تصنف عالميا باعتبارها من أسلحة الدمار الشامل
قنابل عنقودية وفراغية وارتجاجية تستهدف الأطفال والأرض والبيئة في غزة
قطاع غزة تحول إلى مختبر إسرائيلي-أميركي لفحص أسلحة الإبادة
خبراء أميركيون في قيادة "المنطقة الجنوبية الإسرائيلية " ساعدوا إسرائيل أثناء العدوان ووثقوا آثار استخدام الأسلحة الجديدة أو المطورة ومدى قدرتها التدميرية
كل كيلومتر مربع من قطاع غزة قُصِفَ أكثر من أربع مرات
جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أشارت بعض الدلائل إلى أن بعض الأهداف في قطاع غزة تعرضت خلال الحرب الهمجية الإسرائيلية الأخيرة، للقصف الجوي والبري بالقنابل العنقودية التي تصنف عالميا باعتبارها من أسلحة الدمار الشامل. وقد استخدمت "إسرائيل" النسخة المطورة تحديدا من هذه القنابل أميركية الصنع التي تعرف اختصارا بـِ DIME . وما يعزز هذه الدلائل كثرة الإصابات المتمثلة في بتر الأطراف السفلية و/ أو العلوية. ولا يزال العديد من الضحايا الذين بترت أطرافهم يرقدون في المستشفيات بغزة، فضلا عن أولئك الذين تم نقلهم إلى مستشفيات عربية. ويعد فقدان الأطراف من أبرز نتائج القصف بالقنابل العنقودية. وتتمثل معظم الإصابات الناتجة عن القنابل العنقودية في فقدان الأذرع والسيقان.
ويؤكد أخصائيون عسكريون، وبعض المصادر الطبية في غزة، أن إسرائيل ألقت قنابل عنقودية على القرى والمدن والمخيمات والحقول الفلسطينية في قطاع غزة. ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأميركية تعد مزود إسرائيل الرئيسي بأسلحة وذخائر محرمة دوليا.
ويُخشى من أن بعض القنابل العنقودية لم تنفجر لدى اصطدامها بالأرض، ما قد يؤدي إلى استمرار معاناة المواطنين في قطاع غزة من بقاياها، فيتواصل سقوط الضحايا. وفي عدوانها الإبادي على قطاع غزة في شتاء 2008-2009 استخدمت إسرائيل، وبكثافة أكبر، هذا النوع من القنابل.
كما وأثناء عدوانها على لبنان، في تموز 2006، ألقت إسرائيل نحو مليون قنبلة عنقودية أميركية الصنع على البلدات والحقول اللبنانية، علما أن 40% من هذه القنابل لم تنفجر لدى اصطدامها بالأرض. ولا يزال المواطنون في لبنان يعانون من بقايا هذه القنابل حتى يومنا هذا، علما أن جهات مختلفة، لبنانية ودولية، قدرت حصيلة الإصابات اللبنانية بهذه القنابل بأكثر من 400 بين شهيد وجريح، وذلك منذ انتهاء الحرب في آب 2006 إلى يومنا هذا. وفي تموز 2008 انفردت مجلة آفاق البيئة والتنمية (http://www.maan-ctr.org/magazine/Archive/Issue5/index.htm ) في نشر تقرير خاص حول استمرار الآثار الصحية-البيئية القاتلة لهذه القنابل في جنوب لبنان، منذ أن توقفت الحرب في آب 2006.
والجدير بالذكر، أن الولايات المتحدة ألقت أيضا كميات كبيرة من القنابل العنقودية على الشعب العراقي، وذلك في حربيها ضد العراق (عامي 1991 و2003)، فأصابت آلاف المدنيين، علما بأن الأجزاء غير المتفجرة والمنتشرة في مختلف أنحاء العراق، لا تزال تشكل تهديدا جديا على المواطنين.
ويُخْشى من أن تنفجر مخلفات القنابل العنقودية في محيط ركام منازل الغزيين وحقولهم الزراعية وبياراتهم.
ويمكن للقنبلة العنقودية الواحدة أن تحوي 200 – 650 قنبلة صغيرة تنتشر عند انفجارها على مساحات واسعة، علما بأن معظم القنابل الصغيرة لا تنفجر فورا عند ارتطامها بالأرض؛ فتبقى مكانها سنوات طويلة، لتنفجر لاحقا عند ملامستها.
انشطار جسم الضحية وموته
ويؤكد بعض الأطباء الذين شخصوا آثار الانفجارات على العديد من الجرحى والشهداء في مستشفى الشفاء بغزة، بأن "إسرائيل" استخدمت أنواعا جديدة من الأسلحة، وتحديدا قنابل "دايم" (DIME ). وهي من نفس عائلة القنابل العنقودية التي استخدمتها إسرائيل في حرب لبنان (تموز 2006). وتتكون قنابل DIME من غلاف من ألياف الكربون محشو بخليط من المواد المتفجرة (HMX أو RDX ) ومسحوق مكثف من خليط من معدن "التنغستون" الثقيل (HMTA ) والمكون من مادة "التنغستون" والنيكل، والكوبالت، والكربون، والحديد. وتظهر كل هذه المكونات على شكل عدد كبير من الكرات الصغيرة. وتعد هذه الكرات ذات قوة تفجيرية كبيرة. ولا يلعب المعدن الذي في هذه القنابل دورا في توليد الطاقة التفجيرية كيميائيا، بل إن التفاعل المسبب للانفجار يحدث بشكل عكسي، عبر استعمال مسحوق الألومنيوم لزيادة الطاقة التفجيرية. وعند حدوث الانفجار، تتشظى القنبلة إلى كرات صغيرة، فيتحول المسحوق الكيميائي إلى شظايا صغيرة قاتلة، وبخاصة، لدى التعرض لها من مسافة قريبة. وهي تخترق الجلد وتنفجر داخله. وفي حال انفجارها على مسافة أربعة أمتار أو أقل من الأشخاص تؤدي إلى انشطار جسم الضحية وموته. أما إذا انفجرت على مسافة أكبر فتؤدي إلى حروق عميقة تصل إلى العظم، وبخاصة عند الأطراف، مما يؤدي إلى بترها فورا. ويحدث هذا النوع من الإصابات بسبب قدرة الشظايا على اختراق العظام والأنسجة، وبالتالي التسبب في تهتك الأنسجة والأوردة والشرايين ونزيف دموي كبير في الأعضاء المصابة، مع احتمال الإصابة لاحقا بسرطان الأنسجة. وقد سجلت العديد من الحالات المشابهة أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006.
وفي بحث مخبري أجرته وزارة الصحة الأميركية (عام 2005) تبين أن هذا الخليط الكيميائي (وتحديدا التنغستون) يتسبب مباشرة في ظهور أعراض سرطانية في أنسجة الجرذان التي تعرضت لهذا النوع من المواد. كما بينت دراسات أخرى أن التنغستون النقي أو ثلاثي أكسيد التنغستون يعد عاملا مسرطنا.
قنابل فراغية وارتجاجية
لم يقتصر العدوان الإسرائيلي الأخير على استعمال القنابل العنقودية، وقنابل DIME ، بل امتد العدوان ليشمل استخدام سلاح الجو للقنابل الفراغية والارتجاجية في قصف المباني. وتتسبب القنابل الفراغية في تفريغ الهواء الداخلي من المبنى المستهدف، فيؤدي الاختلاف الكبير بين الضغط الداخلي المنخفض جدا للمبنى والضغط الخارجي المرتفع، إلى انفجار المبنى وانهياره نحو الداخل. وتتميز الإصابات بهذا النوع من القنابل بتهتك وتلف كبيرين في أعضاء الجسم الداخلية، بينما تكون الآثار والجروح الخارجية على الجسم سطحية وطفيفة. والجدير بالذكر أن "إسرائيل" استخدمت هذا النوع من القنابل في أثناء اجتياحها للبنان وحصار بيروت عام 1982، وأيضا في أثناء حرب تموز 2006.
وعلمت مصادر آفاق البيئة والتنمية وجود خبراء عسكريين أميركيين في قيادة المنطقة الجنوبية التابعة للجيش الإسرائيلي، كانوا يعملون على مساعدة "إسرائيل" أثناء العدوان الأخير على غزة، وتسجيل آثار استخدام الأسلحة الجديدة أو المطورة ومدى قدرتها التدميرية. ويعد عمل هؤلاء الخبراء استمرارا لأضخم التدريبات العسكرية الإسرائيلية-الأميركية المشتركة في تاريخ إسرائيل؛ تلك التدريبات التي بدأت في أواخر تشرين أول الماضي وأعلن في واشنطن والقدس عن انتهائها في 13 تشرين ثاني الماضي، أي قبل يوم واحد فقط من اغتيال القائد العسكري أحمد الجعبري وبدء العدوان على غزة. وأجرت القوات الأميركية-الإسرائيلية تدريبات على بعض الأنظمة الصاروخية التي استخدمت في العدوان على غزة؛ مثل "القبة الحديدية" للدفاع الصاروخي، وآخر نسخة من صواريخ باتريوت الأميركية، ونظام آرو (حيتس)المضاد للصواريخ الباليستية والذي طورته الولايات المتحدة وإسرائيل.
يضاف إلى ذلك، أن الكثير من مخلفات قصف الجيش الصهيوني وألغامه وأجسامه المشبوهة ما تزال تواصل انفجارها في البيئة الفلسطينية بغزة، وبجوار التجمعات السكانية، فضلا عن وجود بعض المكونات التي يعتقد بأنها مشعة في مخلفات الطائرات الحربية الإسرائيلية، في الأراضي والتجمعات الفلسطينية الغزية.
لقد شن الطيران الحربي الإسرائيلي خلال ثمانية أيام أكثر من 1500 غارة أبادت أُسراً بكاملها، أي أن كل كيلومتر مربع من قطاع غزة الذي تبلغ مساحته 360 كيلو متراً مربعاً قصف أكثر من أربع مرات. وفي الواقع، تعد عملية حصار وحشر وتجويع نحو مليوني إنسان في مساحة جغرافية صغيرة وكثيفة السكان، وقصفهم المكثف، وتحويلهم إلى مختبر لفحص الأسلحة "المحرمة دوليا"- تعد ممارسة إجرامية أبشع مما فعله النازيون في أوروبا، علما بأن معسكرات الاعتقال النازية لم تُقْصَف من الجو والبر والبحر بهدف إبادة من فيها.
التقرير يعد بحق وثيقة علمية متينة ومتماسكة تدلل على جرائم الحرب الإسرائيلية المقترفة باستعمال أسلحة الدمار الشامل والمحرمة دوليا وبمشاركة أميركية مباشرة في غرف العمليات الإسرائيلية العسكرية...ألم يحن الوقت كي يقاطع الفلسطينيون جميعا والعرب من بعدهم أميركا التي تعد رأس أفعى الاحتلال وحاميه وراعيه ...
عاصف قيرواني
|