حظيت البلاد بكميات أمطار وفيرة خلال موسم الشتاء الحالي، وتجاوزت معدلات الهطول نسبة 100% في العديد من المناطق. ووفقا لدائرة الأرصاد الجوية فإن موسم 2018-2019 كان جيدا من حيث الكميات وتوزيعها حتى نهاية شهر شباط الماضي، وذلك بالاستناد إلى البيانات التي جمعتها دائرة الأرصاد الفلسطينية. ورغم ذلك فإن الاستفادة الفلسطينية من مياه الأمطار محدودة جدا، تصل الى نحو 1% فقط من كميات الأمطار التي يمكن حصادها. كمية المياه القابلة للحصاد تصل إلى 150 مليون متر مكعب، يتم استغلال 2.5- 3 مليون متر مكعب منها فقط من خلال السدود الصغيرة وآبار الجمع والبرك الصغيرة والمتوسطة. يمكننا تخفيف حدة جريان المياه لتحقيق استفادة أكبر من الأمطار، من خلال تقنيات عدة، منها بناء الجداران الاستنادية او المصاطب الترابية التي تحفظ التربة وتزيد الرقعة الزراعية، وهنا يتم توفير رطوبة عالية للمزروعات البعلية. تقنية أخرى في الأودية تتمثل بإنشاء سدود الاعاقة للمياه بدلا من جريانها بشكل مستقيم، وبالتالي زيادة التغذية الجوفية عبر البرك الصغيرة والمتوسطة وهي غير مكلفة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
 |
الجدار الكولونيالي يمنع التدفق الطبيعي لمياه الأمطار ويحول دون الاستفادة منها |
في ظل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على 85% من مصادر المياه، تُطرح باستمرار أسئلة عن الخيارات الفلسطينية لتلبية حاجة الأعداد المتزايدة من السكان، خصوصا أن حصة الطرف الفلسطيني لم تتغير منذ 20 عاما. ورغم كيمات الأمطار الوفيرة التي تحظى بها البلاد، خصوصا في الموسم الحالي، إلا أن الاستفادة الفلسطينية تبدو محدودة جدا، ولم تصل إلى الحد الذي يجنّب الكثير من التجمعات السكانية أزمة عطش تعصف بها في كل فصل صيف.
موسم مطري وفير واستفادة محدودة
حظيت البلاد بكميات أمطار وفيرة خلال موسم الشتاء الحالي، وتجاوزت معدلات الهطول نسبة 100% في بعض المناطق. ووفقا لدائرة الأرصاد الجوية فإن موسم 2018-2019 كان جيدا من حيث الكميات وتوزيعها حتى نهاية شهر شباط الماضي، وذلك بالاستناد على البيانات التي جمعتها دائرة الأرصاد من خلال 103 محطات لرصد كميات الأمطار، منتشرة في أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. (أنظر الجدول المرفق من موقع الأرصاد).
نحو1% فقط ما يتم حصاده من مياه الأمطار في الضفة الغربية
وفقا لخبير المياه د. فرح صوافطة، فإن الاستفادة الفلسطينية من مياه الأمطار محدودة جدا، تصل الى 1% فقط من كميات الأمطار التي يمكن حصادها. ويقول صوافطة الذي عمل في السابق مديرا لدائرة المياه في وزارة الزراعة، إن كمية المياه القابلة للحصاد تصل إلى 150 مليون متر مكعب، يتم استغلال 2.5- 3 مليون متر مكعب منها فقط من خلال السدود الصغيرة وآبار الجمع والبرك الصغيرة والمتوسطة. مشيرا إلى أن الموازنة المائية في فلسطين تأتي عادة من مياه الأمطار، يذهب ما نسبته 60 – 65% كتبخر، و20% لتغذية المياه الجوفية بحدود 700 – 800 مليون متر مكعب. أما الجزء المتبقي فيذهب كجريان سطحي يقدر بــ 5-6% في الاراضي العادية، في حين أن نسبة الجريان السطحي في المناطق الحضرية تفوق 70% من خلال سطوح البنايات والشوارع، وتذهب للأودية الجانبية في الضفة الغربية حسب كميات الأمطار الهاطلة في الموسم.
الاحتلال يسيطر على 85% من مصادر المياه
الجريان السطحي هو أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر في نتائج الموازنة المائية. ويقصد به مجموعة الأودية والسيول والمجاري المائية سواء كانت الدائمة أو الموسمية. ويعتمد الجريان السطحي على عدة عوامل منها التضاريس، وكمية الأمطار الساقطة، والتربة، والغطاء النباتي وطبيعة التكوينات الجيولوجية للمنطقة، وهذا يؤثر على اختلاف نسبة الجريان السطحي من منطقة إلى أخرى.
ووفقا لصوافطة تقسم الضفة لثلاث مناطق تجميع مياه سطحي وهي: الحوض الشرقي والحوض الغربي والحوض الشمالي الشرقي. في حين لا يوجد جريان سطحي دائم في قطاع غزة. ويعدّ وادي غزة، الوادي الأهم في المنطقة، ويصل طوله إلى 8.5 كم، ويمتد باتجاه شمال غرب وجنوب شرق القطاع، وتشكل جبال الخليل وشمال النقب، المصادر الرئيسية لمياه الوادي، حيث تشكل مساحة حوض 3600 كيلومتر مربع، وتقدر كمية معدل مياه الجريان السطحي في الوادي بحوالي 2-3 مليون متر مكعب، ولا تصل مياهه الآن كما كانت في السابق؛ بسبب بناء إسرائيل عدداً من السدود وسحب مياهه إلى شمال النقب.
وحسب صوافطة فإن الاحتلال الإسرائيلي يتصرف بــ 83_85 % من المياه الجوفية في الأحواض الثلاثة، وما نتصرف به كفلسطينيين يقدر بـ15% فقط من مياه الآبار أو الينابيع أو الفيضان السطحي الذي يمكن استغلاله بأكبر قدر ممكن لتوفير مياه الشرب والمياه الزراعية.
مشاريع حصاد لا تلبي الاحتياج
وعن مشاريع الحصاد المائي الموجودة في الأراضي الفلسطينية فهي قليلة جدا ولا تلبي الاحتياج المتزايد للزراعة والشرب وفقا لصوافطة، الذي أضاف أن السلطة الفلسطينية تنبهت مؤخرا في 2010 لإقامة مشاريع الحصاد من خلال السدود الصغيرة والمتوسطة والبرك وآبار الجمع. وتتمثل هذه المشاريع بسدود في منطقة العوجا، وفي بني نعيم وبيت الروش بالخليل وبركة عرابة بجنين.
وأشار إلى "إمكانية تحقيق استفادة أفضل خصوصا أننا نتحدث عن أمطار بالمعدل السنوي تصل الى 520 ملم سنويا، ما يعني 3 مليار متر مكعب مياه في الضفة فقط، إذا ما تحدثنا عن 5% منها كمياه جارية، يصبح لدينا 150 مليون متر مكعب يمكن استغلالها. وإذا توفرت الإمكانيات المادية والتخطيط الجيد يمكن حصاد بحدود 60 مليون متر مكعب خلال السنوات العشرة المقبلة، لاستخدامها في الزراعة وري الحيوانات وكذلك لمشاريع التنقية او تغذية الحزانات الجوفية، خصوصا الحوض الشرقي الذي يمتد من الظاهرية وحتى مناطق الأغوار، وأكد صوافطة على ضرورة الحصاد من خلال آبار الجمع سواء للشرب أو الزراعة، وحاليا يمكن أن توفر 30% من الاحتياجات للزراعة أو الشرب".
ونصح الخبير صوافطة بتخفيف حدة جريان المياه لتحقيق استفادة أكبر من الأمطار، من خلال "تقنيات عدة، منها بناء الجداران الاستنادية او المصاطب الترابية التي تحفظ التربة وتزيد الرقعة الزراعية، وهنا يتم توفير رطوبة عالية للمزروعات البعلية، وأضاف أن السلاسل أيضاً تخفف الجريان الذي يحفظ التربة وتحسن جودة النفاذ والتسرب لزيادة مخزون المياه الجوفية.
وأشار إلى تقنية أخرى في الأودية تتمثل بإنشاء سدود الاعاقة للمياه بدلا من جريانها بشكل مستقيم، وبالتالي زيادة التغذية الجوفية عبر البرك الصغيرة والمتوسطة وهي غير مكلفة".

هدر معظم الثروة المائية المطرية في الضفة الغربية
حقائق وأرقام عن واقع المياه في الأراضي الفلسطينية
وفقا لبيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، تبلغ نسبة مساحة الأراضي المزروعة حوالي 15.5% من المساحة الكلية، منها حوالي 84.5% مزروعة زراعة بعلية، و15.5% زراعة مروية، والتي تستهلك حوالي 47.5% من المياه المضخوخة من الآبار الجوفية.
وتفيد بيانات عام 2015 أن 94.9% من أسر فلسطين تسكن في مساكن تحصل على المياه من مصادر آمنة، حسب تعريف مؤشرات أهداف التنمية المستدامة، وتشمل مياه الشبكات العامة ومياه البئر المنزلي، حيث بلغت هذه النسبة في حضر فلسطين 94.9% وفي الريف الفلسطيني 94.4% مقابل 99.6% في المخيمات.
ويبلغ معدل استهلاك الفرد الفلسطيني من المياه في فلسطين 83 لتر/ يوم ، ويتراوح هذا المعدل بين 82.3 لتر/ يوم في الضفة الغربية، و84 لتر/ يوم في قطاع غزة، وذلك خلال العام 2016. آخذين بعين الاعتبار أن هذا المعدل يعتبر معدلا ناجما عن كميات المياه المستهلكة مقسوما على عدد السكان، حيث أن هناك بعض التجمعات السكانية التي لا يزيد فيها معدل استهلاك الفرد عن 44 لتر/ يوم، بينما يزيد هذا المعدل عن 100 لتر/ يوم في تجمعات أخرى كأريحا، وبالتالي يشكل هدف تحقيق العدالة في التوزيع بين التجمعات السكانية أحد التحديات الرئيسية.
وبالنسبة لكمية المياه المستخرجة من الحوض الساحلي في قطاع غزة فقد بلغت 167.2 مليون م3 عام 2016، وتعتبر هذه الكمية ضخاً جائراً، علما بأن مقدار الضخ الآمن وطاقة الحوض المستدامة هي 50-60 مليون م3 فقط، ما أدى إلى عدم توافق أكثر من 97% من نوعية المياه التي يتم ضخها من الحوض الساحلي مع معايير منظمة الصحة العالمية، والذي يؤدي بدوره إلى نضوب مخزون المياه الجوفية حيث وصل مستوى المياه الجوفية في الخزان الساحلي إلى 19 متراً تحت مستوى سطح البحر.
وتعتبر نسبة المياه المستخرجة من المياه الجوفية والسطحية مرتفعة نسبة إلى المياه المتاحة في فلسطين، حيث بلغت هذه النسبة 77.2% للعام 2016، ناهيك عن أن الاحتلال الإسرائيلي يحرم الفلسطينيين من استغلال حقهم من مياه نهر الأردن منذ العام 1967 والتي تقدر بحوالي 250 مليون م3 سنويا.
من جانب آخر بلغت كمية المياه المضخوخة من آبار الأحواض الجوفية (الحوض الشرقي، والحوض الغربي، والحوض الشمالي الشرقي) في الضفة الغربية للعام 2016 نحو 84.4 مليون م3.
"الهيدرولوجيين": الضفة ستفقد مصادر المياه في 2025 وغزة تعيش كارثة مائية
توقع مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي، أن تفقد الضفة الغربية مصادر المياه بحلول عام 2025، محذرا من أن قطاع غزة يشهد كارثة بيئية ومائية.
وأشار إلى أن الاحتلال يسيطر على 85% من المصادر المتاحة للمياه في الضفة، وما تبقى بنسبة 15% عبارة عن ينابيع صغيرة أو آبار حفرت في زمن الحكم الأردني. مشيرا في الوقت نفسه إلى نمط التفكير الفلسطيني الذي يقوم على إدارة الأزمة، وليس على التخطيط المتكامل للمستقبل ما يجعل المشاريع المنفذة متفرقة دون أن تربطها رؤية استراتيجية.
ونتيجة لذلك، قال التميمي لـ"آفاق البيئة والتنمية" إن الفلسطينيين يتجهون إلى شراء كميات مياه من الشركات الإسرائيلية على أسس تجارية، "وهذا ليس حلاً". مبينا أن المواطنين في الضفة يشترون سنويًا 168 مليون متر مكعب من الاحتلال الإسرائيلي.
وحذر من أنه إذا بقي الحال على ما هو عليه في الضفة الغربية بحلول عام 2025، فلن يكون هناك أي مصدر مياه كافٍ للنمو السكاني والعمراني، أما قطاع غزة فيعيش الآن كارثة بيئية ومائية، وأصبح غير قابل للعيش بسبب فقدان مصادر المياه، فيما الضفة الغربية تسير على خطى قطاع غزة خلال 10 سنوات".
وسيبقى العطش عنوان الفلسطينيين مع حلول كل فصل صيف في ظل سيطرة الاحتلال على مصادر المياه. وما لم يكن هناك حل سياسي للصراع، فإن الأزمة ستتعمق خصوصا في ظل العشوائية الفلسطينية التي تسيطر على إدارة ملف المياه.
الرابط التالي يبين تدفق مياه الأمطار الغزيرة باعثة الحياة في وادي قانا قضاء سلفيت:
https://www.youtube.com/watch?v=M0k8-jSkVZA