خاص بآفاق البيئة والتنمية
التقت مجلة آفاق البيئة والتنمية المدير التنفيذي لاتحاد المزارعين الفلسطينيين عباس ملحم الذي أبدى أسفه واستياءه من حالة الضياع والإهمال التي يشهدها المزارع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. كان القطاع الزراعي في وقت مضى ركيزة أساسية ومقوم صمود للشعب الفلسطيني، ومصدر دخل العائلات الفلسطينية عبر التاريخ، وكان لغاية منتصف السبعينيات يساهم بنحو 35% من مجموع الدخل القومي الفلسطيني. كان ذلك زمنا ورديا للقطاع الزراعي قبل أن تنفجر قنبلة الاستيطان الذي أخذ يمتد ملتهما كل ما تطاله الأعين من أراض زراعية ومساحات خصبة. يقول ملحم: الحكومة متفرجة على ما يحدث، لم تقدم أي نوع من أنواع الدعم للمزارعين الفلسطينيين في ظل هذه الأحداث والضغوطات.. وهذا أمر صعب وخطير وغير متوقع من الحكومة التي تقول عن نفسها إنها المظلة المسؤولة عن "الأمن الغذائي" باعتباره أمناً قومياً.
|
 |
القوات الإسرائيلية مارست سياسة الأرض المحروقة في قطاع غزة |
جاء العدوان الإسرائيلي ليجهز على ما تبقى من القطاع الزراعي الفلسطيني، إذ تشير الأرقام الأولية إلى دمار ثلث المساحات المزروعة في منطقة شمال القطاع وحدها، وتحول الحقول والبساتين الى أكوام من التراب المختلط برماد وقذائف الاحتلال.
وتشكل المساحات المزروعة بالخضراوات 53% من إجمالي المساحات الزراعية في قطاع غزة، 34% منها تتركز في محافظة شمال القطاع، بينما 30% منها تتركز في محافظة خان يونس، ما يشير لتدمير المصدر الرئيسي لإنتاج الخضراوات.
ولم يتوقف الدمار على المزروعات، إنما تعداه ليطال إمدادات المياه والكهرباء والتي تشكل 27% من إجمالي مستلزمات الإنتاج النباتي، حسب بيانات صادرة عن جهاز الإحصاء الفلسطيني.
ترافق الدمار الذي أصاب القطاع الزراعي في قطاع غزة، وبالتوازي في الضفة الغربية -التي تتعرض لاعتداءات شرسة من المستوطنين- مع حالة من الإهمال للقطاع الزراعي في ظل الحرب المدمرة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
تحاور "آفاق" المدير التنفيذي لاتحاد المزارعين الفلسطينيين عباس ملحم، الذي أبدى أسفه واستياءه من حالة الضياع للقطاع الزراعي والإهمال للمزارع الفلسطيني.

عباس ملحم المدير التنفيذي لاتحاد المزارعين الفلسطينيين
عصب حياة الفلسطينيين في الماضي
يسترجع ملحم الذكريات حول القطاع الزراعي، الذي كان ركيزة أساسية ومقوما صمود للشعب الفلسطيني على مدار التاريخ.
يقول: "طالما كان القطاع الزراعي مصدر دخل العائلات الفلسطينية عبر التاريخ، وكان لغاية منتصف السبعينيات يساهم بنحو 35% من مجموع الدخل القومي، وكان معظم الفلسطينيين يمارسون النشاط الزراعي".
وزاد: "لو عدنا للوراء 40-50 عاماً سنرى أن كل فلسطين باستثناء المدن التي تعتمد على التجارة والاقتصاد، كان عملها قائماَ على الزراعة، والقطاع الأوسع انتشاراَ كان قطاع الزيتون، فمالك الأرض كان إما يقطف زيتونه ويعتني به، أو يُضمّن الأرض لمن يهتم بها ويقطف محصولها، بالتالي كان المعظم يعمل في الزراعة".
كان ذلك زمناً وردياً للقطاع الزراعي -كما يصفه ملحم- قبل أن تنفجر قنبلة الاستيطان التي التهمت كل ما تطاله الأعين من أراض زراعية ومساحات خصبة.

تدمير إسرائيلي مكثف للأراضي الزراعية والمساحات الخضراء في قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر
انفجار القنبلة
استغلت اسرائيل توقيع اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، لتسريع التوسع الاستيطاني ومضاعفة أعداد المستوطنين والمستوطنات إلى نحو أربعة أضعاف ما كان عليه الحال قبل "أوسلو". كان عدد المستوطنين أقل من 200 ألف، واليوم تجاوز عددهم 750 ألفاً.
يشير ملحم إلى أن الأراضي التي صودرت لصالح المستوطنات كانت أراض زراعية، بالتالي انحسرت مساهمة القطاع الزراعي في الدخل القومي الفلسطيني لتصبح أقل من 6%، "وكل هذا يظهر الخطورة التي نعيش فيها في ظل الاحتلال والاستيطان". هذا الواقع جعل المعادلة صعبة بالنسبة للمزارع الفلسطيني بوصف ملحم: "اليوم يُطرد المزارع من أرضه ويطارد من قبل الاحتلال والمستوطنين في محاولات لتفريغ الأرض الزراعية من سكانها، إذ تريد حكومة الاحتلال الأرض دون سكانها، ولتحقيق ذلك يدمّر المحتل المزروعات، ويصادر الماشية ويخرب خطوط المياه والطرق، ويسرق الأغنام وما شابه من ممارسات قهرية".
بموازاة الحرب على غزة، لم تتوقف الاقتحامات لمدن وقرى ومخيمات الضفة، وتضاعفت معها اعتداءات المستوطنين، وصار المستوطن يطلق النار على المزارع في أرضه، كما حدث مع المزارع بلال صالح في قرية الساوية بسلفيت، والذي قُتل رمياً بالرصاص في أرضه في موسم قطف الزيتون، كذلك الاعتداء على المزارعين في قرية قصرة بنابلس، إذ أطلق المستوطنون النار عليهم أثناء توجههم لأرضهم.
يرى ملحم أن تصاعد اعتداءات المستوطنين يأتي في ظل غطاء سياسي ومالي "لفعل ما يحلو لهم" من قبل حكومتهم، وأضاف: "جيش الاحتلال مطلوب منه توفير الحماية التامة للمستوطنين، وهو الذي وزع الأسلحة عليهم ليستخدموها في هجماتهم ضد المزارعين ...هذا من أخطر ما حدث، اليوم فيما يسمى مناطق "ج" أصبح من الصعوبة على المزارع وصول أرضه، وهناك سيطرة كاملة من الاحتلال على المياه، وبتشجيع قيادة المستوطنين صار المستوطن يطرد المواطن من أرضه في ما يسمى مناطق "ب" أيضاً، وهذا يمثل خطورة بالغة على القطاع الزراعي".

تخريب إسرائيلي واسع للأراضي الزراعية في قطاع غزة
قطاع غزة: الزراعة لم تعد قائمة
وجه العدوان المستمر على قطاع غزة ضربة قوية للقطاع الزراعي، فلم يعد هناك "قطاع زراعي"، باستثناء ما تبقى من بعض الحيازات الزراعية داخل المدن، إذ أن معظم النشاط الزراعي يتركز على الحدود، وهي مناطق مسحتها جرافات الاحتلال من مربع الوجود كمناطق زراعية، وفق ملحم.
وبالنسبة للضفة الغربية، يقول ملحم: "كنا نعتمد على المنتجات الزراعية من قطاع غزة لتغطية الطلب خاصة في فصل الشتاء، إذ يكون الإنتاج قليلاً مقابل الاستهلاك المرتفع، كنا نعوض النقص في السوق من بعض المحاصيل من القطاع، إضافة لدور هذه المنتجات في تعديل الأسعار لمساعدة أصحاب الدخل المتوسط والمحدود على الشراء، غير ذلك تأتينا المنتجات الزراعية إما من اسرائيل أو من المستوطنات، وكنا نحارب هذا الأمر بالحصول على منتجاتنا من غزة، وفي ظل الحرب تعذّر ذلك، بالتالي صار توفر المنتج بأسعار عالية جدا تفوق قدرة متوسطي ومحدودي الدخل".

تدمير اسرائيلي واسع النطاق للأراضي الزراعية في قطاع غزة
الحكومة متفرجة
يستهجن ملحم أداء الحكومة ودورها في مساندة المزارع، خاصة في ظل الأحداث الأخيرة، ويقول: "الحكومة متفرجة على ما يحدث، لم تقدم أي نوع من أنواع الدعم للمزارعين الفلسطينيين في ظل هذه الأحداث والضغوطات، حتى صوت إعلامي للتعبير عن معاناة المزارع لم نسمع به، وهذا أمر صعب وخطير وغير متوقع من الحكومة التي تقول عن نفسها إنها المظلة المسؤولة عن الأمن الغذائي باعتباره أمناً قومياً (..) على الأقل كان يجب أن تقوم بممارسات دعم وإسناد للمزارع الذي يقوم بواجبه بالتصدي للاستيطان وهجماته بصدور عارية دون أن يكون معهم أي رديف أو سند حكومي".
واستهجن المدير التنفيذي لاتحاد المزارعين الفلسطينيين عباس ملحم، الغياب الحكومي قائلاً: "دول العالم كأميركا تتحدث عن اعتداءات المستوطنين، بل وفرضت عليهم عقوبات، وكذلك دول أوروبية تحدثت عن اعتداءات المستوطنين بالضفة، هذا أمر محرج ومقلق، نتمنى من الحكومة الجديدة أن يكون ملفها الأول بعد غزة ملف الزراعة ودعم المزارعين، وإلا لن يتبقى لنا متر نعيش عليه، فالانتصار للقضية الفلسطينية يبدأ من الانتصار للأرض وللمزارع".

المساعدات الغذائية لقطاع غزة
على طاولة الحكومة الجديدة
كشف ملحم عن تقديم اتحاد المزارعين مقترحات للحكومة قبل عامين لدعم صمود المزارع في مناطق "ج"، لكنها لم تفعل شيئاً ملموساً. وزاد: "قلنا للحكومة إن القطاع الزراعي يخوض تحديات صعبة، فطلبنا الاستعداد والتيقن من خلال عدة خطوات، مثل إنشاء صندوق طوارئ لتعويض المزارعين وإعادتهم لدورة الانتاج فور تعرضهم لاعتداء المستوطنين، دون الانتظار في طابور صناديق معينة لسنوات، وللأسف رغم تبني ذلك المقترح لكنه لم ينفذ حتى الآن، ومن لا يعمل ما عليه في وقته سيجد نفسه تحت ضغط كبير".
ثم ان ما نطالبه في القطاع الزراعي هو أمر ممكن وغير مستحيل، فصندوق الطوارئ بكلفة 30-40 مليون شيقل من موازنة بقيمة 14 مليار شيقل لا يساوي شيئاً، مقابل انقاذ القطاع الزراعي، كما أن هذه مبالغ تساعد الحكومة على الجباية الضريبية، لكن اليوم المزارع لا يستطيع الصمود، وسيضع الحكومة عند مسؤولياتها، ويجب أن تكون الحكومة مدركة لما هو قائم ولما هو قادم، وإلا فنحن أمام كارثة، يحذر ملحم.
وتطرق ملحم إلى قضية الاسترداد الضريبي للمزارعين، مؤكداً على أن هذا الملف لم يطبق رغم أنه قانون معمول به. ليس هذا فحسب، فالاسترداد الضريبي لقطاع الثروة الحيوانية حتى الآن غير موجود وغير متبنى من الحكومة، إضافة الى أن قانون المجالس الزراعية التي تنظم القطاع الزراعي غير موجود، وكذلك قانون صندوق الطوارئ الذي يقدم الدعم والاسناد للمزارع غير موجود، وقانون التأمينات الزراعية الذي يحمي المزارع من الكوارث الطبيعية غير مطبق، والإقراض الزراعي الذي يجب أن يوفر للمزارع قروضاً صفرية دون فوائد غير مطبق.. كل هذه الأمور تبنتها الحكومة لكنها لم تطبقها، وهي الآن تحت مسؤولية الحكومة الجديدة.