عمال النظافة يحملون وزر الحفاظ على البيئة لوحدهم، والنتيجة تعرضهم للعديد من الأمراض
عمال نظافة في الخليل وسط المكبات
خاص بآفاق البيئة والتنمية
"اعمل منذ تسع سنوات بهذه المهنة، ولم يخبرني احد طيلة هذه المدة بضرورة إجراء أي فحوصات طبية للتأكد من خلو جسمي من الأمراض نتيجة عملي في مهنة تنظيف الشوارع وجمع النفايات". بهذه الكلمات الممزوجة بعلامات المفاجأة، أجاب عامل النظافة "خالد شاهين" من الخليل عن سؤالنا إذا ما كانت قد طلبت منه المؤسسة التي يعمل بها التوجه لإجراء فحص طبي كل ثلاثة أو ستة أشهر لتقييم وضعه الصحي.
غياب الوعي
يفيد شاهين بأنه يعمل مع سبعة من زملائه يوميا في تنظيف الشوارع وإفراغ الحاويات من النفايات بمختلف أنواعها، ولم يكن على علم بأن عمله في التنظيف قد يؤدي إلى إصابته بالأمراض المزمنة، رغم إشارته بأنه أصيب عدة مرات بجروح نتيجة حمله لبعض النفايات التي تحتوي على مواد حادة مثل المعادن والزجاج، والتي لا يمكن ملاحظتها في الحاويات، كما انه كان يشعر في كثير من الأحيان بالغثيان، نتيجة استنشاقه للروائح الكريهة الصادرة من تلك الحاويات.
ويتابع شاهين بأنه يتعرض مع زملائه من حين لآخر للوعكات الصحية، فيقوم بعضهم بزيارة المركز الطبي التابع للبلدية الذي يقدم لهم العلاج كعادته بناءً على التشخيص الشفوي من خلال الاستماع لما يصفه العامل لحالته الصحية، فيما يفضل بعضهم عدم الذهاب للطبيب والاكتفاء بالراحة ليوم أو يومين في البيت، خوفا أن يكلفهم العلاج مصاريف عالية قد تستنفذ راتبهم المتدني.
أمراض بالجملة
يعمل في محافظة الخليل أكثر من 300 عامل نظافة موزعين في البلديات والمستشفيات وبعض المصانع، ورغم تعامل هؤلاء العمال مع أنواع من النفايات الخطرة مثل جمع نفايات المستشفيات والمصانع التي تستخدم المواد الكيماوية في صناعتها، إلا أن عمال النظافة الذين تحدثنا إليهم أكدوا أنهم لم يتلقوا أي نصائح أو إرشادات، ولم يطلب منهم التوجه لعمل فحوصات طبية.
يفيد عامل النظافة "سالم حرب" بأنه أصيب بحروق بيده أثناء قيامه بإفراغ إحدى الحاويات التي تقع بالقرب من أحد مصانع تعبئة المنظفات بالمحافظة، حيث تبين أنها كانت تحتوي على مواد كيماوية حارقة، ونتجت الإصابة لعدم التزام حرب بوسائل السلامة العامة كارتداء القفازات وملابس خاصة تمنع وصول المواد السائلة للجسم، والتي لم توفر له من قبل المؤسسة التي يعمل بها.
وضع عمال النظافة بالشوارع ليس بأفضل حالا من العاملين في المستشفيات، فهم يزيلون الأمراض من غرف ومرافق المستشفيات دون أدنى دراية منهم للخطر المحدق بهم في ظل غياب التوعية من قبل المؤسسات العاملين فيها، سيما أن نسبة كبيرة من العاملين بهذا المجال هم من الفئات غير المتعلمة وبعضهم يصنفون ضمن الحالات الاجتماعية الخاصة. وفي المقابل فهم معرضون للإصابة بمرض نقص المناعة المكتسبة "الايدز" ومرض التهاب الكبد الوبائي بأنواعه، إضافة الى الأمراض الجلدية المختلفة، وذلك لأنهم يتواصلون مباشرة بشكل مستمر مع مخلفات العمليات من الإبر والمشارط وغيرها من المعدات الطبية الملوثة بالدماء.
عامل النظافة "إياد السيد" أكد بأنه تعرض أثناء عمله في أحد المراكز الطبية لوخزة إبرة مستعملة تسببت له بانتفاخ في اليد، تم تقديم العلاج له ولكن دون تحويله لإجراء فحوصات طبية شاملة.
عمال نظافة في الخليل يعملون في افراغ الحاويات دون اي وسائل وقاية
تهميش وإهمال
مصادر من صحة الخليل أشارت إلى أن عمال النظافة في مناطقنا هم الأكثر عرضه للإصابة بالأمراض المختلفة، وغياب فصل النفايات في مدننا يزيد الأمر تعقيدا، لهذا يرى "المصدر" بأن المسؤولية تلزم توفير ما يلزم تلك الفئة من معدات حماية وتوعية تقع على المؤسسات المشغّلة، في حين تتحمل وزارة الصحة التطعيم اللازم للوقاية من بعض الأمراض كالتيتانوس وفيروس الكبد الوبائي.
وتابع المصدر بأن نسبة المهتمين من المؤسسات المجتمعية بعمال النظافة بالمحافظة لا تتجاوز 20%، ويظهر ذلك من خلال نسب قليلة من البلديات والمصانع ترسل عمالها لإجراء فحوصات دورية، وأضاف بأن المسؤولية لا تتحملها المؤسسات لوحدها، بل هناك بعض العمال يتهاونون في إجراء الفحوصات الطبية لعدم وعيهم بخطورة عملهم، معللاً ذلك بأن 80% من عمال النظافة غير متعلمين وهذا يتطلب مضاعفة الالتفات إليهم.
وهنا لا بد من الإشارة إلى ان استمرار بعض مؤسسات الحكم المحلي ومديريات الصحة في تجاهل توعية عمال النظافة وغياب الرعاية الصحية المقدمة لهم، وتجاهل توفير ما يلزمهم من أدوات السلامة العامة، حتما ستجعل عمال النظافة يدفعون أنفسهم ثمناً لهذا التقصير، وقد لا نجد في المستقبل من يقبل بالعمل بهذه المهنة اذا بقي الاهتمام بها على هذا الحال.