خاص بآفاق البيئة والتنمية
حتى الآن تبدو كل المؤسسات والأطر الرسمية وغير الرسمية التي يناط بها مواجهة الاستيطان عاجزة عن الفعل المباشر، فهي إما تقدم مساعدات، أو تكتفي بالتظاهر ضد حركة استيطانية باتت في مرحلة هجومية جديدة على الأرض والبشر، فجميع المؤسسات تفتقر إلى تنسيق الجهود وتكاملها، كما أنها ما زالت غير قادرة على تحويل نضالها ضد الاستيطان من النطاق الحقوقي، إلى خطط عملية مباشرة وفاعلة تتصدى للاستيطان من خلال جهد موحد منظم ويشترك فيه الناس سواء على صعيد التخطيط أو التنفيذ.
|
 |
عصابات المستوطنين تعتدي على الفلاحين الفلسطينيين في منطقة نابلس خلال موسم الزيتون |
يتسع نطاق الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون تحت حماية جيش الاحتلال وحرس حدوده على المزارعين الفلسطينيين أثناء موسم قطاف الزيتون بشكل سنوي، ويتحول إلى اعتداءات دموية تستهدف الإنسان والشجر. المزارعون ينتظرون عاماً كاملاً لجني محصولهم الذي يوفر قوت يومهم، بينما تتحول أشجار الزيتون إلى هدف للاعتداء، حيث تقتلع الجرافات والمناشير شجر الزيتون من جذوره، مثلما حدث في قرية صوريف التي اقتلعت شجرة زيتون لتصبح زينة لدوار مستوطنة "معاليه أدوميم". المستوطنون الفالتون من كل قيد أخلاقي وإنساني يدمرون سنوات من الجهد المبذول على مدار العمر من قبل الفلاح الفلسطيني ليعيش بهجة حصاده.
كل عام، تمتلئ الجرائد والمواقع الإلكترونية بأخبار جرائم المستوطنين بحق الفلاحين وكرومهم، فيما تتعالى الأصوات المطالبة بحماية هذه الفئة المنتجة التي تحمي الأرض. ومع ذلك، لا توجد خطوات عملية من الحكومة أو المؤسسات المجتمعية تسهم في هذه الحماية، مما يستدعي فتح هذا الملف بجدية، وتحمل كل جهة مسؤوليتها في هذا السياق.
حتى الآن، تبدو المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تواجه الاستيطان عاجزة عن اتخاذ خطوات مباشرة. معظمها يقتصر دوره على تقديم المساعدات أو تنظيم مظاهرات ضد الاستيطان، دون تنسيق الجهود أو وضع خطط عملية فعالة لمواجهة الاستيطان بشكل منظم يشمل مشاركة المجتمع في التخطيط والتنفيذ.

مساحات كبيرة من بساتين الزيتون الفلسطينية حرقها ودمرها المستوطنون الإسرائيليون
هل الزيتون ثروة وطنية حقاً؟
وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووزارة الزراعة، بلغت المساحة المزروعة بالبستنة الشجرية حوالي 676.8 ألف دونم خلال العام الزراعي 2020/2021، 94.7% منها في الضفة الغربية و5.3% في غزة، مما يشكل 61.7% من إجمالي المساحات المزروعة. وتشكل أشجار الزيتون 85% من هذه المساحة. تمتلك الأراضي الفلسطينية المحتلة أكثر من 8 ملايين شجرة زيتون مثمرة، حيث تم إنتاج 24,700 طن من زيت الزيتون في عام 2014 بقيمة مالية بلغت 10.9 مليون دولار. تعتمد حوالي 100 ألف أسرة على الزيتون كمصدر رئيسي للدخل.
ورغم هذه الأرقام، لا تزال المساحات المزروعة غير كافية لتلبية الطلب المحلي المتزايد، كما أن نمط الزراعة التقليدي يعوق تحول الزيتون إلى ثروة وطنية حقيقية. لا تزال هناك حاجة لتوسيع الرقعة الزراعية وزيادة الإنتاجية، وتحويل الزيتون إلى مصدر دخل رئيسي بدلاً من كونه دخلاً إضافياً للفلاحين.
التحديات التي تواجه الفلاحين
تفتت الملكية الزراعية نتيجة التوريث، وعدم كفاية العائد من العمل في الزيتون، يدفع أبناء الفلاحين إلى البحث عن مصادر دخل أخرى، سواء في قطاعات الاقتصاد المحلي أو في سوق العمل الإسرائيلي. ومع ذلك، لا تزال المؤسسات الرسمية عاجزة عن تبني سياسات تشجع على الاستثمار في الزيتون كمصدر اقتصادي أساسي.
هل الجهد المواجه للاعتداءات كافٍ؟
هناك حالة من الإهمال لمساحات كبيرة من كروم الزيتون، لا سيما تلك الواقعة خلف جدار الضم والتوسع، أو بالقرب من المستوطنات والطرق الالتفافية، نتيجة الخوف من اعتداءات المستوطنين المتكررة. يرتقي شهداء كل عام خلال موسم القطاف، حيث يصبح التحرش بالفلاحين عادة دائمة في المواسم وخارجها. وبالرغم من كل هذا، لا توجد جهود حكومية أو تنظيمات لحماية المزارعين.

هجوم المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين في أراضيهم أثناء قطفهم الزيتون
كيف يمكن حماية موسم القطاف؟
كان الأجداد ينظمون عملية القطاف بطريقة تُعرف بـ "الطلقة الشرقية" و"الطلقة الغربية"، حيث يقوم فلاحو القرية بقطف الجهة الغربية أولاً ثم الانتقال للجهة الشرقية، وهي عادة تنظيمية لحماية المحاصيل. اليوم، يمكن إعادة إحياء هذه الفكرة بتنظيم جهود جماعية لقطف المحاصيل في المناطق الخطرة، حيث يشكل تواجد عدد كبير من المزارعين رادعاً للمستوطنين.
هذا الجهد الشعبي يمكن تعزيزه بتنسيق مع الشرطة وبتنظيم فرق لحماية أشجار الزيتون، التي تتصدى للمستوطنين عند الاعتداءات. هذه الفرق الشعبية يمكن أن تخلق حالة من الحماية الذاتية للمزارعين وتعزز صمودهم.
مبادرة تحتاج إلى دعم
في غياب تشكيل أطر الحماية للقطاف سيبقى المستوطنون في غيهم وغطرستهم، وسيكون هناك مزيد من التبوير. وبدون وضع الزيتون كمورد وثروة وطنية قابلة للنماء والتطوير ستبقى الزيتونة شجرة غنية، ولكن مهدورة من أصحاب الأرض، وستبقى عرضة لأطماع المستوطنين، وسنبقى في إطار الذهنية القدرية العاجزة التي لن تحمي ذرة تراب، المبادرة تستحق أن تجرب، فمن يعلق الجرس؟