شذرات بيئية وتنموية.. سنة جديدة وورشة ومعلمون وتخطيط مدن وحياة ووهم
خاص بآفاق البيئة والتنمية

احتفالات راس سنة
لست ممن يُفتتنوا بالسنوات الجديدة، ولا أبتهج برؤوسها، بل أشعر حين تنقضي سنة قديمة أننا خسرنا زمنًا من أعمارنا.
تبحث طويلًا عن إجابة مقنعة لما نفعله من صخب وضجة واحتفالات في رأس الأعوام المتعاقبة، فلا تجد منطقًا واحدًا لكل هذه الجلبة.
عادة، الفرح بتتويج زمنٍ ما من حق المنجزين لشيء، أو المبتكرين، أو المنتصرين، أو الذين نفذّوا خططهم بإتقان وأمانة.
في وطننا تضيف كل سنة قادمة رقمًا جديدًا لنكبتنا، ولانتصارهم، ولنكستنا، ولاستمرار عجزنا، ولانتظارنا لمجهول، أو أحلامنا في عز الظهيرة، وتعني في أحسن الأحوال الاستماع لخطابات ممجوجة تصف انتصارًا وهميًا.
تطلب منك مجلة عربية رصد أحلام أبناء شعبنا في عام 2023، فتكتب لرئيس التحرير: "أحلام لا رصيد لتحقيقها لا فائدة من أن يبوح بها أصحابها، لندعها لهم نائمة مطمئنة".

تدريب اريحا في الصحافة البيئية
تدريب
تمضي مع معلمي 8 مدارس من رام الله وبيت لحم ثلاثة أيام في نقل تجارب مسيرتك في الصحافة البيئية المستمرة منذ 22 عامًا، وتعرض مبادرتك "صحافيات صغيرات"، ومئوية مدرسة برقين. تستعين بنحو 50 تحقيقًا ومتابعة نشرناها في مجلة "آفاق البيئية والتنمية" منذ صدورها، وتتّبعنا قضايا تنموية وبيئية وصحية، أبرزها الزحف العمراني على الأراضي الزراعية، والذبح الأسود خارج المسالخ، والاستهلاك المفرط للمبيدات الكيميائية، والجدل حول أبراج الشركات الخليوية، وسد وادي الفارعة، ومشروبات الطاقة، وغياب الرقابة على المباني، وعدم فعل شيء لتقليل نتائج الزلازل المحتملة، وغيرها.
عام 2023
حتى تكون فاتحة خير، علينا التوقف عن إصدار بيانات ميتة، وتفادي استخدام عبارات مستهلكة صارت تشبه من يرّش على الموت سُكرًا.
لا حاجة لترديد مصطلحات مؤسفة مثل الشرعية الدولية، ومجلس الأمن، وقرارات الجمعية العامة، والأسرة الدولية، والرباعية الدولية، وحل الدولتين، وعملية السلام، والاتحاد الأوروبي، والإدارة الأميركية، ومبادرة السلام العربية فهي لن تسمن جوعنا أو تروي عطشنا للحرية، ولن تحمينا من رصاصة واحدة، أو عربدة مستعمر هائج.
من المهم، ونحن نعيش في عام النكبة "الخامس والسبعين" الإقرار بأن من يزرع الوهم سيحصد السراب، كما فعلنا نحن ونواصل ذلك.
من الواجب ألا نكرر استخدام وسائلنا التي نال منها الصدأ، ونقلع عن تجريب المجرب، وعلينا نبذ خلافتنا الداخلية وتجاوزها.
من الضروري تغيير أنماط حياتنا الغارقة في الاستهلاك، والعودة لمدّ أرجلنا بقدر لُحفنا، وتعلم فنون الاكتفاء الذاتي، ووضع حد لــ "اقتصاد فقاعة الصابون" التي رُسمت لنا.
كما أن حب بعضنا، ودفن مشاحناتنا، وتحريم شجاراتنا ضرورة قصوى.
بوسعنا قراءة أحداث النكبة بعمق، أو مشاهدة مسلسل التغريبة في يوم المعلم الفلسطيني، وكل يومٍ لهؤلاء ديون لا يمكن سدادها، ودروس "إيجابية وسلبية" لا نجدها في مناهج الدنيا.

ملهمون
ملهمون
معلمي الأول (أبي رحمه الله): دروس عملية ونظرية في الإرادة والتطوع وهجرة مجالس النفاق.
سيدة روحي (أمي أمدّها الرحمن بالصحة): قواعد الكفاح وعزة النفس والعصامية والصبر.
رفيقة الدرب (هنادي): المثابرة والرصانة.
أخي الأكبر (أنور): مبادئ التضحية والتواضع وعدم البحث عن مقابل.
أخي (حسام): قوانين قول الحق واللا محاباة.
أختي (العزيزة): دروس العزيمة.
أخي (جمال): ركائز الإيثار والتحدي.
أخي (علاء): أسس الإصرار.
أختي (حنان): دروس الطيبة.
أخي (زيدان): عدم اليأس.
أخي الأصغر (حسان): الوفاء والصبر على مصائب الدنيا.
أستاذي في الابتدائية والإعدادية (المرحوم محمود الشلبي): الفشل أول خطوة للنجاح.
معلمتي الأولى - رحمها الله - ( نادرة جرار): العطاء الدائم وإن جحد الناكرون.
رفيق الأسر (مجهول الهوية): الاعتراف خيانة.
معلمي في جامعة النجاح (د. عاطف سلامة): الحزم والابتسامة.
معلمي أصول علم السياسة (د. باسم الزبيدي): التغريد خارج السرب.
أول معلمة في الجامعة - رحمها الله - ( د. غيداء صلاح): التميّز.
ممتحني في الدراسات العليا (د. أحمد نوباني): الصدق والتصالح مع الذات.
أول رئيس تحرير (أ. حافظ البرغوثي): الفوضى الناعمة.
أول المديرين (أ. مهند عبد الحميد): الدقة.
أول خصومي ( دون اسم): الجرأة.
أول الزملاء (أ. بسام الكعبي): أسس الكتابة المرئية.
أعز الأصدقاء (وليد اللوح): الابتسامة في أشد الظروف قسوة.
عميد رفاقي والإعلامي البيئي الإنسان (جورج كرزم): النقد.
شريك السكن والدراسة (د. محمود خلوف): التفاصيل الصغيرة.
رفيق الدراسة (أ. أسامة الخطيب): الوفاء.
أوفى الأصدقاء (أحمد الكيلاني): عدم اليأس.
أحد الأصدقاء العابرين: أمثلة وشواهد في فنون الانتهازية.
شهود قصصي الصحافية: الصدق.
أول ممتحن في الدبلوماسية (المرحوم د. سليم فحماوي): الإصرار.

الزحف الاسمنتي في مرج ابن عامر منذ عام 2014
إسمنت
مدننا ليست جميلة، هي كتل من الإسمنت الوقح الذي التهم الأخضر واليابس.
هي أماكن مثقلة بسوء التخطيط، وضعف البنية التحتية، واللا هندسة
وتفيض طرقاتها بالنفايات والزحام، لا أرصفة لنا غالبًا فيها، ويفعل الباعة ما يريدون.
إنها بلا روح أو بهجة، وتزحف بسرعة نحو وأد مبانيها التراثية، ودفن أشجارها، وقتل رئتها الخضراء.
صحيح أن أسعار أرضها وعقارها مرتفعة، لكن ذلك تضخيم و"سلعنة".. يا لسوء العاقبة!

رحلة حياة الزميل عبد الباسط خلف
رحلة عمر
17520 يومًا تشكّل 48 عامًا، وكأنها طرفة عين، في الطفولة ألف ذكرى وحنين، وعلى لائحة الأمل أحلام لا حصر لها.
وللصحافة عشق انطلق عام 1996 في أول وظيفة في جريدة يومية قبل التخرج.
الحياة أم عطوف، وأب مكافح رحمه الله، وأصدقاء طفولة، وشريكة حياة رائعة، و4 فلذات كبد، و7 إخوة أعزاء، و3 أشقاء رحلوا دون أن نلتقي، وأختان حنونتان، وأهل أعزاء، وموئل، وروضة أطفال، ومدرسة، وتجربة اعتقالية، فجامعات، ثم وظائف، فزواج، فدراسات عليا، و26 جولة لمدن في شرق الأرض وغربها، وحياة دون سجائر، و9 سنوات بلا سُكر، و10 سنوات في المحافظة العملية على البيئة بإنتاج السماد العضوي في المنزل، و31 سنة بلا شاي أو قهوة أو لحوم مُصنعة.
وفي اليوميات تستردد لحروب، وانتفاضات، واعتقال، وشغف بالبيئة والتجوال في الطبيعة الآسرة، وأكثر من مليون صورة للتنوع الحيوي، وفوز بـ 20 جائزة ومنحة دولية، و13 عامًا في هندسة مؤتمر بيئي، وتجارب إعلامية في فلسطين، والكويت، والإمارات، ولبنان، ومصر، وكندا، والبحرين، وتطوع عذب، ومبادرات "مئوية مدرسة برقين"، و"رئة برقين"، و"ساعة تطوع".
موسوعة
تخبرك فلسطينية مقيمة في مصر بأنها أنتجت سلسلة دراسات وعدة كتب عن فلسطين منذ العصر البرونزي حتى اليوم.
في نهاية الحوار، لم تعرف الباحثة أن صفد في الشمال، وكانت تظن أن رام الله بعيدة جدًا عن القدس، وأخطأت في تحديد مواقع عكا وحيفا والناصرة وجنين.

شذرات وعود انتخابية
ذكرى
قبل عام وعدة أسابيع كانت القوائم المتنافسة على أصوات ناخبي البلديات "تصنع من البحر طحينة"، وتنسج برامجها الانتخابية بخيال واسع، وشعارات رنانة، وصور أنيقة، وآيات قرآنية.
نأمل اليوم قراءة تقرير يتيم تخبرنا فيه قائمة واحدة، صدّقها الناخبون، عن إنجازاتها، وما حققته من وعود قطعتها على نفسها، وكيف ستفي بعودها الباقية خلال ثلاث سنوات قادمة، لأن "العهد كان مسؤولاً".

ادّعاء
انطلقت في شرم الشيخ قمة الأمم المتحدة للمناخ COP27 في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني الفائت واستمرت أكثر من 13 يومًا.
المفارقة أن هذا الحدث، رغم أهمية جوهره، ليس صديقًا للبيئة أو المناخ، علينا أن نتخيل فقط حجم تلويث طائرات الوفود المشاركة للبيئة، وحرقها كميات كبيرة من الوقود، واستهلاك المؤتمرين لأطنان من الغذاء، يذهب جزءٌ منها إلى مكبّات النفايات، فضلاً عن ما يُستنزف من طاقة ومال ووقت، وقرارات لا تلتزم بها الدول الصناعية الكبرى المتسببة بمعظم علل الكون. ماذا لو عُقد المؤتمر عبر zoom؟

الإخوة الأطفال زيدان -يسار -وعبد الباسط
غوص
في بداية الطفولة كنت بصحبة أخي زيدان أحاكي برامج الغوص التي شاهدناها في تلفازنا منزوع الألوان، وتقليد لعبة الهوكي، أو الهُكِي، أو الجَحْفَة التي يتنافس فيها فريقان على تسجيل الكرة أو القرص في مرمى الخصم باستخدام العِصي.
كان بيتنا بلا مسبح وساحة واسعة، وكنا دون ملابس غوص، ولا كرات، وسمحت لنا مخيلتنا الإفراط في ابتداع معدّات الغواصين، ووسائل الرياضيين.
صنعنا من عبوات معدنية ما يشبه أسطوانات الأكسجين، وصعدنا إلى السطح الذي جمع بعض مياه الأمطار، وأوهمنا أنفسنا بأننا نغوص في أعماق البحار، ونتمتع بمشاهدة الشِعاب المرجانية، ونحتمي من أسماك القرش، ونشاهد الإسفنج في قاع المحيط.
وبمثل ذلك، خدعنا أنفسنا بأننا نمارس لعبة الهوكي، بعصي المكانس و"الجرادات أو القشاطات"، والقليل من الأخشاب وأغصان الأشجار الجافة، ونمثل منتخبات عالمية.
كانت والدتنا -أمدها الله بالعافية- تحذرنا من التزحلق، وتثنينا عن ممارسة هواية محفوفة بالخطر، لكننا في غيابها كنا نسترق الوقت لفعل ذلك.
الدروس التي تعلمنّاها حين صنعنا من العدم أدوات لتمثيل هواياتنا كثيرة، صحيح أن الحاجة أم الاختراع، وأن خيال الطفولة يصنع من البحر طحينة أو مقاثي، لكن العِبرة الأقسى التي سكنت في أعماقنا أن زراعة الوهم لن تُنتج العنب والقمح.
اليوم، نسمع ونشاهد الكثير من المواقف والأفعال التي تذكرّنا بمغامراتنا الصبيانية، أبطالها ينثرون في العَلن بذور الوهم في كل ميادين الحياة، ويطعمون أنفسهم جوزًا فارغًا، وينتظرون أن تزهر أحلامهم وتصريحاتهم، ويُشبعون الناس وعودًا جوفاء.