مؤتمرات المناخ العالمية: "بازارات" تجارية و"غسيل دماغ أخضر" وتجميل وجوه مدمري النظام المناخي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
من نافلة القول إن مساهمة شركة المشروبات الغازية العملاقة كوكاكولا في انتشار البلاستيك الملوث تُعد الأضخم عالميًا، وبالتالي فإن رعايتها لمؤتمر الأمم المتحدة العالمي للمناخ (COP 27) تُعد مثالاً صارخًا لممارسة ما يُعرف بالغسيل الأخضر (green wash)، إذ تحاول هذه الشركة، كما العديد من الاحتكارات العالمية الأخرى، تسويق نفسها باعتبارها حريصة على حماية المناخ، وذلك للتستّر على نشاطها الملوث للبيئة والمدمر للنظام المناخي. ولسخرية القدر، تتمتع الشركات الاحتكارية بحضورٍ كبير في مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ، حيث تشكّل هذه المؤتمرات عندها أداة تسويقية فعالة لا مثيل لها. وعلى مر السنين، تحولّت مؤتمرات المناخ إلى معارض تجارية، حيث تقيم الشركات الكبرى والشركات الناشئة والمنظومات الصناعية أكشاكًا ودكاكين على الهامش أداةً للترويج لعلاقاتهم التجارية. بمعنى، أصبحت مؤتمرات المناخ أداةً بيد السياسيين وممثلي كبرى الشركات العالمية لجذب الانتباه إليهم ونشر "الوعود الخضراء" الفارغة التي تعمل على تجميل وجههم الملوِّث والمخرِّب للمناخ. وبسبب وجود أكثر من 630 من جماعات الضغط التابعة لصناعات النفط والغاز في المؤتمر، لم تتضمن الاتفاقية بنودًا حاسمة لمكافحة الاحترار العالمي. كما لم تتضمن أي التزام واضح لوقف استخدام الوقود الأحفوري، وافتقرت للالتزام بإحداث خفض كبير في انبعاثات غازات الدفيئة ابتداءً من عام 2025. الصفقات الكبيرة في مؤتمرات كهذه، تُبرم في الغرف المغلقة بعيدًا عن الأضواء. ومن يُسمح له بالدخول إلى تلك الغرف لمناقشة سياسة المناخ العالمية؟ الرؤساء التنفيذيون لشركات الوقود الأحفوري والتعدين العملاقة، مثل British Petroleum وRio Tinto و Shell، يليهم الوزراء، وهؤلاء- أي شركات التنقيب عن النفط والسياسيون- هم من يتخذون القرارات المرتبطة بانبعاثات الكربون.
|
|
عُقِد في نوفمبر الماضي بشرم الشيخ مؤتمر الأمم المتحدة العالمي للمناخ (COP 27)، برعاية شركة المشروبات الغازية العملاقة كوكاكولا، ما أثار تساؤلات كبيرة حول الضغوط التي تمارسها الشركات الاحتكارية على مؤتمرات كهذه، وبالتالي تأثيرها الاجتماعي والثقافي والمناخي.
من نافلة القول إن مساهمة هذه الشركة في انتشار البلاستيك الملوث تعد الأضخم عالميًا، وبالتالي فإن رعايتها للمؤتمر تعد مثالًا صارخًا لممارسة ما يُعرف بالغسيل الأخضر (green wash)، إذ تحاول هذه الشركة، كما العديد من الاحتكارات العالمية الأخرى، تسويق نفسها باعتبارها حريصة على حماية المناخ، وذلك للتستر على نشاطها الملوث للبيئة والمدمر للنظام المناخي.
مئات آلاف الأشخاص ومئات منظمات المجتمع المدني وقعّوا عشية انعقاد المؤتمر على عريضة تطالب بإلغاء اتفاقية الرعاية المبرمة بين الحكومة المصرية وشركة كوكا كولا، إضافة إلى المطالبة بمنع الشركات الملوِّثة من تمويل محادثات المناخ أو المشاركة في المؤتمر.
المنظمات البيئية انتقدت بشدة قرار السماح لشركة كوكا كولا برعاية المؤتمر، كونها واحدة من أكبر منتجي البلاستيك في العالم، وبالتالي واحدة من أكبر الملوثين.
ومن المعروف أنه في عملية إنتاج البلاستيك - وهي مادة مشتقة من النفط - ينبعث ثاني أكسيد الكربون. وتُباع كمية ضخمة من العبوات التي تُستخدم لمرة واحدة في البلدان التي معدل التدوير فيها منخفض جدًا.
وتنتهي هذه العبوات البلاستيكية في المحيطات أو تُحرق، وفي عملية الاحتراق ينبعث الكربون الإضافي في الغلاف الجوي.
ولسخرية القدر، تتمتع الشركات الاحتكارية بحضور كبير في مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ، حيث تشكّل هذه المؤتمرات عندها أداةً تسويقية فعالة لا مثيل لها.
وعلى مر السنين، تحولّت مؤتمرات المناخ إلى معارض تجارية، حيث تقيم الشركات الكبرى والشركات الناشئة والمنظومات الصناعية أكشاكًا ودكاكين على الهامش أداةً للترويج لعلاقاتهم التجارية.
بمعنى، أصبحت مؤتمرات المناخ أداة بيد السياسيين وممثلي كبرى الشركات العالمية لجذب الانتباه إليهم ونشر "الوعود الخضراء" الفارغة التي تعمل على تجميل وجههم الملوِّث والمخرِّب للمناخ.
هذه المؤتمرات التي من المفترض أن تكون أداة مهمة للتعامل مع أزمة بيئية تهدد العالم، تحولّت إلى مهرجان إعلامي متخم بالإعلانات والشعارات الدرامية.
وبغض النظر عن القرارات المتخذة فيها، فقد أثارت مرارًا وتكرارًا الإحباط، وأكدت بأن المجتمع البشري سيواصل إنتاج كميات هائلة من غازات الاحتباس الحراري.
مؤتمر COP27 التئم مع تراجع الجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، إذ تزايد الطلب على الغاز الطبيعي في أعقاب أزمة الطاقة التي خلقتها الحرب في أوكرانيا، كما أن التوتر المتزايد بين الصين وروسيا من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى يمنع صياغة سياسة دولية لتشجيع اقتصادٍ منخفض الكربون لا يعتمد على الوقود الأحفوري.
جانبٌ آخر مقلق هو أن المؤتمر انعقد في بلد يقمع الناشطين البيئيين. هذا أكثر من مجرد تعبير رمزي عن الحالة المحزنة للحركات المدنية التي تحاول تغيير الواقع البيئي والسياسي، بل إن ملاحقة وقمع الحراكات البيئية- المناخية انتقلت أخيرًا إلى شوارع لندن التي انعقد فيها مؤتمر COP26 (مؤتمر غلاسكو).
وبدلاً من الاعتراف بمحدودية مؤتمرات المناخ السنوية والبحث عن مسارات عمل أخرى، يبدو أن نشطاء البيئة يواصلون تعليق آمالهم عليها.
الغرف المغلقة
استمرت المناقشات في شرم الشيخ أكثر من أسبوعين، وذلك بسبب تمديد فترة المؤتمر 36 ساعة إضافية تجاوزت الفترة الزمنية الأصلية المحددة للمؤتمر (من 6-18 نوفمبر).
وفي ختام المؤتمر، صاغَ قادة وممثلو 197 دولة اتفاقية لإنشاء صندوق من شأنه تعويض الدول الفقيرة عن الكوارث المناخية التي أصابتها، لكنهم فشلوا في التعامل مع مسألة الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تتسبّب أصلاً في تلك الكوارث.
بسبب ضغط دول مثل الولايات المتحدة الأميركية ومصر والسعودية وروسيا والصين، وبسبب وجود أكثر من 630 من جماعات الضغط التابعة لصناعات النفط والغاز في المؤتمر- لم تتضمن الاتفاقية التي صِيغت في المؤتمر بنودًا حاسمة لمكافحة الاحترار العالمي.
وثمة أمرٍ آخر، لم تتضمن الاتفاقية أي التزام واضح لوقف استخدام الوقود الأحفوري، وافتقرت للالتزام بإحداث خفض كبير في انبعاثات غازات الدفيئة ابتداءً من عام 2025.
كما أن الاتفاقية لا تشمل التزامات جميع دول العالم بتحديث أسقف تعهداتها بخفض الانبعاثات بحلول العام المقبل (كما كان يفترض أصلاً حسب قرارات مؤتمر غلاسكو عام 2021)، بمعنى أن هذه الاتفاقية تحمي صناعات الوقود الأحفوري وليس المجموع البشري.
جرت محاولات كثيرة للتراجع عن اتفاقيات مؤتمر المناخ السابق في غلاسكو، حتى أن أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة تحفّظ على النتائج الهزيلة لمؤتمر شرم الشيخ، وعبّر عن ذلك بقوله: "لنكن واضحين، لا تزال الأرض في حالة طوارئ".
وأوضح بأن صندوق التعويضات الذي سينُشأ مهم، لكنه "لن يفيدنا إذا ما أزالت أزمة المناخ دولة جزرية عن الخريطة، أو حوّلت دولة بأكملها في إفريقيا إلى صحراء" على حد تعبيره.
الحقيقة أن الصفقات الكبيرة في مؤتمرات كهذه، تُبرم في الغرف المغلقة بعيدًا عن الأضواء.
من يُسمح له بالدخول إلى تلك الغرف لمناقشة سياسة المناخ العالمية؟ الرؤساء التنفيذيون لشركات الوقود الأحفوري والتعدين العملاقة، مثل British Petroleum و Rio Tinto و Shell، يليهم الوزراء.
هؤلاء- أي شركات التنقيب عن النفط والسياسيون- هم من يتخذون القرارات المتصلة بانبعاثات الكربون.
يمكننا فهم اتفاقية المناخ التي وُقعّت في شرم الشيخ باعتبارها وثيقة تتعامل مع الماضي- أي الأضرار التي تسبّبت بها الأزمة حقًا، إذ تعترف الاتفاقية لأول مرة بمسؤولية الدول التي خلّقت الأزمة عن دفعها تعويضات عن الأضرار التي تسببت بها، لكنها لا تتضمن الخطوات المطلوبة لمنع الكوارث في المستقبل.
الكثيرون في الدول الصناعية المتقدمة يرون أن نصيب الأسد في الأزمة المناخية يكمن في المستقبل، وبالتالي فهم منغمسون في الجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي ستسمح بتجنب العواقب الكارثية للاحترار العالمي.
وعند الآخرين، الأزمة تحدث الآن، في الوقت الحاضر، وبحسب فهمهم، التحدي الأكبر يكمن في "التكيف" - أي التكيف مع الظروف المناخية الجديدة؛ إذ أن عددًا متزايداً من اللاعبين، وبخاصة في دول الجنوب، كانوا عرضةً في السنوات الأخيرة للفيضانات والجفاف والأعاصير وغيرها من الأضرار الناتجة عن حالات الطقس المتطرفة والأزمات الإنسانية التي جلبتها لهم.
فالأزمة عندهم تاريخية، وبالتالي فإن مطلبهم الرئيس هو التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم بسبب السياسات طويلة الأمد للملوثين الرئيسيين في شمال الكرة الأرضية، والدمار البيئي الذي سبّبته تلك السياسات.
ممثلو الدول الصناعية الغربية المتقدمة يزعمون بأن الدول الفقيرة "قصيرة النظر"، بينما يعبّر ممثلو الدول الأخيرة عن استيائهم من الموقف "المرّفه" لممثلي دول الشمال الذين يرفضون تحمل المسؤولية عن الأضرار الجسيمة التي تسبّبوا بها، بينما هم يطالبون الدول الفقيرة بالمشاركة في الجهد العالمي الجماعي.
متظاهرون ضد حضور لوبيات شركات الوقود الأحفوري قمة المناخ في شرم الشيخ
فشل مخجل
فشل رؤساء الدول والممثلون الذين صاغوا الاتفاقية في مهمتهم الأولى والأساسية والبديهية "مكافحة الاحترار العالمي"، إذ أن نصّ الاتفاقية لا يؤدي إلى تحسين التزامات دول العالم بالحد من الاحترار المتوقع وإبطائه وكبحه في نهاية المطاف.
إن فشل الاتفاقية في هذا الجانب، يقلّل من فرص البشرية لمنع الكوارث المناخية الخطيرة القادمة، بما في ذلك تفاقم شدة وتواتر موجات الجفاف والحرائق والفيضانات وموجات الحر- التي ينجم عنها عواقب صحية واقتصادية واجتماعية.
العِلم يحذّر من موجات اللاجئين من الدول التي ستنهار ومن الأضرار الاقتصادية واسعة النطاق.
حاليًا، لا يزال العالم يسير على مسار الاحترار الصعب نحو 2.4 درجة مئوية على الأقل، علمًا أن فلسطين تحديدًا، ترتفع درجة حرارتها بمقدار ضعف المتوسط العالمي، ما يعني أن العواقب المتوقعة ستكون قاسية.
في مؤتمر شرم الشيخ، كان هناك شبه إجماعٍ بأنه يتعين على الدول الصناعية الغربية الغنية دفع ثمن ما تسبّبت به من أضرار وخسائر ناتجة عن الأزمة المناخية.
لكن المشكلة تكمن في عدم التحرك الجدي والسريع لمواجهة الأزمة المناخية نفسها وفرملتها، ما يعني أننا سوف نعاني المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة التي سيتعيّن علينا دفع ثمنها لاحقًا.
الاتحاد الأوروبي تحديدًا، سعى إلى ربط موافقته على تمويل صندوق التعويضات بإجراءات للحد من الاحترار، لكنه لم يفلح.
من أجل تجنب تجاوز العتبة الحمراء للاحترار العالمي، والتي تبلغ 1.5 درجة مئوية، فإن العَالم مطالب بخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45٪ بحلول عام 2030.
وبعد العديد من "المعارك"، تضمنت الاتفاقية النهائية هذه الحقيقة، لكنها لم تتضمن بنودًا عملية من شأنها تسهيل الوصول إلى الهدف، مثل الالتزام بالتوقف عن استخدام الغاز والفحم والنفط، أو التزام كل دولة برفع سقف تخفيض انبعاثاتها.
وفقًا لتقرير لجنة العلماء التابعة للأمم المتحدة (IPCC)، فإن 420 مليون شخص إضافي سيعانون الحرارة الشديدة، وسيعاني 270 مليونًا شح المياه إذا تجاوز الاحترار الخط الأحمر البالغ درجتين مئويتين، مقارنة بـ -1.5 درجة.
صندوق تعويضات على الورق
أعظم إنجازات مؤتمر المناخ تتمثل لأول مرة في الاتفاق على إنشاء صندوق جديد يموّل معالجة الأضرار التي تسبّبت بها الدول الغنية والملوِّثة للدول النامية التي لم تخلق الأزمة المناخية، لكنها تعرضت لكوارثها بأسوأ أشكالها. هذه هي المرة الأولى التي توافق فيها الدول الغنية على هذا المطلب الذي شكَّل محور المؤتمر.
التظاهرات خارج مجمع المؤتمر والتي رافقته منذ بدايته، تركزت في أيامه الأخيرة على مسألة التعويضات. إذ تحدّث في تلك المظاهرات شباب من دول مثل باكستان وكينيا، فوصفوا الدمار والخراب والموت غير المسبوق جرّاء الفيضانات والجفاف في منازلهم.
وكان شعار المظاهرات "ادفعوا لنا الآن، ادفعوا ثمن الضرر والخسارة". وكان شعار "ما يحدث في باكستان لن يبقى في باكستان" هو الشعار المرفوع على جناح دولة باكستان في المؤتمر.
خلال نحو أسبوعين من أعمال المؤتمر، رفض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة طلب الدول الفقيرة لتعويضها، خوفًا من المسؤولية والتكلفة الاقتصادية التي سيفرضها عليهم صندوق التعويضات.
في اليوم الأخير للمؤتمر (قبل تمديده)، انعطف موقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة فوافقا على تأسيس الصندوق.
مصادرنا المطلّعة على تفاصيل المفاوضات، لم تكن في عجلة من أمرها للاحتفال (بصندوق التعويضات). وشدّدوا على أن "الصندوق عبارة عن نصر رمزي أكثر منه انتصار حقيقي".
وأضافوا: "لن تذهب الأموال غدًا إلى باكستان أو الدول الجزرية المهددة بالغرق، هناك اتفاق مبدئي على وجوب القيام بذلك- لكن لا قرار بشأن من سيدفع، وكم ومتى، بل أُجلّت مناقشة التفاصيل إلى حدٍ كبير حتى المؤتمر المقبل".
إنشاء الصندوق ليس ضمانًا بأن الدول الغنية ستودع الأموال فعليًا، إذ أن معظمها لم يفِ بالالتزامات التي قدمتها في الماضي لتحويل الأموال، بل، في كثير من الحالات، تُعومل مع الأموال المحولة باعتبارها قروضًا.
وفقًا للقرار الذي اُتّخذ، سيعمل ممثلون من مختلف البلدان معًا في العام الجاري، لتحديد كيفية إنشاء صندوق التعويضات بالضبط، ومن هي الدول التي سيتعين عليها المساهمة فيه وأين ستُحوّل الأموال.
ووفقًا للاتفاقية، سيجمع الصندوق مبدئيًا مساهمات من الدول الصناعية المتقدمة وغيرها من المصادر الخاصة والعامة، مثل المؤسسات المالية الدولية.
وستُحوّل الأموال في الأساس إلى البلدان الأكثر هشاشة، مع أن البلدان ذات الدخل المتوسط التي تأثرّت بشدة من كوارث التغيرات المناخية، يفترض أن تُضّمّن أيضًا في برنامج المساعدة.
وفي المرحلة الأولى، لن تساهم بعض الدول الغنية، وأكبرها الصين، بأموالها، وذلك رغم مطالبة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأن تساهم الصين ماليًا، لأن بحوزتها الوسائل اللازمة لذلك، علمًا أن الأمم المتحدة لا تزال تعرف الصين دولةً نامية- وهو وضع قد يُدرجها في قائمة الدول المستفيدة من صندوق التعويضات، وذلك بالرغم من كونها أكبر ملوِّث عالمي حاليًا، وثاني أكبر اقتصاد في العالم.
كما أشارت الاتفاقية الجديدة إلى فشل الدول الغنية في تخصيص مائة مليار دولار سنويًا للدول الفقيرة، حتى عام 2020، لمكافحة أزمة المناخ- وهو التزام تم التعهد به في الماضي ولم يُوفَّ به.
في اتفاقية مؤتمر المناخ العام الماضي في غلاسكو، كُتِب أن الدول الغنية تعرب عن "أسفها الشديد" لهذا الواقع، لكن اتفاقية شرم الشيخ نصّت بأن الدول الغنية تعبّر عن "قلقها البالغ"، وعدم تحويل المبلغ بالكامل ولّد عدم الثقة والشك طوال أيام المناقشات في المؤتمر.
متظاهرون ضد عمالقة النفط والغاز المشاركين في مؤتمر المناخ بشرم الشيخ والمؤثرين بقوة على القرارات
تواصل استخدام الوقود الأحفوري
رغم مطالبة بعض الدول، لا يوجد في نصّ الاتفاقية التزام بالحد من استخدام الوقود الأحفوري- وهو السبب الرئيس للاحترار العالمي- بل ورد تكرار للالتزام السابق في مؤتمر غلاسكو عام 2021، أي التوقف التدريجي عن استخدام الفحم. وذلك مع أن بعض الدول، مثل الهند، مارست ضغوطًا كثيرة لإدراج مسألة تخفيض الانبعاثات في الاتفاقية.
ومن الذين عارضوا التخفيض "السعودية" أكبر مصدّر للنفط في العالم، إن حقيقة الحضور النشِط لأكثر من 630 من جماعات الضغط التابعة لكبرى الشركات الصناعية في المؤتمر، بمثابة تذكير لقوة هذا القطاع وتأثيره على القرارات المُتخذة.
المفارقة أن النص النهائي للاتفاقية خُفّف مقارنة بالمسودّات السابقة، وذلك في إثر الضغوط التي مارستها السعودية والصين.
إحدى المسودّات السابقة تضمنت التزامًا بزيادة حصة الطاقات المتجددة، لكن الاتفاقية الموقعّة أشارت أيضًا إلى استخدام الطاقة "منخفضة الانبعاثات"- وهي عبارة تهدف إلى السماح باستمرار استخدام الغاز.
وتنصّ الاتفاقية أيضًا على أنها "تعود وتناشد الأطراف إلى النظر في إجراءات إضافية لتقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030"، ولا تطلب ذلك من الدول الموقعّة على نحوٍ ملزم.
العِلم يحذر
في حين أن عام 2022 كان الأكثر ربحية لشركات النفط والغاز، وجد تقريرٌ أممي جديد أن انبعاثات غازات الدفيئة من منشآت النفط والغاز حول العالم أعلى بثلاث مرات مما يزعم مشغلّو تلك المنشآت.
وبهذا الخصوص، العِلم واضح بشأن الأضرار التي ستحدث للبشرية في المستقبل القريب بسبب استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري.
عشية المؤتمر وفي أثنائه، نشرت هيئات عالمية رائدة سلسلة تقارير جديدة أكدت الضرر الهائل الذي يمكن أن يسبّبه فشل المؤتمر.
في الأسبوع الأخير من مؤتمر شرم الشيخ، حذرّت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية تحذيرًا خطيرًا: "لقد رفعنا العَلم الأحمر للغلاف الجليدي" قالت نائب الأمين العام للمنظمة إيلينا مينينكوفا التي وصفت التغييرات غير المسبوقة في أجزاء الأرض المغطاة بالمياه الصلبة، مثل الأنهار الجليدية البحرية والبرية والبحيرات والأنهار المتجمدة والقباب الجليدية.
وأكدت المنظمة تسارع وتيرة فقدان الصفائح الجليدية في جرينلاند وفي أجزاء من القارة القطبية الجنوبية "وأنه لا رجعة فيه إلى حدٍ كبير".
كما يشكّل التسارع في ارتفاع مستوى سطح البحر تهديدًا كبيرًا لمليارات الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الساحلية.
ووفقًا لمنظمة الأرصاد الجوية، فإن "انحسار الأنهار الجليدية في المناطق الجبلية المرتفعة يجلب على المدى الطويل، مخاطر نقص المياه في المناطق المكتظة بالسكان".
ذكر تقرير حالة المناخ العالمي لعام 2022 الصادر عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن "علامات وآثار تغير المناخ أصبحت أكثر دراماتيكية".
ويعرض التقرير نتائج مثيرة للقلق حول الأضرار الحاصلة جرّاء الارتفاع الحالي لمتوسط درجة الحرارة العالمية بمقدار 1.15 درجة مئوية.
في عام 2022 وحده، احتاج أكثر من 20 مليون شخص في باكستان لمساعداتٍ إنسانية، بعد أن دمرّت الفيضانات الضخمة غير المألوفة منازلهم.
146 مليون شخص في أفريقيا مهددون بالجوع الشديد بسبب أسوأ موجة جفاف منذ عقود، كما أن الصين عانت في ذات العام أسوأ موجة حرارة في التاريخ المسجل.
وفي أوروبا سُجلّت آلاف الوفيات المبكرة بسبب الصيف الأكثر حرارة على الإطلاق، إلى جانب حرائق ضخمة امتدت إلى العديد من المناطق.
أما الولايات المتحدة فعانت أيضًا عام 2022 أسوأ موجة جفاف منذ 1200 سنة، وفي السنوات القادمة من المتوقع أن تتفاقم الكوارث المرتبطة بأحوال الطقس المتطرفة.