خاص بآفاق البيئة والتنمية

يُعد الزيتون ثروة اقتصادية، ويحظى برمزية وطنية، ويُعتبر موسمًا اجتماعيًا، لكن شجرة السماء وزيتها، مهددان بفعل ممارسات خاطئة في التعامل معها. ترصد (آفاق) هذه الأخطار، وتحاور مختصين ومسؤولين، علّها تساهم في نشر التوعية، وتصويب واقع الحال.
وصنّف الوكيل المساعد السابق لوزارة الزراعة، د. زكريا سلاودة الممارسات الخاطئة في التعامل مع الزيتون إلى مجموعتين، الأولى تخص الشجرة كالحراثة والتقليم، والأخرى القطاف وتخزين الزيت.

استعمال البلاستيك ينتشر حتى خلال عصر الزيتون
خلل المواعيد
وأفاد بأن المزارعين "يمارسون الكثير من الأخطاء دون دراية"، أبرزها عدم الالتزام بمواعيد القطاف التي تحددها وزارة الزراعة، إذ يبكّرون في جني الثمار، ما ينعكس سلبًا على نسبة الزيت.
ووفق سلاودة، فإن "لا مواعيد ثابتة للقطاف"، فهي تختلف من عام لآخر، إذ تتطلب الثمرة للنضوج الكامل 180 يومًا من عقدها، وهذا العام تأخر العقد.
وفّند اعتقاد البعض بأن ارتفاع الحرارة يعني نضج الثمار، والتبكير بالقطف، فالحرارة تكون غير مواتية لعمليات تحول الزيت داخل الثمرة، وبالتالي يتم تأخير الموعد، وليس العكس.
وأكد سلاودة أن لكل منطقة ظروفها في تبكير القطف أو تأخيره، فطولكرم تختلف عن شرق جنين وعن رام الله، فالظروف الجوية، ونوعية التربة مختلفة، كما أن عُمر الشجرة يلعب دورًا في تحديد الموعد.

استعمال العصي لقطاف الزيتون من أبرز الممارسات الخاطئة
الثمار المتساقطة
وأشار إلى أن خلط ثمار الزيتون المتساقطة (الجول) بالعادية من الأخطاء القاتلة، التي تؤدي إلى "فساد نوعية كامل الزيت"؛ لأن الحبات المتساقطة قبل الموعد، من المرجح أن تكون قد أصيبت بأنواع من الذباب والحشرات، أو تعرضت للديدان، فترفع نسبة الحموضة والتأكسد و(البروكسايد)، ويجري إفساد النكهة (الفينولات) وتكون بمذاق سيء، ويقل ثمنها، فتذهب الفائدة الأساسية للثمرة.
وأوضح أن تخزين الثمار بأكياس بلاستيكية، وتجميعها قبل العصر عادة خاطئة، فارتفاع حرارة الأكياس ينتقل إلى الثمار، ويؤثر على نوعية الزيت وجودته.

التخزين السيء للزيتون
سوء التخزين
وبيّن أن الوضع المثالي هو عدم تخزين الزيتون إلا في صناديق بلاستيكية قابلة للتهوية، وتبكير العصر بأسرع فرصة، ويمكن استخدام أكياس الخيش للنقل فقط، مع عدم إيذاء الثمار.
وذكر سلاودة أن استخدام العصي في القطاف يتسبب بتكسير الأغصان الصغيرة، التي تحمل الثمار في العام المقبل عادةً، كما تؤذي الثمار وتجرحها، ويتضاعف ذلك بسقوطها على الأرض بقوة. كما أن اختلاط الحبيبات المجروحة بالسليمة يؤثر على الزيت كله.
وتحدث عن أخطار تخزين الزيت في أوعية بلاستيكية، "تكون أحيانًا قديمة جدًا، أو تعود بالأساس لمواد كيماوية ومبيدات مواد سامة"، لا يمكن تنظيفها بأي صورة، وتؤثر على سلامة الزيت، وتهدد الصحة.
وأوضح أن التخزين الجيد يتم في أماكن غير مرتفعة الحرارة، وبعيدة عن أشعة الشمس، ومرفوعة عن الأرض، وفي أواني من (الستانليس ستيل)، وهو الفولاذ المقاوم للصدأ.
وأشار سلاودة إلى الممارسات الصحيحة لأجدادنا، حيث كان يتم استخدام الجرار المصنوعة من الفخار والطين، والتي تبقي الزيت بحالة جيدة لسنوات.
بدوره، قال مدير عام مجلس الزيت والزيتون، فياض فياض، إن العادات السيئة في التعامل مع شجرة الزيتون عديدة، لكن أبرزها استعمال العصا في القطاف، واللجوء إلى الأكياس البلاستيكية لتخزين الثمار قبل نقلها إلى المعاصر، وتخزين الزيتون أكثر من ثلاثة أيام سواء بظروف جيدة أو سيئة.
وتطرق إلى أن الشجرة تفقد أغصانها اليافعة، حال استعمال العصي بالقطاف، ويهدد هذا مستقبل الزيتونة في السنة القادمة.

قطاف الزيتون
أخطاء التقليم
ودعا فياض إلى تفادي التقليم أثناء القطف، وهي "عادة قاتلة" صارت منتشرة للأسف في بلادنا؛ لأن مكان كل ثمرة قطفناها هناك جرح صغير على الغصن، وتحتاج الشجرة لبذل طاقة جهد لالتئام جروحها.
وشبه فياض شجرة الزيتون بـ"المرأة الحامل"، فحين تضع تكون منهكة القوى، وغير قادرة على العمل. وعندما نقطع الأغصان في فترة جفاف، تتراجع قدرة الشجرة على علاج نفسها، ويؤثر عليها.
وذكر أن الري التكميلي للحصول على زيت أعلى، يجري بصورة خاطئة، فيعمد المزارعون للسقاية على الساق نفسه، ويجب الابتعاد عنه مسافة كافية، وحسب حجم الشجرة.
وأردف فياض أن استخدام الزبل العربي للشجرة في غير مواعيده، كفترة القطاف، أو قبلها، يجري بصورة خاطئة، ولا يُغطى بالتراب، ما يعني أن الغازات المنبعثة منه تجذب ذبابة الزيتون.

ممارسات خاطئة- تخزين الزيتون لفترات طويلة
المصائد والآفات
ووفق فياض، يعتبر تعليق مصائد صفراء للتخلص من الآفات والحشرات على الأشجار، "ممارسة غير مرغوبة على الإطلاق"، فهي تصيد الذباب في مدة معينة، لكن في حال جفافها تعجز عن صيد الذباب، وتصبح جاذبة له دون صيده.
من جانبه، شدد عضو الفريق الوطني لتذوق الزيت، ورئيس قسم الأشجار في المركز الفلسطيني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، محمد جرار، على عدم إتلاف جودة الزيت بالممارسات السيئة أثناء القطف، والنقل والتخزين لحين العصر، أو خلال عصر ثمار الزيتون، وفي تخزين الزيت.
وشرح بأن للثمرة طبقة لحمية بداخلها، ويتراوح وزنها عند النضج من 2-21 غرامًا، فيما يشكل الماء في الثمرة (40-50%)، والزيت من 20-25%، ويكون بمجمله في طبقة اللحمية، والسكريات 19.1%، والسيليولوز 5.8%، والبروتينات 1.6%، والرماد بنسبة 1.5%، وأحماض دهنية، ومواد ملونة، ونكهات عطرية.
وبحسب جرار، يجب البعد قدر الإمكان عن دوس الثمار، وتفادي تعريض محتواها الزيتي للهواء، واستخدام القطف اليدوي، والأمشاط، والبعد عن استخدام العصي لما لها من تأثير سلبي على جودة ثمار الزيتون، إذ تعمل على تكسير وتجريح الثمار، وبالتالي أكسدة زيت الزيتون وتلوثه.

نقل جيد للزيتون
جودة الزيت
وأفاد بأن عوامل "زراعية وتصنيعية" تؤثر على جودة الزيت، عدا عن طريقة تخزين الزيت، التي تلعب دورًا هامًا في النوعية. فيما يعتبر أفضل موعد للقطف عند تلوين القشرة الخارجية وقلب اللب، إذ يحتوي الزيت في هذه المرحلة على أعلى نسبة من المُركبات التي تعمل على حماية الزيت من الأكسدة، وتعطيه عمرًا أطول أثناء التخزين.
واستنادًا لجرار، في حال القطف المبكر، وقبل النضج فإن مركبات الثمرة تكون قليلة، كما أن المادة الخضراء تكون عالية التركيز، ولون الزيت أخضر غامق وطعمه مر.
وقال: " القطف عند النضج الزائد يعني تركيز المُركبات بشكل أقل، وكلما زاد النضج تقل هذه المركبات حتى تختفي نهائيًا، وتقل المادة الخضراء، وفي هذه الحالة فإن الزيت داخل الثمرة يتعرض للأكسدة وارتفاع الحموضة، ولا تتحمل الثمار النقل والتخزين".
وتبعًا لجرار، يكون الزيت الناتج من الثمار المتأخرة "بحموضة عالية، ونوعية أقل، ولون أصفر"، مثلما لا يوجد به طعم الزيتون، أو "الحرقة الخفيفة"، كما أن عمر الزيت أثناء التخزين يكون قصيرًا.
وحول الموعد المثالي، قال جرار: "عندما تحتوي الثمرة على أعلى كمية من الزيت وأعلى نوعية."
ورأى بأن الطريقة المثلى للتخزين تكون بصناديق بلاستيكية ذات تهوية جيدة، وبدرجات حرارة من 10-12، وبعيدًا عن الشمس والمطر.
وأفاد بأن العوامل التصنيعية المؤثرة على جودة الزيت "تمثل 30% من العوامل"، وتشمل غسيل الثمار، وفصل الأوراق عن الثمار، وطحن الثمار، وخلط الدريس، والفرز، وتعبئة الزيت.
ففي مرحلة الغسيل وفصل الأوراق، يجب تغيير المياه مرة كل 6 ساعات، كما أن طحن وعصر الثمار مع الأوراق يؤثر على الطعم، وتخسر الثمار المجروحة جزءًا من زيتها.
البلاستيك.. العدو
وأضاف جرار أن تعبئة الزيت مسألة هامة؛ لأنه "مادة قابلة للتلوث والفساد"، ويتميز بامتصاصه للروائح الغريبة والكريهة، لذا يجب أخذ الاحتياطات اللازمة للتخزين، كأن تكون الأوعية مصنوعة من مادة سهلة التنظيف، وغير قابلة للصدأ، ومن مواد مرخصة لحفظ المواد الغذائية، وغير منفذة للضوء والهواء، وتحافظ على ثبات درجة حرارة التخزين (من 10-15 درجة)، ومقاومة للصدمات والضغط، وأن يتناسب حجم العبوة مع كمية الزيت، فوجود فراغ يسهل عملية التأكسد.
وحول أفضل العبوات للتخزين، قال إن الزجاج المعتم والفولاذ المقاوم للصدأ هما الأنسب، أما التخزين في الأوعية البلاستيكية فيفقد الزيت خصائصه الحسية، ويجب ألا تزيد درجة الحرارة في المخزن عن 15 درجة، وأن يكون خالٍ من أي نوع من الروائح، وألا يكون رطبًا، وبعيدًا عن الضوء المباشر، ونظيفًا بصورة دائمة.
aabdkh@yahoo.com