نُظم GIS والبيئة.. تطبيقات مميزة لنظم المعلومات الجغرافية في مجال رعاية البيئة؟
تأتي أهمية سؤال "أين" التي يُمكن لنظم المعلومات الجغرافية أن تجيب عنها بشكل ذكي بحيث تضطرنا أولًا للإجابة عن سؤال: "أين المُشكلة" ثم "أين تحتد المُشكلة" و"لماذا تحتد المُشكلة في ذلك الموقع بالذات"؟ وهو ما يُسميه روّاد الـ GIS بـ whys of where وهو يبحث عن الأسباب والعِلل التي جعلت الأشياء حيث هي، فما السبب في ارتفاع نسبة مرضى السرطان حول خليج حيفا مثلا؟ وما السبب الذي يجعلنا نقرر أن لا نقيم مكب نفايات في مكان ونترك غيره؟ وما الذي يجعل منطقة الجبيهة في عمّان أفضل من غيرها لمشاريع حصاد مياه الأمطار؟ كُل هذه الأسئلة نستعرضها في المقالة التالية.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
في الكثير من الدراسات والتقارير البيئية ننشغل بالبحث عن إجابات لأسئلة "ماذا" و"لماذا" و"كيف" ولا نتعمق كثيرًا في السؤال الأهم "أين" الذي ينبغي أن يُدلنا على الخطوة الأولى لحل المُعضلة، فشتّان شتّان بين الرصد العام لظاهرة النفايات المنتشرة على أطراف الطرقات الذي يكتفي عادة إما بشجب الظاهرة أو بالحديث عن أسبابها، وفي أفضل الأحوال عن طرح عام لكيفية حلها وهو ما ينتهي عادة بعدم القيام بأي شيء.
هُنا تأتي أهمية سؤال "أين" التي يُمكن لنظم المعلومات الجغرافية أن تجيب عنها بشكل ذكي بحيث تضطرنا أولًا للإجابة عن سؤال: "أين المُشكلة" ثم "أين تحتد المُشكلة" و"لماذا تحتد المُشكلة في ذلك الموقع بالذات"؟ وهو ما يُسميه روّاد الـ GIS بـ whys of where وهو يبحث عن الأسباب والعِلل التي جعلت الأشياء حيث هي، فما السبب في ارتفاع نسبة مرضى السرطان حول خليج حيفا مثلا؟ وما السبب الذي يجعلنا نقرر أن لا نقيم مكب نفايات في مكان ونترك غيره؟ وما الذي يجعل منطقة الجبيهة في عمّان أفضل من غيرها لمشاريع حصاد مياه الأمطار؟ كُل هذه الأسئلة نستعرضها في المقالة التالية.
هل حصاد مياه الأمطار.. مُجدٍ؟
مجال حصاد مياه الأمطار ليس جديدًا، ورُبما هو من أقدم "التقنيات" التي عرفها البشر. واليوم، مع الاستهلاك المُفرط لموارد المياه ومع تزايد العُمران بشكل لم يسبق له مثيل؛ فإن الاهتمام بحصاد مياه الأمطار بات ضرورة مُلحة، ليس من أجل الاستفادة منها كمياه شُرب، ولكن للاستفادة منها في تخفيف وطأة الفيضانات في المواسم المطيرة. ولدراسة أثر ومدى فعالية أنظمة حصاد مياه الأمطار فإن نُظم الـ GIS تمكن الباحث من حساب مساحات أسطح البيوت باستخدام أدوات ArcGIS من خلال الصور الجويّة باستخدام Google earth بشكل سريع وبسيط نسبيًا.. ومع مُعطيات كميّة مياه الأمطار يُمكن حساب كميّة المياه التي يُمكن جمعها من منطقة معينة، وقد قام بذلك مجموعة من الباحثين في الأردن وتوصلوا في بحثهم إلى أنه بالإمكان حصد ما بين نص مليون متر مكعب إلى أكثر من مليون متر مكعب من منطقة الجبيهة وشفا بدران في عمان من أسطح المنازل فقط خلال العام.. وبالتالي فإن هذه الكميّات تؤكد أن الاستفادة من هذه الكميّات هي ضرورة مُلحة في بلد فقير للمياه مثل الأردن.
صور من الدراسة: حساب كميّة الأمطار من أسطح المنازل
الإدارة الذكيّة للنفايات
من عالم توفير المياه والبحث عن موارد مميزة، فإن نُظم الـ GIS يُمكن أن تساهم كذلك في توفير الوقود الذي تستهلكه شاحنات جمع الوقود وذلك من خلال تطوير خوارزمية algorithms للبحث عن أفضل الطُرق التي يُمكن للشاحنات اتخاذها خلال عمليّة الجمع، بدلًا من أن تكون الطُرق عشوائية، وهناك دراسات كثيرة تجري في هذا المجال وإحدى هذه الدراسات أُجريت على إحدى المُدن الكُبرى في الهند (Kanpur)، وتوصل الباحثون في الدراسة إلى أنه بالإمكان توفير حوالي 30% من الكيلومترات التي كانت الشاحنة تقطعها في الحالة التقليدية ودون استخدام الأدوات التحليلية في برنامج ArcGIS لحساب الطرق المُثلى، وبحسب أحد الجداول المنشورة في الدراسة فإن المسافة التي تم توفيرها هي 69 كيلومتر في المُجمل، وهذا يعني أن الشاحنة ستسير لمسافة أقل وبالتالي تستهلك وقود أقل والمسألة لا تتوقف هنا، فإن هذا قد يعني أنه بالإمكان مستقبلًا استخدام هذه النُظم في التخفيف من وطأة الازدحامات التي تسببها شاحنات جمع النفايات.
قائمة المسافات التي يُمكن للخوارزمية توفيرها خلال عمليّة جمع النفايات
بعيدًا عن الهند، في الضفّة الغربية وقطاع غزة إن نُظم المعلومات الجغرافية GIS تستخدم من قِبل الباحثين في مجال إدارة النفايات لبحث أفضل المواقع لإنشاء مكبات النفايات بحيث يتم التخفيف من أثرها البيئي وهي مسألة ليست سهلة وغالبًا ما يتم التعامل مع الموضوع بشكل عشوائي، حيث مُعظم مواقع مكبات النفايات في فلسطين يتم اختيارها بشكل عشوائي كما يُشير الباحثين ابراهيم محاميد وسالم ثوابة. هذا عدا عن أن معظم النفايات في المكبات تُحرق ولا تُعالج بشكل صحي مما يضاعف من أثرها السلبي على الإنسان والبيئة، وبالتالي فإن الدراسة التي قاما بها تتمحور حول استخدام نُظم GIS كأداة مُساعدة في اتخاذ القرار حول أفضل المواقع لمكب نفايات في منطقة رام الله، أما عن كيفية ذلك فإن البحث يعتمد على عدد ضخم من البيانات تتعلق باستعمالات الأراضي، شبكة الطُرق، موارد المياه الجوفية والسطحية وغيرها من البيانات المُتعلقة بالتواجد السكاني في المنطقة والجهات المسؤولة عن المنطقة (A B C) وبعد ذلك، يتم استخدام الأدوات التحليلية مثل Buffer لتجنب المناطق التي تقع بالقرب من العناصر التي لا ينبغي أن توجد مكبات نفايات تبعد أقل من 2 كيلومتر عن الآبار أو 1 كيلومتر عن القرى والمحميات الطبيعية، ثم تقدم النُظم مجموعة اقتراحات لمواقع معينة للجهات المعنية تساعدهم في اتخاذ القرار الأنسب.
صورة من الدراسة: مواقع ممكنة لمكبات نفايات في منطقة رام الله
التلوث والسرطان.. في خليج حيفا
لأن استخدام النظم الجغرافية لا يقتصر على مجال المياه والنفايات، فإن هذه النُظم تساعد في بحث العلاقة بين التلوث وانتشار الأمراض في مكان ما، كالأمراض المتعلقة بتلوث المياه أو حتى المتعلقة بتلوث الهواء، ولعل أحد أهم وأخطر المناطق التي تتعرض للتلوث بشكل مستمر هي مدينة حيفا، وقد نشر موقع صحيفة يديعوت أحرونوت مقالة مثيرة تكشف كيف قام فريق من الباحثين بجامعة حيفا بإعداد خارطة للتوزيع الجُغرافي لمرضى السرطان في منطقة خليج حيفا حيث تكثر الصناعات الإسرائيلية وعلى رأسها مصنع تكرير النفط المشهور بإسم "بازان"، وهو من أكثر المصانع تلويثًا بالأخص بسبب انبعاث مادة البنزول المعروفة بأنها مُسرطنة، وهي الرائحة التي نُشمها عندما ندخل محطة الوقود.
في المقالة يدور الحديث عن "شارع السرطان" وهو شارع "جادة دجانيا" في منطقة "كريات حاييم" المأهول بالسكان ونسبة عالية من سكانه مُصابة بمرض السرطان، كما أنه مُجاور لمصانع "تكرير النفط" التي تنفي بشكل متواصل أن يكون لها علاقة بمرض هؤلاء "الجيران" وتزعم أنها تعمل وفق أفضل المعايير، وأنها من أفضل الشركات الراعية للبيئة، إلا أن الخريطة التي تم إعدادها بمُساعدة نظم المعلومات الجغرافية GIS، تكشف أن الإصابة بمرض السرطان بين الأشخاص المقيمين في محيط مصانع خليج حيفا أعلى بثلاثة أضعاف من غيرها من المناطق.
صورة: خريطة التوزيع الجغرافي لخطورة الإصابة بمرض السرطان في محيط مصانع خليج حيفا كما نشرت في موقع واينت.
ختامًا، فإن تطبيقات نُظم المعلومات الجغرافية في مجال رعاية البيئة أكبر من أن يستوعبها تقرير أو مقالة. فكُل قضيّة بيئية يُمكن التفكير فيها، يُمكن كذلك مُعالجتها من خلال هذه الخرائط سواء من خلال إعداد خرائط ذكية كخرائط التوزيع الجغرافي لموارد المياه أو حتى للتنوع البيولوجي في منطقة معينة في فترات زمنية مختلفة، أو حتى للتلوث، وكذلك من خلال حثّ المواطنين على المساهمة بما لديهم من بيانات أو حتى في جمع البيانات من خلال هواتفهم المحمولة كما يحدث في الدراسات المتعلقة بدراسة التلوث الصوتي "الضجيج" في المدن، أو حتى من خلال مساهمة المواطنين في التبليغ عن أماكن مكبات النفايات العشوائية، كي تتمكن الجهات المعنية برصد الظاهرة بشكل أدق، ومُحاولة القيام بالخطوات المُلائمة والمدروسة بعيدًا عن العشوائية.