خاطب بعض المزارعين الفلسطينيين رئيس الوزراء لإنقاذ واقعهم الزراعي البائس والاختناقات التسويقة الكبيرة التي يعانون منها، لكن وزير الزراعة يُعلّق على مراسلاتهم بأن الأسعار جيدة في الأسواق، والأرباح عالية، ويجري ضبط المنتجات الزراعية. وتطمئن الوزارة بأن لا خسائر فادحة كما يشاع، وتسعى إلى توجيه المزارعين لما يزرع. وفي المقابل نجد بضائع زراعية إسرائيلية كثيرة في الأسواق الفلسطينية؛ علما أن التاجر الوسيط هو المستفيد من أرباح الخضراوات، فيما يدفع الثمن المزارع والمستهلك. بعض التقديرات تشير إلى احتمالية تراجع المساحات الزراعية بشكل كبير إذا بقيت المعادلة على هذا الحال، وبخاصة أن العديد من المزارعين يعانون من الديون الضخمة المتراكمة لتجار المواد الزراعية والتي لا يستطيعون سدادها بالكامل. يعتقد البعض بأن الحل للوضع الراهن يكمن في التوجه نحو زراعات جديدة، وسد احتياجات السوق من الفاكهة التي يتم استيراد 90% منها، الأمر الذي يعني أسعارًا مرتفعة طوال العام. يضاف إلى ذلك ردّ الاعتبار للصناعات التحويلية كالتعليب والتجفيف والتبريد، ما يصب في تشغيل الأيدي العاملة، وتمكين النساء اقتصادياً، الأمر الذي يجنب السوق حالة الكساد، ويخلق توازناً في الأسعار.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
كساد محصول القرنبيط |
لخص المزارع عبد الناصر عبد الرازق واقع المزارعين على خلفية انخفاض الأسعار الحاد بالقول "إننا في غرفة الإنعاش"، فالبضائع تتكدس في الأسواق، والبطاطا والبصل والجزر بأسعار متدنية جدًا، والوزارة لا تتدخل لتغيير هذا الحال.
وقال: "خاطبنا رئيس الوزراء لإنقاذنا، لكن وزير الزراعة يُعلّق على مراسلاتنا بأن الأسعار جيدة في الأسواق، والأرباح عالية، ويجري ضبط المنتجات الزراعية".
وتابع عبد الرازق بأن معظم المساحات الحالية مزروعة بالبصل والبطاطا والجزر والبندورة التي تباع بأبخس الأثمان، وكذلك يواجه البطيخ والشمام خسائرَ فادحة في السنوات الماضية.
وأضاف: "لا يجري تصدير المنتجات إلى الخارج، وللأسف نجد بضائع إسرائيلية في الأسواق بالرغم من منع وزارة الزراعة لها، كما تطلب منا وزارة الزراعة تصاريح لنقل بضائعنا إلى داخل السوق المحلي".
وتوقع عبد الرازق أن تتراجع المساحات الزراعية بشكل كبير إذا بقيت المعادلة على هذا الحال، وخاصة أن قدرة المزارعين تراجعت فيما يتعلق بسداد الديون، وتراكمت عليهم مبالغ ضخمة لتجار المواد الزراعية، وسيتراجع الإنتاج الزراعي بشكل دراماتيكي.

محصول الخيار الكاسد تحول إلى علف للأغنام
اختناقات تسويقية
وبحسب وكيل وزارة الزراعة، عبد الله لحلوح، فإن الفترة الراهنة هي ذروة الإنتاج وخاصة في البيوت المحمية، والحقول المكشوفة، والعروة الخريفية كما البطاطا والبصل.
وقال: "التسويق المرحلة الأخيرة في سلسلة الإنتاج، وفلسطين ليست وحدها التي تعاني اختناقات تسويقية، ففي الأردن مثلاً يقول المستهلكون إن الأسعار مرتفعة، ويرد المزارعون بأنها منخفضة".
ووفق لحلوح، تهدف الخطة الإستراتيجية للقطاع الزراعي إلى الانتقال من النمط التقليدي إلى نظيره الحديث، والتنويع في المحاصيل التي تتواءم ومتطلبات الأسواق المحلية والخارجية، والتركيز على المحاصيل التي تتمتع بميزة نسبية في استغلال الموارد الطبيعية من الأرض والمياه والعمالة.
تسعى الوزارة، كما يشير لحلوح، إلى تنمية وتطوير العملية التسويقية وتقنيات ما بعد الحصاد، وإدخال "نمط محصولي حديث" من خلال إحلال العديد من المنتجات الزراعية ذات الميزة النسبية، المطلوبة محليا وخارجيًا.
وتابع: "توسعنا بزراعة الجزر، وأصناف البصل، والتوت الأرضي، والأعشاب الطبية، والفراولة المُعلقة، والبطاطا الصناعية، والخيار "البيبي"، وفي البستنة الشجرية ندخل الأفوكادو، والمانجا، والجوافة، والليتشي، والعنب اللابذري، والمشمش والكرز".
ولفت إلى دعم وزارته للجمعيات الزراعية لتتولى عملية التسويق الجماعي، وأيضا تطوير البنية التحية، ومراكز التعبئة، والتغليف، والتدريج، والتصنيع الزراعي، والتبريد، وفتح آفاق من خلال وزارة الزراعة للعديد من الأسواق العربية والأوربية لتسهيل الصادرات.
أسواق خارجية
وأكد لحلوح أن السلع الزراعية أصبحت من أوائل الصادرات، بدليل شهادات المنشأ الزراعية التي تصدر عن الغرف التجارية، ووزارة الاقتصاد الوطني التي تستحوذ نسبة لا تقل عن 60%، فيما تصدر الوزارة 60 سلعة زراعية إلى 100 دولة في العالم، بالرغم من تحكم الاحتلال بالموارد والمعابر، وحصار غزة.
ومضى يقول: "يحاول الاحتلال ضرب اقتصادنا الزراعي، وإغراق أسواقنا، وقد تنبهنا لذلك، بدليل إصدار الوزير قرارات بمنع دخول السلع المتوفرة لدينا بالتنسيق مع وزارة الاقتصاد، والضابطة الجمركية، والأجهزة الأمنية الاقتصادية، فمثلاً البصل والبندورة، والزيت، والتمر المجهول الذي يزرع في المستوطنات تُحظر جميعها على مدار السنة".
تخطيط تأشيري
وحول سياسة الوزارة تجاه الإنتاج الزراعي، أشار لحلوح إلى أن لديهم نظام سوق حر يحدد العرض والطلب، وهناك حريّة في اختيار الأصناف الزراعية مع التركيز على أنواع جديدة كالبروكلي، والأناناس.
وأكد وكيل "الزراعة": في الأول من آذار ألقى مزارعون في طوباس بمحصول البطاطا أمام مديرية الزراعة، كان ثمن الصندوق البطاطا (بين 27-35 شيقلًا)، وتتوفر لدينا فواتير أسواق الخضروات التي تثبت هذه الأسعار، وعادة يتعرض المزارعون لخسارة إذا ما باعوا الصندوق الواحد بأقل من ( 15 شيقلاً). فقرة غير مفهومة و غير سلسة
وأنهى لحلوح: "في وضعنا، لا نستطيع إجبار المزارعين على نمط محصولي إلزامي، وحتى الدول التي كانت تلزم بالتنميط فشلت، وحدث هذا في مصر إبان الثمانينات، وأدى لخسائر فادحة، وإذا ما سعينا إلى تبني التنميط، لن ننجح".

مزارعون فلسطينيون كثيرون يعانون من كساد محاصيلهم
الفاكهة حل
عزا مدير جمعية الإغاثة الزراعية في محافظات الشمال محمد جرادات أسباب كساد الخضراوات إلى التغير في الأحوال الجوية، الذي ضاعف كميات الإنتاج، مع غياب التخطيط، وعدم تحديد المساحات، فإذا ارتفعت أسعار البندورة لفترة تتوسع زراعتها، لوجود أرباح جيدة.
وأضاف بأن المساحات والإنتاج لا يتناسبان مع حجم السوق، الأمر الذي يتطلب تدخلا حكوميًا، وتحديداً للمساحات، وضبطاً للمعابر والحدود؛ لمنع التهريب من المستوطنات ومن داخل الخط الأخضر.
وتابع جرادات: "الحل للوضع الراهن، التوجه نحو زراعات جديدة، وسد احتياجات السوق من الفاكهة التي نستورد 90% منها، فيما تتم زراعتها على نطاق محدود، الأمر الذي يعني أسعارًا مرتفعة طوال العام".
وذكر جرادات أن جمعيته تعمل على تنفيذ مشاهدات لإدخال أصناف جديدة لسد هذه الفجوة، حيث تم إدخال العنب اللابذري إلى سهل البقيعة، وتم دعم إعادة إنتاج الحمضيات في الأغوار الشمالية بنحو 80 مشاهدة، ومضاعفة زراعة الأفوكادو في قلقيلية وطولكرم، مع الأخذ بعين الاعتبار المناخ السائد في كل منطقة.
وأكد جرادات أن التاجر الوسيط هو المستفيد من أرباح الخضراوات، فيما يدفع الثمن المزارع والمستهلك.
حرارة و"موضة"
وقال منسق مركز العمل التنموي (معًا) في جنين، حسن أبو الرب إن الارتفاع في درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، قياسًا بالسنوات الماضية أدى إلى غزارة الإنتاج بنسب كبيرة.
وأضاف: "يحتاج الأمر إلى تنظيم القطاع الزراعي، وتدّخل وزارة الزراعة، لكن ما يحصل للأسف أننا نسمع كل فترة عن "موضة" جديدة لمحصول ما، فمثلًا "خيار البيبي" بدأت تعمل في إطاره مؤسسات عديدة، وزادت المساحات المزروعة به عن 1500 دونم في محافظة جنين وحدها، لكن الإنتاج يذهب إلى مصانع إسرائيلية، وإذا ما أغلق الاحتلال الحواجز أمام هذا المحصول وغيره، فإن المزارعين سيتكبدون خسائر فادحة."
تذبذب قاتل
وقال عضو الأمانة لاتحاد الفلاحين جمال خورشيد، إن بعض الأصناف تشهد اليوم ذروة في الإنتاج، وهذا يتطلب إعادة تنظيم المساحات والمحاصيل بالتنسيق بين المزارعين والوزارة، فالهدف زراعة وبيع المحصول وإرشاد المزارعين، فمثلًا الخيار، وفق خورشيد، قبل ثلاثة أسابيع لم يجد من يشتريه فأتلفه أصحابه، لكنه اليوم ارتفع ليصل إلى نحو 100 شيقل للصندوق.
وأشار إلى أن التذبذب في الأسعار يقتل المزارع والمستهلك معًا، وهذا الحال يحتاج إلى توازن، وإتباع دورة زراعية، وتحديد المساحات في كل المواسم والعروات، وخاصة الفترة الربيعية.
وتابع خورشيد: "نحتاج إلى صناعات تحويلية لإنقاذ الموسم، فالبندورة تظل طوال ثلاثة أشهر في السنة دون سعر التكلفة، وكمثال: دعم المركز الفلسطيني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وحدات إنتاج لجمعيات كفر لاقف وباقة الشرقية وشوفة لمعجون البندورة، وتم إنتاج وتسويق عشرات الأطنان منها دون مواد حافظة".
وأكد أنه خلال الشتاء لا تجد الزهرة (القرنبيط) غالبًا من يشتريها، وأحيانًا تٌباع حمولة سيارة الملوخية بمبلغ بسيط، وفي بعض الأوقات يصل الكيلو الواحد إلى15 شيقلاً، ولا توجد صناعات تحويلية لتجفيفها وإعادة تسويقها لتعويض فترات الكساد.

مزارعون فلسطينيون يلقون أرضا محصول البندورة احتجاجا على رخص أسعارها وخسائرهم الكبيرة
صناعات تحويلية
ووفق خورشيد، فإن الحل ردّ الاعتبار للصناعات التحويلية كالتعليب والتجفيف والتبريد، ما يصب في تشغيل الأيدي العاملة، وتمكين النساء اقتصادياً، الأمر الذي يجنب السوق حالة الكساد، ويخلق توازناً في الأسعار.
وأضاف: "الحل عقد اتفاقيات تعاون مع الدول الشقيقة والصديقة لتصدير منتجات زراعية في أوقات الذروة، وتنسيق المحاصيل وفق الرزنامة الزراعية العالمية، فمثلاً بدل "كب البندورة" في السوق المحلي يمكن تصديرها لدول لا تنتجها أو يكون الإنتاج فيها شحيحًا جدًا".
وتابع عضو الأمانة العامة لاتحاد الفلاحين، وهو مساعد الأمين العام لاتحاد الفلاحين العرب: "في ذروة الإنتاج يتوجب حماية المحاصيل، ومنع الاستيراد بأي شكل، وضبط عمليات التهريب، وكمثال يمنع الأردن إدخال أي لتر زيت من جانبنا بعد انتهاء فترة السماح؛ لحماية منتجهم."
ويرى خورشيد أن الثقافة الوطنية يجب أن تكون سائدة لدى المستهلكين، عبر الامتناع عن شراء منتجات زراعية غير فلسطينية، ما يدعم الفلاحين، ويحمي منتجاتهم.
aabdkh@yahoo.com