مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تشرين أول 2011 العدد-39
 

على خلفية دفن إسرائيل نفاياتها النووية في الأراضي الفلسطينية
حرب الأشعة الإسرائيلية على الجسد الفلسطيني

قبر النفايات يقبر البشر

تحسين يقين

"بالرغم من كل هذه الإضاءة الناتجة عن التنوير والإعلام عن الظاهرة، إلا أن المواطن الفلسطيني ما زال لا يدرك مدى صدق المعلومات من المبالغة فيها. وللأسف الشديد لولا وجود إسرائيليين رفعوا بعض صوتهم للتحذير من عواقبها الصحية على المجتمع الإسرائيلي قبل المجتمع الفلسطيني، لما أمكن طرح القضية بجرأة من قبل المختصين الفلسطينيين في مجال الطب والبيئة، حيث يفتقرون لمعلومات دقيقة يستندون عليها في هذا المجال.
من الإشعاعات النووية والغازات الكيماوية إلى اليورانيم المستنفذ الذي استخدمته قوات الاحتلال الإسرائيلية في قذائفها على الفلسطينيين، إلى تفتيش أجساد المسافرين الفلسطينيين بواسطة أشعة X ، إلى تشعيع خيم المعتقلين الفلسطينيين حتى لا يستطيعون الاتصال بذويهم من خلال التلفونات المحمولة التي استطاعوا تهريبها، إلى ما تناقلته وسائل الإعلام من اجتهادات تفسر موت الرئيس عرفات بواسطة إشعاعات كما حدث مع خالد مشعل الذي لم يتعرض للاشعاع بل تم حقنه، إلى ضجر الفلسطينيين من أبراج  الضغط العالي ومحطات التقوية للأجهزة الخلوية وأبراج إرسال التلفزيونات الإسرائيلية والفلسطينية. مراسلو "آفاق البيئة والتنمية" تقصوا في التحقيق التالي من فلسطين ما يدور من أخطار تهدد الإنسان الفلسطيني وبيئته وصحته".
بدأ تناول الفلسطينيين للمشكلة حين لاحظ الأطباء  شيوع أمراض السرطان وأمراض أخرى لم تكن موجودة، خصوصا جنوب الخليل. هكذا تبدو الصورة فعلاً، بسبب ما يظنه الفلسطينيون من التسريبات الناجمة عن المفاعل النووي الإسرائيلي الموجود في صحراء النقب جنوب فلسطين المحتلة، وبسبب إقدام دولة الاحتلال على دفن نفاياتها النووية في الأراضي الفلسطينية.
د. محمود سعادة، صاحب عيادة في بلدة الظاهرية، على تماسّ مباشر بمرضى السرطان وطبيعة إصاباتهم، ويمتلك العديد من الأدلة والشواهد، ولديه سجل دقيق يرصد فيه أحوال المرضى.

 حرب الرحم
يقول سعادة "للبيئة والتنمية": يبدو أن الحرب القادمة هي حرب الرحم الفلسطيني، وقد ثبت علمياً أن الإناث عرضة للإصابة بالسرطان أكثر من الذكور، وتحدّث عن عشر نساء أجهضت الواحدة منهن أكثر من خمس مرات. ووصلت نسب الدم إلى درجة خطيرة من التدني، وازدادت حالات تساقط الشعر، وجرثومة المعدة، كما وصل عدد المعاقين في بعض العائلات إلى أكثر من خمسة أشخاص وعدم الإنجاب، والتخلف العقلي، والإعاقات الجسدية، وعدم النمو الطبيعي وغيره، وذلك في بلدة الظاهرية ومحيطها.
ويضيف بإسهاب عما تناولته الصحافة الإسرائيلية وكبار الكتاب الإسرائيليين حول المخاطر وراء الإشعاعات، على وجه الخصوص تلك الصادرة من مفاعل ديمونا النووي، وما تمت ملاحظته من حالات مرضية غريبة وأخرى لم تكن معروفة في المجتمع الفلسطيني، مشيراً إلى أن عشرات الحالات من الظاهرية تعالج حالياً في مستشفى بيت جالا.
وكان سعادة قد كشف قبل 12 سنة وتحديدا في (10/7/)1999 بجرأة عن الحالات المسرطنة الناتجة عن الإشعاعات النووية، في مؤتمر صحفي في تل أبيب دعته إليه حركة السلام الآن الإسرائيلية، وقد قوبل سعادة آنذاك بالرفض من الإسرائيليين الذين طلبوا منه عدم التطرق إلى الموضوع، بل وحاولوا طرده من المؤتمر.  وتطرق الدكتور سعادة إلى مساعي إسرائيل لإبقاء القضية طي الكتمان وعدم طرحها أمام الجمهور نظراً لما يعنيه ذلك من وضع الدولة العبرية في موقف حرج أمام اليهود بالإضافة إلى المجتمع الدولي.  وتابع سعادة بأن الصحافة الإسرائيلية أفادت بأن مكب النفايات السامة بمنطقة ديمونا يسبب زيادة في نسبة الوفيات والإصابة بمرض السرطان، الأمر الذي يعني وجود صلة بين الملوثات الناجمة عن النفايات السامة في مكب النفايات رمات حوفيف، في النقب، وبين النسبة المرتفعة للوفيات والإصابة بالأمراض، وكثرة العيوب الخلقية بين السكان البدو، والإصابة بمرض السرطان لدى النساء اليهوديات في منطقة رمات حوفاف القريبة من المفاعل النووي الإسرائيلي في منطقة ديمونا.  وروى سعادة ان الاعترافات الإسرائيلية توالت بوجود مشكلة خطيرة، ففي يوم 15/7/2004 نشرت الصحافة ان هناك نشاطا إشعاعيا طبيعيا قويا في المياه الجوفية جنوبي إسرائيل وبدرجات مختلفة في صحراء النقب ووادي عربة على طول الحدود مع الأردن، الأمر الذي نفاه الإسرائيليون معللين ذلك بوجود مواد مشعة طبيعية في المنطقة مثل الراديوم وغاز الرادون وان لا علاقة لذلك بنشاطات مفاعل ديمونا في الجنوب.  بعد ذلك جاءت الدعوة المصرية في 16/7/2004 لوقف استخدام المياه الجوفية في المناطق المتاخمة لإسرائيل، حيث حذر 15 نائباً في البرلمان المصري احتمال تلوث المياه الجوفية في تلك المناطق بالإشعاعات الخطيرة الناتجة عن البرنامج النووي الإسرائيلي. ويبدو أن الأمر لا يقتصر على جنوب الخليل، بل يتعداه إلى قرى النقب المتاخمة لتلك المناطق، التي تشهد حالات من السرطان والعقم والتشوهات، مما ينذر بخطر كبير.
كل شيء يشير - كما يقول د. سعادة – إلى أن الجو في جنوب الخليل ملوث بالإشعاعات النووية لقرب المنطقة من مفاعل (ديمونا) النووي، ولوجود العديد من مكبات النفايات النووية هناك، فضلاً عن عدم وجود حواجز إسمنتية توضع حول المفاعل أو المكب، لصد هذه الإشعاعات، الأمر الذي قد يخفف أثرها لكن لا يخفيها نهائياً. ويضيف: لقد ولد في الآونة الأخيرة طفل نصف وجهه أحمر، وتم اكتشاف سرطان الثدي لدى عجوز، الأمر الذي لا يمكن إرجاعه إلى عامل الوراثة، حيث هناك حالات تشوه وسرطان لدى عائلات غريبة عن بعضها البعض من عشائر مختلفة. كما أنه من خلال عمله في معالجة المرضى من أهالي جنوب الخليل وتحديداً الظاهرية، فإنه لا يبالغ عندما يقول إن حالات السرطان أصبحت يومية في هذه المنطقة.
واستعرض عدداً من الحالات المرضية المصابة بالسرطان جراء الإشعاعات النووية، فهناك أطفال يولدون دون أيدي، ومنهم من يولد بتشوه في وجهه أو جسمه، وقد ولد أحد الأطفال بانحراف كامل في الوجه إلى جهة اليسار، كما أن الأورام الجلدية تنتشر بين الناس بسبب هذه الإشعاعات القاتلة، ولوحظ أن الرجال في قرى جنوب الخليل يعانون من تساقط الشعر بشكل كبير.
ويذكر د. سعادة إحدى الحالات وهي النمو غير الطبيعي للأمعاء، عند أحد الأشخاص حيث أصبح شكلها مثل ثمرة القرع وهو تشوّه غريب من نوعه، منوّهاً إلى أن هذه الحالة تشكل خطورة كبيرة وتحتاج إلى بحث عميق للتعرف على هذا النوع من التشوهات الخطيرة، مما يؤكد أن السبب وراء ذلك هو الإشعاعات النووية التي تصل إلى جنوب الخليل من المكبات النووية التي تقيمها إسرائيل هناك.
ويبدو الأمر في غاية السوء، في ظل وجود مكبات نووية لم تستطع سلطة البيئة الفلسطينية تحديد أماكنها بدقة بسبب التكتم الإسرائيلي ولسيطرة الجيش على هذه المناطق حيث يشكّل ذلك خطورة تحول دون الكشف الميداني عن هذه المكبات، إلا أن بعض السكان من مناطق مختلفة كان يبلغ عن قيام الجيش بتطويق منطقة معينة وتأتي سيارات خاصة تنقل هذه النفايات، ويتم إخفاء هذه المواد بمواد إسمنتية شبيهة بالصخور حتى يصعب التعرف عليها. وقد شكلت المستوطنات والتجمعات الصناعية الخطر الأكبر على البيئة الفلسطينية، حيث تقوم إسرائيل بدفن نفايات مفاعل ديمونا في أراضي قرى: يطا والظاهرية وبني نعيم بمحافظة الخليل إضافة إلى أراضي صحراء النقب. وقد سجلت دائرة الإحصاء الفلسطينية أن أعلى نسبة إصابة بمرض السرطان في العالم هي في الضفة الغربية، وأعلى نسبة سرطان هي في المنطقة الجنوبية الشرقية لمدينة الخليل، وخاصة قريتي بني نعيم ويطا.
كذلك يقوم مفاعل ناحال سوريك بدفن نفاياته النووية بالقرب من قرية صوريف غربي مدينة الخليل، الأمر الذي أدى إلى تلويث المياه الجوفية في المنطقة.
التجمعات الإسرائيلية اليهودية رفضت دفن هذه النفايات بالقرب منها وقامت بمظاهرات واحتجاجات ورفع قضايا ضد الحكومة خشية على أرواحهم، ومن هذه التجمعات بلدة بيت شيمش القريبة من مفاعل (ناحال سوريك) وبلدة (عومر) و(عراد) القريبة من مفاعل ديمونا.
وقد أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً بعدم دفن هذه النفايات بالقرب من التجمعات
وذكر د. خليل الذباينة من جامعة الخليل، والحاصل على شهادة الدكتوراة في الفيزياء النووية، عن القضية "للبيئة والتنمية" بيانات وأرقاماً مقلقة حول النسب العالية للإشعاع في منطقة جنوبي الخليل مقارنة بالنسبة الطبيعية لكمية الإشعاع، حيث لوحظ وجود ارتفاع إلى حد لا يمكن السكوت عليه في قرى وبلدات جنوب الخليل، علماً أن الفحوصات أجريت في الهواء المفتوح.
ونصح د.الذباينة الجمهور بضرورة تجنب استخدام بعض أنواع الساعات المضيئة والتي تحتوي على عنصر الراديوم المشع، وأيضاً البورسلان المستخدم في طلاء الأسنان الصناعية لجعلها لامعة بحيث تقوم بتشعيع أنسجة الفم؛ وذلك للتقليل من التعرض للخطر الإشعاعي.
وقد دفعت تلك المعلومات أهالي بلدة يطا(جنوب الخليل) إلى نشر مناشدة مفتوحة في جريدة (الحياة الجديدة) لإنقاذهم من هذا (الغول) الذي يتهدّدهم.

الصحة: انتشار مرض السرطان أقل من المعدل الطبيعي!!!
ومن وجهة النظر الرسمية اعترض الدكتور نبيل السيد مدير صحة الخليل على البيانات والأرقام التي ذكرها المشاركون في ندوة حول ارتفاع نسبة مرض السرطان في المحافظة، مشيراً بأن حالات الإصابة بمرض السرطان في ازدياد في العالم بشكل عام، مضيفاً ان عدد حالات الإصابة بالسرطان في مدينة الخليل أقل من المعدل الطبيعي حتى بالنسبة للمحافظات الأخرى، حيث إن نسبة الإصابة بالسرطان في المحافظة تصل إلى 62 شخصا لكل مئة ألف مواطن حسب إحصائيات وزارة الصحة في الخليل، وتابع الدكتور السيد إلى انه ليس هناك ظاهرة غير طبيعية أو مقلقة في مدينة الخليل، كما أشار السيد انه ليس عالم فيزياء ليثبت أو ينفي وجود خطر أو إشعاع، فتقرير سلطة الطاقة الفلسطينية نفى وجود إشعاع فوق المعدل الطبيعي في المنطقة.  معتبرا أن المبالغة في الأرقام من شأنه ان يؤدي إلى ترويع المواطنين. كما نفى أيضاً رئيس بلدية يطا المهندس سامي شنيور أحاديثَ أشارت إلى أن نسبة العقم بلغت نحو 60 % واعتبرها عارية عن الصحة وغير سليمة وليست مبنية على أسس علمية، مؤكداً في الوقت نفسه على تصريحات مدير صحة الخليل د. نبيل السيد ودراسات الصحة التي تؤكد أن هناك تضخيماً في النسب والأعداد. وقال: هذا الأمر حسّاس للغاية وقد أدى في بعض الأحيان إلى إثارة البلبلة والحرج والمشاكل بين العائلات.

أجهزة قياس الإشعاع التي اعتمدتها السلطة قديمة
وفي رد على ما طرحه مدير صحة الخليل نبه الدكتور خليل الذباينة إلى وجود تناقض سببه ان الجهاز المستخدم في القياسات التي حصلت عليها الجهات الرسمية يعود لسنة 1960، وذلك في ظل وجود أحدث الأجهزة حالياً، والتي من شأنها ان تظهر أدق القياسات.

تسريبات إسرائيلية نووية وإعلامية
وكانت صحيفة القدس قد أوردت في 26/4/2005 أن الطبيب الإسرائيلي ميخائيل شابيرا من مشفى هداسا، أكد صحة المعلومات الواردة عن انتشار مرض سرطان الدم على نحو غير طبيعي في منطقة جبل الخليل، وبلدة يطا تحديداً، ولم يستبعد الطبيب الإسرائيلي أن يكون لذلك علاقة بمخلفات نووية وكيماوية خطيرة يتم دفنها في مناطق تتاخم تلك البلدة دون رقابة، موضحاً أن انتشار سرطان الدم لدى عشرات المواطنين يعني وجود تلوث خطير في مصادر المياه. لكن مستشفى هداسا الإسرائيلي الشهير الذي يعمل فيه شابيرا نفى ذلك واعتبر ان شابيرا لا يمثل وجهة نظر المشفى في اسرائيل.
لأول مرة في تاريخ الدولة اليهودية، رفع بعض عمال المفاعل النووي في ديمونا الواقعة في صحراء النقب، قضايا في المحاكم الإسرائيلية ضد المفاعل.
فقد ذكرت صحيفة يديعوت احرونوت الإسرائيلية أن أولئك العمال يعدون من أقدم العاملين في المنشأة النووية الإسرائيلية السرية، ويشغلون وظائف حساسة جداً في المفاعل.  وكشفت لوائح الادعاء سلسلة من الفضائح المتصلة بانعدام الإجراءات الوقائية أثناء العمل داخل المفاعل، الأمر الذي تسبب في تعرض العاملين لكمية كبيرة من الإشعاعات الخطرة.  وقد انضم أولئك العمال إلى عشرات أسر عمال (إسرائيليين) توفوا في السنين الأخيرة بسبب تعرضهم لإشعاعات نووية في المفاعل أو أنهم استقالوا من العمل في المفاعل.
وقد رفعت المحكمة المركزية في تل أبيب 11 شكوى ضد مفاعلي ديمونا وناحال سوريك.  وتصل قيمة المبالغ التي تطالب الشكاوي إلى 76 مليون شيقل (أكثر من 17 مليون دولار، علماً أن أسماء المشتكين ظلت سرية بأمر من المحكمة الإسرائيلية.
ومن بين القضايا المرفوعة ضد مفاعل ديمونا، برزت قضية مراقب التحكم بالأشعة في المفاعل، والذي عرف عنه بجرأته في انتقاد إدارة المفاعل، وقبل 7 سنوات أعد المراقب وثيقة مطولة عالجت موضوع السلامة المهنية لعمال المفاعل لدى تعرضهم للأشعة أو تعاملهم مع مواد خطرة.  وقد شاع أمر الوثيقة في منشآت ديمونا، الا انه وبسبب كون الوثيقة سرية، كما يقول المراقب، لم يحصل الأخير على تصريح بنشرها.
إسرائيل تفرض تكتماً على الموضوع، وتتعرّض لكل من يحاول إبراز هذه المشكلة، إلا أن ذلك لم يمنع مسؤولاً في وزارة البيئة الإسرائيلية من القول بأن الأمر بالغ الخطورة على البيئة والإنسان، في المناطق الأكثر تعرّضاً لانبعاث الإشعاعات من مكبّات النفايات النووية وقربها من المفاعل.

اماكن دفن النفايات النووية

 حبوب (لوجول) المضادة
التهديد الخطير الذي يشكله مفاعل ديمونا، اضطر حكومة إسرائيل لاحقاً إلى اتخاذ قرار بتوزيع حبوب مضادة للمواد المشعة، على سكان البلدات الإسرائيلية المجاورة للمفاعل.
كما أنّ الجهاز الأمني الإسرائيلي صادق على توزيع هذه الحبوب لسكان هذه البلدات، إلا أن القرار الأخير بهذا الشأن، ترك لإقراره من قبل الحكومة. وقد سبق لهذا الجهاز أن قرر توزيع حبوب اليود التي يفترض بها أن تمنع تسرب المواد المسببة للسرطان إلى الجسم، لكنه تقرر في النهاية الإبقاء على هذه الحبوب في المخازن. لكن المسؤولين في الجهاز الأمني عادوا وقرروا، مؤخراً، وبعد سلسلة من المداولات التي امتدت لأكثر من عامين، تقديم حبوب اليود، المسماة (لوجول)، لسكان يروحام وديمونة (المجاورتين للمفاعل النووي) وكذلك لسكان يفنه (المجاورة للمركز النووي في ناحل شوريك)، تحسباً لأي طارئ.

مستنفذ
ولا ننسى ان سلطات الاحتلال الإسرائيلية استخدمت ذخائر وقذائف مصنوعة من اليورانيوم في قمع المتظاهرين في الانتفاضة الثانية، وهذا اليورانيوم حتى ولو كان مستنفذاً، فإنه حسب الخبراء والأطباء، يظل يشكل خطراً على الصحة العامة، فهو يمتاز بدرجة عالية من السمية، والإشعاعات والقدرة على الاختراق.
إن مادة اليورانيوم المستنفد هي نفسها مادة اليوارنيوم الطبيعي بعد عزل العنصر 237 الفعال، الا أن استخدامها في صناعة الذخائر يعطي الأخيرة قوة اختراق هائلة، كما ان إدخالها في صناعة دروع الدبابات يزيد من صلابة الدروع أمام القذائف الموجهة إليها، وهي مادة ذات كثافة عالية وتزيد في كثافتها عن كثافة الرصاص بـ 1.7% ولها خاصية الاختراق التلقائي بمجرد الارتطام بأي جسم، الأمر الذي ينجم عنه تطاير ذرات دقيقة في الهواء يمكن استنشاقها بسهولة.  وقد كشفت بعض المنظمات الدولية عن استخدام إسرائيل الذخائر وقذائف الدبابات المحتوية على مادة اليورانيوم ضد المواطنين الفلسطينيين، الأمر الذي تسبب في استشهاد المئات من المواطنين الفلسطينيين وإصابة الآلاف بجراح معظمها خطيرة.  وقد شهد الأطباء المعالجون بأنهم لم يشاهدوا إصابات بهذا الشكل من قبل وغالباً ما تنفجر الذخائر في جسم المصاب وتؤدي إلى زيادة تهتك أجزاء الجسم ما يضعف أمل نجاته.
يتصل بالإشعاعات الغازات الكيماوية التي ليست اقل خطرا من الاشعاعات، ويوضح ذلك جورج كرزم الخبير الفلسطيني في قضايا البيئة "لقد استخدمت قوات الاحتلال غازات كيماوية معروفة ومجهولة، ومنها المحرمة دوليا ضد المظاهرات الفلسطينية، وبالرغم من أن لبعض الغازات الكيماوية المستخدمة تأثيرات بسيطة إلا أن تراكماتها الزمنية قد تسبب أمراضا خطيرة فقد أشارت نتائج الاستبيان الذي وزعته وزارتا الصحة والبيئة الفلسطينيتين في الأشهر الأولى للانتفاضة على المشافي الى ارتفاع معدلات الاجهاض بالدرجة الاولى ومشاكل التنفس والإخلالات في الجهاز العصبي خاصة لدى الأطفال. كما قصفت اسرائيل مصانع فلسطينية يتسبب انفجارها في حدوث تسمم غازي او هوائي كما حدث لدى قصف مصنع الاسفنج في غزة ومعامل الحجارة في جنين وبيت لحم".

سفر إلى المرض
وقد استخدمت سلطات الاحتلال آلة عسكرية حديثة "تجرد" النساء والرجال الفلسطينيين (من الملابس) منتهكة بذلك خصوصيتهم ومعرضة صحتهم للخطر، كما حدث قبل سنوات في معبر رفح كبديل للتفتيش الجسماني،  ويتخوف الفلسطينيون من أن الآلة تتسبب في مرض السرطان وتضر بخصوبة الرجال
وقد قامت سلطة جودة البيئة بالاتصال بالمنظمات الدولية المعنية ومنها منظمة الصحة العالمية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة لإزالة هذا الجهاز المشئوم.  والجدير بالذكر أن هذا الجهاز موجود أيضاً على حاجز عزون قرب قلقيلية.

تشعيع المعتقلين
في ظل تهريب أجهزة التلفونات المحمولة إلى داخل المعتقلات الإسرائيلية، فقد عمدت سلطات السجون والمعتقلات إلى تركيب نوع من الأجهزة التي توجه إلى خيم المعتقلين التي تبطل أشعتها عمل أجهزة التلفونات المحمولة، أكثر من  معتقل مفرج عنه صرح للبيئة والتنمية، "انه بسبب توجيه تلك الأجهزة أشعتها للخيم التي كنا فيها، فإننا كنا نصاب بصداع شديد."

فسلطات السجون تلجا لهذا النوع من الأشعة من اجل السيطرة على الاتصالات بين المعتقلين، وذويهم.  فما نوع هذه الأشعة؟ وما هو خطرها على صحة المعتقلين؟ وما قدرة الإنسان على تحملها ولأية فترة زمنية؟ هذا مالا يمكن ان توضحه سلطات السجون والمعتقلات في إسرائيل.

والرئيس عرفات
يمكن لخبير في عالم الأشعة ان يوضح إمكانية ان يكون الرئيس عرفات قد توفي بسبب أشعة الليزر أو غيرها.  عشية الرحيل المفاجئ للرئيس عرفات، لم يستبعد الفلسطينيون وغيرهم ان يكون الرئيس قد تسمم أو تعرض لإشعاعات، ولم يفصح مستشفى بيرسي الفرنسي عن السبب الحقيقي، فلم ينفِ أو يؤكد ان سبب موت عرفات كان التسمم أو الإشعاع.
المقدم منير الزعبي أحد المسؤولين في حراسة الرئيس عرفات ذكر في برنامج العين الثالثة لفضائية العربية ان هناك إمكانية ان يعود السبب اما للتسمم وإما للتعرض لأشعة الليزر، والليزر قادر ان يحدد الشخص المقصود والمطلوب، وقد ذكر الزعبي: "أنا كنت بباريس لما راح الرئيس على المستشفى، في طبيب فرنسي شرح النا شغلة يعني دخلت المخ: انه إذا أبو عمار قتل بتسمم، فقال احتمالات إصابته بتسمم عن طريق إصابته بأشعة الليزر إما عن طريق الصحفيين أو كاميرا تلفزيون بتبث فيها مادة أو جهاز ببث أشعة ليزر، لما كان أبو عمار في مقابلة صحفية، والكاميرا تقعد ساعة ونص ساعة وتصور فيه والكاميرا مسلطة عليه، إذا كانت هذه الكاميرات بتبث اشعاع، وأشعة ممكن تكون بهذه النتيجة ممكن أصيب من هذا".
بضع اشهر مرت على رحيل عرفات، وخفت الحديث عن موته وسببه، ولم تعلن اللجنة المكلفة بالتحقيق نتيجته، لذلك تظل إمكانية تسمم الرئيس عرفات بواسطة الأشعة الإسرائيلية أو غيرها احتمالاً.

الإجراءات الفلسطينية
في هذا السياق حذر يوسف أبو صفية رئيس سلطة جودة البيئة من الآثار البيئية والصحية القاتلة نتيجة استمرار إسرائيل في تشغيل مفاعل ديمونا النووي، ومواصلة دفن مخلفاته العادمة على الحدود الشرقية من القطاع.
وأكد أبو صفية ان الخطر الأكبر الذي يواجه سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة هو دفن النفايات النووية وتأثيرها على المياه الجوفية، الأمر الذي حدا بسلطة جودة البيئة إلى مخاطبة هيئة الطاقة النووية في النمسا وإطلاعها على هذا الخطر .
وأضاف أبو صفية في السياق ذاته ان الهيئة وافقت على طلب تقدمت به سلطة جودة البيئة لتدريب فلسطينيين في هذا المجال، وتزويدهم بالمعدات اللازمة، لافتاً ان الجامعة العربية تبنت قراراً في دورتها القادمة بشأن دراسة المخاطر البيئية والصحية الناجمة عن مفاعل ديمونا وأثرها على المنطقة العربية.

لجنة المجلس التشريعي المتخصصة!
من جهته شكل المجلس التشريعي لجنة خاصة مكونة من وزراء الصحة السابقين ونواب "أطباء" مهمتها البحث في تفاصيل المخاطر التي تسببها الإشعاعات التي تطلقها أجهزة التفتيش الإسرائيلية عند عدد من الحواجز العسكرية.
وأكد فتوح للنواب والصحفيين أهمية أن يبحث متخصصون في تفاصيل المخاطر الناجمة عن هذه الأجهزة، ومطالبة العالم أجمع عبر مؤسساته الحقوقية وبرلماناته التحقيق في أسباب استخدام إسرائيل لهذا النوع من أجهزة التفتيش.
وفي السياق ذاته ذكر النائب معاوية المصري أن قوات الاحتلال، بدأت باستخدام جهاز تفتيش مماثل للذي تستخدمه عند معبر رفح، وذلك عند حاجز حوارة القريب من نابلس، والذي يفصل وسط الضفة الغربية وشمالها.  وأشار المصري إلى انه تعرض هو شخصياً للتفتيش بواسطة جهاز الأشعة عند هذا الحاجز.
واستمع المجلس التشريعي إلى شرح من النائب رياض الزعنون وزير الصحة السابق، حول المخاطر الصحية الناجمة عن التعرض لهذه الإشعاعات.  وقال: "هذه الأجهزة التي بدأ جيش الاحتلال باستخدامها، تزيد خطورتها مرات مضاعفة عن أجهزة التفتيش العادية".  وأضاف بأن الإشعاعات التي تطلقها الأجهزة هي موجات كهرومغناطيسية ذات جهد عال، تؤثر على خلايا جسم الإنسان، وبشكل أكثر سلباً إذا ما تعرض الإنسان لهذا الإشعاع أكثر من مرة.  وأشار الزعنون إلى أن هذه الإشعاعات تكون أكثر فتكاً على النساء الحوامل، خاصة إذا كن في بداية الحمل.
وتؤثر الإشعاعات، أيضاً، بشكل اكبر على الطاعنين في السن، حيث أوضح الزعنون ان الإشعاعات تخلق استعداداً جينياً في خلايا الإنسان الساكنة، وتتطور الحالة للإصابة بالسرطان.
من جهته، قال النائب إبراهيم الهباش، وهو صيدلاني بالأصل، ان المدة التي يتعرض لها الإنسان عند الحاجز لأشعة X ray) ) تزيد عن المدة التي يتعرض لها الإنسان المريض في غرف تصوير الأشعة.

إشعاع الأبراج
هي الأخرى تشكل مصدر قلق دفع بعض الأهالي الى مهاجمة أبراج  الاتصالات الفلسطينية  في جنوب الخليل، في هذا الصدد تطرق د. خليل الذباينة إلى دور أبراج الضغط العالي، ومحطات التقوية للأجهزة الخلوية، وأبراج الإرسال الخاصة بالتلفزة المحلية في الإشعاع، فيما يطالب الأهالي إلى  الانتباه الى المشاكل الناتجة عن أبراج الضغط العالي والاتصالات، وضرورة اعتماد الشروط التي حددتها الوزارات المختصة والتي تمنع وضع أبراج اتصالات بالأماكن المزدحمة بالسكان.
وهكذا يدخل الفلسطينيون حربا غير متكافئة لا يملكون لا من تقنياتها ولا وسائل الوقاية والحماية، وبذلك تكون إسرائيل قد استبدلت القذائف والصواريخ بالنفايات والمجاري والإشعاعات الخطرة لقتل الإنسان الفلسطيني ببطء وصمت عبر تدمير بيئته التي يعيش فيها، ومصادره الطبيعية التي يعتمد عليها.

التعليقات

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية