خلال مؤتمر أول من نوعه... مركز معا يضع البيئة على الطاولة، والمتحدثون يؤكدون: هي ليست ترفاً بل ضرورة ملحّة، وعلى الصحفيين أن يلتفتوا لها
في الثامن من أكتوبر 2019 نظم مركز العمل التنموي/معا ومؤسسة "هينرش بل- فلسطين والاردن" وشبكة المنظمات الأهلية البيئية الفلسطينية المؤتمر الفلسطيني الأول حول الصحافة البيئية، وذلك في فندق الكرمل بمدينة رام الله. وجمع المؤتمر نخبة نوعية من الناشطين والخبراء والباحثين البيئيين والإعلاميين والصحافيين المهتمين بالشأن البيئي، حيث ناقشوا واقع الصحافة الفلسطينية التي قلما تعكس الهم البيئي-السياسي، وتدارسوا آفاق بلورة صحافة محلية تصنع الخبر البيئي. وسعى المؤتمر إلى الإجابة على السؤال التالي: كيف يمكن للصحافة أن تُحَوِّل القضايا البيئية من مجال تخصصي إلى مسألة تمس هموم حياة المواطنين اليومية؟ وتم التركيز على تجارب بعض الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية وكليات الإعلام الجامعية.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
جانب من المؤتمر الفلسطيني الأول حول الصحافة البيئية |
"الإعلام البيئي ليس ترفاً وليس لوناً جديداً يضاف إلى زوايا الصحافة، بل هو حاجة ملحة لحماية الإنسان والبيئة... سنحاول عبر المؤتمر الإجابة عن سؤال مهم: كيف يمكن للصحافة أن تحوّل القضايا البيئية من مجال تخصصي إلى موضوع يمس هموم الناس اليومية، وكيف سيشكل المؤتمر انطلاقة نحو صحافة بيئية متخصصة".
بهذه الكلمات والتطلعات افتتح مركز العمل التنموي/ معا بالتعاون مع شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية ومؤسسة هنرش بل "المؤتمر الفلسطيني الأول للصحافة البيئية"، بحضور نوعي للصحفيين ونشطاء وخبراء البيئة وممثلي المؤسسات الرسمية ومزارعين بيئيين ومهتمين.
المؤتمر الذي حمل عنواناً "نحو التأسيس لصحافة بيئية فلسطينية استقصائية- نقدية"، نظّم في الـ 8 من أكتوبر الحالي، في فندق الكرمل في رام الله. ورأى النور برؤية ومتابعة من مدير وحدة الدراسات والإعلام البيئي في مركز معا "جورج كرزم".
أُفتتح المؤتمر بكلمة من د.بيتينا ماركس مديرة مؤسسة هنرش بل( فلسطين والأردن) ذكرت من خلال دور مؤسستها التابعة لحزب الخضر الألماني -الذي نشأ من حركة مناهضة المفاعلات النووية في ألمانيا- في تعزيز الوعي البيئي حول العالم. وقالت: "لا ينسى الألمان مشهد دخول هذا الحزب إلى قبة البرلمان حاملين زهور عباد الشمس وشتلات أشجار إيصالا منهم لرسائل حول ضرورة إقحام البيئة بالسياسة، وكذلك الإنسانية جمعاء". ومن يومها، تضيف ماركس أن حزب الخضر كبر وانتشر في كل العالم، وأصبح قادراً على التأثير على سياسات الدول.
ورأت ماركس أن توقيت انعقاد المؤتمر مثالي، وذلك في إطار المتغيرات التي تحدث في العالم، من ارتفاع في درجات الحرارة واحتراق للغابات وتلوث للمحيطات، مؤكدةً أن الصحافة هي الحارس الحقيقي للبيئة من خلال مناصرة قضايا البيئة. ماركس التي عملت في الصحافة الألمانية لأكثر من 25 عاماً أشارت إلى تطور الصحافة البيئية المتخصصة في ألمانيا من صحافة هامشية تُعطى لصغار الصحفيين إلى صحافة متواجدة في الإعلام الألماني بشكل شبه يومي.
وأكدت أن الاهتمام الإعلامي العالمي بالبيئة ما زال أقل من المستوى المطلوب، متمنية أن ترى الأخبار البيئية في بداية النشرات الإخبارية، لأن البيئة أمر حيوي يؤثر على كل مجريات حياتنا.
د. بتينا ماركس مديرة مؤسسة هينرش بل والخبيرة في الحقل الصحفي تتحدث في مؤتمر الصحافة البيئية
خارطة طريق
تلت افتتاحية ماركس، كلمة لرئيسة سلطة جودة البيئة "عدالة الأتيرة" شكرت من خلالها مركز معا على تنظيم مؤتمر يؤسس لصحافة متخصصة على الصعيد البيئي، الموضوع الذي لا يعتبر هامشياً؛ بل يوثر أيضاً على الاقتصاد والسياسة.
وأكملت: "يجب أن نحارب الهشاشة في تغطية الشؤون البيئية ونتحول من مرحلة الخبر إلى كتابة القصص والتقارير التي تمس حياة الناس، وتستند على معلومة دقيقة تلي عملية بحث واستقصاء صحفي، وربط الحدث البيئي المحلي مع الاتفاقيات والقوانين البيئية".
ودعت الأتيرة الجامعات إلى ضرورة توجيه طلبة الإعلام إلى التخصص بالبيئة، لأهميتها في تأسيس عدالة بيئية وتوعية للمجتمع وتغيير سلوكه تجاهها.
ورأت الأتيرة أنه رغم اتساع المجال الإعلامي وتعدّد المواقع والمنابر، إلا أن التغطية على الصعيد البيئي ما زالت متواضعة، والتخصص ليس سهلاً من وجهة نظرها، بل بحاجة إلى إتقان تحويل المعلومة العلمية إلى محتوى مبسط للقارئ، متأملةً من هذا المؤتمر الخروج بخارطة طريق نحو إعلام بيئي متخصص.
وأكدت سعيها منذ استلامها لرئاسة سلطة البيئة منذ خمس سنوات على مخاطبة العالم باللغة التي يفهمها، وهي إيصال أثر الاحتلال مثلا على التغير المناخي من خلال قطع الأشجار، وكذلك الأثر الاقتصادي من الوقوف على الحواجز والطرق الالتفافية بالأرقام والإحصائيات.
وافتخرت الأتيرة بتمكن سلطة البيئة منع بعض الانتهاكات على الأراضي الفلسطينية، مثل وقف تهريب النفايات الخطرة من إسرائيل إلى الضفة الغربية استنادا إلى اتفاقية بازل. وتفاءلت من أن دولة كفلسطين تحت الاحتلال تفوقت من حيث انجازاتها البيئية على دول مستقلة وذات سيادة.
التخصص يوفر فرص عمل
فيما أشاد ناصر أبو بكر نقيب الصحفيين الفلسطينيين بالحضور النسوي الجيد في المؤتمر، ما يؤكد من وجهة نظره الحس العالي لدى المرأة في الاهتمام بقضايا البيئة. آملاً الخروج بخطة عمل لتساعد النقابة على التأسيس لرابطة للصحفيين البيئيين على غرار رابطتي الاستقصائيين والرياضيين، وذلك لتوفير فرص عمل اكبر للخريجين ورفع الوعي البيئي من خلال صحافة قادرة على التغيير.
ودعا أبو بكر الجامعات لمشاركة النقابة والمؤسسات البيئية في وضع منهاج في الصحافة البيئية يؤسس لرابطة فاعلة من النشطاء والإعلاميين البيئيين.
"البيئة حلقة متواصلة في كل العمل الفلسطيني، وهي موضوع اشتباك مع الاحتلال، فسير ساعات قليلة من مدينة لمدينة فلسطينية يرينا كيف تحولت الأراضي لمكبات نفايات وتحديداً من قبل المستوطنات". يقول أبو بكر مشيراً إلى تبني نقابة الصحفيين لكل التوصيات والنتائج التي سيخرج بها المؤتمر، وذلك من أجل العمل كشركاء لإيجاد صحافة بيئية متخصصة في فلسطين.
لمشاهدة البث المباشر للمؤتمر، وتحديداً الكلمات الافتتاحية مع الجزء الأول من (الجلسة الأولى)، يرجى النقر على الرابط التالي: https://cutt.ly/wemZJgd
جلسات المؤتمر
ناقشت جلسات المؤتمر عدة محاور هي: واقع الصحافة الفلسطينية وبيئتها السياسية. واقع الصحافة المحلية، ثقافة الخوف والرقابة الذاتية. مكانة الإعلام البيئي في ظل تخصصات الصحافة بالجامعات الفلسطينية، بيرزيت نموذجا. هل توجد صحافة فلسطينية بيئية جديرة بهذا الاسم؟. الصحافة البيئية "الخطوط الحمراء وثقافة الخوف". تجارب مؤسسات إعلامية في مجال الصحافة البيئية. تجربة فلسطينية في الإعلام البيئي الإذاعي. تجربة آفاق نحو صحافة بيئية-استقصائية نقدية. دور الإعلام الحكومي في تعزيز الوعي البيئي.
وقد قدم الأوراق كل من: عمر نزال من نقابة الصحفيين الفلسطينيين، جيهان عوض صحفية ناشطة في مجال الحريات، نبال ثوابتة مديرة مركز تطوير الإعلام في جامعة بيرزيت، منتصر حمدان رئيس شبكة الصحافة الاستقصائية الفلسطينية، جورج كرزم رئيس تحرير مجلة آفاق البيئة والتنمية، معمر عرابي عضو مجلس إدارة شبكة وطن الإعلامية، الصحفي الاستقصائي في شبكة أجيال الإذاعية فراس الطويل، ومحررة "مجلة آفاق" ربى عنبتاوي، والصحفي البيئي عبد الباسط خلف.
وقد تميز هذا المؤتمر بمشاركة عربية من المغرب من قبل أستاذ الجغرافيا د. مصطفى ازعيتراوي في جامعة مولاي سليمان من المغرب، والذي قدم ورقة بعنوان الوصول إلى المعلومة البيئية في السياق المغربي. وقد قام بعرافة المؤتمر الصحفية ميساء بشارات، فيما ترأس الجلسات الثلاث كل من حسناء الرنتيسي، عبير البطمة وربى عنبتاوي.
وقد تميزت الأوراق بتنوع المضامين، وحداثة الطرح والربط بين الإعلام البيئي والقطاعات المختلفة: السياسية والحكومية والأكاديمية والمجتمعية والاستقصائية. ما أضاف معرفة جديدة ونوعية للمشاركين، وفتح على إثرها الباب لنقاش واسع من قبل المشاركين الأمر الذي عكس حالة من تنامي الوعي البيئي والقلق من العوامل المؤثرة سلباً على البيئة. سيتم عرض ملخصات الأوراق التي تم عرضها في المؤتمر.
كلمة عمر نزال مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في نقابة الصحافيين الفلسطينيين خلال مؤتمر الصحافة البيئية
الجلسة الأولى:
الورقة الأولى: واقع الصحافة الفلسطينية وبيئتها السياسية- عمر نزال
أفرزت اتفاقات أوسلو وتوابعها تشوهات بنيوية طالت مختلف مكونات ومفاهيم العمل الفلسطيني، وتعزز هذا التشوه وتعمق منذ الانقسام عام 2007، بل وقاد إلى معطىً جديد هو تحزب العمل الصحفي، وليس فقط الصحفي، وانحيازه الفكري والسياسي لصالح أحد طرفي الانقسام، أو ما بينهما من أطراف هامشية. وهذا عزز بيئة ونهج القمع والتضييق والاعتداءات الفظة أو الناعمة.
يضاف إلى ذلك، تأثير الاحتلال المباشر على الصحفيين من قمع وتنكيل، وتأثير الاحتلال الأوسع على العمل الصحفي، إذ تأخذ التغطية الصحفية لسياسات وإجراءات الاحتلال المباشرة الحيز الأكبر من اهتمام الصحفيين ووسائل الإعلام، وهو ما يصبغ العمل الصحفي الفلسطيني بطابع سياسي وينصب الاهتمام على الشأن السياسي على حساب الجوانب الأخرى. وأكد نزال في ورقته غياب أي وسيلة إعلام مختصة أو تلك التي تولي اهتماماً جدياً بقضايا البيئة سوى مجلة (آفاق البيئة والتنمية) التي يصدرها مركز العمل التنموي / معاً، أو بعض النشرات والملاحق الخاصة التي تصدر من حين لآخر عن مؤسسات تعمل في قطاع الزراعة والمياه.
ورغم توقيع نقابة الصحفيين وسلطة البيئة على اتفاقية لتنشيط وتحفيز الاهتمام الصحفي بقضايا البيئة قبل بضع سنوات، إلا أنها، وفق نزال، لم تفعّل ولم تؤد إلى أية نتائج.
يقول نزال: "إنني شخصياً لا أحبذ التوجه لإيجاد صحافة متخصصة في البيئة يبقى معها الاهتمام محصوراً على فئة معينة، بل التوجه لإدماج قضايا البيئة والالتفات لها والتركيز عليها في مجمل المضامين الصحفية التي تتسع لذلك، فهذا يخلق اهتماماً جماهيرياً أوسع، أو ربما الدمج بين التوجهين".
الورقة الثانية: واقع الصحافة المحلية، ثقافة الخوف والرقابة الذاتية- جيهان عوض
تسلط هذه الورقة الضوء على الواقع المركّب الذي يعمل في ظله الصحفي الفلسطيني تحت الإحتلال الذي يستمر في ملاحقة واستهداف الصحفيين والتضييق عليهم من جهة. ومن جهة أخرى واقع سياسي يسوده الاستقطاب ازداد سوءا بعد الإنقسام عام 2007، فالصحفي الفلسطيني يتعرض للرقابة والضغط من الاحتلال والسلطات والأحزاب والمجتمع أيضا، إضافة لمحاولات الاحتواء من قبل رأس المال.
في ظل ما سبق فإن الرقابة الذاتية تنامت لدى الصحفي الفلسطيني وهذا ما أظهره استطلاع رأي أجراه مركز مدى للحريات الإعلامية العام الماضي، فكانت غالبية ساحقة من المستطلعين في الضفة الغربية وقطاع غزة 88.5% يمارسون رقابة ذاتية على أعمالهم خوفا من المساءلة المجتمعية – العادات – التقاليد –الدين، مقابل 7.7% نفوا ذلك
وفي ذات الاستطلاع تبين أن 90.1% من الصحفيين يمارسون رقابة ذاتية على أعمالهم خوفا من "المساءلة الأمنية " مقابل 8.8% نفوا ذلك.
وثقت الورقة شهادات لبعض الصحفيين ممن تعرضوا لانتهاكات، فأصبحوا يمارسون الرقابة الذاتية على أعمالهم وكتاباتهم وحتى نقاشاتهم السياسية الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. وحاولت تلمّس سبل الخروج بصحافة محلية تساهم في بناء التوجهات وتشكيل رأي عام مجتمعي.
الجلسة الثانية:
الورقة الثالثة: الإعلام والبيئة، التخصص الأكاديمي الحاضر الغائب- نبال ثوابتة
"الملف البيئي أول ملف يدرس في الاتحاد الأوروبي، هذا يعطي الصحفي مؤشراً حول أهمية هذا الموضوع، الذي يهرب منه الصحفي لأنه لن يعطيه النجومية كالموضوع السياسي والاجتماعي".
لا يجب النظر إلى الإعلام بمعزل عن المجتمع المدني وما يحتويه من منظمات غير حكومية تعمل في الشأن المجتمعي عبر مسميات البيئة والحقوق والصحة وغيرها من المجالات فهي شريكة للإعلام، ويفترض أن تكون قريبة منه، بل واقرب من الأجهزة الحكومية الرسمية.
وللإعلام أربعة ادوار هي: دور المخبر والمرشد والوسيط والرقيب فإننا نتوقع منه أن يخبرنا عن كل خرق أو تهديد للبيئة، وان يرشدنا إلى وسائل لمواجهة هذا التهديد وان يُعمم هذه الوسائل عموديا وأفقيا ليشكل رأياً عاما حولها، وان يمارس دوره الرقابي للتأكد من تطبيق هذه الحلول، ومن أجل تجويد التغطية الإعلامية لقضايا البيئة يجب العمل على حل مشكلات بنيوية تتعلق بـ : تطوير تخصص الإعلام البيئي. تأهيل الصحفي من ناحيتي المعرفة والمهارات تطوير وسيلة الإعلام من ناحيتي اهتماماتها وآلية اتخاذ القرار فيها . دراسة المؤسسات العاملة في مجال البيئة من ناحيتي القدرات والأنشطة الخبراء من ناحيتي التخصص والقدرات الإعلامية وإنشاء دليل للخبراء البيئيين.
منتصر حمدان رئيس شبكة الصحافة الاستقصائية الفلسطينية يتحدث خلال مؤتمر الصحافة البيئية
الورقة الرابعة: الصحافة الاستقصائية ودورها في تعظيم القضايا البيئية في فلسطين- منتصر حمدان
عند الحديث عن التحقيقات الصحافية الاستقصائية واعتمادها كمنهج عملي مهني متقدم في الصحافة الفلسطينية، لا يمكن إغفال مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية في الأراضي الفلسطينية. إلا أن التجربة العملية على أرض الواقع ومن خلال تحقيقات استقصائية أنجزت من قبل صحافيين محليين أثبتت بما لا يدعُ مجالا للشك، مستوى التأثير الذي يمكن أن تلعبه هذه التحقيقات في تحسين حياة المواطنين على مستوى الخدمات، إضافة إلى تعزيز دور ومسؤولية الصحافة الفلسطينية في أداء واجبها المهني على صعيد المساءلة والرقابة على أداء المؤسسات العامة التي تقدم خدماتها للجمهور.
وعند الحديث عن الصحافة الاستقصائية ودورها في المجال البيئي في فلسطين، فإن ذلك يؤشر إلى آفاق واسعة النطاق لتعميم هذا الفن الصحفي الاحترافي باعتبار أن القضايا البيئية تحقق نتائجَ واضحة ومؤثرة، والتركيز عليها يمثل مسؤولية وطنية مهنية ومجتمعية على المستويات المحلية والعربية والدولية، ما يجعل من القضايا البيئية مصدرا حيويا للصحافة الاستقصائية، سيما أنها تمس حياة جميع المواطنين.
جورج كرزم رئيس تحرير مجلة آفاق البيئة والتنمية يتحدث في مؤتمر الصحافة البيئية
الورقة الخامسة: الصحافة البيئية..."الخطوط الحمراء" وثقافة الخوف، جورج كرزم
تناولت هذه الورقة الرسالة الأساسية للصحافة البيئية ومفادها أن القضايا البيئية غير منفصلة عن تفاصيل الحياة اليومية؛ بل تشكل (تلك القضايا) سلة متكاملة من الحقوق، مثل الحق في الغذاء والحق في الصحة والحق في التعلم. وتجادل بأن نجاح الإعلام البيئي يقاس بمدى قدرته على تحويل القضايا البيئية من مجال تخصصي يشغل حيزا في بعض الصفحات المتخصصة فقط، إلى مسألة تمس جوانب وهموم حياة المواطنين اليومية، باعتبار أن هذا هو التحدي الكبير للصحافة البيئية، وفي غيابه لن يكون لكتاباتنا أي تأثير حقيقي على الرأي العام.
ناقشت الورقة أيضاً أسباب حرص معظم الإعلام الفلسطيني على عدم تجاوز ما يسمى "الخطوط الحمراء" الرسمية، وذلك أساسا لتجنب المشاكل مع الجهات الحكومية أو الأجهزة الأمنية؛ وبخاصة أن العديد من القضايا البيئية-السياسية أو البيئية-الاقتصادية والتي قد تثير حفيظة "متخذي القرار" الرسميين، أو "متخذي القرار" في القطاع الرأسمالي الخاص، الذين قد تتضارب مصالحهم مع حماية البيئة والصحة العامة والتنمية الإنتاجية المستدامة. كما طرحت الورقة خلفية تعرض بعض الناشطين والكتاب والصحفيين البيئيين الفلسطينيين للضغوط والتهديدات.
وحاولت الورقة طرح تصور لكيفية إسهام الصحافة المحلية في عملية رفع مستوى الوعي البيئي-السياسي، ناهيك عن التأسيس لفكر بيئي-سياسي نقدي يعتمد على التحري والتحقيق والبحث الميداني وجمع ومعالجة المعطيات والمعلومات والوثائق.
معمر عرابي عضو مجلس إدارة شبكة وطن الإعلامية يتحدث في مؤتمر الصحافة البيئية
الجلسة الثالثة:
الورقة السادسة: تجربة وطن في الصحافة البيئية- معمر عرابي
كان لشبكة وطن الإعلامية تجربة متواضعة في الصحافة البيئية، فعلى مدار ال15 سنة الماضية تنبّهت وطن مبكراً لأهمية البيئة وتعزيز حضور القضايا البيئية في الإعلام وقامت بدمج هذه القضايا في برامجها وانتاجاتها المتنوعة من خلال:
- برامج حوارية تلفزيونية مثل برنامج "حوارات بيئية" بالتعاون مع مركز معاً والذي يهدف إلى رفع الوعي بالقضايا البيئية للتأثير على السياسات الحكومية وتعزيز التنمية المستدامة.
- "مجلة عين على البيئة" بالتعاون مع اليونسكو ومركز معا وتهدف لنشر الوعي وتغيير السياسات الحكومية الفلسطينية، ورصد انتهاكات الاحتلال بحق البيئة ونشر المعلومات حول المبادرات البيئية.
- التحقيقات الاستقصائية البيئية مثل تحقيق "النفايات الطبية" ، وتحقيق "النفايات الالكترونية"، وتحقيق "مياه عين قينيا الملوثة" والتي ساهمت في تسليط الضوء على الأضرار البشرية للبيئة واعتداءات الاحتلال ودور الحكومة الفلسطينية في التعامل معها.
- تغطية مستمرة للفعاليات البيئية من خلال التقارير المتلفزة والمكتوبة وتخصيص زاوية "صحة وبيئة" على موقع وطن الالكتروني.
- تعزيز الشراكات مع مؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى بالبيئة مثل شبكة المنظمات البيئية ومركز معاً من خلال إنتاج الفيديوهات التوعوية والبرامج وتغطية الأخبار.
لذا، تقدم وطن التوصيات التي سترفع من شأن القضايا البيئية في الإعلام المحلي وهي:
- تفعيل دور إعلام بيئي توعوي من خلال البرامج متعددة الوسائط وتعزيز صحافة البيئة والحلول.
- جعل البيئة جزءاً من السياسية التحريرية للمؤسسات الإعلامية.
- تدريب وتطوير قدرات الصحفيين في مجال الصحافة البيئية.
- التشبيك المستمر ما بين وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى بالبيئة.
الورقة السابعة: تجربة فلسطينية في الإعلام البيئي الإذاعي- فراس الطويل
كانت بداية شبكة أجيال الإذاعية في الإعلام البيئي في بدايات تأسيسها أواسط التسعينيات محدودة جداً وبشكل عشوائي من خلال طرح بعض القضايا في البرامج المتنوعة. ولكن مع بروز تلك القضايا في الأراضي الفلسطينية بشكل واضح أواخر العقد الأول من الألفية الثالثة، كان لزاما إعطاء مزيد من الاهتمام من خلال تقارير مختصة تعالج مواضيع تتصل بحياة السكان وبيئتهم.
عن تجربته الشخصية، يتحدث الصحفي الطويل: "عام 2014، بدأت الاهتمام تدريجيا بقضايا البيئة. أحد التقارير التي أعددتها عالج مخلفات الباطون التي تتخلص منها مضخات وخلاطات الباطون على جوانب الطرقات وأثر هذه القضية على البيئة. فاز التحقيق بجائزة الصحفي صديق الحكم المحلي، وشكل الأمر حافزا لي للاستمرار في طرح هذه القضايا. وفي ذات العام التحقت بمجلة آفاق البيئة والتنمية المختصة بقضايا البيئة، وأصبحت كاتبا فيها وطرقت منذ ذلك الوقت جملة من القضايا البيئية الهامة".
وأضاف الطويل: "بالتوازي مع ذلك التحقت بشبكة إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية (أريج) في الأردن، ما جعلني أتناول قضايا البيئة باحترافية أعلى. ومن القضايا التي أثرتها تهريب السولار من إسرائيل وخلطه وغشه وبيعه للمستهلكين. ثم أعددت تحقيقا اخر حول الأثر البيئي والصحي للسولار المغشوش وما يسببه من انبعاثات ضارة".
وأشار أيضاً في ورقته إلى طرح القضايا البيئية عبر الإذاعة من خلال متابعة القضايا المختلفة، والتي بقيت بعيدة عن التخصص، إلى أن تم إنتاج برنامج بيئي مختص بالشراكة مع مركز معا، تحت عنوان "حلول خضراء". شكل البرنامج الذي يبثُّ أسبوعيا منذ نحو عامين، منصة لقضايا البيئة والتنمية والزراعة.
ربى عنبتاوي محررة مجلة آفاق البيئة والتنمية تقدم ورقتها في مؤتمر الصحافة البيئية
الورقة الثامنة: تجربة آفاق البيئة والتنمية...نحو صحافة بيئية استقصائية نقدية، ربى عنبتاوي
ناقشت هذه الورقة أهمية الصحافة الاستقصائية عموماً في الكشف عن انتهاكات وجرائم بحق التنوع الحيوي، وتسلّطُ الضوء على أهم هذه التحقيقات الاستقصائية والتقارير المعمّقة، والتي استطاعت وفق منهجية علمية في العمل الاستقصائي الصحفي إبراز قضايا بيئية تطرح لأول مرة على المستوى الفلسطيني (الإعلامي والمجتمعي)، وكيف اعتبرت مصدراً غنياً للمعلومات استندت عليها الجهات الحكومية للمتابعة واتخاذ الإجراءات اللازمة.
في عام 2015 تم التعاون مع شبكة أريج "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية" في عام 2015، حيث تم تدريب صحفيين من طاقم المجلة على مهارة الاستقصاء، فقدمت المجلة في السنوات الأخيرة عدداً من التحقيقات أثارت قضايا مسكوتا عنها. ومن أهم التحقيقات التي أنتجتها المجلة: مبيدات محرمة دولياً تستبيح فلسطين 2011، موسم إعدام الشجر 2016، دراسات تقييم الأثر البيئي...جسر عبور المستثمر على حساب البيئة، 2017، سماد النفايات عام 2018.
طاقم كتاب مجلة آفاق البيئة والتنمية أثناء المؤتمر
الورقة التاسعة: دور الإعلام الحكومي في تعزيز الوعي البيئي-عبد الباسط خلف
تناقش الورقة البحثية دور الإعلام الرسمي في تعزيز الوعي البيئي، وتُحلّل مضمون البرامج الإعلامية المختصة بالبيئة في: هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية بتفرعاتها، والموقع الإلكتروني لوكالة (وفا)، وموقع سلطة جودة البيئة.
وتسعى للإجابة بطريقة منهجية على مدى حضور البيئة وبرامجها في وسائل الإعلام الرسمية. كما تفحص درجة تصنيف البيئة كاهتمام دوري أو موسمي. وتجيب عن شكل العلاقة بين الإعلام المتخصص والوعي.
وتهدف الورقة إلى قياس نسبة حضور البرامج البيئية المتخصصة في المنابر الرسمية، وتحليل مدى التفاعل مع هذه البرامج، وتفحص درجات توظيف نظرية وضع جدول الأعمال Agenda-Setting Theory، والتي تفترض أن وسائل الإعلام من خلال عرضها للمعلومات والحقائق تقرر القضايا التي يتداولها الجمهور.
وتحلّل مضمون البرامج المختلفة في أرشيف موقع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الفلسطيني (فلسطين، ومساواة، والأخبار، وصوت فلسطين)، ووكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، والمركز الإعلامي لسلطة جودة البيئة. وتحلل أيضا حضور المواد الإعلامية المتخصصة بالبيئة، والتفاعل الذي أحدثته، والرسائل التوعوية التي نقلتها.
د. مصطفى ازعيتراوي أستاذ الجغرافيا البشرية في الجامعات المغربية يقدم ورقته
الورقة العاشرة: الإشكالات البيئية والوصول إلى المعلومة البيئية بالمغرب- مصطفى ازعيتراوي
تهدف هذه المداخلة إلى مناقشة السياق المغربي من خلال عرض أهم الإشكالات البيئية وتحليل تطور الترسانة القانونية المتعلقة بالسياسات البيئية، كما ستتم مناقشة إشكالية الوصول إلى المعلومة البيئية التي أصبحت، بشكل عام، أداة أساسية لإنجاز وتنفيذ وتقييم السياسات البيئية، حيث تعتبر إتاحتها بشكل عمومي شرطا أساسيا لمشاركة المواطنين في إدارة البيئة. كما يُنظر، بشكل متزايد، إلى الحق في الوصول إلى المعلومات كأداة اتصال لضمان قيام المواطنين والمجتمع المدني عمومًا بدورهم الكامل في تحديد الإشكالات ووضع سبل مُجابتها. وتُعتبر تقوية الحوكمة البيئية، من خلال تعزيز الوصول إلى المعلومات البيئية، تعزيزا لمشاركة المؤسسات في القضايا البيئية وبناء قُدرات الفاعلين المتدخلين.
ويرتبط سؤال الحق في الوصول إلى المعلومة البيئية بسؤال الحق في الحصول على المعلومات بشكل عام. وبالرغم من أن الدستور المغربي لسنة ٢٠١١، وخصوصا الفصل ٢٧ منه، يعتبر أن حق الحصول على المعلومات هو حق من الحقوق والحريات الأساسية، فإن ترسيخ هذا الحق بشكل واقعي يعتبر مهمة صعبة. ويعرف المجتمع المدني المغربي نقاشاً متواصلا حول هذه القضية على اعتبار أن الحق في الوصول إلى المعلومات هو حق وجب تكريسه من منطلق ضرورة إلتزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وعملاً بمقتضيات المادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة ١٩ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وكذلك المادة ١٠ من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي ألزمت الإدارات العمومية بضرورة تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات واتخاذ التدابير لممارستهم لهذا الحق.
الورقة الغائبة: الإعلام الفلسطيني الجديد والصحافة الإلكترونية ودورهما في التوعية المجتمعية- الحارث ريان
ملاحظة: لم تقدم الورقة بسبب تغيب صاحبها لأسباب اضطرارية مرتبطة بإجراءات تعسفية من قبل الاحتلال، لكن نقدم لكم ملخصاً لها:
أصبحت اليوم، منصّات الإعلام الاجتماعي و"الفيسبوك" بشكل خاص، ميدانًا هامّاً للمواجهة حول مختلف القضايا العالمية. بدأ الأمر بعالم متّصل ومساحة يستطيع الجميع المشاركة فيها بتجاربهم، وتطوّر لغاية واحدة منشودة تبدأ بتغيير السلوك والممارسات للأفراد والشعوب، من خلال استهداف الأفراد وقراءة سلوكهم الرّقمي، حتى وصل لحدّ التخمة الإعلامية أو المعلوماتية التي امتدّت لتشمل منصّات الإعلام الإلكتروني والإعلام الحديث، لكن في الوقت نفسه تغيّب ولا تتناول بقدر كاف من المسؤولية مختلف قضايانا العالمية والسّاخنة، حيث أنّ هذا الواقع المنقّى أو المُصطفى، لا يعطي الأولوية للقضايا البيئية مثلاً. كما أن القدرات الرقميّة لمؤسّسات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّ في انخفاض مستمرّ بسبب عوائق تنظيميّة وإداريّة وعمليّة، وهذا يحدّ من قدرة هذه المؤسّسات على إيصال رسالتها إلى الساحة العالميّة.
عملت حملة ومن خلال مشاريع عدّة، أهمّها إطلاق منتدى فلسطين للنّشاط الرقميّ على مدار السّنوات الثلاث الماضية على رفع قضيّة النّشاط الرّقمي الفلسطيني على مستوى الحقوق والمناصرة والتمكين في تناول قضايا مختلفة وبأدوات أكثر ودوره في بلورة وصوغ ومناصرة القضايا الفلسطينية المختلفة في العالم الرّقمي.
التوصيات
وفي الجلسة الختامية، خرج المؤتمر بالتوصيات التالية التي أعلن عنها منسق برنامج العدالة البيئية في مؤسسة هنرش بل "نضال عطالله" والتي من المفترض أن تقدم للجهات ذات الصلة للعمل عليها وتطوير الأداء الإعلامي البيئي، ومن أبرزها: سعي المؤسسات والجهات الإعلامية لبلورة صحافة محلية حقيقية وشفافة تساهم في بناء التوجهات وتشكيل رأي عام مجتمعي.
-حق الحصول على المعلومات هو حق من الحقوق والحريات الأساسية، ما يتطلب العمل الأهلي والمدني على إلزام الإدارات الحكومية بضرورة تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات واتخاد التدابير لممارستهم هذا الحق.
- تأهيل وتدريب الصحافيين المعنيين من ناحيتي المعرفة والمهارات على العمل الإعلامي البيئي الذي يتطلب مهنية عالية وانتماء للقضايا البيئية والوطنية.
- تدريب الصحفيين المعنيين على مهارة الاستقصاء الهادف إلى إثارة قضايا مسكوت عنها
- استغلال البحث العلمي الجامعي لغايات تدعيم التحقيقات الاستقصائية.
- التشبيك المستمر ما بين وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني التي تُعنى بالبيئة
- التعاون والحوار بين المؤسسات المعنية في الصحافة البيئية من المجتمع المدني والإعلام والقطاع الحكومي (وزارة الصحة والتعليم العالي وسلطة جودة البيئة)، بالإضافة إلى البلديات وأجسام الحكم المحلي المختلفة.
- التأسيس لفكر بيئي-سياسي نقدي يعتمد على التحري والتحقيق والبحث الميداني وجمع ومعالجة المعطيات والمعلومات والوثائق، وتحقيق إعلام فلسطيني بيئي منحاز لمطالب الجماهير، ويسلط الضوء على الانتهاكات بحقهم وتبني منظور حقوقي في ذلك.
- تحفيز المؤسسات المعنية على الاستثمار في منصّات الإعلام الإلكتروني والإعلام الحديث لمناقشة مختلف القضايا السّاخنة، وبخاصة القضايا البيئية.
- تفعيل دور إعلام بيئي توعوي من خلال البرامج متعددة الوسائط وتعزيز صحافة البيئة والحلول.
- جعل البيئة جزءاً من السياسية التحريرية للمؤسسات الإعلامية.
- تطوير الإعلام البيئي في الجامعات والمؤسسات الأكاديمية، من خلال تطوير وتعزيز تبني مناهج أو مواد تدريسية ومساقات أو حتى تخصصات.
- حث الجهات الحكومية على تعزيز حضور البيئة في الإعلام الرسمي، والعمل على تحسين المحتوى من خلال استغلال تجارب محلية ذات صلة.
- تفعيل الاتفاقية الموقعة بين نقابة الصحفيين وسلطة جودة البيئة الهادفة إلى تنشيط وتحفيز الاهتمام الصحفي بقضايا البيئة.
- التوجه لإدماج قضايا البيئة والالتفات لها والتركيز عليها في مجمل المضامين الصحفية التي تتسع لذلك، بهدف خلق اهتمام جماهيري أوسع
- فضح انتهاكات الاحتلال البيئية وصلتها بالمشروع الاستيطاني والحصار المفروض على قطاع غزة واستخدام الإعلام البيئي كأداة/وسيلة للمناصرة الدولية للقضية الفلسطينية وبخاصة في أوروبا.
- مواجهة استهداف الصحافيين/ات والقيود المفروضة عليهم/ن من خلال إيجاد آليات حماية وتفعيل دور نقابة الصحافيين في الدفاع عنهم/ن، وعن حرية التعبير وحق الحصول على المعلومات.
- التشبيك بين العاملين/ات في الصحافة البيئية على مستوى المنطقة العربية، لمشاركة التجارب والخبرات وبناء مجموعات عمل وتضامن.
- دعم الصحافة الجماهيرية لاستقطاب اهتمام اوسع والتزام الصحافة البيئية بدعم التحركات البيئية على المستوى الشعبي.