
يتسم عالم العمل في مختلف أنحاء البلدان النامية بانتشار كبير لسمة الاقتصاد غير المنظم، في سياق يسوده ارتفاع البطالة والبطالة الجزئية والفقر وهشاشة العمل. ويؤدي في ظل هذه الظروف دوراً يعتدُّ به، لاسيما في توليد الدخل، بسبب سهولة دخوله نسبياً وانخفاض متطلباته من التعليم والمهارات والتكنولوجيا ورأس المال. ولكن معظم الناس يدخلون الاقتصاد غير المنظم لا باختيارهم بل لضرورة البقاء على قيد الحياة وللحصول على الأنشطة الأساسية المولدة للدخل.
عموما يشير مصطلح "الاقتصاد غير المنظم إلى "جميع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها العمال والوحدات الاقتصادية الذين لا تشملهم كل أو بعض الترتيبات النظامية في القانون أو في الممارسة. فأنشطتهم ليست مدرجة في القانون، مما يعني أنهم يعملون خارج النطاق الرسمي للقانون؛ أو أنهم غير مشمولين عملياً. بمعنى أنه رغم عملهم داخل الإطار الرسمي للقانون، إلا أن القانون لا يتم تطبيقه أو إعماله؛ أو أن القانون لا يشجع على الالتزام لأنه غير ملائم أو مرهق أو يفرض تكاليف مفرطة".

نجد من ضمن هذه الأنشطة غير المهيكلة، قطاع المتلاشيات أو ما يعرف بنظام تدوير النفايات- عملية إسترجاع النفايات والمواد المستعملة ثم القيام بفرزها لإعادة استخدامها وتحويلها-
وهذا القطاع له أهمية مربحة، حيث يمكن أن يساهم اقتصاديا في ضخ المليارات في خزينة الدولة لولا التهرب الضريبي وعدم التصريح الحقيقي بقيمة المتلاشيات، إضافة إلى ما يمكن أن يوفره من مناصب شغل... وهذا ما تؤكده آخر تقديرات البنك الدولي أن هذا القطاع يساهم في ما يعادل ثلث الناتج المحلي الإجمالي وثلثي الوظائف.
والأهم من ذلك، الدور الكبير الذي يلعبه على المستوى البيئي، من خلال تقليل النفايات وعدم استنزاف المزيد من المصادر الطبيعية باستخراج مواد أولية جديدة، وذلك بفضل فئة تعرف بعمال المتلاشيات أو النابشين في حاويات النفايات أو بالبوعارة.
فبالرغم من عدم وجود توصيف أو تعريف دقيق أو مقبول عالمياً لمصطلح "عمال المتلاشيات"، إلا أن هناك فهماً واسعاً بأن المصطلح يستوعب أناساً يعملون لحساب أنفسهم أو ضمن الأعضاء في تعاونيات تنتج خدمات، يشارك كل عضو على قدم المساواة مع الأعضاء الآخرين... في إطار تشوبه الصعوبات والمعاناة.

لهذا دعونا نلقي نظرة على الدور الإيكولوجي الذي يقوم به هؤلاء ضمن سلسلة التدبير الأمثل للنفايات، قبل الإطلاع على معاناتهم والمخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها، والتي تجعل منهم أبطال البيئة والأرض الفعليين، لقب يستحقونه عن جدارة، ويخول لهم الحصول على الدعم والتكريم والتنويه لعملهم البطولي.
- عمال المتلاشيات ضمن سلسلة التدبير الأمثل للنفايات:
نظرا لما تشكله عملية إعادة تدوير النفايات للبيئة وكوكب الأرض، في خفض معدلات التلوث والحفاظ على الموارد الطبيعية، والتقليل من عمليات الدفن والحرق، أصبح العالم المعاصر يحتفل في 15 يونيو من كل سنة باليوم العالمي لإعادة التدوير. بحكم ما له من آثار بيئية رئيسية- الحد من التلوث الذي تسببه بعض المواد التي تحتاج لعقود وحتى لقرون لكي تتحلل، والحفاظ على الموارد الطبيعية، لكون المادة المعاد تدويرها تستعمل عوضا من تلك التي كان ينبغي استخراجها- وبالتالي يمكننا:
- الاقتصاد من استعمال الحديد واستنزاف المناجم من هذه المادة الحيوية.
- من خلال البلاستيك المسترجع من اقتصاد 700 كغم من البترول الخام
- استرجاع 1 كغم من الألمنيوم يوفر لنا حوالي 8 كغم من مادة البوكسيت و4 كغم من المواد الكيماوية و14 كيلو وات / ساعة من الكهرباء.
- كل طن من الكرتون المسترجع يمكننا من توفير 2.5 طن من خشب الغابات. كل ورقة مسترجعة تقتصد لنا 1 لتر من الماء، 2.5 وات/ ساعة من الكهرباء، و15 غرام من الخشب...
وفي حالة عدم إمكانية استرجاع مادة من المواد، من الممكن استعمالها لإنتاج الطاقة بحرقها واستعمالها كوقود للتدفئة مثلا، كما يوجد إمكانية استخراج مادة غاز الميثان بواسطة عملية تحويل بعض المواد الغذائية وبعض الفضلات الموجودة في محطات تنقية المياه.
لكن عمليات تحويل النفايات هذه، تسبقها عملية جمع القمامة والمتلاشيات، وهذه النقطة ترتبط إمكانية تنفيذها على مستوى الحي، ثم يليها عملية الفرز عند مطارح النفايات من خلال نباشي القمامة أو ما يعرف بالبوعارة، فهؤلاء يشكلون الحلقة الأهم في عملية التدوير قبل أن تصل هذه النفايات إلى شركات التحويل. الرسم أسفله يقدم توضيحا:

فالخدمات التي يقدمها عمال المتلاشيات للبيئة وللاقتصاد الوطني لكل دولة، ذات أهمية تجعل منهم أبطالاً فعليين يستحقون دعما وتعاونا من جانب المسؤولين في منحهم أبسط حقوقهم المهنية والاعتراف بمهامهم وتخصيص يوم عالمي لهم، بتكريمهم بجوائز الأرض والمناخ. فإذا كان صناع القرارات السياسية وعلماء البيئة والحقوقيون أوجدوا أرضية للدفاع عن البيئة من خلال أوراقهم وتقاريرهم، فإن عمال المتلاشيات صاغوا بأيديهم مجالا تطبيقيا لحماية البيئة والحفاظ على مواردها.
- عــمال المتلاشــيات وتحديـــات البــــقاء
تبقى مهنة عامل جمع النفايات من الحاويات في نظر البعض عملا متدنيا، وغالبا ما تتركّز إلى حدّ كبير في الأوساط المعوزة، خصوصاً في المناطق الحضرية، علما أن من شأن تنظيم هذا القطاع وتأسيس بنية تحتية متكاملة لجمع وفرز النفايات أن يشكل رافعة اقتصادية بالنسبة لهذه الفئات. حيث سيوفِّر لهم وسيلة للإفلات من براثن البطالة والحرمان.
فهؤلاء العمال يعانون فعلا من عدم الأمن والاستضعاف بسبب نقص في الحماية والحقوق والتمثيل. إضافة إلى دخول منخفضة أو غير منتظمة وساعات عمل طويلة... هذا مع المخاطر المصاحبة لظروف عملهم، والتي تجعلهم معرضين للمواد الكيميائية ومخاطر المواد الحادة، علاوة على إمكانية إصابتهم بأمراض خطيرة وأنواع من العدوى بفعل الاحتكاك بالنفايات.
وهذا الأمر، يستدعي إعادة النظر في القوانين، بهدف تبسيط الإجراءات وخفض التكاليف الاجتماعية والضريبية. كما يستدعي مؤازرة من طرف المنظمات غير الحكومية (الجمعيات) بنقل قضيتهم إلى دائرة الاهتمام الرسمي، وبالتالي يمكن أن تلعب دوراً هاماً في التأثير في أجندة السياسات لمصلحة إيجاد بيئة أعمال صديقة لهم، وهو ما تسعى إلى تحقيقه جمعية FANلحماية الطبيعة والرفق بالحيوان، والتي أترأسها من خلال برنامجها المجتمعي"أحياء حضرية مستدامة ببصمة إيكولوجية وصحية". هذا المشروع وفي شقه المتعلق بعمال المتلاشيات ودمج خدماتهم لصالح البيئة والحيوانات ينطلق من الأهداف التالية:
- جمع عمال المتلاشيات بإسم جمعية FAN وتخصيص بدل إيكولوجية مناسبة للعمل.
- تخصيص دورات تكوينية
- التواصل مع مهنيين لضمان: حوار اجتماعي والحماية الاجتماعية- ضمان المبادئ وأبسط الحقوق الأساسية لهم ... على أمل أن يتم إدراج هذا القطاع ضمن الأنشطة المهيكلة مستقبلا.
يجمع المهنيون والفاعلون المهتمون بالشأن البيئي على كون الإشكالات التي تتهدد الصحة العامة ومن خلالها البيئة هي متعددة العناوين، وبالأخص تدبير النفايات، وهي القضايا التي يجب التعامل معها بجدية أكبر، على اعتبار أن البيئة والصحة هي مجموع حلقات مترابطة في ما بينها لا يمكن معالجتها إلا من خلال مقاربة شمولية، تشمل أطراف محلية من ساكنة وجماعات محلية ومؤسسات متخصصة وتعاونيات اقتصادية ومنظمات دولية. لذلك تم إرساء يوم في سنة 1994 بالولايات المتحدة لإعادة التدوير، والذي أخذ فيما بعد يُحتفل به عالميا بهدف التشجيع على استهلاك المنتجات المصنعة انطلاقا من المواد المعاد تدويرها.
وبالتالي يبقى السؤال مطروحا: متى سيتم الاحتفال بيوم عالمي لعمال المتلاشيات كأبطال فعليين للبيئة والمناخ والأرض؟