متى يحاكم المجرمون البيئيون في محكمة دولية؟
الإسرائيليون يدفنون كميات ضخمة من نفايات منطقة تل أبيب في أراضي نابلس بتصريح من وزارة البيئة الإسرائيلية
وزارة البيئة الإسرائيلية تدعم بقوة النشاط الاستعماري في الضفة وتعمل على تثبيت العديد من المشاريع الصناعية فيها
|
مكب النفايات الإسرائيلي على أراضي نابلس قرب قرية قوصين |
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
يواصل الاحتلال الإسرائيلي، ممثلا بإدارته المدنية وشركاته ووزاراته، دفن كميات ضخمة من النفايات الصلبة والخطرة في أراضي الضفة الغربية المحتلة. إذ تفاقمت في السنين الأخيرة كميات النفايات التي يتم نقلها من داخل إسرائيل ودفنها في مواقع مختلفة بالضفة. ولم تكتف سلطات الاحتلال بالمواقع العشوائية التي سيطرت عليها في أراضي الضفة لدفن نفاياتها، إضافة إلى نفايات المستعمرات؛ بل إنها تخطط حاليا لتخصيص المزيد من الأراضي لذات الهدف. وذلك بالرغم من أن المعاهدات الدولية تمنع بوضوح نقل النفايات من الدولة المحتلة إلى الأراضي التي احتلتها (هذا لو أردنا مجاراة تلك المعاهدات التي لا تقر بوضوح أن الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1948 تعتبر حتى اليوم أراض محتلة أيضا).
وخلال العام الأخير، أخذ الإسرائيليون يدفنون نفاياتهم الجافة في أراض تقع على أنقاض محجر أبو شوشة المهجور الواقع بين قريتي قوصين ودير شرف (قضاء نابلس)، والذي احتلته القوات الإسرائيلية عام 2002، وتبلغ مساحة الموقع عشرات الدونمات. وتتم عمليات الدفن بتصريح مباشر مما يسمى "الإدارة المدنية" ووزارة البيئة الإسرائيلية. وقد شرع الاحتلال، منذ سبع سنوات، في إجراءات إنشاء مكب نفايات كبير في ذات الموقع الواقع على أراضي محافظة نابلس. وخطط الإسرائيليون آنذاك دفن نحو 600 طن نفايات يوميا (18000 طن شهريا) في الموقع، وذلك من منطقتي ما يسمى "دان" و"شارون"، إضافة لمستعمرة "قدوميم" المجاورة للموقع الذي كان يعد أكبر محجر في الضفة الغربية. إلا أن جمعية بيئية إسرائيلية تدعى "أدم طِيفَع فَدِين" ("الإنسان، الطبيعة والقانون")، رفعت دعوى قضائية، في حينه، إلى المحكمة العليا الإسرائيلية ضد دفن النفايات الإسرائيلية في ذلك المكب، باعتبار أن ذلك يتعارض مع القانون الدولي الذي يحظر على الدولة المحتلة تشغيل مكب نفايات على الأرض التي تحتلها، بهدف خدمة سكانها. وفي المقابل، ادعت سلطات الاحتلال أن الموقع يخدم الفلسطينيين أيضا، لذا يمكن تشغيله.
وإثر تلك الخلافات الإسرائيلية الداخلية، أعلن ما يسمى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية عن وجهة نظر تقول بأنه يُسْمَح دفن النفايات الإسرائيلية في الموقع، شريطة أن يستوعب الموقع أيضا، بشكل متناسب، نفايات من البلدات الفلسطينية. وفي نهاية المطاف، أرجأت سلطات الاحتلال تنفيذ المخطط؛ لكنها، ومنذ ثلاث سنوات، جددت إجراءات "ترخيص" إقامة المكب. وحاليا تدفن في الموقع نفايات إسرائيلية جافة، وبخاصة نفايات منطقة تل أبيب. وتزعم "وزارة البيئة الإسرائيلية" بأنها سمحت العمل في هذا المكب بعد أن أجرت فحوصات خاصة بآثار المكب البيئية، وبلورت الظروف التي تسمح بمعالجة هذه الآثار، بما في ذلك اتباع الوسائل التي تحول دون تلويث المياه الجوفية! كما أن سلطة المياه الإسرائيلية لم تعارض إنشاء المكب الإسرائيلي.
وتعد عملية نقل النفايات الإسرائيلية إلى الضفة الغربية أرخص بكثير للشركات الإسرائيلية من دفنها داخل الأرض المحتلة عام 1948. ويحذر الخبراء من أن دفن النفايات الإسرائيلية في الموقع المذكور يهدد بتلويث خزان المياه الجوفي في منطقة نابلس الجبلية والذي يعد من أضخم مصادر المياه العذبة في فلسطين، ما سيهدد صحة آلاف الفلسطينيين في المنطقة.
ومن المقرر أن تعمل الشاحنات الإسرائيلية الضخمة على نقل النفايات الإسرائيلية إلى الأراضي الفلسطينية، حيث سيتم جمعها من محطة نفايات "هداريم" قرب سجن "تلموند".
وينفذ مشروع المكب من خلال شركة Baron Industrial Park" " وهي شركة اسرائيلية مشتركة لمستعمرتي "قدوميم" و"كرني شومرون" وما يسمى "مجلس شومرون الإقليمي". ويعد هذا المشروع من أضخم المشاريع لدفن النفايات الإسرائيلية في أراضي الضفة الغربية، وهو عبارة عن استثمار إسرائيلي خاص، ويتوقع أن يحقق للإسرائيليين أرباحا طائلة تتمثل في عشرات ملايين الدولارات سنويا.
والمفارقة أن المكب الإسرائيلي على أراضي محافظة نابلس، والمخصص للنفايات الإسرائيلية، يعد أحدث مكب سيتم تطويره في الضفة. وفي المقابل، تنتشر في مختلف أنحاء الضفة مكبات النفايات الفلسطينية العشوائية التي تشكل خطرا بيئيا جديا وتهدد المياه الجوفية، وذلك بسبب رفض ما يسمى "الإدارة المدنية" منح "التراخيص" للفلسطينيين لإنشاء مكبات نفايات حديثة.
وتدعي ما يسمى "الإدارة المدنية" أن "الحديث هنا يدور عن موقع قانوني لدفن النفايات الجافة، تم تجهيزه لخدمة سكان المنطقة، وفي مقدمتهم الفلسطينيين"!! إلا أن الحقيقة على الأرض تقول بأن النفايات التي تدفن في موقع المكب الإسرائيلي المحاذي لقرية قوصين هي أساسا نفايات تنقل من داخل إسرائيل ذاتها.
وبالإضافة للمكب الإسرائيلي على أراضي نابلس، يخطط الاحتلال لإقامة مواقع إضافية في الضفة لدفن النفايات الإسرائيلية وتدوير جزء منها. وحاليا، يوجد في منطقة الغور الفلسطيني منشأة إسرائيلية لتصنيع السماد من نفايات المدن في إسرائيل، فضلا عن منشأة أخرى لتدوير الإطارات المطاطية في المنطقة الصناعية الإسرائيلية قرب مدينة طولكرم. كما توجد مواقع إسرائيلية لتدوير نفايات الزيوت الإسرائيلية بأنواعها المختلفة في المنطقة الصناعية الإسرائيلية جنوب الخليل، وفي مستعمرة "بركان" التي هي عبارة عن مجمع صناعي إسرائيلي قرب مدينة سلفيت. وحاليا يعمل المحتلون في مستعمرة بركان على إقامة منشأة لتدوير النفايات الإلكترونية. علاوة على التخطيط لإقامة منشأة لتدوير النفايات في مستعمرة عمانوئيل.
واللافت أن ما يسمى وزارة البيئة الإسرائيلية تدعم بقوة النشاط الاستعماري في الضفة الغربية؛ فهي منخرطة في تثبيت وتطوير العديد من المشاريع الاقتصادية والصناعية الإسرائيلية في الضفة، بما في ذلك المشاريع آنفة الذكر. ومنذ نحو عام، أعدت الوزارة المذكورة خطة تفصيلية لمعالجة النفايات، حددت بموجبها بعض المواقع في مناطق مستعمرتي "معالي أدوميم" و"معاليه عاموس" كي تقام فيها منشآت لاستيعاب النفايات الإسرائيلية ومعالجتها. وفي المقابل، تضغط سلطات الاحتلال على السلطة الفلسطينية للموافقة على استيعاب نفايات المستعمرات في المكبات الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، يمارس الاحتلال الإسرائيلي ضغوطا كبيرة على السلطة الفلسطينية بهدف إجبارها على قبول دمج المستعمرات في مناطق الخليل وبيت لحم في مشروع مكب النفايات الصحي الذي يجري العمل حاليا على إنشائه في منطقة المينيا جنوب مدينة بيت لحم؛ وكانت مجلة آفاق البيئة والتنمية قد كشفت في عددها الصادر في أيار الماضي، أن هناك تفاهماً غير معلن بين البنك الدولي و"الإدارة المدنية" مفاده أن المستوطنين يجب أيضا أن يستخدموا مكب المينيا.
"متخلفون" ولا قيمة لحياتهم!
السؤال المطروح هو: ما هي كمية النفايات الخطرة التي تنتجها المنشآت الصناعية الإسرائيلية؟ تقول التقارير الإسرائيلية بأنه ليس فقط لا توجد معطيات موثوقة حول النفايات الخطرة في إسرائيل، إلا أن هذا الموضوع يعد قنبلة زمنية موقوتة. وبسبب النقص في المعطيات وأدوات القياس والرقابة، تفتقر إسرائيل حاليا إلى العلاج المتقدم للنفايات الخطرة، ما يجعل خطر تلويث الأرض ومصادر المياه حقيقيا. كما لا توجد رقابة جدية على نشاط أجهزة الأمن الإسرائيلية التي ينتج عنها مخلفات خطرة.
ووفقا لمعطيات "وزارة البيئة الإسرائيلية"، تجاوزت كمية النفايات الخطرة في إسرائيل، في السنوات الأخيرة، 328 ألف طن سنويا، دون الأخذ في الاعتبار المعالجات الداخلية المختلفة للمصانع. وتفيد نفس المعطيات، أن نحو ثلثي النفايات الخطرة، أي أكثر من 200 ألف طن، يتم التخلص منها خارج مكب النفايات الخطرة القطري في "رمات حوفيف" الواقع في صحراء النقب.
ويعتقد الخبراء الإسرائيليون أن قاعدة المعلومات الحالية التابعة لوزارة البيئة الإسرائيلية تعتمد على تقارير منتجي النفايات وشركة الخدمات البيئية في "رمات حوفيف"، ما يجعل المعطيات الخاصة بالنفايات الخطرة غير موثوق بها، ولا تمكن القيام برقابة حقيقية على كميات النفايات الخطرة المتولدة سنويا.
كما يعتقد، على نطاق واسع، أن جزءا كبيرا من النفايات الخطرة التي لا تصل إلى "رمات حوفيف" يتم دفنها في أراضي الضفة الغربية؛ إذ تشير الدلائل إلى أن إسرائيل تعمل على تدمير البيئة الفلسطينية، وبالتالي إلحاق الأذى الصحي بفلسطينيي الضفة الغربية، عبر تسهيل عمليات تهريب النفايات الكيماوية والطبية وغيرها من النفايات السامة من إسرائيل إلى أراضي الضفة الغربية، مثل بعض أراضي جنوب الخليل وقرى غرب رام الله وقلقيلية وبيت لحم وغيرها. كما تعمل إسرائيل على دفن مخلفات الصناعات العسكرية في الضفة الغربية. وبالرغم من اكتشاف العديد من الحالات، إلا أن حالات كثيرة لم يتم الكشف عنها. ويعتبر التخلص من النفايات السامة والخطرة في “رامات حوفيف” مكلفا بالنسبة للإسرائيليين، إذ تبلغ كلفة دفن البرميل الواحد نحو ألفي دولار. لذا، فإن التخلص من تلك النفايات بطرق غير مشروعة في الضفة الغربية، يعتبر “حلا ممتازا” بالنسبة للصناعيين الإسرائيليين العنصريين وعديمي الضمير الذين يتعاملون مع تلك المناطق باعتبارها تحوي "بشرا متخلفين" ولا قيمة لحياتهم!
وتشير التقديرات إلى أن إسرائيل تستخدم سنويا أكثر من مليون طن من المواد الخطرة، كما أن نصف المخلفات السامة الناتجة يتم التخلص منها في مكب النفايات القطري الإسرائيلي في "رامات حوفيف" الواقع في صحراء النقب، وباقي كمية المخلفات لا يعرف مصيرها على وجه التحديد. ويعتبر مكب النفايات الخطرة في "رمات حوفيف" مشكلة بيئية كبيرة؛ إذ يعاني السكان هناك من روائح كريهة ويتخوف الإسرائيليون من احتمال تلوث المياه الجوفية في تلك المنطقة بالمواد الخطرة، فضلا عن تلوث التربة المحيطة بالموقع. "
ولا توجد أية مؤشرات تدل على أن المصانع الإسرائيلية لن تواصل دفن مخلفاتها السامة والمحرمة دوليا في الأراضي الفلسطينية، علما بأن أصحاب بعض تلك المصانع أبرموا عقودا مع زعماء المستعمرين الإسرائيليين تقضي بمساعدتهم على دفن النفايات الخطرة في الضفة الغربية. إن السيطرة الإسرائيلية التامة على أراضي الضفة الغربية تسهل على الإسرائيليين تنفيذ مخططاتهم المتعلقة بدفن نفايات مصانعهم الخطرة في تلك الأراضي.
وتفيد التقارير الإسرائيلية بأن ظاهرة دفن النفايات الصلبة الإسرائيلية في مكبات عشوائية بالضفة الغربية تفاقمت في بعض المناطق بالضفة. إذ لا يمر يوم دون إلغاء عقود دفن النفايات في المكبات الإسرائيلية. وتشير المعطيات الإسرائيلية إلى هبوط كبير في إجمالي نسبة النفايات التي تدفن في المكبات الإسرائيلية، يتجاوز 15%، بل إن النسبة في بعض المكبات أكبر بكثير من ذلك. وتفيد التقارير الإسرائيلية بأن بعض شاحنات نفايات مخلفات البناء الإسرائيلية تمر عبر حاجز قلنديا في طريقها إلى المكبات العشوائية الفلسطينية.
ويغض الجنود الإسرائيليون النظر عن شاحنات النفايات الإسرائيلية التي تمر عبر الحواجز التي تمارس فيها رقابة أمنية مشددة جدا، وبشكل خاص في معبري رنتيس ونعلين القريبين من منطقة تل أبيب، حيث تعبر يوميا شاحنات النفايات الإسرائيلية دون أية مشكلة وبتسهيل من الجنود الإسرائيليين على الحواجز.
وتؤكد المصادر الإسرائيلية أن كميات النفايات الإسرائيلية التي تدفن في أراضي الضفة آخذة في الازدياد، وبخاصة مخلفات البناء.
وتفيد تقارير شركات جمع وتدوير النفايات الإسرائيلية في منطقة تل أبيب بأن عملها المتعلق بجمع النفايات قد تراجع كثيرا في السنوات الأخيرة، وبنسب مرتفعة تتجاوز 30%، ويعود ذلك إلى أن كميات كبيرة من النفايات الإسرائيلية تدفن في أراضي الضفة الغربية.
ومن المعروف أن ظاهرة تصدير وتهريب النفايات الإسرائيلية من إسرائيل إلى الأراضي المفتوحة في الضفة الغربية ليست جديدة. ويكمن دافعها الأساسي في أن أسعار دفن النفايات الإسرائيلية في الضفة أقل بكثير من الأسعار المفروضة في المكبات الإسرائيلية المرخصة؛ حيث إن كلفة نقل الحمولة الواحدة إلى المكب الإسرائيلي أكثر من 2000 شيكل.
الجدير بالذكر، أن مجلة "آفاق البيئة والتنمية" كانت قد كشفت في تقاريرها المختلفة خلال السنوات الأربع الأخيرة، عن شاحنات إسرائيلية تفرغ حمولاتها من النفايات الإسرائيلية في أراضي قرى غرب رام الله، وبخاصة قرى شقبا، ونعلين، وقبية، حيث يعمد بعض الفلسطينيين في هذه القرى، بسبب الحاجة والفقر وعدم الوعي البيئي والصحي والوطني، إلى تأجير أراضيهم الزراعية لشركات إسرائيلية مختصة بالتخلص من النفايات الإسرائيلية، والسماح لعشرات الشاحنات التابعة لهذه الشركات بإلقاء نفاياتهم يوميا لقاء مبلغ زهيد من المال. ويتم بعد ذلك حرق هذه النفايات الخطرة التي تحوي مخلفات كيماوية وطبية وصناعية وغذائية، فتنبعث منها غمامة كبيرة من الغازات والروائح الغريبة والسامة.
قيود صارمة على الشركات والمصانع الإسرائيلية
الجدير بالذكر ان سلطات الاحتلال، وتحديدا ما يسمى وزارة البيئة الإسرائيلية تفرض قيودا صارمة على الشركات والمصانع الإسرائيلية لإرغامها على الالتزام بالأنظمة والقوانين البيئية في إطار دولة إسرائيل. ففي العام الماضي، على سبيل المثال، صادرت الوزارة المذكورة عشرات الشاحنات التابعة لشركات إسرائيلية، بسبب نقلها النفايات ودفنها بشكل "غير قانوني" داخل إسرائيل. كما تلاحق الوزارة ناقلي نفايات الإنشاءات وسائقي شاحنات المياه العادمة، الذين يلقون بنفاياتهم في الوديان والأراضي المفتوحة في الأراضي المحتلة عام 1948، وذلك لتوفير نفقات السفر وأرضيات المكبات القانونية. وخلال العام الماضي، فتحت ما يسمى "الشرطة الخضراء" التي تعمل تحت إشراف وزارة البيئة الإسرائيلية، 145 ملف تحقيق، منها 50 ملفاً يتعلق بالتخلص غير القانوني لمخلفات الإنشاءات. وقد ضبطت الشرطة أكثر من 60 شاحنة مخالفة، واحتجزتها بضعة أسابيع في مواقف سيارات مخصصة لهذا الغرض.
وخلال العام الماضي أيضا، فتحت ما يسمى وزارة البيئة الإسرائيلية ثلاثة ملفات تحقيق موسعة ضد مصانع كبيرة في منطقة حيفا، متهمة بتلويث جدي للهواء. وفي السنوات الأخيرة، درجت "وزارة البيئة الإسرائيلية" على فتح ملفات جنائية ضد مدراء شركات ومصانع متهمون باقتراف انتهاكات بيئية. كما فرضت ذات الوزارة غرامات مالية على مقترفي الانتهاكات البيئية في إسرائيل، بما في ذلك مخالفات فنية مثل التأخر في تقديم تقارير تتعلق بأضرار بيئية أو خلل فني حدث في المصانع والمنشآت. ومنذ نحو عام، فرضت "وزارة البيئة الإسرائيلية" على شركة "تنوفا" الإسرائيلية دفع غرامة مقدارها 7.6 مليون شيكل.
تطهير البيئة "الإسرائيلية"
إذن، لا يزال الصهاينة، وبشكل أقوى من أي وقت مضى، يلقون ويدفنون نفاياتهم الصناعية والإنشائية في المناطق المجاورة والمحيطة بالقرى والمدن الفلسطينية.
ويتصرف الإسرائيليون في الضفة الغربية بمطلق الحرية، من ناحية تدميرهم البيئة المحلية وإلحاق الأذى الصحي بالفلسطينيين، فتعمد المستعمرات والمصانع الإسرائيلية إلى إلقاء نفاياتها الصلبة والسائلة والغازية في الأراضي والحقول وجوانب الطرق والأودية الفلسطينية، وفي جوار أو بداخل المناطق الفلسطينية المأهولة، دون أية رقابة أو قيود؛ الأمر الذي يؤدي إلى نشر الأوبئة والأمراض لدى الفلسطينيين وتخريب أراضيهم ومزروعاتهم.
ولا توجد أية مؤشرات تدل على أن المصانع الإسرائيلية لن تواصل دفن مخلفاتها السامة والمحرمة دوليا في أراضي الضفة والقطاع، علما بأن أصحاب بعض تلك المصانع أبرموا عقودا مع زعماء المستعمرين الإسرائيليين تقضي بمساعدتهم على دفن النفايات الخطرة في الضفة الغربية. إن بقاء السيطرة الإسرائيلية التامة على أراضي الضفة الغربية، يسهل على الإسرائيليين تنفيذ مخططاتهم المتعلقة بدفن نفايات مصانعهم الخطرة في هذه الأراضي.
في الواقع، لا يمكننا فهم الممارسات الكولونيالية الإسرائيلية المعادية والمدمرة للأنظمة البيئية في فلسطين، فهما شاملا وعميقا، سوى في سياق الخلفية الأيديولوجية – السياسية الاستعمارية الإقصائية التي تحرك المؤسسة الإسرائيلية ورموزها. وفي هذا السياق، يمكننا أن نفهم، على سبيل المثال، حقيقة ما يسمى وزارة البيئة الإسرائيلية التي يفترض بها أن تكون وزارة "إنسانية" ومحبة للحياة والطبيعة، ومنسجمة مع البيئة ومدافعة عنها ومتصدية لأي أذى يلحق بها وبمكوناتها، ومنها العنصر البشري الفلسطيني؛ تلك الوزارة التي وقف ويقف على رأسها وزراء عنصريون ومخضرمون في عملهم بأجهزة الأمن الإسرائيلية القمعية، ومؤيدون بالمطلق لعملية قهر وإذلال وذبح الشعب الفلسطيني وطرده من وطنه، وسجن من تبقى منه وراء الجدران العازلة، ناهيك عن تأييدهم الجرائم البيئية المقترفة بحق البيئة الفلسطينية والمتمثلة بمصادرة وإغلاق وتدمير أخصب الأراضي الزراعية، ونهب الموارد الطبيعية والمائية، وتخريب وتدمير الغطاء الأخضر والتنوع البيولوجي، من خلال تأييدهم ومشاركتهم المباشرة في تثبيت الاستيطان والإغلاقات والجدران والحواجز العنصرية، والمجازر البشرية كما تجلت بأبشع صورها في قطاع غزة، وبالتالي، مشاركتهم الفعلية في عملية إذلال الإنسان الفلسطيني وتجريده من إنسانيته.
إن منطقا كولونياليا عنصريا يقف وراء الممارسات الصهيونية المخلّة بالبيئة الفلسطينية. وملخص هذا المنطق العنصري، أن لا بأس من تطهير البيئة "الإسرائيلية" عبر نقل التلوث الإسرائيلي إلى المجتمع العربي "المتأخر"، علما بأن إسرائيل عملت على التخلص من بعض صناعاتها الملوثة بشكل خطير للبيئة، عبر نقلها إلى الضفة الغربية. وبحكم الوجود الاستعماري الاستيطاني العسكري في فلسطين، فإن نقل التلوث الإسرائيلي إلى الضفة والقطاع يتم قسرا وبالقوة المسلحة.
وحينما يلقي الصهاينة نفاياتهم، ويدفنون مخلفاتهم الكيماوية السامة والمشعة في أراضي التجمعات الفلسطينية، فإنهم ينطلقون من تعاملهم مع تلك التجمعات من منطلق كولونيالي عسكري عنصري منسلخ عن الآدمية، باعتبار أن المجتمع الفلسطيني، بسكانه وبيوته ومدارسه وأطفاله ما هو إلا "مكب" احتياطي لنفايات الصهاينة الذين وحدهم يستحقون الحياة!
وبالرغم من توقيع إسرائيل على جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي تعالج حركة المخلفات السامة وكيفية التخلص منها، إلا أنها، ومع ذلك، تنتهك تلك الاتفاقيات والمعاهدات التي تحرم التخلص من النفايات الخطيرة والسامة، أو دفنها في الأراضي الفلسطينية.
والمطلوب حاليا من الجهات والمؤسسات والقوى الفلسطينية المعنية، أن تتحلى بالجرأة والشجاعة والقوة المادية الفعلية لمواجهة الاعتداءات الصهيونية على البيئة، وبالتالي على الإنسان الفلسطيني.
والمطلوب أيضا، بشكل أساسي، من المؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية المدافعة عن البيئة وحقوق الإنسان، أن تعمل على وضع حد للتعامل الغربي مع إسرائيل باعتبارها دولة فوق القوانين، وأن تضغط على السلطة الصهيونية المحتلة لوقف ممارساتها الإرهابية ضد البيئة والإنسان في فلسطين.
كما يجب أن تقوم المنظمات الدولية المختصة، بعملية تقييم علمي شامل لما سببته الممارسات الصهيونية المدمرة للبيئة وللإنسان الفلسطيني من أضرار وكوارث، ومن ثم تقديم المجرمين إلى محكمة دولية.
هنيئا لك يا أستاذ جورج على ملاحقتك لجرائم الاحتلال ضد الانسان الفلسطيني وبيئته، وهنيئا لقلمك المبدئي العنيد الذي لا يكل ولا يمل على كشف المستور الذي يجبن أو يتلعثم الآخرون من ملامسته ...
وائل عكار
الغريب أنه لدى حديث رموز السلطة الفلسطينية عن دفن النفايات الإسرائيلية في أراضي الضفة، إنما يكتفون بالحديث عن نفايات المستعمرات ويتجاهلون النفايات من إسرائيل ذاتها، بما في ذلك منطقة تل أبيب، كما كشف هذا التقرير المريع...ثم هل المسألة تجاهل أم جهل مقصود؟ وإلى متى سيستمر العجز والشلل المطلق في مواجهة الجرائم البيئية الإسرائيلية؟
عزت قاوقجي
هذا تقرير مميز وقوي يبين كيف أن الاحتلال يسارع الزمن لتثبيت وتعميق ربط البنية التحتية الفلسطينية بالبنية الإسرائيلية وبالتالي جعل الضفة جزء عضوي من دولة إسرائيل ...
سعيد معلوف
|