خاص بآفاق البيئة والتنمية
ينحاز الخمسيني عبد الكريم عمر شلاميش للأرض على حساب مهنة التجارة التي رافقها 30 سنة، وتفيض السعادة من وجهه وحديثه، وهو يقف على تلة تقابل حقله التي بدأ باستصلاحها يساعده شقيقه الأكبر أحمد منذ عام 2011.
يسرد:" قضيت طفولتي في هذه الأرض، ولم تكن تمر ساعة من النهار إلا ونصلها أنا ورفاق الصبا: عمر وبلال وهشام وآخرون، وفيها كنا نعمل ونلهو ونضحك، فنعد الشاي على الحطب ونطهو الطعام، وندرس واجباتنا، ونجمع ما تنبته الأرض من زعتر وميرمية ولوف وورق لسان وغيرها، ونستمتع بمراقبة طيور الحجل والنسور وأبو زريق والحمام البري. وكنت أحلم أن أرى حقلنا المحاط بالصخور والأشواك جنة خضراء."
الأخوان شلاميش في حقلهما
أكثر من حلم
شرع الأخوان شلاميش في تجسيد أحلامهما لواقع، وصارا يستثمران في أرضهما، ولم تسرقهما التجارة وبريقها منها، وراحا ينفقان الكثير من المال لتحويل الأرض الوعرة لبساتين ترد الروح وتنعش القلب.
يقول عبد الكريم:" ببساطة، من يبتعد عن أرضه فهو لا يستحقها. ومن لا يتعب عليها لن يشعر بقيمتها، وإن باعها صاحبها فلن يتمكن من شراء أرض بديلة في أغلب الحالات."
فهم الأخوان شلاميش كما يسرد أحمد معادلة الأرض جيداً وورثاها من والدهما، الذي توفي عام 1982 بعد أن نقل لهما الكثير من الوصايا، وأبرزها: من لا يتمسك بأرضه فليس له مكان فيها، ولا يستحق أن يدفن في باطنها."
جانب من الأرض الوعرة التي عمل الأخوان شلاميش على تأهيلها فصارت تنتج تنوعا كبيرا من الفاكهة والخضار والأعشاب بعيدا عن الكيماويات السامة
السهل الصعب
" بخلاف تسمية أرضنا بـ"السهلات" فقد كانت صعبة التضاريس ووعرة، ولم يكن في مساحة 36 دونما منها سوى ثلاثين شجرة، أما اليوم فغرسنا في غضون خمس سنوات ألف وخمسين زيتونة، و350 شجرة عنب، وعشرات أشجار اللوز، وآلاف أشتال الزعتر والميرمية، وصرنا نزرع البقوليات في الشتاء، وتحولت بالفعل إلى حديقة تفيض بالحياة." من بعيد، يشبه حقل الأخوين شلاميش مدرجات متناسقة ذللت الصخور الصلبة، فيما تتناغم أشجار الزيتون حديثة العهد وتتشابك مع كروم عنب معلقة على سلاسل حجرية. أما من الداخل، فالأرض أكثر جمالاً واتساعًا، ويعلوها خزان مياه، وفي أسفلها آبار جمع، وتعج بالحياة
|
يتابعان: " بخلاف تسمية أرضنا بـ"السهلات" فقد كانت صعبة التضاريس ووعرة، ولم يكن في مساحة 36 دونما منها سوى ثلاثين شجرة، أما اليوم فغرسنا في غضون خمس سنوات ألف وخمسين زيتونة، و350 شجرة عنب، وعشرات أشجار اللوز، وآلاف أشتال الزعتر والميرمية، وصرنا نزرع البقوليات في الشتاء، وتحولت بالفعل إلى حديقة تفيض بالحياة."
من بعيد، يشبه حقل الأخوين شلاميش مدرجات متناسقة ذللت الصخور الصلبة، فيما تتناغم أشجار الزيتون حديثة العهد وتتشابك مع كروم عنب معلقة على سلاسل حجرية. أما من الداخل، فالأرض أكثر جمالاً واتساعًا، ويعلوها خزان مياه، وفي أسفلها آبار جمع، وتعج بالحياة: عمال، جرارات زراعية، قطاف، والأهم المزيد من الأمل.
عش طائر الحجل في حقل الأخوين شلاميش وقد صاناه من العابثين فأعاد إلى المنطقة 12 طائرا جميلا
اصلاحات
يقولان:" جمعنا في الأرض بين التربة البيضاء والحمراء للجمع بين الكلس والحديد، فالأولى لا تستطيع بمفردها أن تمد الأشجار بالعناصر كلها وتتماسك بسرعة وتقسو على الجذور، أما الحمراء فسرعان ما تتشقق ويبان عليها أثر الجفاف. وقد أحضرنا 300 شاحنة تراب ونواصل جلب المزيد، وأقمنا مئات الأمتار من الجدران الاستنادية، ونجمع نحو 250 كوب مياه كل عام. كما حصلنا على دعم من مركز العمل التنموي (معاً) لاستصلاح 7 دونمات، ودعم جزئي من جمعية التسويق الزراعي."
استثمار
"تتلف ممارسات بعض المزارعين البيئة، وتقضي على أشكال الحياة البرية، فيوميًا أمر عن أراضٍ رشها أصحابها بمبيدات دمرت كل التنوع الحيوي، ولم تبقِ على أي عشبة، فيما اختفت قطعان الغزلان التي كانت تزين منطقة واد حسن، وتحول الشنار (الحجل) إلى مجرد زائر عابر، وقلّت الطيور، وصارت النسور مثل الضيف العزيز." |
دفع الأخوان الكثير من المال على حقلهما، لكنهما ضاعفا مئات المرات عدد الأشجار فيه، وصنعا منه مساحات ومساطب زراعية، ويقدر المهندسون الزراعيون الذين زاروا الحقل أنه سيزدهر في زمن قياسي، من إنتاج الزيت والعنب وورق العنب واللوز.
يراقب عبد الكريم، الذي أبصر النور في الأول من نيسان عام 1966 أحوال مزرعته، ويمضي وقتاً طويلاً كل يوم فيها، ويتفرغ شقيقه أحمد في متابعة تجارتهما. ويضع الأخوان لائحة أحلام للمستقبل: المزيد من الأشجار والأعشاب الطبية والنخيل واللوزيات، والزبل العربي، والاستمرار في عداء المبيدات الكيماوية وفي مقدمتها مبيدات الأعشاب.
يقول:" تتلف ممارسات بعض المزارعين البيئة، وتقضي على أشكال الحياة البرية، فيوميًا أمر عن أراضٍ رشها أصحابها بمبيدات دمرت كل التنوع الحيوي، ولم تبقِ على أي عشبة، فيما اختفت قطعان الغزلان التي كانت تزين منطقة واد حسن، وتحول الشنار (الحجل) إلى مجرد زائر عابر، وقلّت الطيور، وصارت النسور مثل الضيف العزيز."
فيما يبوح الستيني أحمد:" من يحافظ على أرضه سيحافظ على وطنه، ومهما أنفقنا على أرضنا فهي سترد لنا الجميل أضعافًا مضاعفة. والفكرة أن نأكل مما نزرع ونعتمد على ذاتنا، وقد ركزنا على زراعة الزيتون لأنها شجرة مثمرة ومعمرة ومباركة، ولو عاد الجميع لأرضه لاختفت البطالة وارتفع الدخل وعشنا في رخاء، دون انتظار مساعدات من أحد."
مئات الأمتار من الجدران الاستنادية في أرض الأخوين شلاميش في قضاء جنين
معادلة
وفي قسم سفلي من الأرض، غرس الأخوان عشرات الأشجار من أصناف مختلفة، التي صارت تشكل لوحة طبيعية، فيلتقي الزعرور والخروب والبلوط باللوز البلدي، وتتجاور عدة أصناف من اللوزيات والصنوبر، فيما تنتظر أشجار نخيل تزيين أطراف الأرض، التي تستضيف نباتات برية كالفيجن والزعتر والميرمية وإكليل الجبل والزعمطوط وورق اللسان وغيرها. |
يتابع الأخوان شلاميش:" الجيد أن تتعب على أرضك لتبادلك الشعور نفسه، وأن تتمنى استمرارها بعيدة عن الزحف العمراني والطرق العريضة، والمؤلم أن تبحث عن الأيدي العاملة فلا تجدها، وهذه معادلة صعبة."
واستنادًا لعبد الكريم، فإنه قضى أكثر من ثلاثة أرباع حياته في أرضه التي تتوسط بلدات: برقين واليامون وكفرذان بمحافظة جنين، ولا يشعر بالسعادة إلا بها، ويحفظ مكان كل حجر وجدار، ويعرف موقع كل غرسة وشجرة، ويتنقل من مدرج إلى آخر، وحين يغيب عن مسرح أحلامه لسبب قاهر، فإنه يشعر بالضيق الشديد، ويتناول كل يوم طعامه عند ظل شجرات الزيتون.
يسرد:" لكل شجرة قصة، وأحفظ عن ظهر قلب مكان كل نوع من كروم العنب (الزيني، والبيروتي، والحلواني، والسوادي التقليدي)، وأشرف أو أعمل بنفسي على كل مراحل العمل: الزراعة، والتقليم، والحراثة، والقطاف، والري التكميلي، وحفر الآبار، ووضع السلاسل، وتوزيع الزبل العربي، وإضافة كميات التراب الجديدة، وأي عمل جديد."
وفي قسم سفلي من الأرض، غرس الأخوان عشرات الأشجار من أصناف مختلفة، التي صارت تشكل لوحة طبيعية، فيلتقي الزعرور والخروب والبلوط باللوز البلدي، وتتجاور عدة أصناف من اللوزيات والصنوبر، فيما تنتظر أشجار نخيل تزيين أطراف الأرض، التي تستضيف نباتات برية كالفيجن والزعتر والميرمية وإكليل الجبل والزعمطوط وورق اللسان وغيرها.
أمل
يصطحب الأخوان أولادهما، ويجدان متعة في تعليمهم قبل كل شيء قيمة التمسك بالأرض، والاقتراب منها، والعمل فيها، وحتى الترفيه والتمتع بالطبيعة التي تخلو من الاسمنت فهي كما يقولان: " الحياة والأمل."
ينهي عبد الكريم، وهو يردد:" كل شيء تغير في هذا الوادي، وأحرس اليوم هذه الأرض، وهي أهم تجارة. ويكفي أني انتظرت بفارغ الصبر عش الحجل الذي صنته في حقلنا من العابثين، وفرّخ وأعاد إلى المنطقة 12 طائراً جميلاً يسرح ويمرح ويغني."
aabdkh@yahoo.com