شذرات بيئية وتنموية.. عدوان واختلافات ونكبة ونكسة ومعارض
خاص بآفاق البيئة والتنمية
من نتائج العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة
شنَّ الاحتلال عدوانًا شرسًا على غزة امتد خمسة أيام تاركًا 33 شهيدًا (منهم 6 أطفال و3 نساء)، و147 جريحًا، إضافة إلى هدم كلي لـ 51 بيتًا.
وخلّف أضرارًا لـ 49 منزلًا لم تعد صالحة للسكن، وأضرارًا جزئية لـ 891 بيتًا، فيما بلغت القيمة التقديرية الأولية للخسائر 5 ملايين دولار، ووصلت خسائر القطاع الزراعي إلى 3 ملايين دولار، بعد منع تصدير أكثر من 1000 طن من المنتجات.
في كل هجمة على القطاع يدفع البشر والشجر والحجر ثمنًا باهظًا، وتُصاب البنية التحية في مقتل.
وسط أزمات مُركبة ومعقدة وقت العدوان نجد أن المعظم يتجاوزون الحديث عن البيئة، فليس هذا هو الوقت المناسب لمناقشة شؤون بيئية وتنموية، وهي قضايا شائكة حتى في وقت الهدوء الحذِر، لكن حالها يزداد تأزمًا في أثناء وبعد كل عدوان.
البيئة تعني عمليًا رصد انعكاسات العدوان على محيطنا ومياهنا وأرضنا وغذائنا ونسيمنا وبحرنا وشبكات صرفنا الصحي، وتدمير محطات توليد الطاقة وتحلية المياه.
تشييع شهيد في جنين
فوارق
بدأت علاقتي بكواكب الحرية "الشهداء" في وقت مبكر. كنت في الرابعة عشرة إلا قليلاً حين اشتعلت انتفاضة الحجارة، وبدأتُ جمع "قائمة الشرف العظيم"، كما أسميتها، لحظة ارتقاء أرواح أبطالها إلى السماء.
استمعت لإذاعات عديدة، وفتشت عن ذلك بغير طريقة، كتبت عن الكواكب، ثم جمعت صورهم، أتخيلهم حتى يومنا هذا، بعضهم كان يجلس في "استوديو" وخلفه باقات من الزهور، وآخرون كانوا في لحظات سعادتهم العائلية، أو على دراجاتهم الهوائية، أو بملابسهم الرياضية، أو في حقولهم، كان معظمهم يبتسمون، أو يخبروننا بأن شيئًا ما سيحدث لهم.
حفظت جيدًا بلداتهم وما تشتهر به، وتواريخ ارتقاء طائفة منهم، وأتذكر - إلى اليوم- مهن بعضهم، والتقيت لاحقًا بمجموعة من أسرهم في جنين وطوباس ونابلس، وكتبت من جديد قصصهم الإنسانية، وشاهدت مقتنياتهم الشخصية الباقية.
كان الوطن ينقلب رأسًا على عقب حينما نسمع عن فارس جديد يحمل روحه على راحته في جباليا، أو بلاطة، أو جنين ومخيمها، أو الخليل وريفها.
وقتها، ساد الشعور بأن الوطن عائلة واحدة، نبكي معًا، ونتحسر، ونبتهل إلى الله أن يكشف الغمة، ونتقاسم كل شيء، ونبكي بصدق، وينعكس ذلك على سير يومنا.
عشنا لحظات "تهريب" الجثامين إلى بلدتنا، وسمعنا عن ذلك في بلدات مجاورة؛ خشية اختطاف المـحتل لها، شاهدنا أغنيات وطنية تزّف جنازات بعضهم، كانت ذات وقار وهيبة.
المؤسف أن مخطوطتي أُتلفت، بعد اعتقالي 14 أيار 1992. شعرت بالحسرة على القائمة، فقد كانت قيّمة جدًا وجزءًا مني.
في انتفـاضـة الأقـصى عام 2000، وقبلها هبّة النفق، وما سبقهما من مظاهرات، استمر المد لكواكب الحرية، وسرنا في جنازات مهيبة مشيًا نحو 10 كيلو مترات ذهابًا وإيابًا، ونحن نودع فرسانًا في ريف جنين، كانت الأعداد ضخمة، ولم نكن نرى نهاية المسيرة ولا بدايتها.
كان هناك قرار ذاتي في كل قلب حي بالمشاركة والحداد والحزن، ولم يكن يومها قد شاع زمن الصورة السريعة، والتفاعل الكاذب في منابر التواصل- القطيعة.
مع تصاعد أعداد كواكبنا، بدأت الأحوال تتغير، وصارت أعداد المشيعين تنحسر، وبعضها يُؤسف على قلته.
بين طفولتنا وصبانا وشبابنا، انقلبت الموازين، وتسلّل الإحباط إلى النفوس، وغابت قيم التضامن الكبرى، واختفى العمل التطوعي، وصار كل شيء يخضع لحسابات ضيقة.
يتطلب منا هذا الجَزر المؤسف، وضع الأصبع على الجرح، وتشريح أسباب التراجع، وعلاجها ولو بالكيّ، وبشيء يليق بكواكب الوطن التي تلمع في سمائنا، وتعطّر أرضنا بمسك الحرية.
المرحوم الحاج سعيد عبد الهادي من قرية صبارين المهجرة قضاء حيفا- توفي عن عمر يناهز المائة عام ونيف
صبارين
رحل في 5 أيار الماضي الحاج سعيد محمد عبد الهادي، المولود في صبارين عام 1922. حدثنا كثيرًا عن قريته المجاورة لحيفا، فقال: "كنا نحصد القمح والشعير، ونضعها في أكوام صغيرة (غمر)، ثم نأتي بالجِمال، ونُحمّل عليها السنابل، وننقلها إلى البيادر (مكان واسع في أرض سهلية داخل البلدة)، ثم نأتي بحصان، ونربطه بلوح دراس (خشبي وثقيل وبه حجارة في الأسفل)، يمر عليها عدة مرات. وبعدها نفصل القش عن الحَّب، بواسطة (المذراة).
تجاعيد عميقة ارتسمت على وجهه ذي اللحية البيضاء، وقد باح لنا بكثير من تفاصيل النكبة، قائلًا: كنا نشتغل بالزراعة ونرّبي الماشية، ولما سمعنا بمذابح دير ياسين، وبدأت عصابات اليهود الهجوم علينا خرجنا من البلد، وهذا ما حدث في السنديانة، وأم الشوف، وأم الزينات، وغيرها".
ومما رواه عبد الهادي – رحمه الله - أن العصابات الصهيونية لحقت بأهالي صبارين، واعتقلت 15 من رجالها وأوقفوهم صفًا واحدًا وأطلقوا عليهم النار، فيما عاد هو وأخ أحد الشهداء للبحث عن الجثث، وعندما وصلا ليلاً، شاهدهما المحتلون من بعيد، فاستنفروا للبحث عنهما، ولولا صعودهما على شجرة كبيرة لانضموا إلى من كانوا يبحثون عن جثامينهم.
التسعيني المرحوم عزت صوافطة
نكسة
رحل في 6 أيار الماضي التسعيني عزت محمد صوافطة، الذي حكى لنا قبل الممات سيرة 5 حزيران عام 1967، فحينها كان الرجل عريفاً في الجيش الأردني وكان يخدم في القدس، وقرر عدم النزوح إلى الضفة الشرقية، بل العودة إلى عائلته في طوباس مهما حدث، وسار على قدميه، وعاش عشرات المشاهد المحزنة.
ومما قاله قبل الممات: "خلت القدس من أهلها يوم احتلالها في 6 حزيران، وأتذكر ما حدث حوالي الخامسة مساء، حين شنت القوات الغازية هجومًا على المدينة، ولا أنسى مهاجمة مركزنا في بدو، لقد كانت لحظات عصيبة".
وقعت أعمال مقاومة في منطقة قرية القبيبة، في حين فتح الجيش الأردني النار من داخل المعسكر، وشاهد الراوي اليهود وهم يحتلون قطنة والقبيبة، وأدرك أن البلاد قد سقطت، وقرر الخروج من المعسكر.
ومضى صوافطة في حديثه آنذاك: "حين وصلنا منطقة قريبة من بدو، كان يحتمي شبان من الخليل بين الأشجار، ويريدون التوجه إلى رام الله، ولا يستطيعون قطع الشارع؛ لوجود دورية للاحتلال في الجبل المقابل".
وبحسب الراحل، فإن أحد الشبان قطع الشارع، ونجا من الموت، ولم تتمكن منه الرصاصات الإسرائيلية، فتبعه زميله أبو مجاهد، لكنه أصيب في البطن واستشهد.
وصل الراوي قرية عين عريك ليلاً، وسأل عن شاب يعرفه ليرشده إلى نابلس، فدله الأهالي على رجل يعمل في إحدى الكسارات، ولم يكن المقصود، ورغم ذلك استقبله.
وقال: سرنا نحو قرية عين قينيا، فالمزرعة الغربية، وقصدنا قرية عارورة، ووصلنا بالخطأ إلى قرية النبي صالح، ووصلت إلى طوباس، ولم أجد في منزلنا غير والدي الذي كان رئيس البلدية، وبعد وقت قصير دخل جنود إسرائيليون إلى المنزل وفتشوه، ثم اقتادوا الناس إلى ساحة المدرسة، وصاروا يحققون معنا.
ووصف الراحل الحياة في السابق بــ "المختلفة"، موضحًا: "لم نر إلا القليل من المركبات، والملاحظ أن كل أفراد العائلة كانوا يدًا واحدة تعمل في الزراعة، وكان الغذاء الصحي والاكتفاء الذاتي في كل بيت، وكانت الأمراض أقل انتشارًا".
معرض صناعات جنين
استهلاك
نظمت الغرفة التجارية والصناعية والزراعية في جنين "مهرجان جنين للتسوق 2023" للسنة الرابعة، بمشاركة 75 شركة وطنية فلسطينية من قطاعات متنوعة.
الملاحظ أن المعرض جاء بديلًا عن فكرة معرض الصناعات، الذي كان شائعًا في الماضي، وعُرضت فيه عدد من السلع غير الصديقة للبيئة كالتبغ، والنرجيلة، ومشروبات الطاقات، والأطعمة المليئة بالأصباغ والألوان والمواد الحافظة، والسلع المستوردة، مقابل تواجد محدود لجمعيات تنموية وشركات متناهية الصغر، إلا أنها كانت أكثر حضورًا.
من المهم إحياء الحركة التجارية، والتعريف بها، ولكن من المهم أيضًا منح الصناعات المحلية كل نافذة ممكنة لإيصال سلعها وخدماتها للمتسوقين.