خاص بآفاق البيئة والتنمية
انقرضت العديد من طيور قطاع غزة المستوطنة، وحولّت الطيور المهاجرة مساراتها بعيدًا عنه بعدما غدت محطاتها فيه قفارًا وواحات إسمنتية. غالبية الطيور انقرضت جراء الدمار الذي ألحقه الاحتلال ببيئة القطاع وكذلك الزحف العمراني الشرس على الرقعة الخضراء، سواء الزراعية أم الحرجية، حيث يتزايد عدد سكان قطاع غزة (حاليًا 2.2 مليون نسمة)، فيما لا تتغير مساحته البالغة 365 كلم2.
|
 |
قطاع غزة أحد أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان في العالم |
تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلو متر مربع، ويسكنه قُرابة 2.2 مليون إنسان، ويعد القطاع أحد أكثر الأماكن اكتظاظًا بالسكان على وجه الأرض، حيث يبلغ متوسط الكثافة أكثر من 6000 نسمة لكل كيلومتر مربع، ويرتفع إلى 20 ألف نسمة لكل كيلومتر مربع في المناطق الحضرية.
قرعت وزارة الزراعة في قطاع غزة جرس الإنذار بإعلانها أنه أضحى منطقة خالية من الطيور باستثناء الدواجن، في إثر انقراض طيوره المستوطنة وتحويل الطيور المهاجرة لمساراتها بعيدًا عنه؛ بعدما غدت محطاتها فيه قفارًا وواحات إسمنتية، فــ "غالبية الطيور انقرضت" جراء الدمار الذي ألحقه الاحتلال ببيئة القطاع، وكذلك الزحف العمراني الشرس على الرقعة الخضراء، سواء الزراعية أم الحرجية.
عمومًا، الظروف الاقتصادية والمعيشية التي يكابدها سكان القطاع، إضافة إلى الترهل والضعف الحكومي وغياب القانون البيئي والمحاسبة والمتابعة البيئية أثرَّ تأثيرًا ملحوظًا على ثقافة السكان في القطاع، التي تُترجم بسلوكيات وممارسات سلبية وخصوصًا تجاه الحفاظ على البيئة بعناصرها المختلفة.
كما أن غياب العقاب الصارم والرادع للمتجاوزين والمخطئين في حق البيئة، وكذلك الاستهتار وعدم المبالاة تجاه تلوث البيئة والاستنزاف غير الرشيد لمواردها، نتيجة غياب الوعي والمعرفة الكافية، أو حتى بدافع الانتقام من الظروف أو الجهات القائمة على إدارة شؤون المواطن، كل ذلك أدى إلى انتشار كثير من السلوكيات الخاطئة التي أضرّت بالتنوع الحيوي.
وحسب ما يؤكده تقرير لوزارة الزراعة في غزة، فقد كان للاحتلال الاسرائيلي وإجراءاته العدوانية دور واضح في القضاء على القسم الأعظم من الرقعة الخضراء والتنوع الحيوي في القطاع.
ويوضح التقرير أن "إسرائيل" ومنذ احتلالها للقطاع عام 1967 شرعت في بناء أسيجة مكهربة وجدران عازلة قطعت التواصل الطبيعي لقطاع غزة مع عمقه البيئي في فلسطين المحتلة.
ومنذ ذلك الحين بدأت العديد من أنواع الحيوانات البرية في الانقراض بوتيرة عالية، وعلى وجه الخصوص الثدييات كالغزال والثعلب الأحمر وابن آوى والقط البري والشيهم.
كما يعد تغير المناخ من أهم العوامل الطبيعية التي تعمل على تدهور التنوع الحيوي في فلسطين، حيث أضحت أكثر الأنواع الحيوانية والنباتية شيوعاً تحت وطأة التهديد الخطير لتصبح نادرة، بل نادرة جداً، بسبب معدلات هطول الأمطار المنخفضة، وارتفاع درجات الحرارة، وتغير ملامح الفصول الأربعة، إذ بات الجفاف يزحف إلى فصليّ الشتاء والربيع.

ومن المهددات أيضًا، الأنواع الغريبة الغازية التي تستوطن الموائل الطبيعية والنظم البيئية الهشّة والضعيفة التي لم تكن موجودة في قطاع غزة، وهذا يؤدي إلى خلل في النظم البيئية وإحداث تأثيرات كبيرة على المجتمعات النباتية والحيوانية الأصيلة وقلة الخدمات التي تقدمها، إضافة لاستنزاف المصادر البيئية الطبيعية مثل الصيد الجائر والرعي الجائر وقطع الأشجار، كذلك التلوث الناتج عن الأنشطة البشرية، مثل النفايات الصلبة والنفايات الزراعية والاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية، فضلًا عن التلوث بمياه الصرف الصحي، والتغيرات المناخية وآثارها السلبية على التنوع الحيوي وديمومته.

ومن أبرز المشكلات في هذا الصدد التصحر وما يصاحبه من تدهور للأراضي المنتجة والخصبة وقلة الإنتاج الغذائي، وبالتالي ضعف الأمن الغذائي الوطني، ويُلاحظ أيضًا ضعف الأبحاث العلمية المتصلة بالتنوع البيولوجي، وضعف الوعي العام بأهمية التنوع الحيوي وديمومته لنا وللأجيال القادمة، وشحّ الموارد المالية وعدم تخصيص ميزانية للمحافظة على التنوع البيولوجي ومكوناته، كل ما سبق ينضم إلى مهددات التنوع الحيوي في قطاع غزة.
ومع حلول شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من كل عام، تزداد حركة الطيور المهاجرة وتتسارع، وتصل أسراب جديدة منها إلى السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط، وبخاصة العصافير المغردة، مثل الحسّون والنعار والخضري وغيرها.
وحينها يستغل هواةُ تربية مثل هذه الأنواع النادرة من الطيور فرصة هجرتها، وقضاءها وقت قصير في فلسطين، فيبدؤون نشر شباكهم الأرضية، واستخدام كل الحيل الممكنة، من أجل الإيقاع بها في شباكهم، وصيد أكبر عدد ممكن منها، إما بهدف تربيتها في أقفاص والاستمتاع بجمالها وأصواتها العذبة، أو بيعها لمواطنين تستهويهم تربيتها.
يُذكر أن هناك عمليات صيد جائرة وغير مرَاقبة للطيور المهاجرة إلى قطاع غزة، التي تبدأ في الوصول إلى سواحل القطاع في شهر سبتمبر/ أيلول، ويتواصل تدفقها حتى نهاية تشرين الثاني من كل عام.