خاص بآفاق البيئة والتنمية
بالاستناد إلى توقعات سلطة المياه الفلسطينية، فإن الطلب على المياه صيفا سيزداد بما يقارب 30% بالمقارنة مع أشهر الشتاء. وتظهر المؤشرات الأولية لبعض مزودي خدمات المياه خلال فترة الطوارئ، ارتفاعاً في الطلب على المياه بما يزيد عن عشرة بالمائة، مع الإلتزام بالحجر المنزلي والذي أدى إلى زيادة الإجراءات الوقائية المعتمدة على المياه كالتعقيم والنظافة الشخصية في مواجهة فيروس كورونا، إضافة إلى زيادة الاهتمام بالحدائق المنزلية. كما تشهد هذه النسبة ارتفاعاً أكبر في القرى عنه في المدن، بفعل التزام المواطنين بيوتهم في الأرياف خلال هذه الفترة، وزيادة الأنشطة الزراعية فيها. وقد أثبتت الجائحة الحالية بأن الأمن الصحي مرتبط بالأمن المائي، الأمر الذي لا يقل أهمية عن ارتباط الأمن الغذائي بالأمن المائي الذي اعتاد العالم على إبرازه، وهو ما يجب الاهتمام والاستثمار به أكثر بعد انتهاء الأزمة.
|
|
اجتماع سلطة المياه الفلسطينية مع وزارات الحكم المحلي والصحة والبيئة |
تروي غادة عليان من رام الله وهي أم لطفلين، كيف زاد استهلاك المياه في منزلها منذ بداية أزمة كورونا في الأراضي الفلسطينية مطلع آذار الماضي. وتقول إن الطلب على المياه تضاعف لدى أسرتها المكونة من أربعة أشخاص، بسبب رفع منسوب إجراءات النظافة للمنزل ولأفراده، فغسل اليدين أن كان يتم سابقا قبل وبعد الأكل وبعد استخدام الحمام؛ أصبح الآن مختلفا؛ ففي اليوم الواحد يضطر الشخص لغسل يديه قرابة العشر مرات، خصوصا الأطفال. ناهيك عن الاهتمام أكثر بنظافة المنزل وتعقيم كل شيء أكثر من مرة في اليوم الواحد، وهذا كله بالطبع لا يتم بلا مياه.
وتتفق فاطمة برقاوي، من رام الله أيضا مع عليان، وتضيف بأن الجلوس في المنزل بسبب الجائحة، سببٌ آخر لزيادة استهلاك المياه، فتعطل محال غسل الملابس والأغطية دفع إلى غسل كل شيء في المنزل، كالأغطية الشتوية والسجاد التي كانت ترسل في السابق إلى محال مختصة لغسلها. ليس هذا فحسب، تقول برقاوي إن جلوس إبنها الوحيد في المنزل زاد من وتيرة الاستهلاك، ففي الأيام المشمسة كنا مجبرين على تعبئة بركة بلاستيكية بالمياه ليلهو بها.
ولا يختلف الحال في الريف عن المدينة، فجلوس غالبية السكان في المنازل، أعاد للزراعة المنزلية بريقها، وهذا يتطلب مياها إضافية. ويبين يحيى زراع من قرية كفر نعمة غرب رام الله، أن عائلته بادرت إلى زراعة كل شبر في محيط المنزل، الأمر الذي زاد من استهلاك المياه اللازمة للري.
إصلاح الأعطال في أنظمة تصريف المياه العادمة
سلطة المياه: نتوقع ارتفاع استهلاك المياه بنسبة 30% في الصيف
في كل عام، وعلى أعتاب فصل الصيف، تظهر للعيان مشكلة نقص المياه، وترافق هذا العام مع بروز جائحة كورونا في الأراضي الفلسطينية حالها كحال العديد من دول العالم. وفي بلد يسيطر فيه الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من 85% من مصادر المياه، يبدو أن صيفا ساخناً عنوانُه العطش سيزور البلاد.
وبالاستناد إلى توقعات سلطة المياه الفلسطينية، فإن الطلب على المياه صيفا سيزداد بما يقارب 30% بالمقارنة مع أشهر الشتاء بناء على تتبع مؤشر الارتفاع للسنوات السابقة. ويختلف هذا المعدل بالزيادة بين محافظة وأخرى تبعا لطبيعة المحافظة من حيث النشاطات الأكثر ممارسة، سواء زراعية أو تجارية أو سياحية، إلى جانب تزايد الأنشطة الاجتماعية، حيث قد يتجاوز الارتفاع حاجز 50% في محافظات شمال الضفة الغربية نتيجة وفرة الأراضي الزراعية والاعتماد على الزراعة المروية في الصيف، بينما يبلغ معدل الزيادة في محافظات الوسط والجنوب حوالي 17-22%.
وتظهر المؤشرات الأولية لبعض مزودي خدمات المياه خلال فترة الطوارئ، ارتفاعا في الطلب على المياه بما يزيد عن 10%، مع الإلتزام بالحجر المنزلي والذي أدى إلى زيادة الاجراءات الوقائية المعتمدة على المياه كالتعقيم والنظافة الشخصية في مواجهة فيروس كورونا، إضافة إلى زيادة الاهتمام بالحدائق المنزلية، كما تشهد هذه النسبة ارتفاعا أكبر في القرى عنه في المدن بفعل التزام المواطنين بيوتهم في الأرياف خلال هذه الفترة، وزيادة الأنشطة الزراعية فيها.
وأمام الواقع الجديد الذي فرضه فيروس كورونا، أوضح م. مازن غنيم رئيس سلطة المياه الفلسطينية طبيعة التدخلات من قبل سلطته في ظل حالة الطوارىء لضمان وصول المياه الى كل التجمعات الفلسطينية بجودة عالية وتقليل المخاطر المتعلقة بخدمات الصرف الصحي. مشيرا إلى متابعة يومية لأعمال تشغيل الآبار وصيانتها، وتكثيف عمليات مراقبة جودة مياه الشرب من الآبار والينابيع وصهاريج نقل المياه، بالتوازي مع تكثيف اجراءات التعقيم والتدريب عليها، واتخاذ الاجراءات الاحترازية والتقيّد بتعليمات الصحة والسلامة العامة لكافة مرافق المياه والصرف الصحي، وتنسيق ومتابعة التدخلات لمزودي الخدمات بالخصوص.
وفصّل غنيم الإجراءات أن سلطة المياه عملت منذ إعلان حالة الطوارىء على حصر وتحديد مصادر مائية جديدة ومنها الآبار الزراعية والآبار العامة، والتأكد من استمرارية عمل كافة المصادر سواء التابعة لسلطة المياه أو المياه المشتراه من إسرائيل، وتعزيز عمل محطات التحلية محدودة الكمية فى قطاع غزة، وتعزيز عمل محطات المعالجة فى مختلف المحافظات، إضافة إلى الاستجابة لندرة المياه في المناطق المهمشة.
جولات موظفي سلطة المياه الفلسطينية لمتابعة الأعطال
تحذير من انتقال كورونا عبر مياه الصرف الصحي
وفيما يتعلق بقطاع الصرف الصحي، أوضح غنيم أن الجهات ذات العلاقة في سلطة المياه ووزارات الحكم المحلي، والصحة، وسلطة جودة البيئة، تداعت لعقد اجتماعات عدة للوقوف عند نتائج دراسات حذرت من وجود آثار لفيروس كورونا في مياه الصرف الصحي من خلال براز الأشخاص الُمصابين. وأشار تأمين المستلزمات الوقائية لتعقيم مرافق المياه من محطات وخزانات. واتباع إجراءات وقائية صارمة للعاملين على صهاريج المياه والنضح، وضمان سلامة العاملين في محطات المياه والمعالجة، إضافةً إلى التحذير من ممارسة رعي الأغنام بجانب سيول المياه العادمة والري بمياه المجاري تفاديا لنقل العدوى.
وكانت وكالة الأنباء الصينية شينخوا، قد ذكرت مطلع شباط الماضي، أن فيروس كورونا الجديد، قد ينتشر عبر أنابيب الصرف الصحي، ونقلت عن الأخصائي الصيني بالجهاز التنفسي، تشونغ نان شان قوله: "إذا وضعت عوائق أمام الأنابيب، قد يتسبب الهواء الملوث أو الرذاذ الحامل لفيروس كورونا الجديد في وقوع عدوى".
وذكر تقرير الوكالة الصينية أن مجموعتين بحثيتن، قد اعلنتا أنهما "عزلتا سلالات لفيروس كورونا الجديد من عينات فضلات مرضى مصابين بالفيروس، ما يثير الشكوك حول نقل الفضلات إلى الفم".
فنيو سلطة المياه الفلسطينية
خبير: جائحة كورونا تثبت أن الأمن الصحي مرتبط بالأمن المائي
عبر عبد الرحمن التميمي، مدير مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين عن اعتقاده بأن سلطة المياه أدارت الملف باقتدار في ظل جائحة كورونا. ويرى أن هناك إجراءات وجهودا كبيرة، وفي الوقت المناسب في مجال المياه، من حيث تشديد الرقابة على أنظمة تزويد مياه الشرب، وأنظمة معالجة ونقل مياه الصرف الصحي، وحماية وضمان استمرارية المصادر المائية، على اعتبار أن المياه عنصر الحياة الأساسي في حالة الحجر البيتي، وبالتالي فهي الاحتياج الذي لا يمكن الاستغناء عنه تحت أي ظرف، وفي حين أنّ الأمور الخدماتية يمكن إيجاد بديل لها، إلا أنّ البديل الوحيد لنقص المياه هو فقط المياه.
وتفرز الحالة الفلسطينية هنا خصوصية كبيرة، كوننا شعب ودولة تحت احتلال يُسيطر على كافة الموارد الطبيعية ويحرمنا من استغلالها حتى في ظل الازمة الإنسانية التي تعيشها البشرية. فهو يتحكم في قدرتنا على توفير مياه الشرب والمياه الضرورية لإنتاج الغذاء، وفق التميمي.
والأهم بنظر التميمي هو إثبات الجائحة الحالية بأن الأمن الصحي مرتبط بالأمن المائي، الأمر الذي لا يقلّ أهمية عن ارتباط الأمن الغذائي بالأمن المائي الذي اعتاد العالم على إبرازه، وهو ما يجب الاهتمام والاستثمار به أكثر بعد انتهاء الأزمة.
متابعة أنظمة تزويد المياه الفلسطينية في ظل جائحة كورونا
وفي ظل عدم وجود حل للأزمة في القريب المنظور، يبقى التعويل على إبقاء الاهتمام العالي بالنظافة. ولأن أزمة المياه موجودة أصلا قبل كورونا في فلسطين، فيجب على كل فرد الوقوف أمام مسؤوليته في الحفاظ على كل قطرة، وعدم المبالغة في الإسراف، خصوصا أن صيفا حاراً بانتظارنا جميعا.