خاص بآفاق البيئة والتنمية
لم يكن تأثير فيروس كورونا في العالم على الحيوانات كما البشر سيئاً، بل كان فرصة لها للبقاء في الطبيعة بسلام، لكن حالها في فلسطين بدا مختلفاً على الأقل مع طيور الشنار؛ علما أن هذا الطائر يعدُّ أحد أهم معالم الحياة البرية في فلسطين، ويعتبر جزءاً من الموروث الثقافي الفلسطيني، إذ تم ذكره في العديد من القصص والأمثال والأغاني الشعبية. في فلسطين، قام رجل يعشق الطبيعة بإنقاذ بيض الشنار الذي أصبح مهدداً بسبب الصيد الجائر، عبر شرائه ووضعه في فقاسة الكترونية، ورعايته حتى تصبح الطيور قادرة على العودة الى موئلها الأول "الطبيعة". وفق مختصين، فإن سبب التعدي على الطيور وأعشاشها وبيضها هو غياب الرقابة وعدم تفعيل القانون الذي يجرّم مثل هذه الممارسات بحق الطبيعة. تناقص أعداد طائر الشنار يسبب مشكلةً في التوزان البيئي، لدوره المهم في محاربة الحشرات الضارة للمحاصيل الزراعية.
|
|
الفقاسة الإلكترونية التي صنعها يوسف نصار |
لم يكن تأثير فيروس كورونا في العالم على الحيوانات كما البشر سيئاً، بل كان فرصة لها لتعيش في الطبيعة بسلام، لكن حالها في فلسطين بدا مختلفاً على الأقل مع طيور الشنار.
مع بداية أزمة الوباء وفرض الإغلاق الكامل على المدن والبلدات الفلسطينية، صادف الخمسيني "يوسف نصار" رئيس جمعية أبناء كنعان لحفظ التراث (جفرا)، بينما كان في إحدى المناطق في الخليل، راعيَ أغنام يقطع الطريق حاملاً في يده كيساً مملوءاً بنحو 18 بيضة لطائر الشنار أو ما يعرف بالحجل الفلسطيني.
استوقف هذا المشهد نصار ودفعه لسؤال الراعي عن مصدر البيض، الراعي أخبره متحفظاً: "أحضرت هذا البيض من البرية وأردت أن أعمل منه وجبه أسد بها جوعي". حاول نصار وقتها ان يسترجع البيض بأي طريقة كانت، إذ عرض على الراعي بدايةً، كرتونة بيض دجاج مقابل الكيس، لكن الراعي لم يعجبه الأمر، فعاد نصار وعرض عليه مائة شيقل فوافق.
يقول نصار: "انا أعشق الطبيعة وأحب الحفاظ عليها، وارى أنه من واجبي إنقاذ البيض والمساهمة في الحفاظ على طائر الشنار الذي أصبح مهدداً بسبب الصيد الجائر".
خبرة نصار المتواضعة جداً لم تسعفه في كيفية التعامل مع هذا البيض، خاصة ان إعادته للطبيعة دون ان يفقس، كان لا يجدي نفعاً بحسب نصار، وذلك لعدم معرفته مكان العش الأصلي، لذا لم يكن أمامه إلا ان يستعين بأصحاب الخبرة من أصدقائه لمساعدته في إنقاذ الفراخ التي أوشكت على الحياة.
بيوض طائر الشنار التي جمعها يوسف نصار لإعادة إطلاق الفراخ في الطبيعة- تصوير مشهور وحواح
الراعي والبيض
كان استخدام الفقاسة الإلكترونية، وهي عبارة عن صندوق بلاستيكي محاط بعازل للحرارة يحتوي على إنارة وترموستات لقياس درجة الحرارة والرطوبة، هو الخيار المتوفر للحفاظ على البيض وتوفير الظروف المناسبة التي يحتاجها حتى يفقس وتخرج الفراخ منه. إلا ان نصار لم يتمكن من شراء فقّاسة بسبب الاغلاق، فاستعار واحدة مستعملة كانت تستخدم لتفقيس الدجاج عند أحد أصدقائه.
وضع نصار بيض الشنار المسترجع من الراعي في الفقاسة بعد تأكده من نجاعتها، وخلال أقل من أسبوع فقست 17 بيضة من أصل 18. يضيف: "هذا يدل على ان بيض الشنار كان مخصباً ولم يمضِ سوى أيام على احتضانه".
نقل نصار الفراخ بعد ان فقس البيض، إلى حاضنة صنعها من خشب وزودها بإضاءة لتمنح فراخ الشنار ببعض الدفئ وتعوضهم عما فقدوه.
استمر نصار في رعاية فراخ الطيور منذ تفقيسها حتى بدأت تنمو وتكبر، ووفر لها كل ما تحتاجه من تطعيمات وغذاء مناسب يضمن لها النمو بشكل سليم؛ حتى أصبح لديه حالياً 40 فرخاً تتراوح أعمارهم من أيام إلى أشهر، أغلبهم في مرحلة تأهيل عودتهم للطبيعة، حيث يحتاجون طعاماً خاصاً مثل الخضار والكوسا والفقوس بالإضافة إلى عدة أعشاب حسب نصار.
يوسف نصار يشرح عن الفقاسة الإلكترونية- تصوير مشهور وحواح
حامي الشنار
لا يلاحق نصار المهتمين بطيور الشنار والهواة فقط في البرية بل أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث ينشئون صفحات ومجموعات خاصة لتتبع هذا الطير. إذ يقول نصار: "أصبحت أتابع من يهتم بالطيور على منصات التواصل الاجتماعي وأتواصل معهم خاصة مع من يعلن عن نيته بيع طير شنار أو بيضه، فأذهب وأشتري المتوفر لاطلاقهم لاحقاً في الطبيعة.
ويضيف: "في إحدى المرات قبلت عرض أحد الأشخاص شراء 14 بيضة منه، بعد ان اشترطتُ عليه عدم المساس بالبيض والحفاظ عليه وإبقاؤه في العش، وراقبته أنا وبعض الأصدقاء حتى فقس البيض ونمت الفراخ بصورة طبيعية فأطلقتهم في الطبيعة بسلام".
" في الوقت الذي يستهدف الكثير من الأشخاص طائر الشنار فقط لتناول بيضه، فإنه يحرم الطبيعة من تواجده فيها ويساهم في تناقص أعدادها" يقول نصار الذي يعتقد أن ما يزيد الأمر سوءاً هو أن أغلب الذين يستهدفون هذا الطائر يتواجدون في المناطق المصنفة "جـ"، بمعنى أن معاقبتهم صعبة لعدم سيطرة السلطة على تلك المناطق.
يوسف نصار يفحص حال بيوض طائر الشنار- تصوير مشهور وحواح
مبادرة نصار لم تقتصر على عدد محدد من بيض الشنار إذ توجه إلى المزارع البيتية وأصبح يشتري منهم البيض، مؤكداً أنه يحث الناس للمحافظة على الطائر، على الرغم من ان أغلب بيض المزراع البيتية التي يشتريه لا تنجح، إذ من بين 20 بيضة ينجح 5 منهم فقط.
يعمل نصار حالياً على حملة هدفها تشجيع الناس على احترام الطبيعة وخاصة أولئك الذين يربون الطيور في منازلهم لحثّهم على اطلاق سراحها. داعياً إلى ضرورة الحفاظ على طائر الشنار وعدم استهدافه وصيده والاعتداء على بيضه لضمان وجوده في المنطقة وعدم انقراضه.
فراخ طائر الشنار التي يمنحها يوسف نصار بعض الدفء والطعام والشراب لإعادة إطلاقها في الطبيعة
الشنار.. جزء من الموروث الفلسطيني
يعدُّ طائر الشنار أحد أهم معالم الحياة البرية في فلسطين، ويعتبر جزءاً من الموروث الثقافي الفلسطيني، إذ تم ذكره في العديد من القصص والأمثال والأغاني الشعبية كما في هذين المثلين الشعبيين: "آذار ساعة شمسية وساعة أمطار وساعة مقاقاة الشنار"، و "عندما يبيض الشنار افتح شبابيك الدار".
ينتمي طائر الحجل، إلى الفصيلة التدريجية من رتبة الدجاجيات، يمكن التعرف عليه من خلال حجمه، إذ يتراوح طوله بين 24 سم إلى 35 سم، يشبه في شكله الدجاجة الصغيرة، ممتلئ الجسم والريش، زُينت جوانب جسمه بخطوط ناعمة سوادء وبيضاء وإطار أسود حول الوجه والصدر. الساقان والمنقار لونهما أحمر بشكل خاص والساقان قويتان. يساعده مظهره الخارجي الرمادي البني اللون على التمويه عند وقوع الخطر. يستطيع الحجل القفز والطيران بسرعة.
يوجد ثلاثة أنواع من طيور الحجل التي تتواجد في فلسطين وهي الحجل الجبلي الفلسطيني ما يعرف بـ الشنار هو طائر شائع في فلسطين ويعيش في مناطق ذات مناخ البحر الأبيض المتوسط، والحجل الرملي الذي يعيش في المناطق الصحراوية، بالإضافة إلى الحجل الأسود أو السبت الذي يعيش في الأغوار وأريحا والعوجة وطوباس.
يقول خبير الطيور سائد الشوملي، ان أعداد طائر الشنار في فلسطين جيدة، ويعد من الطيور المقيمة في المنطقة، وهو غير مهدد بالانقراض، لكن أعداده بدأت بالتناقص بسبب استهدافه من قبل الصيادين إما باصطياده أو سرقة بيضه وأعشاشه.
يضع طائر الشنار بيضه في شهر آذار بداخل أعشاش على الأرض خاصة بين الأحراش والشجيرات وداخل الأعشاب والنباتات البرية، ويطلق على عشهِ اسم "المدحاة"، إذ تبيض الأنثى من 15 إلى 18 بيضة بمعدل بيضة يومياً، وتجلس عليهم مرة واحدة حتى يفقسوا في فترة تصل كحد أقصى إلى 21 يوماً.
بيوض طائر الشنار
فقاسة ولكن!
أما في خصوص نجاعة الفقاسة الالكترونية قال الشوملي، أن نسبة نجاحها بالنسبة للطيور لا تتعدى 70%. وهي لا تؤهل فراخ الطيور كما يتم تأهيلهم في أعشاشهم من قبل الام، خاصة فيما يتعلق برعايتهم واحتضانهم وإطعامهم.
يقول الشوملي: "الطير يُطعم فراخه طعاماً معيناً من الطبيعة فيما طيور الفقاسة بالعادة يتم اطعامها حبوب الخلطة".هذا عدا عن سلوكيات الفراخ بعد وضعها في الفقاسة معتبراً أنها تتغير وتصبح على عكس طبيعتها، فمثلاً وجود الفراخ في الفقاسة في ظل رعاية البشر لها بعيداً عن الأم يحبب الفراخ بمن يرعاها، ما يؤثر عليها سلباً بمعنى انها تعتاد الاقتراب من البشر عكس ما خُلقت عليه ما يسهل اصطيادها والتعدي عليها.
حاضنة فراخ طائر الشنار التي صنعها يوسف نصار- تصوير مشهور وحواح
يرى الشوملي، أن الفقاسة الإلكترونية رغم انها تساعد في الحفاظ على حياة الفراخ إلى حدٍ ما، إلا انها تفتقر إلى الرعاية والتأهيل الطبيعي، ويرى انه يفضل ترك البيض في الطبيعة إن أمكن، وإعادته إلى مكانه حتى يفقس وتكبر الفراخ كما هو مخطط لها بصورة طبيعية.
يعتقد الشوملي أن التعدي على الطيور وعلى أعشاشها وبيضها سببه غياب الرقابة وعدم تفعيل القانون الذي يجرم مثل هذه الممارسات بحق الطبيعة، داعيا ًإلى الحفاظ على هذا الطائر لأن تناقص عدده يسبب مشكلة في التوزان البيئي فوجوده مهمٌ كونه يساهم في محارية الحشرات الضارة للمحاصيل الزراعية.
ويضيف، تسمح دول عديدة حول العالم ممارسة الصيد، ولكن في فترة معينة ولأصناف محددة من الطيور، فمثلا آذار يعتبر شهرا محرماً للصيد باعتباره فترة تكاثر الطيور.
ترقيم بيوض طائر الشنار للمتابعة والدراسة- تصوير مشهور وحواح
عقوبة متدنية
ينص قانون البيئة الفلسطيني في المادة 41 من الفصل الخامس لحماية الطبيعة والمناطق الأثرية والتاريخية، حظر صيد أو قتل أو إمساك الطيور والحيونات البرية والبحرية والأسماك المحددة باللائحة التنفيذية لهذا القانون، ويحظر حيازة هذه الطيور والحيونات أو نقلها أو التجوال بها أو بيعها أو عرضها للبيع حية أو ميتة كما يحظر إتلاف أوكارها أو إعدام بيضها.
فيما تنص المادة 71: " كل من يخالف أحكام المادة 41 من هذا القانون، يعاقب بغرامة مالية لا تقل عن عشرين ديناراً أردنياً، ولا تزيد عن مائتي دينار أو ما يعادلها بالعملة المتداولة قانوناً، والحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد عن أسبوعين، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
يقول المستشار القانوني لسلطة جودة البيئة مراد المدني: "ان هناك قانوناً للصيد وبناء عليه يوجد نظام وقاية الصيد وهي تشريعات تعود لفترة العهد الاردني". معتبراً أنها تحتوي على تنظيم مهني وعلمي جيد فيما يتعلق بتنظيم عمليات الصيد، ولكن يرى أن قِدم هذه التشريعات وبعض الاجراءات التنظيمية فيها أصبحت لا تناسب وضعنا الحالي.
ويضيف المدني: العقوبات والغرامات التي تتضمنها تعتبر متدنية جداً ولا تتناسب مع التطور في المجتمع، كونها لا تتضمن حكماً بمصادرة ما يتم صيده ولا تتضمن أي أحكام بالمسؤولية المدنية.
ويؤكد المدني، وجود عددٍ كبيرٍ من عمليات الضبط التي نفذها مفتشو سلطة جودة البيئة بالتعاون مع الجهات المختصة، الاخرى وخاصة مع جهاز شرطة البيئة الذي أحدث إنشاؤها تقدما ملحوظاً في عمليات الضبط هذه، وقال: "في أغلب عمليات الضبط نكتفي بمصادرة المضبوطات من أجل إعادة تأهيلها واطلاقها في الطبيعة مرة اخرى بمساعدة مراكز متخصصة ومأهلة للتعامل مع الحيوانات والطيور البرية".
ويرى المدني، ان العقوبة المنصوص عليها في المادة 71 تعتبر متدنية بالنسبة لقيمة الصيد الذي يحوز عليه الجاني، مطالباً بتفعيل الأحكام الخاصة بالمسؤولية المدنية عن مثل هذه الجرائم، بمعنى الحكم على من يرتكب جريمة الصيد بالتعويض المناسب عن الضرر الذي الحقه بالبيئة جراء افقاد الطبيعة عنصراً من عناصرها الطبيعية.
وقال المدني بشأن عدد المخالفات التي تم تحريرها هذا العام: "الحقيقة لا يوجد لدينا إحصائية محددة بالجرائم الخاصة بالصيد لأن الاحصائيات عادةً تكون لجميع الجرائم التي تم ضبطها خلال الشهر او نصف العام، مضيفاً "أن إصدار احصائية خاصة بجرائم الصيد يحتاج فقط عملية فرز من مجمل الجرائم البيئية الأخرى".
وأشار المدني إلى أن سلطة جودة البيئة تابعت في العام الماضي ما يزيد عن 600 قضية بيئية من ضمنها قضايا تتعلق بالصيد.