خاص بآفاق البيئة والتنمية
يسعى الاحتلال الإسرائيلي من خلال مستوطناته المنتشرة في الضفة الغربية، إلى الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنه من أراضي المواطنين الفلسطينيين، فقد أصبحت معالم الاستيطان جزءاً لا يتجزأ من حياة المواطن اليومية التي بات يراها بوضوح كيفما ولّى وجهه في الضفة. وما تحت الأرض كما فوقها، فلم تقف مطامع الاحتلال عند هذا الحد، بل عمل على توسيع رقعة سيطرته على الأراضي الفلسطينية بأساليب متجددة وغير تقليدية، ولعل من أبرزها الاستيلاء على آلاف الدونمات بحجة إقامة "المقابر اليهودية"، طامعين في كل شبر من هذه الأرض، أحياءً كانوا أم أموات.
|
 |
مقابر استيطانية وهمية تنتشر في مناطق عديدة في الضفة الغربية بهدف الاستيلاء على مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية الخاصة |
باتت مستوطنات الاحتلال الاسرائيلي المنتشرة في الضفة الغربية، بمثابة "مسمار جحا" الذي يسعى الاحتلال من خلاله إلى الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنه من أراضي المواطنين الفلسطينيين، فقد أصبحت معالم الاستيطان جزءاً لا يتجزأ من حياة المواطن اليومية التي بات يراها بوضوح كيفما ولّى وجهه في الضفة.
وما تحت الأرض كما فوقها، فلم تقف مطامع الاحتلال عند هذا الحد، بل عمل على توسيع رقعة سيطرته على الأراضي الفلسطينية بأساليب متجددة وغير تقليدية، ولعل من أبرزها الاستيلاء على آلآف الدونمات بحجة إقامة "المقابر اليهودية"، طامعين في كل شبر من هذه الأرض، أحياءً كانوا أم أموات.
فماذا نعرف عن استيطان المقابر؟
بدأ استيطان المقابر منذ عام 1976، حين استولت سلطات الاحتلال على عشرات الدونمات في مدينة القدس بهدف إنشاء ما يعرف بـ"المقابر اليهودية"، كحيلة جديدة للسيطرة على المزيد من أراضي الضفة الغربية. في الوقت الذي يمنع فيه الاحتلال المواطنين الفلسطينين من توسيع وترميم المقابر الفلسطينية، بل ويقوم بالاعتداء عليها وإزالة شواهدها، وتحويلها لمنشآت خاصة بهم ومتنزهات، كما حدث في مقبرة (مأمن الله) وهي واحدة من أكبر وأقدم المقابر الإسلامية في مدينة القدس.
في هذا السياق، أشار الباحث والخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي، إلى أن مقبرة (مأمن الله) تم تقليص مساحتها من 100 دونم إلى 20 دونماً فقط، بعد أن تم نبشها وتجريفها وإقامة المنشآت مكانها.
وأضاف التفكجي: المقابر اليهودية الموجودة في القدس تقع في منطقة جبل الزيتون، وفي رأس العمود، وعلى سفوح جبل الربابة الذي يعتبره الاحتلال جزءاً من "الحوض المقدس"، أما المقابر الأخرى فهي موجودة ضمن حدود "القدس الغربية".
لم يكتف الاحتلال الاسرائيلي بالطرق القديمة التي استخدمها منذ عشرات العقود الماضية لتسهيل وشرعنة الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والاستيطان فيها، بل لجأ أيضاً إلى إنشاء قبور وهمية لليهود لا يوجد فيها موتى لتحقيق هذه الغاية، وذلك بتوزيع حجارة ضخمة، يضعها بشكل متلاصق ومتوازي لتظهر وكأنها "مقابر" وذلك لتسهيل الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وفق تقرير للمحامي والمحاضر في القانون الدولي، علي أبو هلال، بعنوان "إنشاء قبور وهمية طريقة جديدة للاحتلال للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية".
وبحسب التقرير، فإن الأراضي التي تزرع فيها القبور الوهمية تم مصادرتها بعد احتلال القدس واعتبرت ضمن أملاك الغائبين. وعلى مدار السنوات الماضية حُولت ملكيتها لجمعيات استيطانية ولسلطات حكومية ومحلية.
وهو ما أكده محمود الصيفي، مدير مركز أبحاث شمال الضفة الغربية لـ "آفاق"، بقوله: "المقابر الوهمية موجودة بالفعل، ومارسها الاحتلال منذ عام 1967، فقد سيطر على آلآف الدونمات في القدس، وأقام فيها الشواهد وأعلنها قبوراً يهودية، لكنها في حقيقة الأمر قبوراً فارغة ولا يوجد فيها أموات".

الضفة الغربية تحت خطر المقابر اليهودية
في تموز/ يوليو 2018، أعلن ما يسمى بـ "مجلس المستوطنات" مع حكومة الاحتلال عن مصادرة 140 دونماً تابعة لأراضي محافظتي سلفيت وقلقيلية، خصصت هذه المساحة لإقامة واحدة من أكبر المقابر اليهودية في الضفة الغربية قرب مستوطنة "أورانيت"، والتي تتسع لأكثر من 30 ألف قبر للمستوطنين.
وقد كشف الاحتلال في السنوات الأخيرة، عن وجود 33 مقبرة تتبع للمستوطنات المقامة في الضفة، بحسب الصيفي. مؤكداً على أنه إذا لم يتم إنشاء مقابر جديدة، فعلى الأقل عمل الاحتلال توسيعات على المقابر المقامة أصلاً.
وبحسب ما نشرته صحيفة "هآرتس" في 2018، عن دراسة أعدتها منظمة "كيريم نفوت" الاسرائيلية، أن 40% من قبور المستوطنين في الضفة، أقيمت على أراض ذات ملكية خاصة، أي أن ملكيتها تعود بشكل مباشر للمواطنين الفلسطينيين.
ومن الأمثلة على ذلك، مقبرة مستوطنة "كريات أربع" المقامة على أراضي مدينة الخليل والقرى المحيطة، ومقبرة "آرائيل" المقامة على أراضي قرى مسحة وعزون عتمة والزاوية، ومقبرة "عيلي" المقامة على أراضي قرية قريوت.
وغيرها العديد من المستوطنات التي أقيمت فيها المقابر. "فيكاد لا يوجد مستوطنة تقريباً إلا وبها مقبرة أيضاً"، بحسب الصيفي.
وتوفر سلطات الاحتلال المادة القانونية والحماية الأمنية لشرعنة بناء مقابر جديدة تقام على أراضي فلسطينية ذات ملكية خاصة لفرض حقائق جديدة على الأرض بالقوة.
من جهته، أكد التفكجي أن "إقامة المستوطنات والمقابر في الضفة الغربية هو أسلوب مسمار جحا من أجل فرض سياسة الأمر الواقع وتغيير التاريخ". مضيفاً: إقامة المقابر في المستوطنات يكون ضمن برنامجهم من حيث توزيع المقابر، فمثلاً إقامة مقبرة في "معاليه أدوميم" وأخرى في "عيلي" يكون لعدة أسباب أولها أنها تقع ضمن برنامج ما يسمى بـ "المستوطنات السياسية"، وهذه المستوطنات تقع ضمن ما يسمى بـ "القدس الكبرى".
وأشار محمود الصيفي إلى أن الاحتلال يتعمد بناء المقابر خارج حدود المخطط الهيكلي للمستوطنات وبعيداً عن أماكن السكن، لضمان سرقة المزيد من الأراضي الممتدة بين حدود المقبرة وحتى آخر بيت فيها، فالمساحة التي تفصل بينهم تعتبر داخل حدود المستوطنة، والهدف من ذلك هو مصادرات جديدة.
وليس هذا فحسب، بل تعد كل الأراضي المحيطة بالمستوطنة والمقبرة أراض غير مسموح لأحد الاقتراب منها، كونها تدخل في خانة الاستيطان والمصادرة.
وقد ازداد الأمر سوءاً بعد السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023، مع ارتفاع وتيرة هجمات المستوطنين على المواطنين والمزارعين، تحديداً أن جزءاً كبيراً من تلك الأراضي تقع ضمن التصنيف "ج"، بحسب الصيفي.

من مقابر الاستيطان المزعومة والتي لا يعرف أيها حقيقية وأيها وهمية
أوهام "تلمودية" لغايات استيطانية
بالاعتقاد "التلمودي"، يعتبر اليهود أن الضفة الغربية كاملة تمثل "مملكة يهودا والسامره"، وهي "مملكتهم المقدسة" التي سوف يستولون عليها مستقبلاً من خلال هذه الممارسات الاستيطانية بحسب أوهامهم، الأمر الذي يدفع ببعض الإسرائيليين المقيمين في مناطق 1948، إلى أن تكون وصيتهم دفنهم في أراضي الضفة الغربية، باعتقادهم أنه لن يتم نقل رفات أمواتهم، وبالتالي تبقى هذه الأرض لهم.
وهو ما أشار له الصيفي، بقوله: "الهدف من هذه الممارسات ذات بعد ديني للأجيال القادمة أن هنا في أراضي الضفة الغربية يوجد جثمان يهودي، وأن هنا أثر وتاريخ يهودي، لإثبات ملكية زائفه لهم فيما يسمونه بأحقيتهم بأرض الميعاد وهي أهداف مكشوفه للاستيطان".
وفي هذا السياق، أكد التفكجي: "المستوطنات يمكن إزالتها، لكن وفق العقيدة اليهودية يُحرّم نبش وإزالة القبور كونها تقام فوق أرض الميعاد، وهي وقف يهودي من البحر إلى النهر، وبناء الأراضي يمنع إعادة تسليمها لأصحابها الأصليين، ويعطون أنفسهم الحق في زيارتها".