خاص بآفاق البيئة والتنمية

شتاء خجول
تأخرت أمطار هذا العام، وكان توزيعها مختلفًا، فلم يشهد ديسمبر/ كانون الأول لعام 2022 غير سبعة أيام ماطرة وبهطولات متواضعة، واللافت أن نصيب المناطق الجنوبية والشرقية كان أعلى من الشمالية والوسطى.
تتابع الشتاء منذ الطفولة، وقد وضعتُ معيارًا خاصًا في وقت مبكر، فإذا لم تمطر السماء 100 ملم على الأقل، ينتابك القلق من ضياع فرصة ذهبية أخرى للمطر.
تذكرّك مواقع التواصل الاجتماعي وصور الهاتف المحمول بذكريات الشتاء في سنوات سابقة، فتقارن بينها جيدًا.
في 11 كانون الثاني 2014 كان الجفاف سيد الموقف، وثمة صور لجبالٍ حزينة، وسهول باكية، ولتجمعات مياه جافة تمامًا.
تواظب على التنقل بين 10 مواقع لتتّبع أحوال الطقس، وتحدّث متابعاتك أكثر من مرة كل يوم، تفرح وتحزن وتنتظر وتعقد الأمل على بقية كانون الثاني وشباط، و"تضع يدك على قلبك" مع انقضاء كل نهارٍ جاف من الشهر الأول من العام.

شتاء 2014
بارقة أمل
تتابع باهتمام كبير تفاصيل التوقعات الشهرية الصادرة عن "مركز طقس العرب" للأسابيع الأربعة القادمة للأردن وفلسطين، وفيها قال موقع "طقس العرب" (في 12 كانون الثاني) إن نتائج التحليلات وبيانات المحاكاة الحاسوبية، تشير إلى استمرار غياب المنخفضات الجوية عن بلاد الشام بما فيها الأردن، وأن النمط غير المُعتاد لمسار الحالات الجوية على المنطقة مستمر في الأسبوعين القادمين.
وذكر أن النظام الجوي المتمثل في اندفاع سلسلة من الحالات الجوية بمَحاور مُختلفة في الأسابيع الماضية لعُمق الأراضي المصرية تارة، وتارة أخرى إلى شمال شرق الجزيرة العربية وتفاعلها مع مُنخفض جوي سطحي من المملكة العربية يُسمى بــ "ِمُنخفض البحر الأحمر" جلب الأمطار لأجزاء واسعة من شبه الجزيرة العربية.
ووصلت تِبعات المنخفض الجوي الثانوية إلى أجزاء عِدّة من جنوب وشرق الأردن، إلا أن الأجزاء الشمالية والوسطى من المملكة وفلسطين كانت بمنأى عن التأثيرات المُباشرة لهذه الأنماط الجوية.
وأضاف أن توزيع الأنماط الجوية في النصف الشمالي من الكرة الأرضية أفضل حالاً من سابقه، إذ تُشير مُخرجات المُحاكاة الحاسوبية لحركة الكتل والأنظمة الجوية إلى توقعاتٍ بتأثر مناطق شرق القارة الأوروبية وغرب روسيا بمرتفع جوي صلب يعمل على قطع توّجه الكتل الهوائية الباردة والرطبة للحوض الشرقي للبحر المُتوسط.
وأوضح أن الجهة الممتدّة من غرب روسيا شمالاً وحتى تركيا جنوباً، المُغذّي الرئيس لتشكّل المنخفضات الجوية الشتوية في الحوض الشرقي من البحر الأبيض المتوسط، وذلك على حساب تعرض غرب القارة الأوروبية وشمال غرب إفريقيا لكتل هوائية شديدة البُرودة مدعومة بمُرتفع جوي قوي في طبقات الجو كافة في المحيط الأطلسي.

شتاء 2021
وبين "طقس العرب" أن الشتاء سيبتسم لدول المغرب العربي أخيرًا، التي عانت هي الأخرى هذا العام ضعف الموسم المطري، في حين وفي الوقت نفسه ستكون بلاد الشام عرضة لارتفاع ملموس في درجات الحرارة عن مُعدلاتها.
ورأى الموقع أنه بالرغم من هذا التغيير وإن كان غير ايجابي على بلاد الشام، إلا أن هناك بارقة أمل في عودة المنخفضات الشتوية إلى بلاد الشام لاحقًا، إذ أن التموّج العميق للكتل الهوائية وهبوطها نحو المغرب العربي لا يُعد إلا إشارة إلى أن الأنماط الجوية مع نهايات "كانون ثاني" سيُعاد توزيعها في جزء كبير من نصف الكرة الشمالي، الأمر الذي سيؤدي بطبيعة الحال إلى عودة سلوك الأنماط الجوية إلى السلوك الشتوي المُعتاد، وبالتالي نظرياً ازدياد فرص عودة المُنخفضات الجوية الشتوية إلى مناطق العروض الوسطى مثل بلاد الشام.
وباتت النمذجة الحاسوبية الخاصة بتوقعاتٍ متوسطة وبعيدة المدى تستشعر أخيرًا عودة المُنخفضات الشتوية المُعتادة إلى بلاد الشام نهايات الشهر الحالي وفي شهر شباط القادم، وترّجح المؤشرات احتمالية تأثر المنطقة بمنخفض جوي شتوي يُعتقد بأنه سيُصنّف حينها من الدرجات المتقدمة، وجلب معه كمياتٍ جيدة من الأمطار، كما وستنخفض درجات الحرارة إلى حد كبير وملموس وتصبح الأجواء أبرد، وستكون هناك فرص لتساقط الثلوج على الجبال العالية في بلاد الشام.

شتاء 2022
تذبذب وشمس
تعيدك الأمطار المتواضعة إلى تعليقات د. هشام عورتاني، على هامش مساق (اقتصاديات فلسطين) في أثناء دراسة البكالوريوس بين عامي ( 1994-1998)، فحينها كان يؤكد أن مطر فلسطين لا يُراهن عليه، وما من قاعدة ثابتة له، فهو يتسم بعدم الانتظام، وبسوء التوزيع، وبالتذبذب.
وكان يقول:" قد تهطل في 24 ساعة كمية أكبر مما تهطل في شهر بأكمله".
كل عام، تخشى شمس الشتاء، ولا تستطيع حتى مجرد تخيلها في سماء زرقاء، أو بعض السحب العابرة، وكأنه الصيف.
يقول المعمرون إن "كانون الأول والثاني" لبّ الشتاء، وفيهما يجري (لقاح الأرض) وتعقيمها من الآفات والحشرات، وتُغذّى المياه الجوفية، قبل أن تبدأ الأرض في ارتفاع الحرارة، ويرددون المثل الشعبي (شباط الخبّاط، ورائحة الصيف فيه).
إليكم هذا المثال للمقارنة، في 5 كانون الثاني 2020، بلغ التراكمي لأمطار بلدة برقين، غرب جنين، 280 ملم، وقرابة نصف الموسم المعتاد. وفي التاريخ نفسه لعام 2023، لم يتجاوز مجموع الهطولات منذ مطلع الموسم 136 ملم.

نرجس ينتظر الغيث
مواسم حزينة
طيلة الشهر الأخير من عام 2015، لم تُفتح أبواب السماء إلا في ثلاث مناسبات مطرية، اتسمت بـ"المحلية" و"المناطقية"، بحيث لم تهطل الأمطار بشمولية، وكانت قصيرة نسبيًا في طول فتراتها.
تنقل حديث الشتاء لغير مكان، البداية مع الفلاحين الذين استعدوا مبكراً لبذار حبوبهم، ففعل معظمهم، لكن الأمطار انحبست طويلًا، ومضى "الأجرد" حتى يومه الأخير دون منخفضات عامة وشاملة.
تتجول في نهاية عام 2022 في سهول جنين، ويعرب لك فلاحون عن خشيتهم من الصيف، فإذا لم تختزن الأرض في جوفها كميات معقولة من المياه في الكانونين، فإن الخطر يهدد الموسم القادم.
في تنقلٍ ثانٍ ببعض الجبال المحيطة بجنين، يمكن ملاحظة الأعشاب والأزهار البرية التي بدت فقيرة، فيما بانت علامات العطش عليها.
وتّرافق هذا مع تراجع لتكاثر نبات الفطر (المشروم) أو الفقع كما يطلق عليه المواطنون، مع نمو الخبيزة والخردل على استحياء، وبخاصة في مجاري الأودية والقنوات المائية.
وإذا ما رصدنا مواسم المطر في مدينة مثل جنين على مدار ثمانية عقود، سنجد التذبذب الواضح، بل اللافت، في الهطول من سنة لأخرى.
فمثلاً، كان الشتاء عام 1927 بالملميترات 598، وبعد عام واحد تراجع إلى 429، وفي سنة 1929 بلغت الكمية 788، ولكن في عام 1932 راوح المعدل 329 ميليمتراً. أما في عام 1945 بلغ 717 ملم، وفي عام 1947 انخفض إلى 253 ميليمترًا فقط.
بينما ارتفع عام 1950 إلى 722 ليتراجع بعد عام واحد إلى 215 ملم، وفي عام 1960 كان الشتاء 261 ملم، ليزيد عام 1961 بنحو 425 ملم.
فيما كانت الهطولات عام 1979 بمعدل 289 ملم، زادت عام 1980 إلى 700 ملم، وعام 1991 هطلت الأمطار بنحو 400 ملم، لترتفع برقم قياسي عام 1992 إلى 1037 ملم، أما عام 1998 فكان المجموع التراكمي للأمطار 535 ملم، وبعد عام واحد قلت النسبة إلى 256 ملم.
ووفق الأشهر وفي الأحوال الطبيعية فإن توزيع الأمطار التاريخي يكون أكبر كمية في كانون الثاني، يليه شباط، ثم كانون الأول، بعده آذار، فتشرين الثاني، ثم نيسان، وصولاً إلى تشرين الأول، وأيار الأقل مطراً.

غيوم خجولة
سجل مطري
كانت السنة الأعلى مطراً في فلسطين 1921، إذ شهدت تساقط 1234 ملم في جنين، أما السنوات البارزة التي سجلّت أكثر من 700 ملم في جنين فكانت 1929، و1945، و1950، و1992، و2003، و2019، و2020.
بينما السنة الأقل مطرًا: عام 1947 بـكمية قدرها 253 ملم، تلتها 1999.
أما الأعوام التي تدّنت فيها الأمطار عن 400 ملم فهي: 1936، 1944، و1946، و1948، و1955، و1959، و1960، و1963، و1966، و1978، و1979، و1982، و1984، و1985، و1986، و1994، و2001، و2006، و2007، و2008، و2010، و2011، و2012، و2016، و2017.
نسأل الله عز وجل أن يفتح أبواب السماء في بقية فصل الشتاء، وأن يبعد عنا لعنة الجفاف.