خاص بآفاق البيئة والتنمية
عمر منصور يعتني بمزروعاته على سطح منزله
بدأ الخمسيني عمر منصور منذ أربع سنوات بتدشين حديقة على سطح منزله، وسط مخيم الفارعة القريب من طوباس، وراح يمارس هوايته وشغفه للعمل في الزراعة والاقتراب من الأرض، وصار بعض الأهالي يتأثرون بتجربته.
يقول: "للأسف خسر والدي وأجدادي كل أرضنا خلال نكبة عام 1948، واليوم لا أمتلك أي متر من الأرض، فأنا لاجئ أسكن المخيم، وجاءت فكرتي للتعويض عن الأرض باستخدام السطوح".
التنويع الزراعي على سطح عمر منصور
تدوير وبستان
وأضاف: "ما أزرعه بسيط جدًا، فأعيد استعمال الأواني البلاستيكية المستخدمة، والعبوات والعلب الفارغة، وأوعية الزيت بدلًا من رميها في حاويات القمامة، فأزرع الورود والبصل، والثوم، والزعتر، والشومر، والبقدونس، والنعناع، والخس، والفلفل، والملوخية والفراولة، والأهم أوفر لعائلتي جزءًا من غذائها".
وزاد منصور الذي أبصر النور عام 1964: "أهتم جدًا بهذه التجربة المتواضعة، أتمنى بتوسعتها ونشرها وتعميمها في المخيم، وقد عملت أيضًا على زراعة بعض الأشجار والورود على مدخل بيتي في الفارعة، بالرغم من ضيق المساحات. والمهم أنني أشعر بالغبطة عندما اسمع تعليقات محفزة من المارة، وقد بدأ الكثيرون باستنساخ الفكرة وزراعة الأشجار على مداخل منازلهم، وقد يكون لتجربتي الأثر في ذلك".
التنويع الزراعي في الوعاء الواحد على سطح منزل عمر منصور
أم الزينات: كلمة السرّ
وينحدر منصور من أسرة فلاحية بامتياز، سكنت في قرية أم الزينات المجاورة لحيفا وجبل الكرمل، وحسب ما حدثه به والده وجدّه فقد كانوا يمتلكون مئات الدونمات، ومن تلك الذكريات، تعلّم منصور عشق الأرض وحبها.
وتابع: "حفظنا أسماء الأراضي التي لم نعرفها كالبطيحي، وجورة البير، وذراع نجم، والحج حسن، وهي القطع التي امتلكها الأجداد، فيما كان والدي حريصًا جدًا على زيارة أم الزينات، واصطحبنا معه كلما سنحت الفرصة، وعرّفنا على تفاصيل مسقط رأسه".
يواصل: "عرفنا أن أم الزينات قد اشتهرت بزراعة الزيتون، والتين، والحبوب، والبقوليات، والخضار البعلية، وكانت بلد الخيرات".
وبحسب منصور الأب لسبعة أبناء فقد عمل والده في شبابه، وبعد أن أصبح طالبًا في حيفا بدأت مداركه تتفتح، وبدأ مع إخوته بزراعة ٢٠ دونمًا بالبندورة، وكانوا يسوقونها في حيفا، وهذا لم يكن مألوفا لدى فلاحي أم الزينات، واستطاعوا كسب المال الذي غطى تكاليف دراستهم في المدينة، وكان كل هذا يتم دون علم والدهم وجدهم.
الزراعة على سطح عمر منصور باستعمال العبوات والأوعية المستخدمة
استيطان وزحف عمراني
بسبب الاستيطان، يقول منصور، تأثرت الزراعة الفلسطينية عدا الاحتلال بسبب عوامل ذاتية من أهمها انصراف الشباب عن الأرض، وتوسع الزحف العمراني نحو الأراضي الزراعية.
وقال: "أتألم عندما أرى الكتل الإسمنتية تغزو سهل مرج بن عامر وغيره من السهول، في الوقت الذي بالإمكان استخدام المناطق الصخرية والجبلية".
وأضاف منصور الموظف في الإغاثة الطبية منذ ٢٨ عامًا: "عملت في العديد من العيادات الطبية في الجفتلك، وميثلون، والزبابدة وفي كل مكان خدمت فيه، كنت أستغل المساحة المحيطة، وأغرسها بالأشجار، ولا زالت آثارها حتى اليوم، وأسعد كلما أتذكر ذلك".
الزراعة على سطح منزل عمر منصور من خلال إعادة استعمال الأواني والعبوات المستخدمة
كيماويات واقتصاد مُقاوم
ومن وجهة نظر منصور، أصبحت الزراعة اليوم تجارية، وانتشر الاستخدام المفرط للكيماويات والهرمونات دون أي وازع أخلاقي وبلا رقابة من الجهات المختصة، ما يشكل خطرًا على صحة الناس.
ويتذكر منصور زراعته للملوخية قبل بضع سنوات على السطح بدون مدخلات كيماوية، وعندما أكل منها والده -رحمه الله- قال له بالحرف الواحد: "لم أذق مثل هذه الملوخية منذ سنوات طويلة".
وأكد منصور أن الاقتصاد المقاوم قضية مهمة وخصوصًا عند امتلاك القليل من الأرض، ويتألم كثيرًا كلما مرّ من حدائق منزلية أو أراضٍ مهملة وغير مزروعة قرب المنازل، ويتمنى لو يتمكن من زراعة هذه الأراضي وتحويلها إلى جنان.
وأنهى: "للزراعة على السطوح وفي الحدائق جانب جمالي، ويكفي أن نتخيل المشهد لو أن كل مواطن زرع شجرة أمام منزله أو زهرة على شرفة بيته، أو خضروات على سطحه. وعندها سنحصل أيضًا على الراحة النفسية جراء ممارسة الزراعة، وقطف الثمار، والتمتع بمنظرها اللافت".
زراعة المحاصيل الورقية على سطح عمر منصور
aabdkh@yahoo.com