خاص بآفاق البيئة والتنمية (الحلقة الثانية والأخيرة)
من تجربتها الشخصية، عندما بدأت آية العباسي في التقلل وتبسيط حياتها، قلّت ممتلكاتها بسبب قلة رغبتها في الشراء، وبالتالي قلّ استهلاكها لكل شيءٍ، وهذا يعني أن مخلفاتها صارت أقل، ما شكّل فرقًا واضحًا في نواحٍ عدة في حياتها التي كان لها أثرًا بيئيًا. ومع هذا التقليل أصبح التفاتها لما حولها أسهل، بمعنى أنه صار بوسعها أن تخصّص جزءًا من وقتها في إعادة التدوير أو الانتباه للزراعة أو الانشغال بالأرض. الوقت الذي كان يضيع منها في نفض غبار منضدة أو نثريات وزينة ليست بحاجة لها، زاد من رصيدها في الوقت كي تلتفت لشئون أكثر أهمية كالزراعة أو إعادة تدوير مخلفاتها من طعامٍ وشراب وغيره. آية تؤمن بأنه كلما قلّ الاستهلاك قلَّ التصنيع، وبالتالي قلّ دخان المصانع الذي من شأنه أن يغيّر في درجة نقاء الهواء، ما سينعكس إيجابيًا على البيئة؛ فكل ما نحياه أشبه بحلقات مرتبطة ببعضها البعض.
|
 |
منتجات آية العباسي |
تتدفق مشاعر الرضا حين تنظر آية إلى أيامها العادية، كلها عندها استثنائية، بتفاصيلها وأحداثها وحتى في رتابتها وتكرارها؛ لكلٍ منها ما يميزه.
وفي كل مرة تحثّ متابعيها بشدة على التمسك بالامتنان والترحيب بــ "العادي"، لأنه يجعل المرء أكثر تقديراً لكل شيء مهما كان اعتيادياً، وكما تقول "عادي أنه يكون يومك عادك، وعادي أنك تكون سعيد بالعادي، وعادي أنك تمتن للعادي".
ومما يجعل قلب آية العباسي سعيدًا أن تسمع صوت قرع أقدامها على أوراق الشجر، وأن تمشي وتتسلق، فيما الكثير من الطبيعة يحلّق بروحها إلى عنان السماء.
ولا يمكن إلا لرفاق الزرع أن يدركوا معنى أن يَعني لها الكثير "أول حصاد من أي موسم"، مهما بدا صغيراً من الورقيات الخضراء، والكزبرة، والفلفل، والكرفس، والشومر، والبقدونس، والزعتر، والينسون، فكل لحظة تقضيها لتصبح الحديقة أجمل أيضاً تبهجها بما تضفيه من مشاعر الإنجاز واستشعار الجمال ومزيدٍ من "الحمد لله" على ما أعطانا من نِعم.
تحاول ألا تنسى أن "الاستغناء يعلمك الامتنان"، ووفقًا لذلك توصي الجميع بالامتنان لوضعهم الحالي، والعيش في حالة من الاستغناء لأشياء معينة حتى يمتنّوا لها، ومن وجهة نظرها أن المقارنة الوحيدة غير السامة أن تقارن نفسك بمن هم أقل حظًا منك وبذلك تنتبه كم من النعم بين يديك وأنت لم تعرف قيمتها.
وبأسلوب مقنع تستشهد بمثال بسيط أننا في الماضي كنا نقدّر قيمة أن نمتلك الماء لمجرد تدفقه من الصنبور، أما اليوم أصبحت لدينا خيارات أخرى مثل الفلتر أو المياه المثلجة، فيما نسينا أن نعمة الماء أساساً متوفرة وهذا المهم، لذا تؤكد على ضرورة الامتنان للوضع الحالي الذي نعيشه بحلوه ومره.
إليكم الحلقة الثانية من حوارنا الممتع مع صاحبة قناة يوتيوب مقدسية يملؤها وعي فريد بقيم يجب أن تكون أصيلة في كل واحدٍ منا، وقد اختارتها منصة يوتيوب في شهر ديسمبر الفائت لتشارك في حدث "بطلة" في مدينة دبي، الذي نُظّم دعماً لعددٍ من صانعات المحتوى في الوطن العربي، وكانت تجربة غنية عاشتها مع بطلات أخريات.
 |
 |
البستان البيئي في منزل آية العباسي |
آية العباسي تشارك في حدث بطلة الذي نظمه يوتيوب |
مرحباً بك آية مجددًا، خضتِ تجربةً جديرة بالاهتمام فيما يعرف بالتقلّلية.. لماذا هذا القرار؟
أهلاً بكِ وبــ "آفاق البيئة والتنمية". بدايةً، قراري هذا لم اتخذّه برؤية واضحة، منذ صغري كنت طفلةً تعشق بساطة الأشياء، بل وتقدّر المقتنيات القديمة مهما بَلت، ولطالما احتفظتُ بأشيائي القليلة بكل حرص كي لا أفقد أياً منها كوني كنت أربطها بالذكريات.
ثم لاحقًا في فترة من حياتي لازمتني رغبة في اقتناء قدرٍ لا بأس به من الساعات وخصوصًا ساعات اليد، إضافة إلى النثريات وقطع الديكور التي تستحوذ على اهتمامي، بما أني مهتمة بهندسة الديكور والتصميم الداخلي.
كنت في أحيانٍ كثيرة أشتريها فقط لأنها تعجبني، دون أن أفكر إذا ما كنت بحاجة حقيقية لها، ثم في سن الرابعة والعشرين بدأت في المطالعة أكثر في مجال التقلل وتبسيط الحياة، وانغمست في عالم "المينماليزم" وأصبحت من عشاق بودكاست( (the minimalists.
وعندما تأملت في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لأستذكر ما تعلمته من الصغر، خلصت إلى أن الله جعلنا أمةً وسطًا، وأن هذا الفكر من التقلّل لم يكن وليد الغرب أو ما يُعرف بالحداثة، بل هو ما يحثنا عليه الإسلام، وهو ما عاش عليه نبينا الكريم وصحابته الأبرار، إذ غرس فينا الوسطية فلا نبالغ ولا نغالي، وفي ذات الوقت لا نبخل على أنفسنا أو غيرنا، بعيداً عن التقتير، وبما ينبع من وعي وإدراك حقيقي لأصل النعم.
 |
 |
آية العباسي تمارس فنون إعادة الاستخدام والتدوير |
آية العباسي في سهل مرج بن عامر |
ماذا عن التحديات، وأنت كغيرك من الفتيات في هذا الجيل ربما لك بعض المتطلبات من مواكبة الموضة مثلاً في الملابس، ومستحضرات التجميل، فضلاً عن صرعة التكنولوجيا.. هل راودكِ شعور بالحرمان بعض الشيء والتفكير بالرجوع عن هذا النمط من الحياة؟ وكيف تتعاملين مع الانتقادات في هذا الجانب؟
شخصيًا لا ألتفت لهذه الشئون، لا تهمني مواكبة الموضة أو ما يدخل تحت إطارها سواء تكنولوجيا أم ملابس أم حتى "ترند" في مواقع التواصل الاجتماعي، وفي الوقت نفسه لا أقول إن من يلتفت إليها مخطئ أو أني على صواب، الخطأ هو المبالغة في الالتفات لمثل هذه الأمور، والحل في الموازنة من وجهة نظري، فلا ضير في شراء هاتف محمول يلبي حاجتك أو يناسب ذوقك، لكن أن يكون همك هو شراء الجديد دون داعٍ واضح أو لغرض التجديد فقط ومواكبة السوق، وهنا سرعان ما سيرى الإنسان أنه أصبح مدينًا بماله وجهده وحياته بأسرِها وكل تفاصيلها.
وبطبيعة الحال عائلتي بكل أفرادها كانوا وما زالوا أكبر الداعمين لي في كل قرارتي مهما صغرت أو كبرت.
أما عن نظرة المحيط لقراري، فلا يخلو الأمر من القيل والقال، إلا أني لم أشعر أن من يقفون ضدي كُثر، بل على العكس، في كثيرٍ من الأحيان ألمس رغبة مشابهة عند بعضٍ في أن ينهج ذات النهج، لكنه الخوف من التغيير، ومن نظرة الآخرين، ونصيحتي لمن يتوقون إلى أسلوب الحياة هذا أن يعيشوا الحياة التي يقتنعون بها، ما دام الأمر لا يخالف مبادئهم، وعدا ذلك يجب ألا يهمهم شيء.
 |
 |
آية العباسي مع أخواتها |
بستان آية العباسي |
كيف للتقلّلية أن تحدث فارقاً إيجايبًا في البيئة.. لو تستشهدي بأمثلة عملية؟
من تجربة شخصية، عندما بدأتُ في التقلل وتبسيط حياتي، قلّت ممتلكاتي بسبب قلة رغبتي في الشراء، وبالتالي قلّ استهلاكي لكل شيءٍ، وهذا يعني أن مخلفاتي صارت أقل، ما شكّل فرقًا واضحًا في نواحٍ عدة في حياتي التي كان لها أثرًا بيئيًا.
ومع هذا التقليل أصبح التفاتي لما حولي أسهل، بمعنى أنه صار بوسعي أن أخصّص جزءًا من وقتي في إعادة التدوير أو الانتباه للزراعة أو الانشغال بالأرض.
الوقت الذي كان يضيع مني في نفض غبار منضدة أو نثريات وزينة لست بحاجة لها، زاد من رصيدي في الوقت كي ألتفت لشئون أكثر أهمية كالزراعة أو إعادة تدوير مخلفاتي من طعامٍ وشراب وغيره.
فما بالك لو أن المجتمع بأسره سار على ذات النهج، ستصبح أوقاتنا أكثر، ولن نثقل البيئة بشراء ما لا نحتاج، فما يحدث دائماً أننا نستمتع بمنتجٍ ما لفترة ثم نلقيه ويذهب مع رفاقه إلى غيابات المحيط.
إذن المسألة تحتاج إلى تفكرٍ وتفكير بسيط في تصرفاتنا اليومية، وهذا كفيل أن يُحدث فرقًا، ومرة أخرى تذكروا: كل تغييرٍ مهما كان بسيطاً يمكن أن يحدث فرقًا، وسلوك شخص أو عشرة يمكن أن يترك أثراً على المجتمع عامة.
على سبيل المثال، كلما قلّ الاستهلاك قلَّ التصنيع، وبالتالي قلّ دخان المصانع الذي من شأنه أن يغيّر في درجة نقاء الهواء، ما سينعكس إيجابيًا على البيئة، حقاً أنا لا أبالغ أو أعيش في الأحلام، كل ما نحياه أشبه بحلقات مرتبطة ببعضها البعض.
والخلاصة، لسنا بحاجة لخطة دولية فقط لنحدث فرقًا في الشكل البيئي العالمي، بل نحتاج أيضًا إلى صحوة فردية في كثير من الأحيان.
 |
 |
محصول البطاطا العضوية لآية العباسي |
باذنجان عضوي من إنتاج آية العباسي
|
البساطة بحد ذاتها "فن" في زمن بتنا نفتقدها حتى في أبسط شئون حياتنا.. كيف نجحتِ في الحفاظ عليها، كما يظهر في فيديوهاتك؟
أسرتي تتكون من سبعة أفراد، وبالتأكيد كلٌ منا له طبيعة حياة تختلف عن الآخر، إلا أننا نتفق في نقطة أساسية وهي أننا نعيش البساطة في كل أمور حياتنا، وهنا لا أقصد المعنى المادي فقط، بل حتى معنوياً على صعيد أيامنا كيف نقضيها وما يمتعنا من لحظات، ليس بعيدًا عن التقلّل والبساطة في طبيعة الحياة، إنه منهج تعيشه كل عائلتي ولله الحمد.
لقد تعوّدت منذ طفولتي أن أقدّر القليل لأنعمَ بالكثير، وبالتالي بساطة الحياة ليست بالأمر المستهجن أو الغريب عندي لذا فإن الثقافة المتجددة التي حاولت إتقانها في الكبر هي التقلّل. كل ما أفعله أني أرّكز على الجوهر وأحاول تطبيقه في حياتي اليومية.
تسعين إلى تنفيذ مبادرة بيئية جديدة من نوعها، هلا أخبرتنا عنها؟
فحوى مبادرتي أن تصبح "التربية البيئية" مساقًا جديدًا ضمن المناهج التعليمية في مدارس فلسطين، على أن يُستهدف فيها الكادر التدريسي والإدارة وطلبة المدارس في "المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية".
والهدف منها تعزيز أهمية التربية البيئية منذ سن صغيرة، بحيث يكون لدى الكوادر التعليمية في المدارس هيكلية متكاملة تلّم بكل ما يخص الأزمة البيئية، وتنمّي المسؤولية الفردية تجاه البيئة، والزراعة، والمخلفات وإعادة إحيائها.
خطة المبادرة واضحة المعالم على مستوى الأساليب والمساق التدريسي والمنهاج العملي وغيرها من النقاط الأساسية.
ومن المرّجح أن تنطلق في إطارها دوراتٍ لا منهجية، بعد انتهاء الدوام المدرسي أو في أثنائه، لتتطور بعد ذلك وتصبح مساقًا يُدرّس بحرفية علمية وعملية في المدارس الفلسطينية كافة.
ما زلت بصدد الطرح، وبانتظار المصادقة والقبول من عدة دوائر.
 |
 |
محاصيل بيئية متنوعة لآية العباسي
|
بستان آية العباسي يتميز بالتصميم البيئي المتداخل
|
ما تقييمك لمدى جودة المحتوى البيئي في مواقع التواصل الاجتماعي؟
أرى أنه يعاني على صعيدين:
أولاً: هناك خجل وتواضع في الطرح، وما أقصده أن علينا نحن صناع المحتوى في هذا المجال أن لا نحاول تجميل القبيح، وأن نسمي الأشياء بمسمياتها، ونضع النقاط على الحروف، ونتحدث عن الأخطاء البشرية بكل شفافية دون تزييف.
ثانياً: أعتقد ان المحتوى البيئي يعاني إمكانية الوصول لأن الناس ينقصهم الوعي الفردي، وهذا هو لُب المشكلة، لذا أحث نفسي وكل شخص غيور على بيئته وعلى هذا الكوكب أن يتحدث بصوت عالٍ، وأن يصرخ إذا لزم الأمر في وجه الخطأ علَّنا نستيقظ.
أيضًا علينا أن نحاول أن نُعلِّم بالتجربة، بمعنى أن نصنع شيئًا مختلفًا في حياتنا الشخصية حتى نضرب مثالًا واضحًا من وحي التجربة.

المحاصيل الورقية العضوية في بستان آية العباسي
هل من حلمٍ تأملين أن يتحقق ليضيف إلى بيئتنا الفلسطينية؟
أحلم بتنفيذ مشروع ضخم تأخذ فيه البيئة الأولوية والاهتمام الأكبر، أحلم بأن أغرس في نفوس الناس ثقافة مفادها أن الزراعة والعناية بالبيئة ليستا أمرًا ثانويًا.
آمل أن أنجح في المساهمة في تعزيز ثقافة الزراعة المنزلية طبقًا لمقولة "لنأكل من خير ما نزرع"، وأن أساعد الناس اللذين يفتقرون إلى المساحة، أو إلى أراضٍ زراعية حول منازلهم، بتخصيص مساحة زراعية في أحواض أو فوق أسطح المنازل.
ويبقى حلمي الأكبر أن أصنع فرقاً في ثقافتنا البيئية عمومًا، لا سيما فيما يتصل بالتصدي للحركة العمرانية التي تلتهم الأراضي الزراعية.
لقد قالها شاعر ذات مرة:
"أموالنا لذوي الميراث نجمعها وبيوتنا لخراب الدهر نبنيها"
لكن الشجر فيه من الأجر والخير ما ينفع العالم أجمع.
فيديوهات آية حيث البساطة والجمال:
https://www.instagram.com/p/Cmr-7F1hOBh/
https://www.instagram.com/p/CmQ1ldiDsWD/
https://www.instagram.com/p/CkgoNqjrO-E/