خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
بلدة عطارة قضاء رام الله |
في فجر يوم جديد، حيث تنساب همسات الليل ممزوجة بوشوشات الطيور المتوارية في العتمة، ومع نباح الكلاب الضالة وصياح الديوك التي تعلن عن بزوغ الشمس، انطلقت في رحلتي من منزلنا باتجاه دوار الشهيد محمد أبو خضير في شارع الإرسال برام الله. كانت الساعة الخامسة صباحاً، والمدينة ما زالت تحتضن سكون الليل. حين وصلت إلى الدوار، كان صديقي أبو أدهم يقف هناك مع ابنته وزميلتها ميسون، بانتظار الحافلة التي ستقلنا شمالاً إلى بلدة عطارة. في الحافلة، انضم إلينا أنور حمام، الذي غاب لفترة طويلة عن المسارات بسبب انشغاله بقضايا اللاجئين، خاصة بعد التهجير القسري وتدمير المنازل.
 |
 |
الجامع القديم في قرية عجّول والذي أنشأ عام 1177 م. |
باحة الجامع القديم في فرية عجّول |
يقول دليلنا عبد الفتاح: "مسار اليوم يمتد بطول ثمانية كيلومترات، وينطلق من الطريق الرابط بين عطارة ومدينة روابي، حيث نبدأ بالانحدار من قمة التلال باتجاه وادي العيش (المعروف بوادي المغسل). الطريق في البداية ترابي، ولكن في الجزء الأخير لا توجد أي علامات واضحة. بعد السير في الوادي لفترة قصيرة، سنتجه يساراً باتجاه خربة مشيرقة، ومن هناك نتوجه إلى عين مشارقة قبل أن نبدأ بالصعود نحو مقام الشيخ خليل في عجول. المسار يمتد على قمة جبلية تعرف باسم 'أم القدور' وصولاً إلى عين عجول، حيث ستكون نهاية رحلتنا".
 |
 |
بلدة عجول القديمة |
بلدة عجّول القديمة |
الوصول إلى بلدة عطارة
بعد نحو ثلث ساعة من السفر بالحافلة، وصلنا إلى أطراف بلدة عطارة، إحدى قرى محافظة رام الله والبيرة، وتبعد نحو 13 كم إلى الشمال من المدينة. وسميت بهذا الاسم لجمال الموقع وكثرة ما ينمو فيها من الورود والأزهار. وقد ذكرها الفرنج باسم "عطريوت".
تعتبر البلدة جزءاً من قرى بني زيد، وهي الأقرب إلى رام الله بين تلك القرى. تمتد عطارة على عدد من التلال التي تعطيها شكلاً طويلاً يمتد لمسافة 3 كم تقريباً. تشتهر البلدة بموقعها المرتفع الذي يصل إلى 850 متراً عن سطح البحر، ما يوفر إطلالات بانورامية مذهلة على الساحل الفلسطيني، حيث يمكن رؤية الناقورة في الشمال وحتى غزة في الجنوب. يحيط بالقرية عدة بلدات مثل عبوين وعجول وسلواد.
تحتوي عطارة على مواقع أثرية مهمة، من بينها مقام الأمير القطرواني (قطري بن الفجاءة)، وهو يقع في متنزه عام مطل على البلدة. كما تحيط بها خرب تاريخية مثل خربة المغسل وخربة طرفين. صادرت سلطات الاحتلال أجزاء من أراضي عطارة وأقامت عليها مستعمرة "عطيرت" عام 1982.
ما يميز البلدة أيضاً وجود بيوت قديمة ذات قيمة معمارية تاريخية. من أبرز تلك البيوت: حوش دار سليم، وهو بيت يعود تاريخه لأكثر من 300 عام، يتميز بعقود وزخارف معمارية خاصة، بالإضافة إلى بيت عبد العزيز عيد الذي يحتوي على العديد من الغرف المتناظرة حول درج وساحة أمامية. أما حوش دار إبراهيم رشيد مصاروة، فقد بُني في الخمسينيات وهو الآن مهجور، إلا أنه لا يزال يحتفظ بالعديد من غرفه وساحته الداخلية وبوابته الكبيرة. يمكن الاستفادة من مجموعة من البيوت وتحويلها إلى مرافق خدماتية للقرية بعد ترميمها.
 |
 |
ترميم مقام الأمير القطرواني في بلدة عطارة |
حجر البد لعصر الزيتون في بلدة عطارة |
النزول نحو الوادي
عندما بدأنا النزول نحو وادي العيش، كان الهواء منعشاً ومليئاً بروائح الميرامية والزعتر الفارسي. أمامنا كانت بلدة عبوين مستقرة على قمة الجبل، وعلى يسارنا مدينة روابي الحديثة التي بُنيت على أراضي عطارة وعجول. الطريق الترابي كان يتطلب حذراً شديداً بسبب وجود الصخور والانحدارات، وكنا نسير بحذر لتجنب السقوط. بعد فترة، وصلنا إلى منطقة تحتوي على قلاع حجرية قديمة، حيث أخذنا استراحة قصيرة للاستمتاع بطلوع الشمس وتناول القهوة.
 |
 |
خرب كثيرة تحوي مواقع أثرية في بلدة عطارة ومحيطها |
مبنى أثري في بلدة عطارة |
التوجه نحو خربة مشيرقة
بعد الاستراحة، تابعنا المسير باتجاه وادي التين، وسط أشجار البطم والقيقب والبلوط، إلى أن وصلنا إلى درب معلم باللونين الأبيض والأحمر. هذا الدرب يأخذنا عبر مزارع الزيتون، وأحياناً كنا نضطر للقفز فوق الصخور أو الانزلاق على المنحدرات الحادة. كانت بعض الأماكن وعرة لدرجة أننا شعرنا وكأننا أول من يمر بها منذ سنوات طويلة. بعد بعض المشقة، وصلنا إلى قاع الوادي بالقرب من محطة تنقية مياه الصرف الصحي لمدينة روابي.
من هناك، اتجهنا غرباً عبر مقالع حجرية، حيث أخذنا استراحة قصيرة وسط أشجار الزيتون. بعدها بدأنا بالصعود نحو خربة مشيرقة، وهي موقع أثري يعود إلى العصور القديمة، حيث لا يزال بعض الأحجار المتهدمة وبئر قديم وحجر البد لعصر الزيتون قائماً هناك.
صعدنا في الجبل حتى وصلنا إلى منطقة محاطة بأشجار السنديان، وهناك كانت عين مشارقة، وهي نبع صغير يخرج من جوف الصخور. تحدث دليلنا أبو محمد عن أهمية هذه العين لسكان المنطقة. قال لنا: "بالأمس كنا هنا وقمنا بجمع النفايات التي كانت متراكمة استعداداً لاستقبالكم". جلسنا هناك لتناول وجبة الإفطار، حيث كانت الأجواء هادئة تماماً والنسيم عليلاً.
 |
 |
مبنى أثري مهمل في بلدة عطارة |
مبنى تراثي في قرية عجّول قضاء رام الله |
الوصول إلى عجّول
بعد مغادرتنا عين مشارقة، بدأنا الصعود نحو بلدة عجّول، على بعد 22 كم شمال رام الله وترتفع 510 متراً عن سطح البحر. تمتاز البلدة بوجود العديد من ينابيع المياه، منها عين دارة وعين مشرقة. كما تحتوي عجّول على مواقع أثرية عديدة، مثل خربة جروان وخربة عين مشرقة.
من أهم معالم البلدة القديمة جامعها القديم الذي أنشئ في العام 1177 ميلادي. يتميز المسجد بأقواسه المدببة الرائعة وساحته الداخلية، وهو حالياً يخضع لأعمال ترميم بإشراف المجلس القروي.
وتبلغ مساحة أراضي القرية الكلية 6639 دونماً، وتحيط بأراضيها قرى عطارة، وعبوين، وأم صفا، وعارورة، ودير السودان ومدينة روابي. تمتاز هذه القرية بوجود العديد من ينابيع المياه، ومن أهمها: عين دارة ونبع عين مشرقة والينبوع ونبع العين والجهير.
 |
 |
مدخل الجامع القديم في قرية عجّول |
مواقع أثرية عديدة تنتشر في بلدة عطارة |
العودة إلى رام الله
بعد انتهاء جولتنا في البلدة وزيارة المواقع الأثرية، استقلينا الحافلة للعودة إلى رام الله. كانت رحلة مليئة بالتاريخ والطبيعة، وتجربة تعيد إلينا شعور الانتماء لهذه الأرض التي تستحق منا الحفاظ على إرثها وتاريخها. ففي هذه الأرض، تجد الحياة معناها الحقيقي، وتدرك أن هناك شيئاً يستحق النضال من أجله: الحفاظ على تراثنا وطبيعتنا الجميلة.
 |
مسجد عجّول القديم |
 |
موقع أثري تم ترميمه في بلدة عطارة |