أزمة البطيخ تتكرر: الإسرائيلي يُغرق الأسواق والفلسطيني يحترق وحيداً تحت لهيب الشمس
خاص بآفاق البيئة والتنمية

اتخذ متطوعو "حكي القرايا" و"شراكة" الرصيف المقابل لدوار تشغله بطيخة معدنية ضخمة في جنين سوقًا محلية لبطيخ الأغوار وشمام جنين، في خطوة رمزية لمساندة المزارعين، وللاحتجاج على إغراق الأسواق المحلية بالبطيخ الإسرائيلي.
واحتمى مطاوع بوزية ومراد سرطاوي وأيمن قطيش وعلي خلف من شمس حزيران الحارقة بقبعات، وراحت أصواتهم تروج لسلع قادمة من حقول الساكوت بالأغوار الشمالية ومرج ابن عامر في جنين.
رأت مبادرة "حكي قرايا" النور لمساعدة المزارعين على تسويق محاصيلهم التي تضررت من موجة حر أيار الشديدة في ظلّ منافسة إسرائيلية بأسعار أرخص. وتجول الباعة المتطوعون في رام الله، وسلفيت، وطولكرم، ونابلس، وجنين، واستثمروا مواقع التواصل الاجتماعي لحشد المتسوقين، الذين سارعوا إلى الشراء.
جاءت "المبادرة" حين انتشرت صور عديدة على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر حقولاً فلسطينية في الاغوار؛ استلقت عليها ثمار بطيخ صفراء تالفة، وذلك بفعل الحرارة الشديدة وغياب الدعم للمزارعين في تسويق منتجاتهم، فغاب الطلب عليها وتُركت تحترق تحت الشمس.

الأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب جمال خورشيد
جشع وأزمة
بحسب عضو الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين والتعاونيين الفلسطينيين، والأمين العام المساعد لاتحاد الفلاحين العرب جمال خورشيد، فإن زراعة البطيخ كانت محصورة في الأغوار ومرج ابن عامر، وبعد فك الارتباط مع الأردن عام 1988، توقف الفلاحون عن زراعة البطيخ، ولكنهم عادوا لزراعته قبل ست سنوات.

بطيخ اسرائيلي
وقال إن بطيخ المستوطنات يتزامن مع بطيخ الأغوار، ولم تصدر وزارة الزراعة تصاريح للبطيخ الإسرائيلي، والسبب "تجار جشعون يفضلون منتجات الاحتلال، ويضربون المحاصيل الأساسية كالبطيخ والبصل والأصناف الأخرى.
ورأى المزارع في سهل البقيعة ناصر عبد الرازق، أن تسويق البطيخ والشمام يمر بـ "أزمة مستعصية كل عام"؛ بسبب إغراق السوق بمنتجات الاحتلال، وهو ما يتطلب وقوف وزارة الزراعة والضابطة الجمركية عند مسؤولياتها، وضبط الأسواق بشكل كبير.
وقدّر خورشيد عدد المزارعين الذين تكبدوا خسائر فادحة في نحو 5000 دونم بطيخ وشمام في مناطق: البقيعة، والساكوت، والدير، وقاعون، والتي تعرضت معظم محاصيلها للتلف بسبب موجة الحر الشديدة في أيار الماضي، وإغراق الأسواق بسلع الاحتلال.

بطيخ الأغوار في سوق جنين
رسالة دعم
يقول المتطوع في "حكي قرايا" بوزية أن الإقبال كان جيدًا، وأوصل رسالة دعم للمزارع الفلسطيني الذي ينتظر محصوله كل عام بفارغ الصبر، لكن البطيخ الإسرائيلي بجودته المتدنية يقطع الطريق عليه، ويهدد استمراره في الزراعة لما يتكبده من خسائر.
وأشار البائع المتطوع مراد سرطاوي إلى أن بداية التسويق أطلقها صحافي بمنشور على "فيس بوك" دعا إلى مساندة مزارعي البطيخ في الأغوار، فاستجابت "حكي القرايا" و"شراكة" سريعًا، وتوجهت إلى قرية بردلا على خط التماس مع بيسان. يفيد سرطاوي: "شاهدنا مزارع بطيخ تالفة بسبب عدم القدرة على تسويقه، وانتقلنا إلى عين الساكوت وبدأنا بشراء المنتج من المزارع محمد الفايز".
ووفق سرطاوي، فإن المبادرة سوقت 25 طنَ بطيخ في وقت قياسي في عدة محافظات، بدأت بسرطة وبديا وكفل حارس بسلفيت، وانتقلت لمدن أخرى، ثم توجهت المبادرة لترويج شمام جنين، وعنب النصارية والعقربانية.
وأوضح أن غالبية المتسوقين من المؤمنين بالفكر التطوعي، وضرورة دعم الفلاح في تسويق منتجاته بسعر عادل، ومقاطعة السلع الزراعية الإسرائيلية.
وأكد أن الخطوة القادمة تتمثل في إنشاء قاعدة بيانات لصغار المزارعين للمنتجات البيتية؛ لتنظيم تسويقها، وإيجاد أسواق محلية ونقاط بيع في المدن.

سوق رام الله
شراء مباشر
ورأى منسق "حكي القرايا" في جنين عبد الكريم شلاميش أن مبادرة تسويق البطيخ تسعى لدعم المزارعين بسبب الخسائر المتلاحقة عليهم بفعل الأسعار المتدنية للمحصول، وغزو البطيخ الإسرائيلي، وتهدف لإسنادهم في الصمود فوق أرضهم.
وأوضح أن مبادرة الشراء المباشر من الفلاحين تقوم على متطوعين ومناصرين ومؤمنين بالعمل الجماعي، وجاءت بعد مشاهدة الكساد الذي حلّ بالبطيخ، وعدم ضبط الأسواق أمام سلع الاحتلال الزراعية، المشكلة التي تتكرر كل عام.
ويُحضر شلاميش ومتطوعون لمبادرة سوق دائمة في جنين ليوم واحد أسبوعيًا؛ لبيع منتجات المزارعين مباشرة، ولتعريف المستهلكين بجودة السلع الوطنية.
وقال الناشط في "حكي القرايا" عمر عبد الرحمن أن حملات الترويج للبطيخ والسلع الزراعية تحمل معانٍ تعاونية وأخلاقية ووطنية وانتاجية، وتأتي لمساعدة الفلاحين على المنافسة ببضائعهم دون وسطاء.
ووصفت المنسقة في "حكي القرايا" نورا حمدان أن تسويق جزء من منتجات الأغوار في مدن ومحافظات أخرى تعبير عن الإحساس بما يعانيه المزارع من ويلات، ولتشجيعه، ودعمه بشراء منتجه، ولإيصال رسالة أن سلعنا الزراعية الوطنية مهما كانت جودتها؛ أفضل من سلع الاحتلال.
وقال نائب رئيس جمعية حماية المستهلك د. محمد أبو شربة إن الترويج للمنتجات الوطنية، وتنظيم أيام تسوق رسالة لإنصاف المنتج الوطني، ودعم صمود المزارع في أرضه، ومساعدته في تسويق منتجاته.

متطوعو حكي القرايا في جنين يروجون للبطيخ الفلسطيني
تسويق عادل
وحسب مدير عام وزارة الزراعة في جنين، م. باسم حمّاد، فإن الوزارة تقدم لمزارعي البطيخ الأشتال بأسعار مخفضة، والمساعدة في تسويقه بسعر عادل.
وأشار إلى أن الوزارة تضع لائحة تمنع إدخال منتجات إلى الأسواق في مواسم إنتاجها لمنع إغراقها، ولدعم المزارعين، وتبذل جهودًا لمنع التهريب مع "الاقتصاد الوطني" و"الضابطة الجمركية"، معولين على وعي التجار والمتسوقين لمقاطعة منتجات الاحتلال.
وعزا انخفاض أسعار البطيخ والشمام المحلي بالعرض والطلب، وتهريب منتجات إسرائيلية. وأفاد بأن مساحة البطيخ في جنين تبلغ هذا العام نحو 100 دونم و300 للشمام.

مراد السرطاوي من متطوعي حكي القرايا
منتجات مُهرّبة
وبحسب مدير دائرة الزراعة في الأغوار الشمالية، هاشم صوافطة، فإن حجم المساحات التي زُرعت بالبطيخ هذا العام في الأغوار الشمالية بلغت 1100 دونم، وصل متوسط إنتاجية الدونم الواحد بين 6 أطنان إلى سبعة أطنان، وكانت الأشتال مقاومة لأمراض التربة، وحققت الزراعة المبكرة إنتاجًا أقل من المتأخرة بنحو طنين.
وحول طريقة منح التصاريح للمنتج المحلي، أوضح صوافطة أن هناك لجنة تكشف على المزارع، وتقدر كميات إنتاج أرضه المتوقعة، وترصدها، وتجري متابعة المحصول أثناء القطف للتأكد من عدم التهريب، وضمان وصول المنتج الوطني إلى الأسواق.
وأشار إلى أن تكلفة الدونم الواحد من البطيخ 3500 شيقل، ويحتاج إلى 400 شتلة، ثمن الواحدة منها ثلاثة شواقل، ومستلزمات زراعية كالبلاستيك بـ 300 شيقل، وري، وأسمدة، وعمال بتكلفة اضافية. لذلك وبحسب صوافطة، فحتى يكون البطيخ مجديًا ينبغي بيع الكيلو الواحد بشيقل ونصف وشيقلين.
وأوضح أنه في حال نفّذ الاحتلال مخطط الضم، فإن الزراعة المروية كلها ستتضرر، وسيتوقف المزارعون عن زراعة البطيخ.
بدوره، قال مدير زراعة طوباس والأغوار الشمالية جعفر صلاحات إن موسم البطيخ يبدأ من محافظة أريحا ويكون بأسعار جيدة.
يضيف: "تصدر الوزارة في بداية الإنتاج قراراً بمنع دخول البطيخ الإسرائيلي، وتستمر في ذلك حتى انتهاء الموسم في كل المحافظات... وقد زرع في الأغوار الشمالية لوحدها 1200 دونم".

مزارع البطيخ في الاغوار الفلسطينية
أسعار وإغراق
وأوضح صوافطة أن أسعار البطيخ تبدأ مرتفعة، ثم تتراجع، وتعود للتحسن. "شهدنا هذا العام مبادرات وطنية عديدة لتسويق المنتج الوطني، ولكن ونتيجة وقف التنسيق مع الاحتلال ظهرت "بعض الفوضى" في إدخال البطيخ الإسرائيلي".
وقال عضو الهيئة الإدارية في "حكي القرايا" فريد طعم الله إن تسويق البطيخ خصوصًا والمنتجات الزراعية الوطنية، تشهد كل عام تراجعًا في حجم مبيعاتها، وتتعرض للمنافسة والإغراق من منتجات الاحتلال.
وأكد أن "حكي القرايا" تخطط لمبادرة طويلة الأمد لمساندة الفلاحين، قوامها تدشين سبع "نقاط تسويق دائمة" في الضفة للمنتجات الزراعية الوطنية كالبطيخ والشمام والملوخية والبامية والمشمش وكل السلع.
وقال طعم الله، إن التسويق عبر نقاط البيع سيشترط الالتزام بمعايير السعر العادل، والعضوية في "حكي القرايا"، وإنصاف المزارع. وسيتم تخصيص زاوية للمنتجات العضوية في المستقبل.
واختارت المجموعة الافتراضية الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي وتضم قرابة 120 ألف عضو، 7 منتجات زراعية هي البطيخ والتمور والعنب والمشمش والجوافا والزيتون والتمور والملوخية لتنفيذ حملات تسويق دعمًا لها، كونها تحظى برمزية ولها خصوصيتها. وبدأ أعضاء المجموعة بجمع بيانات عن منتجاتهم وسلعهم ومناطقها ومواعيدها؛ تحضيرًا لنقاط البيع.

مزارع البطيخ في سهل البقيعة ناصر عبد الرازق
نقاط بيع
وقال طعم الله المتطوع أيضًا في مبادرة "شراكة " إن هدف الحملات ونقاط البيع الدائمة أن تتحول من "ردة فعل" إلى "فعل" وتحظى بالاستدامة، وستتطور لاحقًا إلى منح "شهادة جماعية" للفلاحين بأن مزارعهم عضوية، ستنفذ بعد زيارات ميدانية للحقول والتأكد أن المزارعين يلتزمون فعلًا بشروط الزراعة العضوية.
وأكد أن الهدف من حملات تسويق البطيخ، وما يجري التحضير له من نقاط بيع، هو كسر حلقة التسويق الطويلة بين المزارع والمستهلك، أو اختزالها بشخص واحد، وتشجيع المزارعين على تسويق منتجاتهم بأنفسهم دون وسطاء وأسواق مركزية وتجار جملة.
وأضاف طعم الله إن الشرط الأساسي في كل جهود "حكي القرايا" لتسويق السلع الزراعية يكمنُ في" سعر عادل للمزارع والمستهلك"، وسيجري تحديد ذلك عبر التواصل مع مؤسسات صاحبة تجربة، أو خبراء اقتصاد لتحديد سعر لا يتأثر بتقلبات العرض والطلب، وينصفُ المزارعين ويراعي المستهلكين.
وقال إن الطريقة الوحيدة لإقناع المستهلك بتنبي المنتجات الوطنية والعضوية، التوعية وهو ما حدث في سوق الفلاحين برام الله العام الماضي، إذ جرى تسويق كميات معقولة من الخضار والفاكهة البلدية، ولم يتوقف المستهلكون عند شكلها غير المعهود قياسًا بالسلع المنتجة باستخدام الأسمدة والكيماويات. كما سبق البيع حملات تذوق لتشجيع المستهلكين على تبني السلع المحلية.

منسق حكي القرايا في جنين عبد الكريم شلاميش