خاص بآفاق البيئة والتنمية
في ظل محاولات اسرائيل بالظهور بمظهر الحريص على شؤون البيئة الإقليمية والدولية ورغم كونها عضواً في منظمات بيئية دولية وطرفاً في اتفاقيات كبرى لحماية البيئة، أهمها اتفاقيات حماية البحر وسواحله من خطر الملوثات ويندرج تحتها اتفاق برشلونة واتفاقيات حماية التنوع البيولوجي والتراثي ومنها معاهدة رامسار، ومعاهدات التخلص من المواد الخطرة وأهمها اتفاقيات بازل وروتردام وستوكهولم، وكذلك مواثيق جودة الهواء والمناخ وأبرزها ميثاق فيينا وبروتوكول مونتريال، فإنها تقوم بانتهاك جميع هذه المعاهدات في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 بلا محاسبة ولا مراقبة.
وبما أن السلطة الفلسطينية ليست عضوا في كل هذه الاتفاقيات المذكورة وفي ظل تكفل الاحتلال الاسرائيلي بتلويث البيئة وبشكل خاص بالضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين والانتهاكات الاسرائيلية الصارخة للبيئة فيمكن التقليل من أهمية انضمام السلطة الفلسطينية الى هذه المعاهدات الدولية، إذ لا تقوم هذه المعاهدات أو معاهدات أوسلو بأي حماية للبيئة أو إلزام إسرائيل بالتقيد بما وقعت عليه. وبصورة معاكسة تماما فقد شهدنا تدهور البيئة بشكل أوضح بعد أوسلو وقد خصصت ثلاثة مقالات سابقة من هذه المجلة تفصيلا حول هذا الموضوع.
وفي ما يلي استعراض لبعض الاتفاقيات البيئية الكبرى وأوجه خرق اسرائيل لها:
أولا: اتفاقيات حول التخلص من النفايات والمواد الخطرة
-اتفاقية بازل: وهي اتفاقية هدفت لمنع نقل النفايات الخطرة ومن بينها الكيماوية والمشعة عبر الحدود وبشكل خاص لمنع التخلص من هذا النوع من النفايات من قبل الدول المتقدمة في أراضي الدول النامية وتم التصديق على هذه الاتفاقية في عام 1989 ضمن إطار مشروع الأمم المتحدة للبيئة، وقامت إسرائيل بالتوقيع عليها وأقرت سريان مفعولها عام 1995. وتحدد الاتفاقية أنواع النفايات التي يحظر نقلها عبر الحدود وتصنيف كل مجموعة من حيث درجة الخطورة ويذكر بأن إسرائيل تقوم بخرق كل بنودها. فقد بات معروفاً قيام الاحتلال بالتخلص من نفايات صلبة ونفايات ذات طبيعة كيماوية ومشعة ونفايات مسرطنة أخرى في أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة ولا يمكن حصر هذه الحالات حيث من المؤكد أن الكثير منها تمت بشكل سري ومن الحوادث المعروفة نفايات المستوطنات المحيطة بسلفيت والتي اكتشف أنها ذات طبيعة مسرطنة وأنه كان يتم إلقائها بشكل منظم في منطقة كفل حارس في 2010. كما أن نفايات من مخلفات مصانع للصناعات الكيميائية والمنظفات والمبيدات الزراعية وصناعة الألمنيوم، والجلود، والبطاريات، والبلاستيك قادمة من مناطق صناعية محيطة بتل أبيب نقلت إلى مناطق دير شرف وقوصين قضاء نابلس عام 2002 . وكذلك تهريب نفايات إسرائيلية سامة إلى المكبات في الضفة الغربية مثل مكب زهرة الفنجان وفي قرية بتّير غربي بيت لحم، ومناطق قرى غرب رام الله مثل نعلين وغيرها الكثير. وتنص الاتفاقية على أنه يجب على أي دولة تقوم بتصدير أي مخلفات خطرة أن تلتزم باستعادة تلك المخلفات على نفقاتها، وينطبق هذا على المواد القابلة للانفجار مثل حقول الألغام التي زرعتها إسرائيل على جميع الحدود وترفض إزالتها أو تسليم خرائطها. فمثلا عندما طالبت مصر بإزالة الألغام ادعت إسرائيل أنها لا تستطيع إزالتها لأن مواقع الألغام اصبحت مجهولة.
إسرائيل أكبر ملوث للساحل الفلسطيني
اتفاقية روتردام: تهدف لخفض استعمال ونقل المواد الكيماوية الصناعية والمبيدات والتخلص منها بشكل سليم بيئيا. ونذكر بحوادث ضبط كميات كبيرة من المبيدات السامة التي هربت من إسرائيل سواء إلى الضفة الغربية، القطاع أو الى الأردن أو مصر كان آخرها ما تم كشفه من ضبط كميات كبيرة لمبيدات مسرطنة إسرائيلية الصنع في كانون الأول من العام الماضي (2013) في سيناء، ويضاف إلى ذلك المنتجات الزراعية التي تغرق أسواقنا وبعض الأسواق العربية والتي يستخدم لزراعتها مبيدات مسرطنة منع استعمالها نهائياً في دول عديدة. وتبين دراسة أجرتها جامعة النجاح في العام 2004 بعنوان "قياس كمية المتبقيات من مبيد الدرسبان ومبيد الاوفير في أوراق وثمار العنب بواسطة جهاز التحليل الكروماتوغرافي "كيفية تواجد مركبات المبيدات المسرطنة في ثمار العنب في منطقة بيت ايبا قضاء نابلس بعد فترة زمنية كبيرة من رشها بالمبيدات. ويذكر أن اسرائيل تمنع دخول أجهزة فحص متبقيات المبيدات الى قطاع غزة لتبقى هذه المعلومات محجوبة عن المواطن الى حين اكتشاف آثارها من خلال الأمراض.
وأثبتت الدراسات أن العديد من المبيدات المستخدمة تسبب أمراضا سرطانية وتدمر الجهاز العصبي، وتغير طريقة عمل الهرمونات في الجسم هذا إضافة للتشوهات التي تحدثها في نمو الأطفال والعقم عند الرجال والنساء.
ثانيا: اتفاقيات حماية التنوع البيولوجي
اتفاقية رامسار: وتهدف إلى الحفاظ على الأراضي الرطبة والاستخدام الرشيد لها لكونها موطناً لتجمع الكائنات الحية وأهمها الطيور المهاجرة وبعض البرمائيات والنباتات القصبية وغيرها وقد وقّعت إسرائيل ثم اعتمدت هذه الاتفاقية سنة 1997. كما أن إسرائيل تقوم بالإساءة الممنهجة للمياه في أراضي الضفة الغربية، وعلى سبيل الذكر لا الحصر فقد عملت على إقامة نظام لسحب المياه في منطقة الأغوار الشمالية والمنابع المحيطة بالبحر الميت بالضفة الغربية لمصلحة المستوطنين المقيمين في الأغوار على حساب الفلسطينيين. كما استولى المستوطنون على ينابيع مياه في قرى مثل قرية الجانية غرب رام الله . وذكر تقرير صدر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أن إسرائيل تسيطر على 30 من أصل 56 نبعاً قريباً من المستوطنات المقامة على أراضي الضفة، فيما تعد البقية معرضة لخطر الاستيلاء عليها. و"يقوم المستوطنون بأعمال عنف وترهيب للمزارعين الفلسطينيين لمنعهم من الوصول إليها". وتؤكد سلطة المياه الفلسطينية استيلاء إسرائيل على 350 بئراً ارتوازياً على الأقل في الضفة الغربية. كما وقامت إسرائيل وبطريقة ممنهجة لمدة سنوات بتدمير كامل لوادي غزة والذي كان من أهم المناطق الرطبة الغنية بالتنوع البيئي في المنطقة.
وتقوم المصانع الإسرائيلية، بتصريح رسمي، بالتخلص من مخلفاتها الصناعية في البحر الميت كما هو الحال في شركة الصناعات التجميلية المستخرجة من البحر الميت "اهافا". هذا طبعا بالإضافة إلى أن وجود الشركة وأمثالها واستغلالها لمصادر الأراضي المحتلة عام 1967 مخالف للقانون الدولي. كما تقوم الفنادق الإسرائيلية والمنتجعات بتحويل مياه المجاري إلى البحر الميت.
ووصولاً إلى حماية التنوع الحيوي، فقد عمل جدار الفصل العنصري الذي أنشأته إسرائيل على تحويل مسار المسطحات المائية والينابيع لصالح المستوطنات، وعلى قطع الممرات الحيوية البرية للحيوانات والغطاء النباتي، ما يؤدي إلى انقراض بعض الأنواع وتقليص التنوع الوراثي للكائنات بسبب عدم تمكنها من الحركة للبحث عن الغذاء والتزاوج. كما تقوم إسرائيل باقتلاع الأشجار المثمرة والحرجية وتجريف للأراضي بشكل شبه يومي مدمرة بذلك أماكن الغذاء والسكن للكائنات المختلفة.
العديد من الينابيع والجداول المائية الفلسطينية العذبة ملوثة بالمخلفات الكيميائية والحيوانية الإسرائيلية
ثالثا: اتفاقيات جودة الهواء
ميثاق فيينا وبروتوكول مونتريال: ويهدفان الى تخفيض استخدام المواد الكيماوية والحد من انبعاثات المصانع المؤدّية الى تآكل طبقة الأوزون وتلوث الهواء والحد من إنتاجها واستيرادها او تصديرها. ويذكر هنا أثر المصانع الإسرائيلية المنتشرة في المستوطنات ومصانع في مناطق 48 على جودة الهواء في مناطق الضفة الغربية والقطاع نتيجة قربها من المدن والقرى، مثلا معامل الفحم ومحطات توليد الكهرباء في أسدود والمجدل التي أثرت بشكل كبير على جودة الهواء في قطاع غزة. وتتركز انبعاثات الغازات السامة من مستوطنة "بركان" القريبة من سلفيت في مدينة سلفيت بشكل خطير ولا ننسى تلوث الهواء الناتج عن مقالع وكسارات الحجر الإسرائيلية في مناطق الضفة الغربية والتي تحظر في داخل الاراضي المحتلة عام 48 والتي تعمل على تلويث الهواء، وتمتد رواسبها الى المياه الجوفية والتربة والغطاء النباتي. وبالإضافة الى الاثر البيئي فقد أصبحت آثار الانبعاثات الصحية على السكان معروفة تتراوح بين أمراض الحساسية وغيرها من أمراض الجهاز التنفسي، وكذلك أمراض السرطانات المختلفة.
رابعا: اتفاقيات حماية مياه البحر والسواحل
اتفاقية برشلونة: وتهدف لحماية البحر الأبيض المتوسط من جميع أشكال التلوث والتصدي وإيجاد الحلول لحوادث تلويث البحر والشواطئ وحماية التراث الطبيعي والثقافي في حوض البحر الأبيض المتوسط وسواحله، وقد وقعتها إسرائيل عام 1976. ولكن إسرائيل تقوم بشكل منهجي بتصريف المياه العادمة في البحر المتوسط وقد اجتاحت المياه العادمة عدة مرات مناطق على طول الشاطئ في غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي من القطاع. أما قبل الانسحاب فقد كانت تصرف حوالي 50000 متر مكعب يوميا من مياه الصرف الصحي الخام غير المعالج من المستوطنات في البحر المتوسط كما يقوم أكثر من مائة وعشرين مصنعا إسرائيليا في حيفا المحتلة بالتخلص من نفاياته الصناعية والبتروكيماوية في مياه البحر المتوسط. وقد كشفت تحقيقات مصرية عن وجود ثلاثة خطوط أرضية مدفونة في باطن البحر لا تبعد سوى 500 متر عن حدود مصر الشرقية، حيث تقوم إسرائيل من خلالها بتصريف مخلفات ومياه صرف صحي إلى البحر المتوسط، ويعني هذا تركز كبريتات الهيدروجين في المياه مما يلوث المياه والثروة السمكية والمياه الجوفية في الآبار القريبة علما أن سواحل البحر المتوسط تشترك فيه ثماني دول. وبطبيعة الحال تؤدي التيارات البحرية إلى اتساع نطاق التلوث وعدم التمكن من السيطرة عليه في حدود معينة. كما أن التنقيب الإسرائيلي على النفط والغاز ومشاريع المنتجعات السياحية والترفيهية على أنقاض قرى فلسطينية على شواطئ البحر المتوسط كلها تتسبب في زيادة التلوث، وتدمير التنوع الحيوي البحري للأحياء والنباتات. وذكرت منظمة السلام الأخضر أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم الذي تسمح قوانينها بطرح روتيني للنفايات الصناعية إلى البحر. وقدرت حجم السموم المطروحة في البحر المتوسط خلال السنوات 1995 – 2001 بمقدار 270 ألف متر مكعب من مركبات الزئبق والكادميوم، و132 ألف متر مكعب من مركبات حمضية وقلوية وكمية غير معلومة من الفلوريدات، وكميات غير معلومة من الزرنيخ والرصاص والنحاس والزنك والبيريليوم والكروم والنيكل وغيرها.
وأخيرا فلا بد من الاستفهام عن مدى استفادة السلطة الفلسطينية - حتى لو كانت عضوا في هذه الاتفاقات- وعن مدى استفادة البيئة بشكل عام من جميع هذه الاتفاقيات والذي بات من الواضح أنها لا تلزم الاحتلال الإسرائيلي بأي من بنودها، كما أنها لا تضع أي شروط جزائية لمخالفة الاتفاق أو إصلاح الضرر. ويؤكد باحثون على مدى ضعف هذه الاتفاقيات الدولية بالرغم من توقيع عدد كبير من الدول عليها، ومحدودية قواعدها ومبادئها القانونية، إضافة إلى جانب البطء في تطبيق قواعد القانون البيئي وعدم دخول مقتضيات الاتفاقية حيز التنفيذ نتيجة مصالح الدول الكبرى، وهيمنة الشركات الكبرى على مراكز القوى فيها.