خاص بآفاق البيئة والتنمية
لم ينجُ أي من عناصر البيئة من عدوان المستوطنين الإسرائيليين والحركات الاستيطانية، فالأمر لم يقتصر على الأرض والشجر، بل امتدَّ إلى ينابيع وعيون الماء التي تنتشر طبيعياً في جبال ووديان فلسطين، وتتعمد الحركات الاستيطانية تأسيس تجمعات استيطانية قريبة ومجاورة لينابيع المياه، فتستولي على الينابيع ومحيطها البيئي بدعوى تطويرها، وإصلاحها، وحمايتها وتحسين جودة المياه المُستخرجة منها؛ منعاً لزوالها ودمارها الذي يتسبَّب به الفلسطينيون. في فبراير/ شباط 2019، وقَّع عشرات الوزراء وأعضاء كنيست من الليكود وأحزاب يمينية أخرى على تعهد بمبادرة من حركة "نحالا" الاستيطانية للترويج لخطة وُضعت في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق شامير، لتوطين مليوني يهودي في الضفة الغربية. وكان نص التعهد:" أتعهّد بأن أكون مخلصاً لأرض إسرائيل وألا أتخلى عن شبرٍ واحد من تراث أجدادنا. أتعهّد بالعمل من أجل خطة استيطانية لتوطين مليوني يهودي في يهودا والسامرة، وفقاً لخطة رئيس الوزراء إسحاق شامير، وتشجيع وقيادة تحرير الأراضي في جميع مناطق يهودا والسامرة. وأتعهد بالعمل على إلغاء إعلان الدولتين لشعبين واستبداله بإعلان رسمي: أرض إسرائيل - دولة واحدة لشعب واحد".
|
 |
70شجرة زيتون قطعها المستوطنون في مسافر يطا |
"في سبيل الاستيطان، يجب أن تكون الحياة قاسية، بل مُستحيلة على الفلسطينيين، على أمل أن يهجروا البلاد".
منظمة غوش إيمونيم الاستيطانية.
احتُلت مناطق الضفة وغزة والأجزاء الشرقية من القدس عام 1967، ومنذ ذلك الوقت عملت حكومات دولة الاحتلال جاهدةً على بناء وتوسيع المستوطنات، من حيث رقعة المساحة وعدد السكان.
وضع تجمع الأحزاب العمالية "المعراخ" في تموز 1967 بعد حرب حزيران مباشرة، حجر الأساس لـِ "مشروع آلون" الاستيطاني بالضفة الذي أعده وزير القضاء" إيغال آلون" للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وحدّد المشروع منطقة غور الأردن من النهر وحتى المنحدرات الشرقية لجبال نابلس وجنين ومنطقة القدس والخليل أيضاً لتبقى تحت السيادة الإسرائيلية، إضافة إلى مقترحات أُخرى، بذريعة الأغراض الأمنية والعسكرية، ولكن الهدف الحقيقي كان الاستيطان وتوطين اليهود لأغراض زراعية، ومصادرة المياه الجوفية الفلسطينية.
المناطق العربية التي احتلتها "إسرائيل" عام 1967
|
المساحة/كم2
|
شبه جزيرة سيناء المصرية
|
61948
|
هضبة الجولان السورية
|
1158
|
الضفة الغربية من ضمنها القدس
|
5878
|
قطاع غزة
|
353
|
المساحة الإجمالية
|
69347
|
مساحة الأراضي العربية المحتلة عام 1967
|
طُبِّق المشروع بقوة الجيش بواسطة وحدة أُطلق عليها اسم "شبيبة الطليعة المقاتلة" انتشرت على طول خط الهدنة بالضفة ومنطقة الأغوار، بطول 115 كيلومترًا وعرض 20 كيلومترًا، وخلال 10 سنوات بُنيت 34 مستوطنة كان أولها كفار عتصيون ثم "كريات أربع".
ومع تسلّم حزب الليكود الحكم عام 1977، انطلقت حكومته بقوة في تبنّي المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية دون استثناء، بدوافع أمنية وأيديولوجية. وبحسب منظمة بتسيلم فإنه ومنذ عام 1967 حتى نهاية 2017 أُقيمت في أنحاء الضفة الغربية أكثر من 200 مستوطنة.

أعضاء الحركات الاستيطانية يتسلحون بالعنف أينما وجدوا
خطواتٌ عدة تسبق إنشاء مستوطنة أو حتى بؤرة استيطانية، أولها مصادرة الأرض بطرق شتى، ويُحبّذ أن تكون على قمم الجبال وسفوحها، يحضّرون جرافات وآليات ضخمة لشقّ الطرق والشوارع للوصول للأعلى، والشروع في اقتلاع الصخور وتكسيرها وتمهيد الأرض واجتثاث الأشجار التي قد تعيق الهدف سواء كانت زيتون أم أشجار برية، لا يهمّ فكل الأشجار الفلسطينية سواء، وما أكثر الأشجار البرية التي تنتشر على سفوح جبال فلسطين.
وما أكثر الطيور التي تتخذ من أغصان تلك الأشجار أماكن لبناء أعشاشها، فضلًا عن الزواحف والحشرات والكائنات الحية الأخرى التي تزخر بها البيئة الفلسطينية.
والأمر لا يقتصر على انتزاع الصخور والأشجار، بل تُزال النباتات البرية عن سطح التربة وكل ما يقع في طريق الجرافات والحفَّارات والآليِّات من أعشاش وأوكار الحيوانات وملاذ الحشرات، تدوسها الجنازير الضخمة بلا أي تأنيب للضمير؛ ليُغرس مكانها وحدات سكنية بنمط بناءٍ موحد نسبياً.
أحياء مرصوفة تُظهر تخطيطاً مركزياً موحداً، تتخلّلها مساحات خضراء بورودٍ ملونة وأشجار زينة غريبة عن بيئتها، ومنازل صغيرة بقرميد أحمر يمكن ملاحظته عن بُعد، ما يجعل الناظر عن بُعد يُدرك أنها مستوطنة" إسرائيلية"، تُشكل مشهداً أوروبياً يقتحم المشهد الفلسطيني المختلف عنها تماماً.
وما إن يسيطر المستوطنون على أيٍ من المناطق الفلسطينية، حتى يبدأ انتهاك صارخ للبيئة من تلويث بملوثات شتى، وإلقاء للنفايات وتصريفٍ للمياه العادمة في الأراضي الزراعية الفلسطينية، ولا ننسى أن ذلك يُلبَّس ثوباً عصرياً براقاً بادِّعائهم وتشدّقهم بالحفاظ على البيئة وحمايتها من الفلسطيني.
ولا تزال سياسة قلع وتجريف الأشجار التي بدأت مباشرة بعد عام 1967م، مستمرة حتى الآن سعياً لإشباع نهم السرطان الاستيطاني "الإسرائيلي"، التي اقتلعت بموجبها جرافات الاحتلال أكثر من نصف مليون شجرة، شكَّل الزيتون 70% منها.
ولا يخلو عامٌ لا تكون فيه الأشجار محطّ استهداف وانتهاك من نشطاء الحركات الاستيطانية بالحرق حيناً والقطع أحياناً أُخرى.

انشاء بؤرة استيطانية في الأغوار
على سبيل المثال لا الحصر؛ في كانون أول 2021 قطعَ المستوطنون في قرية دير شرف 600 شجرة زيتون، إضافة إلى عددٍ من أشجار السرو، وقطعوا أشجارًا في قرية عورتا في تشرين أول2021، وأخرى في قرية ترمسعيا في 22/7/2022، وكذلك في قرية بروقين في 30/9/2022.
والأمثلة كثيرة، وتتكرر باستمرار، وكأن هناك عداء من نوع خاص بين الحركات الاستيطانية وأشجار الزيتون تحديداً.
لم ينجُ أي من عناصر البيئة من عدوان المستوطنين والحركات الاستيطانية، فالأمر لم يقتصر على الأرض والشجر، بل امتدَّ إلى ينابيع وعيون الماء التي تنتشر طبيعياً في جبال ووديان فلسطين، وتتعمد الحركات الاستيطانية تأسيس تجمعات استيطانية قريبة ومجاورة لينابيع المياه، فتستولي على الينابيع ومحيطها البيئي بدعوى تطويرها، وإصلاحها، وحمايتها وتحسين جودة المياه المُستخرجة منها؛ منعاً لزوالها ودمارها الذي يتسبَّب به الفلسطينيون.
فيما تعمد إلى تحويلها لمواقع للنُزهة الصهيونيَّة والاستجمام بعد إنشاء مسارات بيئية تشجع السائحين لزيارتها، عدا عن استخدامها لأغراض التطهير اليهودي الديني الأرثوذكسي.
ورد في تقرير لمنظمة بتسيلم تحت عنوان المستوطنات:" إنّهم يبنون المنازل ويقيمون البؤر الاستيطانية ويشقُّون الطرق ويفلحون الحقول ويزرعون الكروم ويرعون قطعانهم ويسيطرون على مصادر المياه الطبيعية - وكلّ هذا يفعلونه في مساحات شاسعة خصَّصتها "إسرائيل" للمستوطنات".
في 5 فبراير/ شباط 2019، وقَّع عشرات الوزراء وأعضاء كنيست من الليكود وأحزاب يمينية أخرى على تعهد بمبادرة من حركة "نحالا" للترويج لخطة وُضعت في عهد رئيس الوزراء السابق إسحاق شامير، لتوطين مليوني يهودي في الضفة الغربية.

تعد المعاهد الدينية داخل المستوطنات بؤرة انطلاق هذه الجماعات وتحديدا فتيان التلال
وكان نص التعهد: "أتعهّد بأن أكون مخلصاً لأرض "إسرائيل"، وألا أتخلى عن شبرٍ واحد من تراث أجدادنا. أتعهد بالعمل من أجل خطة استيطانية لتوطين مليوني يهودي في يهودا والسامرة، وفقاً لخطة رئيس الوزراء اسحاق شامير، وتشجيع وقيادة تحرير الأراضي في جميع مناطق يهودا والسامرة. وأتعهّد بالعمل على إلغاء إعلان الدولتين لشعبين واستبداله بإعلان رسمي: أرض إسرائيل - دولة واحدة لشعب واحد".
في صحيفة "معاريف" في 20 تموز 2022، نُشر بأن حركة "نحالا" الاستيطانية شرعت بإقامة ثلاث بؤر استيطانية، وورد أن رئيسها الناشط اليميني دانييل فايس سُئل:" ألا يزعجك أن العملية غير شرعية؟"، ردّ فوراً بالقول: "شرعية أو غير شرعية، لا يهمني؛ ما هو غير شرعي هو التخلي عن الأرض التي تعود للشعب اليهودي".
نماذج لجمعيات استيطانية تنشط في الضفة وتضحي بالبيئة الفلسطينية على مذبح الاستيطان:
حركة "غوش إمونيم": وتعني كتلة المؤمنين، عملت بنشاط بين فترتي 1974-1988، وركزت في مشروعها الاستيطاني على الطرق ومسطحات الأراضي الممتدة من نابلس إلى الخليل عبر القدس وطرق ترتبط بغور الأردن، وكانت أولى المستوطنات التي بَنتها في منطقتي نابلس ورام الله، حيث أسسّت عام 1977 ثلاث مستوطنات هي عوفرا، وكيدوميم، ومعاليه أدوميم.
حركة نحالا الاستيطانية: عام 2005 أُسسّت حركة "نحالا" دعماً لحركة "غوش أمونيم"، كونها تركز جلّ نشاطها على توسيع دائرة نفوذ المستوطنات القائمة ونشر البؤر الاستيطانية على أوسع مساحة من الأراضي الفلسطينية في الضفة.
ساهمت "نحالا" في إقامة أكثر من 60 بؤرة استيطانية حتى عام 2022، وتنشط الحركة في الترويج للمشاريع الاستيطانية بتعزيز العلاقات مع القيادات السياسية على مستوى "إسرائيل" والجاليات اليهودية عبر العالم، وتحظى بدعم وتأييد من تيار "الصهيونية الدينية"، وتنطلق داخل المجتمع الإسرائيلي القومي والديني وحتى العلماني، وتهدف لتوطين مليوني يهودي بالضفة.
حركة "ريغافيم": وتعني "المحافظة على الأراضي الوطنية": تأسست عام 2006 بدعمٍ من الحكومة الإسرائيلية حينها، وتعمل على "وضع أجندة يهودية وصهيونية لدولة "إسرائيل" فيما يتصل بالأرض والبيئة وحقوق الإنسان".
شبيبة التلال وتدفيع الثمن:
"تدفيع الثمن": هي الهجمات التي تنفذّها جماعة تُطلق على نفسها اسم "فتية التلال" أو" شبيبة التلال" وتضم يمينيين "إسرائيليين".
يتركَّز نشاطهم على مسارين أساسيين: أولاً: الاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم ومساجدهم وكنائسهم ومزروعاتهم في الضفة والقدس والأراضي المحتلة عام 1948.
وثانياً: سرقة الأراضي لإقامة البؤر الاستيطانية، ينفذّون هجماتهم بعد إعداد وتنظيم مسبق، ويتركون وراءهم شعارات تعبّر عن دوافعهم الأيديولوجية وطموحاتهم بتهجير الفلسطينيين مثل "الموتُ للعرب" و"اليهود لا يسكتون"، و"الموت للقتلة".
تعكس عبارة" تدفيع الثمن" رغبة المستوطنين في تدفيع الفلسطينيين ثمن وجودهم وصمودهم في أرضهم، وثمنَ مقاومتهم للاحتلال، وتتكثَّف هذه الاعتداءات بعد أيِّ عملية للمقاومة، ومن تلك الاعتداءات حرق عائلة دوابشة وقتل السيدة عائشة الرابي بالحجارة.
أما مصطلح "شبيبة التلال" فيُطلق على مجموعات شبابية من المستوطنين، أعمارهم لا تتجاوز 25 عاماً.

تمهيد سفح الجبل لبناء وحدات سكنية جديدة لتمدد إحدى المستوطنات
يشترك أفراد هذه المجموعات في جذورهم الأيديولوجية التي تعود لتيار الصهيونيّة الدينية، ويجمعهم إيمان بالسيادة المطلقة لليهود على فلسطين، والحلم بإقامة "مملكة داوود" عليها، وبحسب اعتقادهم لن يتم ذلك دون تعزيز وجودهم وفرض واقع يخصهم بواسطة الاستيطان ومصادرة الأراضي والعنف حتى "يتسنّى للرب مساعدتهم في الخلاص"، حسب تعبيرهم.
تشكَّلت عصابات "شبيبة التلال" بالتعاون بين وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية ("وزارة المعارف") والمجلس الإقليمي لمستوطنات منطقة رام الله "بنيامين"، لتجميع الطلاب الذين فشلوا في دراستهم وتسرّبوا من مدراسهم، للعمل في البؤر الاستيطانية على التلال الفلسطينية؛ ليحاول هؤلاء فرض سيطرتهم على التلال الفلسطينية والأراضي التي أعلنها الاحتلال ضمن ما يسمى "أراضي الدولة"، لينشئوا عليها بؤراً استيطانية.
أصبح شبيبة التلال هم الجهة التي تأخذ على عاتقها إنشاء البؤر الاستيطانيّة وإحياء هذا النمط الاستيطاني بعد ركود دور حركة غوش إيمونيم.
رصدت مؤسسةُ "أوشا" التابعة للأمم المتحدة من بداية عام 2017 حتى نهاية عام 2021، قرابة 3000 اعتداءٍ من مستوطنين يعيشون في مستوطنات في الضفة الغربيّة، على فلسطينيين وممتلكاتهم، ومزروعاتهم.
جزءٌ كبيرٌ من هذه الاعتداءات ينطلق من المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي تُعدُّ معقلاً لشبيبة التلال، مثل مستوطنة يتسهار.
وبحسب منظمة بتسيلم، فإن الدولة تتيح للمستوطنين المكوث في أراضٍ سُلبت من الفلسطينيين بالعُنف وعوضاً عن إخلائهم تمنح سلطاتها الدعم لعشرات البؤر والمزارع الاستيطانية.

شبيبة التلال تخط شعارات عنصرية على سيارات بعد ثقب إطاراتها في القرى الفلسطينية
من أشكال الدعم:
أوعزت "إسرائيل" للجيش أن يحمي البؤر الاستيطانية وفي حالات أخرى تموِّل حماية خاصة لها؛ شقَّت لها الشوارع ومدَّت شبكات الكهرباء والماء؛ تقدِّم لها الدعم عبر قنوات منها وزارات الحكومة وقسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية والمجالس الإقليمية الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ تمنح أفضلياتٍ لمشاريع اقتصادية بضمّها منشآت زراعية ودعم مزارعين جدد ورعي القطعان، وتخصص لهم حصص المياه، وتمنحهم حماية قانونية ضد الالتماسات التي تطالب بإخلائهم.
الملاحظ أن هذه الجمعيات الاستيطانية كما يحدث مع جمعية نحالا على سبيل المثال تتلقى دعماً بملايين الشواكل سنويا لتتمكن من تجهيز نشطائها لينطلقوا إلى البحث عن مناطق لينشئوا عليها بؤراً استيطانية وتُجهزهم بكل ما قد يحتاجونه من جالونات ماء، وأدوات شخصية، وأدوات تَلزم لإنشاء تلك البؤر، وعادة ما يشارك في ذلك الترويج والتمويل لتلك الحملات وزراء وأشخاص ذوو مناصب رفيعة في دولة الاحتلال.