خاص بآفاق البيئة والتنمية
بسبب التغير المناخي صارت النَوّات (جمع نَوّة وتعني الهبوب الشديد للريح) تحدث في غير موسمها، وأصبح الضغط الجوي ينخفض صيفًا، ومن هنا بدأت الأمواج ترتفع في موسم الاصطياف. النَوّات أضحت تتكرر عدة مرات في السنة الواحدة، حتى صار ارتفاع الأمواج في الصيف متكررًا وملحوظًا، ما يعيق دخول الصيادين البحر. توجد حلول هندسية تخفف ارتفاع الموج، مثل إنشاء أماكن استجمام داخل البحر، وكواسر موج موازية للشاطئ تخفف طاقة البحر، لكنها حلول مكلفة للغاية، وتحتاج إمكانيات عالية، وعملًا داخل البحر، وكلها أمور لن يسمح بها الاحتلال، ولا تتناسب مع الوضع الاقتصادي للقطاع.
|
|
الارتفاع المتكرر لأمواج بحر غزة |
"السباحة ممنوعة لعدة أيام"، خبرٌ تكرر مرات عدة في موسم الصيف الحالي في مناطق مختلفة من قطاع غزة، بسبب ارتفاع موج البحر، والمؤسف أن خبرًا آخر تكرر أيضًا، فحواه "حالات وفاة غرقًا".
في موسم الاصطياف الحالي، كان لافتًا كثرة حالات الغرق والوفيات، وارتفاع الموج، ومنع السباحة، ففي الشهرين الأولين من الموسم الذي بدأ الأول من يونيو/ حزيران، زاد عدد الوفيات على عدد وفيات الموسم الماضي كاملاً، الذي توفي فيه غرقًا أربعة مواطنين فقط، بين بداية مايو حتى نهاية أكتوبر.
موجات الحر المتتالية، وانقطاع الكهرباء عن المنازل لساعات طويلة، مع تأخر وصول القناديل إلى البحر، كلها عوامل ساعدت على توجه المواطنين للشاطئ، ورغم تحذيرات الجهات المسؤولة وإعلانها منع السباحة في بعض الأحيان، إلا أن أغلب حالات الغرق حدثت خارج أوقات دوام المنقذين.
ينتشر على امتداد شاطئ القطاع نحو 700 منقذ يتوزعون على 132 برج إنقاذ، يعملون في فترتين بين الثامنة صباحًا والثامنة مساء، ويحول ضعف الإمكانيات دون تغطية بقية ساعات اليوم.
الأمر لا يتوقف عند السباحة، فارتفاع الموج يعيق عمل الصيادين، ويهدد بنقص كميات أسراب الأسماك في البحر لاحقًا.
ومن الجدير بالذكر، أن ارتفاع الموج لا يعني ارتفاع منسوب البحر كما يلتبس الأمر على بعض الناس، إذ يُعرَّف "ارتفاع الموجة" بأنه المسافة بين الحد الأعلى للموجة والحد الأدنى للموجة التي تليها، و"ارتفاع الموج" هو معدل ثُلث أعلى الأمواج في فترة زمنية معينة.
في هذا التقرير، نلقي الضوء على أسباب ارتفاع الأمواج على شاطئ بحر قطاع غزة في الصيف الحالي، ونتائجها.
د. مازن أبو الطيف أستاذ هندسة الشواطئ
"المنع" الحل المُتاح
يقول أستاذ هندسة الشواطئ د. مازن أبو الطيف إن أمواج البحر تكون هادئة وضعيفة صيفًا، ومرتفعة شتاء، وهذا في الوضع الطبيعي، لكن التغيرات المناخية لم تترك الأمر على ما هو عليه.
ويضيف: "منسوب مياه البحر يرتبط بمجموعة من العوامل، منها الضغط الجوي، لذا فإن المستوى يرتفع شتاء، حيث المنخفضات الجوية المتكررة، التي تكون مصحوبة بحركة رياح، وهذه الرياح هي المسؤولة عن توليد الأمواج"، مواصلاً حديثه لــ "آفاق البيئة والتنمية": "بناءً عليه، فإن من الطبيعي أن ترتفع الأمواج في أغلب أيام الشتاء، وأن يكون الصيف هو موسم الاستجمام لسكان قطاع غزة".
ويوضح د. أبو الطيف أنه بسبب التغير المناخي صارت النَوّات (جمع نَوّة وتعني الهبوب الشديد للريح) تحدث في غير موسمها، وأصبح الضغط الجوي ينخفض صيفًا، ومن هنا بدأت الأمواج ترتفع في موسم الاصطياف، وأضحى لزامًا على الجهات المسؤولة تحذير المواطنين.
بحر غزة
ويلفت إلى أن وتيرة حدوث النَوَات تسارعت في الآونة الأخيرة، فقديمًا كانت تقع مرة كل 20 عامًا، وتقلّص الفارق بين نوّة وأخرى جراء التغيرات المناخية حتى أصبحت تتكرر عدة مرات في السنة الواحدة، وصار ارتفاع الأمواج في الصيف متكررًا وملحوظًا.
وعن تأثُر البيئة البحرية، يبين أبو الطيف: "نحن بحاجة لرصد هذه التأثيرات في شواطئ القطاع، لكن لا تتوفر أي أبحاث حول الأمر، والاحتلال الذي يسيطر على البحر لن يسمح بوجود مركز أبحاث متخصص في هذا المجال".
ويلفت إلى أنه بغض النظر عن انعكاسات هذه التغيرات على البيئة البحرية وتنوع الأسماك، فإن الثابت أن الصيادين يضطرون للامتناع عن دخول البحر في بعض الأوقات، وهذا له تبعات على دخلهم وعلى الواقع الاقتصادي للقطاع.
وبخصوص الحلول، يقول أبو الطيف إن إعلان الجهات المسؤولة إغلاق البحر هو الإجراء الطبيعي في مثل هذه الحالات، وهو ما تفعله دول كثيرة عندما يلزم الأمر.
وتبعًا لحديثه "توجد حلول هندسية تخفف ارتفاع الموج، مثل إنشاء أماكن استجمام داخل البحر، وكواسر موج موازية للشاطئ تخفف طاقة البحر".
وأردف قائلًا: "هذه الحلول مكلفة للغاية، وتحتاج إمكانيات عالية، وعملاً داخل البحر، وكلها أمور لن يسمح بها الاحتلال، ولا تتناسب مع الوضع الاقتصادي للقطاع".
ويشير إلى أن "التغير المناخي ظاهرة يعاني منها العالم كله، لسنا دولة صناعية تساهم في هذا التغيير، لكننا نتأثر بما يحدث حولنا، ما يعني أنه لا يمكن للقطاع فعل شيء لمواجهة التغير، سوى المزيد من الوعي بشأن البيئة والحفاظ عليها والالتزام بالتعليمات".
ويهيب بالمواطنين ضرورة الالتزام بالتعليمات الصادرة عن الحكومة والبلديات، والانتباه لتعليمات المنقذين، "فما يزال المواطن بحاجة لوعي أكبر، خاصة مع غياب البدائل والإمكانيات" كما يقول، مؤكدًا التزام الصيادين بالتعليمات، كونهم يحتاجون تصريحًا لدخول البحر.
أمواج مرتفعة في بحر غزة لفترات طويلة خلال موسم الصيف
الموج والثروة السمكية
لكن ماذا عن تأثير ارتفاع الموج على الصيادين، هذا الارتفاع يقلل قدرة سكان المدينة الساحلية على الاستفادة من بحرهم، خاصة مع تضييق الاحتلال الذي لا يسمح بالصيد إلا في مساحة تراوح بين ستة أميال و12 ميلاً حسب المنطقة، إضافة إلى أن الصيد الجائر يؤثر في وفرة الأسماك.
يقول وليد ثابت مدير عام الإدارة العامة للثروة السمكية في وزارة الزراعة إن ارتفاع الموج يعيق دخول الصيادين البحر، وحتى في حال لم تغلقه الجهات الرسمية، فإنهم يمتنعون من تلقاء أنفسهم، أو يغيرون ساعات العمل ويقلّصونها، لتفادي الرياح الشديدة والأمواج العالية.
ويضيف: "حتى بعد هدوء الموج، الصيد لا يكون وفيرًا، فارتفاع الحرارة يساهم في نقص الأكسجين المذاب في المياه، الذي تتنفسه الأسماك".
ويتطرق إلى تأثيرات نقص الأكسجين، ومنها الإجهاد الذي يظهر على الأسماك في مواسم التفريخ، ففي وقت التكاثر تبذل الجهد لتقاوم نقص الأكسجين، وهذا له تبعات سلبية على كمية الأسماك في الفترات القادمة.
ويوضح ثابت أنه لا يمكن الحديث عن ضرر مادي لحق بالصيادين في الصيف الحالي، لكن المخاوف تتصل بخسائر تظهر بعد مواسم التكاثر، حيث يُتوقع أن تكون قطعان الأسماك قليلة.
وينبه إلى الخلط بين ارتفاع الموج في الصيف وارتفاعه في الشتاء، ففي الصيف تكون نتائج الارتفاع سلبية لدى الصيادين، بخلاف الشتاء الذي يشهد عدد نوّات يتفاوت من 10 إلى 11، وتؤدي أغلبها إلى زيادة الأكسجين المذاب قرب الشواطئ، وتحريك طعام الأسماك وبالتالي تقترب من مكان عمل الصيادين، فيكون الصيد وفيرًا".
يُشار إلى أن نحو أربعة آلاف مواطن في قطاع غزة يعملون في الصيد، ويصطادون أسماكًا تراوح بين 3900 و4500 طن سنويًا، بحسب كلام ثابت.