في ندوة حوارية الكترونية، بعنوان "ملامح التغير المناخي في فلسطين واستراتيجية التكيف والمواجهة"، أوصى بعض المشاركين فيها بضرورة عدم إسقاط أي حدث متطرف في أحوال الطقس بشكل ميكانيكي على التغير المناخي، لأن العديد من الظواهر التي نلمسها في الزراعة لا علاقة مباشرة لها بالتغير المناخي. وشدد المتحدثون في الندوة التي عقدت بدعوة من مركز العمل التنموي/معا، ومؤسسة "هينرش بل"، وشبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية، على ضرورة تأسيس فريق خبراء متعدد الاختصاصات للتفكير والبحث الاستراتيجيين (think tank) يوفر بانتظام بيانات علمية عالية الدقة تستند إلى الأبحاث التطبيقية الفعلية على الأرض، ويوفر معلومات وتقديرات وبحوث حول المناخ والقضايا الهيدرو-مناخية للوزارات والجهات الأهلية المعنية ولمراكز الدراسات والبحوث بشكل عام، التي يسهم عملها في فهم التغيرات المناخية في فلسطين وسائر المنطقة. وأكد المشاركون على ضرورة التركيز في النشاط الإعلامي والبحثي، وخلال المشاركة بالمنابر والمؤتمرات الإقليمية والدولية- على الدور الإسرائيلي في تخريب وتدمير التوازنات المناخية والبيئية في منطقتنا.
الندوة الحوارية حول ملامح التغير المناخي في فلسطين واستراتيجية التكيف والمواجهة
"يشعر قادة الأعمال ومجموعات العدالة الاجتماعية والمزارعون ومربو الماشية والأطباء والممرضات والأشخاص من جميع مناحي الحياة بالقلق إزاء تهديد المناخ". تقول رئيسة مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية فرانسيس بينيكى.
يعتبر تغير المناخ القضية الحاسمة في عصرنا، فالآثار العالمية لتغير المناخ واسعة النطاق ولم يسبق لها مثيل من حيث الحجم، وذلك من تغير أنماط الطقس التي تهدد الإنتاج الغذائي، إلى ارتفاع منسوب مياه البحار التي تزيد من خطر الفيضانات الكارثية. ويعدُّ التكيف مع هذه التأثيرات أكثر صعوبة ومكلفا في المستقبل، إذا لم يتم القيام بإتخاذ إجراءات جذرية الآن.
في ذات السياق نُظمت ندوة حوارية الكترونية، بعنوان: "ملامح التغير المناخي في فلسطين واستراتيجية التكيف والمواجهة" عن طريق تطبيق الزووم، في الـ24 من حزيران، اوصى خلالها أحد المشاركين بضرورة عدم إسقاط أي حدث متطرف في أحوال الطقس بشكل ميكانيكي على التغير المناخي، لأن العديد من الظواهر التي نلمسها في الزراعة لا علاقة مباشرة لها بالتغير المناخي.
وشدد متحدثون في الندوة التي عقدت بدعوة من مركز العمل التنموي/معا، ومؤسسة "هينرش بل"، وشبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية، على ضرورة تأسيس فريق خبراء متعدد الاختصاصات للتفكير والبحث الاستراتيجيين (think tank) يوفر بانتظام بيانات علمية عالية الدقة تستند إلى الأبحاث التطبيقية الفعلية على الأرض، ويوفر معلومات وتقديرات وبحوث حول المناخ والقضايا الهيدرو-مناخية للوزارات والجهات الأهلية المعنية ولمراكز الدراسات والبحوث بشكل عام، بحيث يسهم عملها في فهم التغيرات المناخية في فلسطين وسائر المنطقة.
وأكدوا ضرورة التركيز في النشاط الإعلامي والبحثي، وخلال المشاركة بالمنابر والمؤتمرات الإقليمية والدولية؛ على إبراز دور الاحتلال في تخريب وتدمير التوازنات المناخية والبيئية، إذ أن إسرائيل تشكّل الخطر الأكبر على تلوث الغلاف الجوي في فلسطين، وذلك من خلال الانبعاثات الغازية الهائلة الناتجة عن الصناعات المدنية والعسكرية الضخمة الإسرائيلية، إضافة إلى النشاطات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، والصناعات ومحطات توليد الطاقة في الأراضي المحتلة عام 1948، وذلك كله لا يقارن مع التلوث البسيط الذي تسببه الصناعات الفلسطينية الضعيفة والهشة.
وحسب سلطة جودة البيئة فان نسبة الانبعاثات الفلسطينية (الضفة والقطاع) تساوي 0.01% من إجمالي الانبعاثات العالمية، وهذه النسبة لا تتجاوز انبعاثات مصنع عسكري إسرائيلي ضخم. أما انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد الفلسطيني فتبلغ نحو 0.5 طن سنويا، بالمقارنة مع حوالي 11 طن سنوياً للفرد الإسرائيلي، أي أن متوسط انبعاثات الفرد الإسرائيلي تعادل 22 ضعف انبعاثات الفرد الفلسطيني.
بلاد الشام وتغير المناخ
وفي هذا السياق، أشار رئيس تحرير مجلة آفاق البيئة والتنمية جورج كرزم، إلى إجماع خبراء المناخ على أن فلسطين وسائر بلاد الشام تتأثر سلبا بأربعة اتجاهات مناخية وهي: ارتفاعات في درجات الحرارة، وارتفاعات في نسب الرطوبة، وارتفاعات في مستويات سطح البحر، وتقلبات أكثر تطرفا في الطقس، حيث ستصبح بلاد الشام وإفريقيا والخليج في أواسط القرن الحالي ساخنة جداً للجنس البشري وفق كرزم.
وأشار كرزم الذي يرأس أيضاً وحدة الدراسات في مركز معا، إلى أنه مع تفاقم ملامح التغير المناخي سيعاني الفلسطينيون أكثر فأكثر من شح المياه التي يتحكم بها الاحتلال، وأن الأقطار العربية الواقعة على تخوم الصحاري ستصبح أكثر صحراوية؛ أما البلدان الصحراوية- من منظور الجغرافيا السياسية المرتبطة بالتغير المناخي- ستصبح غير صالحة عمليا للسكن البشري، ومن المتوقع، خلال العقود المقبلة، أن تزداد مخاطر الكوارث الطبيعية والفيضانات وتلوث المياه، والهجرة القسرية والأوبئة والمجاعات وزيادة التوترات الحدودية.
ويرى كرزم ان أحداث الطقس المتطرفة التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة ستزداد تطرفا خلال العقود القادمة، حيث ستزداد شدة وتواتر موجات الحرارة، وستشهد ارتفاعاً في الهطول المطري، مع تغيير في توزيعه.
تغير المناخ والامراض والوفيات
يرى مدير عام إدارة صحة البيئة في وزارة الصحة محمود عثمان، أن المناخ يؤثر على الصحة العامة، من خلال ثلاث آليات وهي: التأثيرات المباشرة عن طريق الموجات الساخنة، وتلوث الهواء والكوارث الجوية الطبيعية، والتأثيرات التي تحدث نتيجة للتغيرات المناخية المتعلقة بالنظم والعلاقات البيئية (المحاصيل الزراعية وعلم البيئة والانتاج البحري)، والتأثيرات غير المباشرة مثل: الفقر والنزوح والصراع على الموارد، ومشكلات الصحة العقلية والنفسية التي تلي الكوارث.
ولفت عثمان إلى ان تغير المناخ يساعد على انتشار الأمراض والوفيات بين البشر لأن مناعة الجهاز التنفسي بالجسم تتأثر بهذا التغير، كما انه يؤثر على توفر المياه العذبة وجودتها، وزيادة الاحتباس الحراري العالمي، والأمراض القلبية الوعائية والتنفسية.
وهناك دراسات تثبت العلاقة الطردية ما بين ارتفاع درجات الحرارة مع زيادة انتشار مجموعة من الأمراض المعدية للانسان، مثل الكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك، والليشمانيا، والبلهارسيا، وغيرها من الأمراض الجديدة التي تظهر بسبب تغير المناخ.
وطالب عثمان خلال الندوة بدمج قضايا الصحة ضمن العمليات الوطنية والدولية المرتبطة بالمناخ، لأنه يساعد في الحصول على ما يلزم من تمويل في هذا المجال، وطالب جميع المستويات الحكومية اعطاء الاولويات لبناء قدرة النظام الصحي على مواجهة تغير المناخ، واجراء ابحاث محلية واقليمية لتقييم آثار المناخ على الأمراض المنقولة.
كما ان تغير المناخ، يضيف عثمان، يؤدي الى زيادة ظهور أمراض جديدة بين الحيوانات والتي بدورها تكون معدية للبشر.
التخفيف من أثر التقلبات المناخية
من جانبه، أشار الخبير الزراعي والموارد الطبيعية أ.قاسم عبدو، إلى التحديات التي يتعرض لها الاقتصاد والبيئة الفلسطينيين، سواء من الاحتلال الاسرائيلي أو انتشار جائحة كورونا أو نقص الموارد، وهذه التحديات أثبتت أهمية وجود إطار لإدارة الكوارث وضرورة وجود استراتيجيات واضحة في إطار مؤسسي محوكم.
واستعرض قاسم الأهداف الرئيسية والفرعية والسياسات الخاصة بأثر الجفاف والتغير المناخي، وضرورة العمل على التخفيف من الآثار السلبية لظاهرة التغير المناخي على جميع القطاعات وتحسين قدرة الأفراد والمجتمع على التكيف مع هذه التغيرات، مشيرا الى الاستراتيجيات المطلوبة لتحقيق أهداف التكيف والاستجابة في فلسطين، سواء كانت اجراءات قصيرة المدى أو طويلة المدى.
وشدد عبدو على ضرورة ايجاد البيئة المناسبة لوضع خطط الاستعداد والتخفيف من أثر التقلبات المناخية. واستخدام النمذجة المناخية ونظم الانذار المبكر الفعّال لادارة وتخفيف الآثار السلبية المستقبلية للتقلبات المناخية.
مؤتمر الأطراف والاتفاقيات الدولية
من جانبه، تطرق خبير التغيرات المناخية في سلطة جودة البيئة نضال كاتبة، الى المراحل التي مرت بها فلسطين على الصعيد البيئي، مبينا أن أول مشاركة رسمية لدولة فلسطين في تغيرات المناخ كانت عام 2009 في مؤتمرات الاطراف للأمم المتحدة لتغير المناخ، وفيه تم اطلاق الاستراتيجية الأولى لتغير المناخ بدعم من (UNDP)، وفي عام 2010 تم تشكيل اللجنة الوطنية لتغير المناخ في فلسطين، وهي المرجعية العليا للسياسات في تغير المناخ وشكلت بالبداية من 21 عضوا ثم 27، وتتكون من جهات حكومية وغير حكومية، يمثلون كل الاطراف التي لها علاقة بهذا التغيير.
وأوضح أنه منذ عام 2009 حتى الان كانت فلسطين موجودة بكل المؤتمرات بشكل دائم والاجتماعات الخاصة للاتفاقية، ولها وجود قوي وفعال ورسالة واضحة، وهي أننا قادرون على ان نكون في المحافل الدولية وأخذ القيادة في العديد من المجالات ومنها تغير المناخ.
وأشار كاتبة إلى تواجد دولة فلسطين على المستوى البيئي وانضمامها الى الاتفاقيات والمحافل الدولية الخاصة بالبيئة، والأسماء التي مرت بها خلال وجودها في الاتفاقية من 2009، وكانت من أول 15 دولة في العالم
وقّعت وصادقت على اتفاقية باريس للمناخ في نيويورك، وتم اعتماد سلطة جودة البيئة كـ"نقطة اتصال" وطنية لصندوق المناخ الأخضر بقرار من مجلس الوزراء.
وأشار إلى الخطة الوطنية للتكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ التي تم اعدادها بمشاركة المؤسسات ذات العلاقة في فلسطين مع الجهات الحكومية وغير الحكومية وعددٌ من الاطراف خارج اللجنة الوطنية ولجنة تغير المناخ، تميزت (الخطة) بوضوح الرؤية الفلسطينية للتكيف مع الآثار السلبية في التغير في المناخ، والتي تستهدف 12 قطاعا هم الاكثر تغيراً بالمناخ.
مشاركة مجتمع مدني بارزة
من جهته، تحدث ممثل مؤسسة "هينرش بل" الألمانية نضال عطاالله، عن تقييم دور المجتمع المدني المحلي والدولي، في التغير المناخي، مشيراً الى أن مشاركة المجتمع المدني في مؤتمرات المناخ قد ازدادت في الفترة الأخيرة، مع وجود مشاركة واسعة من مختلف المؤسسات. "شهدنا احتجاجات دولية من أجل المناخ هزت فعليا العالم، وكانت بقيادة مجموعات من الناس والطلبة والاطفال، وهذا يثبت انه بإمكان المجتمع المدني أن يحقق مجموعة نتائج فعلية على ارض الواقع".
وأوضح أن هناك مبادرات بيئية كثيرة وعلى المجتمع المدني احتضانها، مشدداً أن المجتمع المدني لا يقتصر على المؤسسات البيئية والحقوقية، بل يجب التعامل بنظرة شمولية بحيث تشمل الجامعات والمؤسسات والنقابات والحكم المحلي من أجل تحقيق نتائج أوسع، ويكون هناك ذراع ممتد للمجتمع المدني يتحمل مسؤولية تمثيل مصالح الشارع والشعوب والمجتمعات المهمشة غير القادرة على الوصول إلى أي مكان محدد.
سلبيات فيروس كوفيد 19 اكثر من إيجابياته على البيئة
بدورها، قالت خبيرة البيئة والمناخ صفاء جيوسي: إن المؤسسات المدنية البيئية ما تزال تتمتع بحرية أكبر من غيرها لممارسة أنشطتها لكن تأثيرها محدود في كسب التأييد، كونها تنمو داخل فقاعة واحدة، وبوجود الناشطين أنفسهم، دون الانخراط مع منظمات أخرى تُعنى بمواضيع مختلفة لكنها ذات اتصال كبير في الشأن البيئي.
واضافت الجيوسي أن ما تحتاجه مؤسسات المجتمع المدني هو الانخراط مع بقية التحالفات العالمية المختلفة، وتلك التي تنشأ على مستوى المنطقة، وتطبيق مفاهيم العمل التي تنادي بها على كل شخص يعمل فيها، ومن ثم الخروج بها على الملأ لتطبيقها بشكل أوسع، حتى لا يكون ما تنادي به من رسائل مختلفاً، عما تطبقه على أرض الواقع.
وفي سياق النقاش الذي دار بين المشاركين، قالت الجيوسي أن لانتشار فيروس كورونا على البيئة أثرٌ مؤقت في تقليل الانبعاثات والغازات الخارجة من المصانع وغيرها، الا أن الأثر السلبي على البيئة كان نتيجة النفايات الطبية والقفازات المطاطية والكمامات وغيرها والتي تلوث بالبيئة. كما أن اولوية التحدث عن البيئة قلّ وتم تهميشها، فيما تم التركيز على الاقتصاد والحلول الاقتصادية التي أثر عليها الفيروس.
وهذا ما أكده محمود عثمان مؤكدا على ان السلبيات التي احدثها الفيروس على البيئة أكثر، والتي تتمثل في الكشف عن مدى ضعف البنية التحتية في الوطن العربي ومدى هشاشة الامكانيات المسخرة للقطاع الصحي لمواجهة مثل هذه الجائحة، وضرورة حلّ هذه المشكلة وتجهيز القطاعات الصحية وحل مشاكل قائمة منذ زمن كالنفايات الطبية.
تغير المناخ والتلوث
وتعقيبا على مداخلة د. عثمان، قال جورج كرزم ان فيروس كورونا، أثّر على انماط سلوكنا والعلاقة بين التغير المناخي والأمراض والاوبئة علاقة وثيقة وقوية ومباشرة، والعلماء لا يعتمدون فقط على الابحاث، في هذا المجال، بل على الأضرار المعروفة لتلوث الغلاف الجوي والهواء، فالتلوث يسبب انخفاضاً في قدرة الخلايا على ازالة مسببات الامراض، وهذا الضعف في قدرة الجسم الدفاعية يعرض الإنسان لخطر اكبر في حالة وجود فيروس مثل الكورونا.
وأكد كرزم على ان انتقال الامراض من الحيوانات للبشر، يرتبط سببيا بأنماط استخدام الناس للأرض، وقال ان النظام البيئي الصحي المتوازن هو الذي يولد مقاومة طبيعية لعوامل المرض لانه يعزلنا عنها، اما عندما يتم اختراق هذا النظام واحداث تصدعات وتشوهات له في بنيته، فيحدث اتصال مباشر للفيروسات والبكتيريا مع الانسان، فتختفي عوامل المقاومة الطبيعية لمولدات الأمراض.
ووفق تقارير الأمم المتحدة المناخية، يضيف كرزم، فإن متوسط درجة الحرارة في فلسطين ارتفع بمقدار 1.4 درجة مئوية خلال الفترة 1950-2017، علما أن الثلاثين سنة الأخيرة سجلت الجزء الأكبر من تلك الزيادة، ويتوقع حدوث ارتفاع إضافي في متوسط درجة الحرارة في فلسطين بمقدار 0.9 درجة مئوية بحلول عام 2050.
لمشاهدة الندوة الالكترونية كاملة، يرجى النقر على الرابط التالي: