في إطار تحديد الكميات لإعادة الاستخدام ووضع الأهداف لتقليص النفايات والمتبقيات، وابتداع نظام مقبول من المواطنين. تكون محطات الحرق مقبولة من المواطنين إذا عرفوا أنك فعلت كل شيء لتجنبها. الاقتناع بأهمية إعادة التدوير، فالورق المعاد استخدامه يوفر 83% من الماء و72% من الطاقة و100% من الخشب و53% من ثاني أوكسيد الكربون (يمكن إعادة تدوير الورق 7 مرات). في ألمانيا 70% من الزجاج الأبيض معاد تدويره واستخدامه و95% من الزجاج الأخضر ما يوفر 50% من الطاقة.
رؤية شمولية
كان النقاش مع الدكتور اندرياس جارون في وزارة البيئة (المقسمة الى فرعين في برلين وبون) هو الأكثر تشويقا، فهو الحاصل على دكتوراه في الفلسفة يعمل في اقتصاد النفايات، بالإضافة إلى ملفات الامن النووي وحماية المناخ والشؤون الدولية وقضايا الانبعاثات والتربة والمواد الكيميائية والصحة والبيئة...الخ. يؤكد جارون أن 80% من القوانين تأتي من الاتحاد الأوروبي ومن ثم هناك قوانين الاتحاد الألماني من 16 ولاية (80 مليون نسمة). وان في المانيا كثافة سكانية عالية وكثافة صناعية عالية ولكن كثافة الخضار عالية أيضا؛ فـ33% من مساحة ألمانيا غابات و30% مزروعة، أي أن نسبة الخضار أكثر من 60% من مساحة ألمانيا.
نسبة التدوير في ألمانيا 60% و80% من نفايات البناء، وكل ما له جدوى اقتصادية. في المانيا محارق لكل شيء لا سيما للنفايات الخطرة التي تستوردها من باقي البلدان الأوروبية. تم اغلاق اكثر من 50 الف مكب عام 1972 وتم إنشاء 500 مطمر مجهز بأغلفة عزل وكل ما يلزم. اليوم هناك 130 مطمراً مركزياً. العام 1986 تم ادخال مبادئ التجنب وإعادة التدوير، وفي العام 1991 تم إدراج لائحة قانونية تتعلق بمسؤولية المنتج حول المغلفات. العام 1996 تم توسيع مفهوم الاقتصاد الدائري والعام 2005 صدر قانون بمنع رمي النفايات بالمطلق من دون معالجة. وبعد اكتشاف عدم كفاية المطامر تم اللجوء إلى المحارق في الثمانينيات (وصل عددها إلى 70 محرقة). اما مخلفات الحرق فيتم طمرها في مناجم الملح او في الطرق. مع التأكيد على القيمة الحرارية للنفايات الألمانية. اما النفايات العضوية فتعالج في معامل بيولوجية وبالتخمير عبر 15500 محطة لمعالجة القمامة العضوية تملكها 3000 شركة و400 بلدية وتنتج 3،6 % من الطاقة.
من أين التمويل؟
هناك أربعة مصادر للتمويل: المنتج المواطن، أسواق المواد الخام الثانوية لإعادة الاستخدام، المنتج المصنع والمستورد وفق لوائح محددة، بالإضافة إلى الرسم السنوي المنزلي البالغ 123 يورو، فضلا عن نقل النفايات الضخمة إلى المراكز، ودفع البلديات للمعالجة للشركات من الضرائب.
وحول الجدوى الاقتصادية والتضارب بين الحرق وإعادة التصنيع، يقول جارون: "كلما تكلفت الدول على تحسين تقنيات الحرق (120 يورو للطن الآن في ألمانيا) أصبحت أكثر كلفة وأقل تنافسا بالنسبة لإعادة التصنيع".
قصة نقل نفاياتنا إلى ألمانيا
حول مسعى لبنان لترحيل نفاياته الى ألمانيا كما كان متداولا، كشف المسؤول في وزارة البيئة الألمانية، أن في ألمانيا سعة كافية في محطات الحرق لاستقبال نفايات لبنان حتى من دون فرز، ولكن كان هناك شكوك كبيرة من ان لبنان يستطيع ان يدفع بين 180 و190 $ للطن من اجل نقل ومعالجة كمية كبيرة من نفاياته في المحارق الألمانية.
وقد اشترطت الشركات الالمانية الدفع المسبق للبحث في قبول هذه العملية، كما كان لديها مهمة اقناع السكان المحليين بقبول هذه العملية، بعد أن تتلقى السلطات الألمانية والشركات كتبا من الدولة اللبنانية تثبت فيها انها في حالة طوارئ وان الوضع خطير للغاية لتقوم بهذه العملية. وقد اكد المتحدث ان المانيا قد اخذت جزءا من نفايات نابولي منذ سبع سنوات، وان انتقال النفايات بين الدول الأوروبية أسهل من غيرها، أما انتقال النفايات الأوروبية الى خارجها فبات أمرا شبه مستحيل.
تقنيات
في كل منطقة هناك مراكز لإعادة التدوير وأخرى للحرق والمعالجة الفيزيائية ومراكز التقطيع والفرم وإنتاج مكعبات بدلا من الفحم الحجري ووضع المتبقيات في المطامر. كما يتم اتباع نظام فرز آلي باستخدام تقنية الضوء للفرز بين انواع البلاستيك. قبل عشر سنوات كانت كلفة معالجة مواد التغليف ما يقارب المليار دولار.
يركز الخبراء الألمان بشكل عام على مبدأ "أن الجديد من التكنولوجيا ليس هو الأفضل دائما"، مفضلين استخدام المجرّب واللجوء الى المحايدين لتقييم التقنيات. في ألمانيا جدل كبير بين الجمعيات والخبراء والسياسيين والصناعيين... ينجم عنه مفهوم مشترك وخطط حول كيفية تطوير اقتصاد النفايات.
ملاحظات أساسية
خمس دول اوروبية فقط من أصل 28 دولة في الاتحاد الأوروبي، لديها قاعدة بيانات وإحصائيات دقيقة عن النفايات! المفوضية الاوروبية وضعت معايير وتشريعات لتخفيض حجم نفايات المأكولات، إلا أن أحدا لم يعرف بعد ما هو حجم التزام الدول الاعضاء في الاتحاد.
هناك تفاوت كبير بين الدول الاوروبية في كيفية معالجة النفايات: لم يعد في المانيا والنمسا وهولندا مكبات مفتوحة للنفايات، بينما لا يزال هناك الكثير من المكبات في رومانيا وبلغاريا على سبيل المثال. بالرغم من سيطرة توجه الحرق على الطمر في ألمانيا بعد الثمانينيات، إلا أنها لا تزال تبحث في كيفية معالجة أكثر من مليار طن من النفايات التي لا تزال داخل المكبات.
تنظم المفوضية الأوروبية "الأسبوع الأوروبي لتجنب النفايات" في تشرين الثاني القادم، مع العلم أن "مبدأ التجنب" من إنتاج النفايات لا يطبق كما يجب في دول الاتحاد ولا في البلدان الصناعية، كونه يتعارض مع مصالح اقتصادية وصناعية كبيرة، في حين انه يمكن ان يكون نموذجيا في بلد استهلاكي وغير صناعي كلبنان.
التغليف والكلفة
يعتبر التغليف مسببا رئيسا في زيادة النفايات مع انه يمكن الاستغناء عنه في الكثير من الأحيان. وقد أظهرت الدراسات الأخيرة في المانيا ان التقدم التكنولوجي زاد من التغليف بدلاً من أن يساهم في تقليل حجمه. فاستخدام الانترنت في الشراء زاد من استخدام مواد التغليف واستخدام الطرود والأغلفة.
ينتج المنزل 300 كغم نفايات في السنة كمعدل وسطي ويدفع الفرد 150 يورو سنويا لمعالجة النفايات. كما يدفع المواطن ضريبة على مواد التغليف التي يشتريها من المحلات التجارية كما يدفع مرة أخرى من نسب تكاليف المعالجة.