خاص بآفاق البيئة والتنمية
أقامت الغرفة التجارية الصناعية الزراعية ومحافظة طوباس والأغوار الشمالية وعدة هيئات أخرى معرض ومهرجان طوباس والأغوار الشمالية الثاني (هنا باقون) في قربة بردلة في الثالث والرابع عشر من آذار الماضي.
تسبق انطلاقة الافتتاح نحو عشر كلمات خطابية طويلة، تدمج السياسة بالتنمية، والزراعة بالبيئة، والشعارات بالأهداف، فيما تهطل بعد وقت قصير زخات متفرقة من المطر بعد طول انحباس، تسبقها مسيرة لافتات لبضعة شبان يحملون لافتات وشعارات بيئية تتحدث عن نهب الاحتلال لمياه الأغوار، نظمتها سلطة المياه، والمفارقة إن بعض الشعارات وقعت باسم مركز يعنى بالترويج لقضايا الديمقراطية، وسبق أن نظم نشاطات حول السلم الأهلي!
جولة
بعدها، تجولت "آفاق البيئة والتنمية" في ردهات المعرض، ورصدت الكثير من المشاهدات والمحاولات، وسجلت آراءً لمواطنين ومزارعين ومبادرين.
تنثر ربيحة نوري بني عودة الناشطة في المركز النسوي الاجتماعي بطمون، وهي تقدم للزائرين عينة من منتجات تراثية ومصنوعات غذائية لعشرات المتطوعات، همومها، فتقول: إن الأشغال اليدوية في طوباس والأغوار تعاني مشكلة التسويق، التي تقصم ظهرها، ولا تشفع لها المعارض في الحصول على زبائن، فيما تواجه النساء أوضاعاً اقتصادية صعبة.
تتابع: لولا جهودنا الذاتية في تسويق ما تصنعه أيدينا من مأكولات تراثية، وفواكه مجففة، وخضروات مخللة، وأجبان وألبان، والعمل على تلبية طلب الزبائن لصنع مأكولات للأفراح والمناسبات المختلفة، لتوقفنا عن العمل، ولم نستطع الصمود، أو أصبنا بالإحباط.
وتدون بني عودة على ورقة بيضاء بخط أزرق ما باعته، وتقول بوجه حزين: إنها غير كافية في معرض زاره آلاف المواطنين، لكنها تواسي نفسها، وتردد: الموضوع كله فرصة للتعريف بنا وبجهودنا الذاتية، وعدم انتظارنا للتمويل والتسويق الخارجي، الذي قد لا نراه.
الصغيرة وعد فقهاء ترتدي الزي الطوباسي الشعبي في مهرجان هنا باقون في الأغوار الشمالية
زي طوباسي
أخذت ملامح البشاشة تشق طريقها إلى وجه الصغيرة وعد عبد الله فقهاء (14 عاماً) بما ارتدته من زي شعبي لمنطقة طوباس والأغوار، تقول: أعجب هذا الزي الطوباسي كل الزائرين الذين قابلتهم، لكنه لا يدخل إلى قلوب كل زميلاتي في المدرسة.
وجدت وعد في معرض "هنا باقون" فرصة جيدة لتذكير الناس بتراثها ولباس جداتها. وحصلت على الزي الذي يسبق عمر دولة الاحتلال من إحدى قريباتها في قرية عين البيضاء، وهو ثوب مؤلف من ست قطع، هي اليانس ( الذي يشبه المنديل)، والعصبة الخضراء، والمخمل (الثوب الأساسي) والمردن ( أعلى الثوب)، والزنار، والسروال.
تقول: المُخمل هو ما يتغير، وكل امرأة تختار اللون الذي يناسبها، وأذهب بهذا الثوب إلى المدرسة والأفراح، وأنا اليوم في معرض بردلة، وقد صورني الكثير من الزوار، وطلبت بعض النساء أن أقف بجانبهن لالتقاط صورة.
الحاج سامي صادق فوق كرسي الإعاقة يعرض منتجات قريته الصغيرة جدا العقبة والمهددة بالاقتلاع من قبل الاحتلال
كفاح
بدوره يسرد رئيس مجلس قروي العقبة الحاج سامي صادق من فوق كرسي الإعاقة: نحاول فعل شيء، ونعرض اليوم في بردلة الكثير من الأعشاب الطبية المجففة والمعلبة، والألبان، والأجبان، ونأمل أن نتمكن من تصدير بضائعنا إلى الولايات المتحدة ودول الخليج.
يتابع: صحيح أن الاحتلال وزع إخطارات هدم 95% من منازل التجمع الذي يسكنه 300 مواطن، بعد أن هجّرت إجراءات الاحتلال 700 آخرين، لكنه لم يهزمنا، ولم يمنعنا من خلق فرص عمل في الأغوار؛ لتثبيت أهلها فوق أرضها.
ويؤكد الحاج سامي، الذي أصابته ثلاث طلقات من العيار الثقيل من مسافة بعيدة في حزيران 1971، وحكمت عليه بالعيش مع رصاصة تستوطن المنطقة القريبة من قلبه وجعلت جسده رهينة لكرسي متحرك، ورغم ذلك يقول، إنه سعيد بإصابته، ليتذكر الاحتلال الذي لا يريد السلام من جهة، وليواصل النضال من أجل تعرية الاحتلال في العالم.
بدأت معركة صادق مع الاحتلال حين هجر أهل قريته، وأعلن العقبة منطقة عسكرية، وأحاطها بمعسكرات: كوبرا (1)، وكوبرا ( 2)، وتسيدفيع، (تعني بالعربية المُتلون)، لكنه رفع قضية في ما تسمى "المحكمة العليا الإسرائيلية"، وبدأ يعمل لإعادة بناء بيوت قريته من جديد.
ويتوزع قرابة 300 مواطن على 45 بيتاً حصلت كلها على إنذارات بالهدم، بدعوى البناء دون ترخيص،. فيما يعيش من هجّرهم الاحتلال وعددهم قرابة 700، في بلدة تياسير ونابلس والأردن.
وأصبح الحاج صادق، المولود صيف عام 1955، رمزاً لصمود العقبة، مثلما نقل معاركها القضائية ونضال أهلها إلى الكونغرس الأمريكي، ووزارة الخارجية في واشنطن، و11 ولاية أمريكية، ومقاطعات في إيطاليا، حين زارها، وشرح لأعضائها ولشبان وطلبة جامعات معنى السلام على طريقة الاحتلال.
وأسس ثلاث جمعيات أهلية في قريته التي تمتد على 3500 دونم معظمها مصادرة، وتصنف "منطقة عسكرية مغلقة": واحدة للمرأة، وأخرى للمهجرين وإعادتهم، وثالثة للمرأة الريفية، وشيّد مئذنة للمسجد تحمل شارة للنصر، هي الأولى من نوعها.
يقول: في اليوم الذي انتصرنا فيه على معسكر "تسيدفيع"، قررنا بناء مئذنة تحمل شارة النصر، وأجمل لحظة أعيشها رغم الرصاصة التي تقبع في جسدي، وأخي خالد المفقود منذ عام 1984 بين الحدود التركية-السورية، يوم تفكيك المعسكر، وأنا اليوم هنا في معرض بردلة أتحدث عن صناعاتنا ومقاومتنا التي لن تتوقف.
الصحافي عاطف أبو الرب يعرض صوره التي توثق اعتداءات وجرائم الاحتلال ضد مواطني الأغوار
عدسة
فيما عرض الصحافي الذي يوثق اعتداءات الاحتلال على مواطني الأغوار عاطف أبو الرب، في ركن بالمعرض صيد عدسته، يقول: كل ركن بالمهرجان يقدم رسالة تسويقية تتحدث عن منتجات وسلع وخضار، ولكنني الوحيد الذي أعرض أربعين صورة تتحدث عن انتهاكات الاحتلال، وتوثق نضال أهل الأغوار وصمودهم.
يضيف: وثقت الحواجز، وهدم المنازل، والترحيل، والأطفال، ومظاهر الحياة، والصمود، بدءاً من العوجا والمالح، ومروراً بالمالح ويرزا، وصولاً إلى عين الميتة وعشرات المناطق التي تشهد صراع بقاء ومقاومة بين المواطنين المسلحين بالإرادة وجنود مدججين بكل الأسلحة الفتاكة.
من المشاهد الملفتة مجموعة من الفتيات يعدن بناء بيت هدمه الاحتلال، وسيدة تصنع الخبز قرب حطام بيتها، وطفل يلهو بجوار بقايا مقتنيات منزل عائلته الذي التهمته أنياب الجرافات الإسرائيلية.
ينهي: استعد لإقامة معرض لتوثيق حياة المواطنين بالأغوار في كل مظاهرها، ولن أكتفي باستعراض عدوان الاحتلال، لأن الفلسطيني لم يأت إلى الأغوار من آخر الدنيا، فهو أحد مكوناتها.
مجموعة "خير"
وفي ركن ثانٍ تعرض شروق دراغمة وهاني بني عودة ونور مساعيد ونائلة دراغمة، أشغالاً يدوية للأعراس، ورسومات وحفر على الخشب، وأعمالاً من الصوف والخرز.
والثلاثة هم أعضاء في مجموعة "خير" الشبابية، التي تنفذ مبادرات مجتمعية في طوباس، وتحاول توفير فرص عمل ذاتية لمنتسبيها.
تقول شروق: وجدنا في مهرجان بردلة مناسبة للتعريف بأشغالنا، وقدمنا رسالة للزوار، فنحن لم نكتف بالبحث عن وظائف بعد تخرجنا، ولكننا أيضاً نُشغل أنفسنا بأنفسنا، ودون تمويل أجنبي، واستطعنا أن نحصد إقبالا معقولاً على أشغالنا، وأظهرنا قدرة على ابتكار شيء جديد.
والمفارقة التي تقدمها شروق ورفاقها إنهم تخرجوا في تخصصات بعيدة عن الرسم والنحت والتصميم والصوف، فهي درست الأدب الإنجليزي، أما بني عودة الذي يتحلق حوله العشرات للرسم على الخشب، فيحمل شهادة رياضيات!
يقول هاني: تخرجت بداية صيف 2012، من جامعة النجاح، وكان رفاقي في الجامعة يصورون دفاتري؛ لخطي الجميل، وكنت أكتب للطلبة لوحات وإعلانات، ودفعتني الحاجة إلى أن استخدم هواياتي للبحث عن تشغيل ذاتي، فبدأت بالحفر على الخشب، ووزعت عملي بين أصدقائي، ثم صرت أنظم معارض في الجامعات، واشتريت ثلاث آلات بسيطة للقص والتفريغ والتركيب، وأنتج اليوم نحو 50 نموذجاً من الخشب.
ووفق بني عودة، فإنه يمضي أحياناً ثلاث ساعات لإنجاز قطعة خشبية واحدة يبيعها بنحو (50) شيقلاً. يقول: المسألة ليست مربحة كثيراً، لكنها فرصة جيدة لأن تبدأ مشروعاً، فاالحاجة أم الاختراع، والصمود يمكن أن يكون بأدوات بسيطة، شرط توفر الإرادة والأمل بالقضية التي نحملها.
يطوع هاني خشب الزيتون والزعرور والبلوط الذي يشتريه من تجار، ولا يقطع بنفسه الأشجار، حفاظاً على البيئة، ويقول: ليت الخامة تتغير عن الخشب.
بذور وسنابل
فيما يروج د. عبد الله العمري، الموظف في المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة، لمحاصيل القمح والبذور البلدية التي انقرضت أو توشك على الانقراض.
يقول: جمعنا ما يقارب 14 صنف قمح بلدي، وثلاثة من الشعير، وهذا يعيد لبلادنا تاريخها المعروف، في أنها كانت مهداً للقمح، ومنها وأدخلنا قرابة 66 نوعاً، وأنقذنا البطيخ الجدوعي وقمح الـهيتية السوداء، والذرة البيضاء، والمكانس، وأدخلنا نبات الدخن العلفي.
يضيف: وفرنا كميات صغيرة ومتفاوتة في الأصناف من قمح الهيتية السوداء، الذي حصلنا عليه من المالح، والهيتية البيضاء من طمون، والصفراء من خربة أبو فلاح والمغير برام الله، وقمح كحلا وانورسي من رام الله، والكحاتات من تياسير، والقمح السوري من سلفيت، وناب الجمل من دير شرف بنابلس، وتوصلنا إلى القمح البري المقاوم للجفاف.
ووفق العمري، فإن قمح الهيتية البيضاء يتحمل الجفاف، ولا يحتاج لأكثر من 250 ملم من المطر، أما الهيتية السوداء فمناسبة للمناطق الجافة.
مفارقة
تفتح حوارا مع غير مزارع يروج لمنتجاته، تبحث عن منتج عضوي واحد، فلا تجده، ومما تسمعه: "الزراعة العضوية كذبة كبيرة"، و" نفحص منتوجاتنا في إسرائيل"، و"نظام الجلوبال جاب به كيماويات أقل ومسموح استخدامه"، و" الناس تأكل خضرواتنا منذ خمسين سنة وما في مشكلة عندها"!