خاص بآفاق البيئة والتنمية
بالتعاون بين مجلة آفاق البيئة والتنمية ومركز العدل البيئي في جمعية الجليل
قرية وادي النعم تُعد من أكبر القرى البدوية غير المعترف بها في صحراء النقب، ويبلغ عدد سكانها نحو 13,000 نسمة حسب التقديرات غير الرسمية. ورغم مرور أكثر من خمسة عقود على استقرار السكان فيها بعد تهجيرهم من مناطق "الخزعلي والمرتبة" في النقب خلال سنوات الحكم العسكري في الخمسينيات والتي أُعلن عنها "مناطق عسكرية مغلقة"، ورغم مرور عشرات السنوات على تهجيرهم إلى "وادي النعم" فإن القرية لا تزال محرومة من أبسط البنى التحتية، وعلى رأسها الكهرباء، علمًا أن واحدة من أكبر محطات الطاقة الإسرائيلية أُقيمت بين منازلهم وعلى أراضيهم وتُدعى ("أوروت يوسف") ولا يحصلون منها إلا على تلوث الهواء. وفي الوقت ذاته، تشهد المناطق المجاورة للقرية نهضة ضخمة في مشاريع الطاقة الإسرائيلية، خاصة في مجال الطاقة الشمسية.
|
 |
صورة لبعض منازل وادي النعم وتظهر فيها نظم الطاقة الشمسية التي يعتمدها السكان - GOVMAP [5] |
تُعد قرية وادي النعم من أكبر القرى البدوية غير المعترف بها في صحراء النقب، ويبلغ عدد سكانها نحو 13,000 نسمة حسب التقديرات غير الرسمية[1]. ورغم مرور أكثر من خمسة عقود على استقرار السكان فيها بعد تهجيرهم من مناطق "الخزعلي والمرتبة" في النقب خلال سنوات الحكم العسكري في الخمسينيات والتي أُعلن عنها "مناطق عسكرية مغلقة"[2]، ورغم مرور عشرات السنوات على تهجيرهم إلى "وادي النعم" فإن القرية لا تزال محرومة من أبسط البنى التحتية، وعلى رأسها الكهرباء، علمًا أن واحدة من أكبر محطات الطاقة الإسرائيلية أُقيمت بين منازلهم وعلى أراضيهم وتُدعى ("أوروت يوسف") ولا يحصلون منها إلا على تلوث الهواء[3]. وفي الوقت ذاته، تشهد المناطق المجاورة للقرية نهضة ضخمة في مشاريع الطاقة الإسرائيلية، خاصة في مجال الطاقة الشمسية.
إقصاء من الارتباط بشبكة الكهرباء!
منذ تأسيسها، لم تُربط قرية وادي النعم بشبكة الكهرباء التابعة لشركة الكهرباء الإسرائيلية (IEC) وذلك رغم مرور خطوط الضغط العالي على مقربة من المنازل ووجود محطة لإنتاج الطاقة على أراضي القرية. في المقابل يُجبر السكان على الاعتماد على أنظمة طاقة شمسية صغيرة بالكاد تكفي لتشغيل أجهزة التدفئة أو التبريد أو حتى الأجهزة المنزلية الأساسية مثل الثلاجات والغسالات. كما يضطر بعض السكان للاعتماد على مولدات ديزل أحيانًا والتي تُعد خيارًا مكلفًا وتشكل خطرًا بيئيًا وصحيًا[4].
في عام 2022، أظهر تقرير صادر عن مركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست الإسرائيلي أن عشرات الآلاف من المنازل في القرى البدوية غير الموصولة بالكهرباء تعتمد على مصادر غير نظامية، وهي مصادر بالكاد تكفي الاحتياجات الأساسية.
الفقر الطاقي الحاد.. في "واحة الطاقة"
خلال البحث الميداني ومراجعة الصور الجويّة للقرية نجد أن العديد من المنازل لديها منظومة طاقة مكونة من 3 إلى 6 ألواح غالبًا، وهو ما يجسد حالة من "الفقر الطاقي الحاد" (Extreme Energy Poverty) حيث لا يُمكن للمواطن أن يعتمد على مثل هذه المنظومة لشغيل أجهزة كهربائية أساسية في الأيام الغائمة، كما لا يُمكنه الاعتماد عليها في تبريد الأدوية وتشغيل أجهزة طبيّة للتنفس مثلًا.

صورة لطفل من وادي النعم يتكئ على لوحة طاقة شمسية ومن خلفة محطة الطاقة اوروت يوسف - تصوير عمر عاصي
الدراسات التي تتناول الفقر الطاقي في النقب شحيحة والمعطيات حول إنفاق الأسرة على الطاقة ليست واضحة، لكن وفقًا لتقديرات المواطنين الذين يضطرون للاستثمار في نظم الطاقة الشمسية وكذلك شراء كميّات كبيرة من الغاز والحطب لتأمين حاجاتهم الأساسية، فإن إنفاقهم على موارد الطاقة أكبر بكثير من إنفاق بقيّة السكان بنسبة قد تصل، وفق التقديرات، إلى 3 أضعاف أو أكثر!
المعاناة بسبب هذا الفقر الطاقي تختلف باختلاف فصول السنة؛ ففي فصل الصيف يعاني السكان من درجات حرارة مرتفعة للغاية بدون مكيفات أو مراوح، بينما في الشتاء يضطرون إلى استخدام وسائل بدائية للتدفئة كالحطب، ما يعرضهم لمخاطر صحية متزايدة مثل التسمم بأول أكسيد الكربون أو حرائق منزلية تؤدي غالبًا إلى ضحايا[6].
أما أكثر الفئات تضررًا من الفقر الطاقي فهُم كبار السن بسبب عدم وجود قدرة على تبريد وتدفئة الأماكن كما ينبغي (أكثرهم يعيشون في بيوت من صفيح)، كذلك الاشخاص الذين يُعانون من أمراض مُزمنة (مثل الأمراض التنفسيّة). والجدير بالذكر أن هناك ارتفاع في معدلات السرطان والأمراض التنفسية والعيوب[7] والتشوهات الخلقية[8] في قرية وادي النعم بسبب كثرة المصانع المُلوّثة في محيط القرية[9].
من التناقضات الواضحة التي يعيشها أهالي وادي النعم، حرمانهم من الطاقة رغم وجود محطة تُنتج الطاقة بين منازل القرية، علما أنها أقيمت على أراضي القرية عام 1979 وهي تعتمد على الوقود الأحفوري (الغاز الطبيعي) بشكل أساسي؛ كما أنها تنتج حوالي 850 ميغا واط من الطاقة يستفيد منها أكثر من 150 الف منزل على الأقل، معظمها من منازل البلدات اليهودية، بينما معظم السكان البدو وسكان القرى مثل وادي النعم لا يستفيدون من هذه المحطات، بل العكس، فهم يُعانون من التلوث الذي تنتجه. ووفقًا للدراسات فإن محطة الطاقة في وادي النعم تعتبر من أكثر المُنشآت تلويثًا في البلاد[10].

صورة لمحطة اوروت يوسف من خلال ملفات المحاكم الإسرائيلية [11]
الطاقة الشمسية والغسيل الأخضر!
ضمن مساعي الحكومة الإسرائيلية للتخفيف من "البصمة الكربونيّة" تم استغلال الكثير من الأراضي المسلوبة من بدو النقب لإقامة محطات طاقة شمسية، وفعلا أقيمت الكثير من حقول الطاقة الشمسية في المناطق القريبة من قرية وادي النعم، وأبرزها حقل الطاقة الشمسية في "رمات حوفيف" (2014)، والذي ينتج 37.5 ميغاواط لصالح شركة الكهرباء. ومرّة أخرى، رغم أن المحطة تهدف إلى تحقيق الاستدامة البيئية فإن أهالي المنطقة حُرموا من هذه الطاقة الخضراء الصديقة للبيئة، رغم أنهم أحوج الفئات إليها.
على بُعد نحو 20 كيلومترًا فقط من وادي النعم، يقع واحدًا من أضخم مشروعات الطاقة الشمسية الإسرائيلية وهو محطة أشاليم للطاقة الشمسية التي تأسست عام 2016 وهي محطة طاقة ذات قدرة إنتاجية تكفي لنحو 60 ألف منزل[12]، وهنا أيضا، فإن نحو 99% من سكان القرى البدوية المحرومة من الكهرباء لا يستفيدون من هذه "الطاقة الصديقة للبيئة".

حقل للطاقة الشمسية يتوسط منازل القرية المحرومة من الوصول إلى شبكة الكهرباء القطرية - عام 2023 من موقع GOVMAP
من اللافت أن بعض شركات الطاقة الشمسيّة تزعم بأن مشاريع الطاقة تعود بالفائدة على البدو لأنهم يعملون فيها في مرحلة التأسيس والبناء وكذلك في تنظيف الألواح وغسلها من الغبار الصحراوي المتراكم، متجاهلة تمامًا أن الكثير من المحطات تُقام على أراضي مسلوبة وأن غالبية جيران هذه المنشآت لا يستفيدون منها ويحرمون من الطاقة المنتجة فيها، ما دفع العديد من المؤسسات الدولية المعنية إلى اتهام هذه المشاريع بأنها ليست إلا غسيلا أخضر[13]greenwashing)).
الطاقة المتجددة والتهجير القسري؟
في تقرير نشرته صحيفة "ذا ماركر" الإسرائيلية تحت عنوان "البناء غير القانوني في النقب يعيق استخدام الطاقة المتجددة في شبكة الكهرباء"، تم تصوير العائلات البدوية المقيمة في النقب كعقبة في وجه "التحول الأخضر"، عبر الادعاء أن وجودها غير القانوني يعطل مدّ خطوط الكهرباء الضرورية لنقل الطاقة الشمسية من الجنوب إلى باقي أنحاء البلاد. وتُظهر الصحيفة أن شركتي نڤا (نِغا) وشركة الكهرباء القطرية تلقيان باللوم على "السلطات القانونية" لعدم إخلاء العائلات البدوية، ما يعكس توجهًا عنصريًا مقلقًا في الخطاب الرسمي والإعلامي، حيث تُصبح المجتمعات المهمشة "مشكلة" في طريق التنمية، بدل أن تكون شريكة فيها[14].

خريطة لبعض المنازل المعرضة للتهجير (النقط الرمادية) حسب الخطة الهيكلية القطرية - منطقة وادي النعم[15]
توسيع البنية التحتية لشبكة الكهرباء في سياق خطة الهيكلية القطرية ([16]Tama 10/C/9) يعني تهديد آلاف السكان في قرى وادي النعم، وادي المشاش، والسِرّ، لخطر التهجير القسري مجددًا، حيث سيغطي هذا المشروع مساحة شاسعة تُقدّر بنحو 18,200 دونم (4,500 فدان)، وأكثرها أراضي يسكنها البدو أو سلبت منهم[17].
تاريخ طويل من الإقصاء والعنصرية!
لا يُمكن الحديث عن الإقصاء والتمييز ومحاولات التهجير الذي يعاني منه الاهالي في وادي النعم دون الحديث عن منشآت معالجة النفايات السامة التي تقع بجوار القرية[18]؛ فالإقصاء والتهميش له تاريخ طويل في هذه المناطق وهو يظهر واضحًا حتى في الكتب الدراسية الرسمية التي تتحدث عن هذه المنشآت التي "تمدح" هذه المنشآت السامة باعتبارها أنشئت لتكون بعيدة عن "السكان" والقصد بأنها بعيدة عن البلدات اليهودية[19]، بينما هي في الواقع لا تبعد سوى 1 كيلومتر عن قرية وادي النعم التي تم التعامل مع سكانها باعتبارهم "لا احد"[20].
خلال مرحلة التخطيط والتنفيذ لإقامة المنطقة الصناعية "رمات حوفيف" سنة 1974[21] (التي صارت لاحقا تسمى "ناؤوت حوفيف") لم يُؤخذ في الاعتبار وجود سكان بدو في وادي النعم والجوار. لاحقًا أصبحت "ناؤوت حوفيف" من أخطر مصادر التلوث البيئي في منطقة النقب لدرجة أن جزءا من البدو الذين سكنوا قرب وادي النعم قرروا الهجرة خوفًا على أطفالهم من التلوث الناجم عن مصانع "رمات حوفيف".
وذات ليلة حمل السكان أغراضهم تاركين المنطقة (بسبب التلوث) ليعودوا إلى موطنهم الأصلي في بير هداج رغم معارضة الحكومة وتهديدهم بالإخلاء بادعاء أنهم يستولون على أراضي الدولة، رغم أن هذه الأراضي تتبع لهم تاريخيا [22].
تشير العديد من الأبحاث إلى أن معدلات الإصابة بالسرطان في القرى البدوية هو من بين الأعلى في إسرائيل، وتعتبر النسبة في وادي النعم أكثر بـ 65% من المعدل في قرى شبيهة[23]. ووفقًا لمصادر القرية فإن السبب الرئيسي للوفيات في القرية هو الامراض الخبيثة والاورام السرطانية - كما تشير تقارير محلية[24]. كذلك فإن معدل موت الرُضع يصل إلى 3 أضعاف المعدل في البلاد. كما هناك تجاوزات بمعدل عشرات آلاف في المئة أكثر من المعايير في انبعاثات مركبات كيميائية مسرطنة. وبما أن السكان البدو هم الأقرب من هذه المنشآت، فإن أهالي وادي النعم هم المتضررون الرئيسيون من التلوث.

هل وادي النعم ومن خلفها المنطقة الصناعية لرمات حوفيف هو نموذج للعنصرية البيئية؟ - سؤال للنقاش مطروح في كتاب "الأخلاقيات البيئية" الصادر عن وزارة المعارف الإسرائيلية.
من اللافت كذلك أن نجد تقارير تغطي حوادث مثل اختناق 25 جنديا إسرائيليا في معسكرات التدريب القريبة من الغازات السامة المنبعثة من أحد المصانع، بينما نجد القليل من التقارير الإعلامية الإسرائيلية عن المعاناة الصحية لأكثر من 10 آلاف بدوي من ذات المنشآت، والذين يعانون بنسب مرتفعة من الربو والأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية والإجهاض.
لطالما حاول السكان رفع دعاوى قضائية ضد المصانع الكيميائية في "رمات حوفيف" بنحو 296 مليون دولار[25]، إلا أنها لم تثمر حتى اليوم.
عنصرية وتهجير تحت غطاء "صديق للبيئة"
ما يحدث في وادي النعم ليس مجرد إهمال بل هو عنصرية بيئية منظمة لفرض سياسات تخطيطية منهجية تهدف إلى تهجير البدو وتجميعهم في مناطق مُركزة للحد من انتشارهم على أراضيهم التاريخية التي تنوي الحكومة الإسرائيلية إنشاء المستوطنات عليها، وهو مشروع بدأ منذ نكبة 1948 وما زال مستمرًا، وبالتالي فإن الحرمان من الطاقة، سواء التي تعتمد على الوقود الأحفوري أو الطاقة الشمسية المتجددة، يهدف أساسا إلى تهجير البدو. ورغم محاولات السُكان الجادّة لابتكار حلول من خلال مولدات الديزل (سابقًا) ونظم الطاقة الشمسية المنزلية (حاليًا)، إلا أن هذا كله لم ينقذ عائلات كثيرة من الفقر الطاقي الحاد، بل نفس العائلات تشاهد آلاف الدونمات من أراضيها المسلوبة تُقام عليها مشاريع طاقة شمسية ضخمة تهدف إلى تقليل "البصمة الكربونية"، بينما هي في الواقع تهدف إلى إقصائها وبالتالي تفاقم الظلم والعنصرية.
[4] Kattan et al., 2018 – Practical Challenges of Photovoltaic Systems in the Rural Bedouin Villages.
[9] כהן, מ., מאיר, א., & קיסינגר, מ. (2021). Spatial Constraints and Environmental Threats in Unrecognized Bedouin Villages Wadi al-Na'am and Al-Fur'a: Spatial Conceptualization of Indigenous Societies in Transition/אילוצים מרחביים ואיום סביבתי בכפרים הבדואים הלא מוכרים ואדי אל-נעם ואל-פורעה: המשגה מרחבית של חברות בתהליכי מעבר. אופקים בגאוגרפיה, 186-207.
[12] https://nocamels.com/2018/01/renewable-energy-negev-solar-power/
[18] GAVRIKOVA, Karina. "ENVIRONMENTAL JUSTICE IN ISRAEL: THE CASE STUDY OF THE ARAB BEDOUIN IN THE NEGEV." (2010).
[20] Weizman, Eyal, and Fazal Sheikh. The conflict shoreline: colonialism as climate change. Steidl, 2015.
[22] Nasasra, M. et al. (2014). The Naqab Bedouin and Colonialism: New Perspectives
[23] כהן, מ., מאיר, א., & קיסינגר, מ. (2021). Spatial Constraints and Environmental Threats in Unrecognized Bedouin Villages Wadi al-Na'am and Al-Fur'a: Spatial Conceptualization of Indigenous Societies in Transition/אילוצים מרחביים ואיום סביבתי בכפרים הבדואים הלא מוכרים ואדי אל-נעם ואל-פורעה: המשגה מרחבית של חברות בתהליכי מעבר. אופקים בגאוגרפיה, 186-207.