خاص بآفاق البيئة والتنمية

توقيت وزيتون
تتلقى ثلاث دعوات للمشاركة في مهرجانات وأيام تراثية متزامنة، والأهم أن توقيتها في أوج موسم قطاف الزيتون. لا يمكن الإنقاص من شأن التراث وأهمية تنفيذ برامج لإنعاشه، ولا نود فتح حديث عن النفقات المترتبة على هذه الفعاليات وأوليتها. ما نرغب التوقف عنده اختيار التوقيت غير المناسب لهذه التظاهرات، وفي النصف الثاني من تشرين الأول.
لنتذكر أن حصاد الزيتون أيضًا مناسبة اجتماعية وتراثية ووطنية، ومسألة اقتصادية تحقق جزءًا لا يستهان به من الأمن الغذائي للعائلة، وخاصة بعد فقدان أمننا من القمح، وتراجعنا المرعب عن إنتاج البطيخ والسمسم وأصناف أخرى كانت تشق طريقها إلى العالم.
السؤال: لمذ لا يجري تنظيم هذه المهرجانات في توقيت مناسب، أو في ليل الخريف الطويل؟ وما السبب الذي يمنع تكريس هذه الأيام لقطاف الزيتون وإعادة الاعتبار له، وبخاصة أن نسبة لا يستهان بها من الأجيال الشابة بدأت تهجر شجرة السماء؟

المياه لدى العديد من التجمعات البدوية في الأغوار تعد موردا نادرا
سر منهوب
ينشر "حقوقيون في الاغوار" صورًا لعدوان الاحتلال على التجمعات الفلسطينية في الأغوار الشمالية، وفي آخر الصور مفارقة مؤلمة: خطوط مياه شركة "ميكروت" تعبر أراضي المواطنين، وبمسافة صفر من خيامهم، وتواصل طريقها نحو المستعمرات، ومعسكرات جيش الاحتلال، ويُحرم الأهالي من سر الحياة، ويجبرون على السير مسافات طويلة لتوفير الماء بكلفة تصل أحيانًا إلى 35 شيقلًا للمتر المكعب الواحد.
ويؤكد الناشطون والحقوقيون في الأغوار أن 26 قرية وخربة فلسطينية يعانون الأمرين، وتتضاعف محنتهم في الصيف، حيث تلجأ سلطات الاحتلال لمصادرة الجرارات الزراعية وصهاريج المياه في الكثير من الحالات، وتشن حربًا مفتوحًا على شبكات المياه، وتمارس سياسة التعطيش.
تستذكر أول حوار فتحته في الأغوار مع أطفال فروش بيت دجن، وقتها، طلبت منهم رسم أحلامهم، لتكتشف أنها تنحصر في امتلاك صنبور (حنفية) ماء في البيت!

عدو مسبق الدفع
تشبه السجائر الصديق العدو، وهي حالة لا يمكن فهم استمرارها، وحجم الترويج لها. فهي تحظى بأهمية كبيرة في أمكنة مثل المطارات، التي تقدم مفارقة مذهلة: تروج من جهة للسجائر وتبالغ في الإعلان عنها في أسواقها الحرة، وفي المقابل تزج المدخنين في "سجن صغير"!ّ
في أحدث حوار مع مسوقي تبغ في مطاري عمان وإسطنبول تسأل موظفًا وموظفة: لو رفعنا ثمن التبغ ليصبح 10 أضعاف ما عليه الآن، هل سنجد من يشتريه بهذه الكثافة؟ يبتسم المسوقان ويتوقعان استمرار هذه الإدمان، فهو "بالنسبة للبعض أهم من الذهب"، و" يفضله آخرون عن الطعام".
تتعرض في السوق الحرة على جسرنا الرابط مع الأردن الشقيق في كل سفرة لأسئلة سخيفة: "قديش حامل كروس؟ ممكن تحملي اثنين، ثلاثة؟ بتقدر توصلي هذا الكيس؟" وتتمسك بجواب نفي موحد.
تعترف أن الحالات الوحيدة القليلة التي كنت تحمل فيها نصف الكمية المسموحة من السجائر، حين تنصاع لطلب والدك رحمه الله، فقد كان يوصي بنوعية محددة، رغم وجعه وعضاله.
تجمعك الصدفة منتصف الشهر الفائت بـمهرّب تبغ كان يلف جسمه بعلب من هذه السموم، وقبل أن تنتبه إلى حمولته تحدثه عن تداعيات السجائر السلبية على الصحة والبيئة والجيب، لكنك تكتشف أن كل ما كان يسيطر على كل حواس جارك العابر كيف سينجو من الجمارك.
الطريف أن إدارة السوق الحرة غيرت الشهر الفائت لون أكياسها من الأزرق إلى الأسود، ففي الماضي كانت السمة الأبرز للعابرين: العلامة الزرقاء القاتمة، لكنها اليوم صارت سوداء، وهي إشارة لا تخلو من دلالات.

جياع وأفواه
يصادف في السادس عشر من تشرين الأول اليوم العالمي للغذاء، الذي أعلنته منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، حيث يتم الاحتفال به على نطاق واسع من المنظمات المعنية بالأمن الغذائي، ويتزامن مع تأسيس منظمة الفاو منذ عام 1945
ويهدف إلى تعميق الوعي العام بمعاناة الجوع ونقص الأغذية في العالم، وتشجيع الناس على اتخاذ تدابير لمكافحة الجوع، ومراجعة طرق التعامل مع الغداء وإدارته وتوفيره والابتعاد عن الإسراف فيه، والاهتمام بجودته. وجاء احتفال هذا العام تحت عنوان "يوم الأغذية العالمي.. أفعالنا هي مستقبلنا".. من خلال وضع تصور مستقبلي للقضاء على الجوع، حيث يكون لدى كل فرد ما يكفيه من الأغذية، في ظل التزام العالم بالقضاء على الجوع بحلول عام 2030.
تشير آخر التقديرات المتاحة لعام 2017 إلى أن حوالي 815 مليون شخص في العالم - ما يزيد قليلا عن واحد من بين تسعة - يعانون نقص التغذية، وهذا يعني إنساناً من بين 9 لا يحصلون على ما يكفي من الغذاء للعيش بصحة وحياة نشطة.
تتابع إحصاءات حول كمية الهدر للطعام في العالم، فمثلاً يلقي المواطن الفرنسي سنوياً في النفايات ما بين 20 إلى 30 كيلوغراماً من المواد الغذائية، أي ما تتراوح قيمته بين 12 و20 مليار يورو سنوياً.
بينما تبلغ قيمة المنتجات الغذائية التي ترميها كل أسرة في بريطانيا حوالي 800 يورو سنوياً، وفق دراسة أجرتها المنظمة البريطانية "برنامج العمل للنفايات والموارد".
في حين، يرمى الأمريكي ما نسبته 30 في المائة من الغذاء سنويا (أي ما يصل قيمته إلى 48 مليار دولار). ويقدر أن نصف المياه المستخدمة في إنتاج هذا الغذاء تهدر أيضاً، بسبب أن الزراعة هي أكبر نشاط بشري مستهلك للمياه.
ويهدر المستهلكون في الدول الغنية من الطعام نحو 222 مليون طن، أي ما يقارب إنتاج منطقة جنوب الصحراء الكبرى المقدر بـ230 مليون طن سنويا).
وتعد ألمانيا أول بلد أوروبي فرض على منتجي المواد الغذائية التخلص من بقايا الطعام بشكل مثالي عبر إعادة تدويرها، وتليها فرنسا التي فرضت عام 2012 قانوناً مماثلاً، ويأمل الخبراء أن يُطور ذلك ويعمم على جميع أنحاء أوروبا.
وقدرت دراسة لوزارة الشؤون البلدية والقروية في السعودية عام 2014 زيادة كبيرة في حجم النفايات الصلبة في دول الخليج التي تشكل حصة السعودية منها حوالي 65 في المائة، وهي من أعلى المعدلات العالمية.
وكشفت الوزارة عن ارتفاع ملحوظ في كميات النفايات على مستوى المملكة خلال عام 2013، ليصل إلى ما يزيد على 12 مليون طن، ويبلغ متوسط إنتاج الفرد من النفايات البلدية حوالي1.28 كغم يوميًا.

أرقام ودلالات
نشر ملحق" حياة وسوق" التابع لصحيفة الحياة الجديدة في 21 تشرين الأول الماضي أرقامًا حول عدد وسائل النقل في الضفة الغربية (دون غزة)، بيّن فيها أن عدد المركبات حتى نهاية العام الماضي بلغت 228324 مركبة، (79 % منها خاصة وعددها 181012)، و3058 تجارية، و9486 عمومية، و2971 مقطورة ونصف مقطورة، و1378 دراجة نارية و752 جرارًا زراعيًا. اللافت في هذه الأرقام عدد المركبات الخاصة، وهذا يعني أنها مرتفعة قياسًا بعدد السكان. ويشير هذا أيضًا إلى وجود مركبة لكل 14 مواطنًا ( بما فيهم الأطفال، والرجال والنساء، وذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء والأغنياء والعاملين والمتعطلين وغيرهم من فئات لا تتطلب مركبة خاصة).
تحتاج المعطيات الحالية إلى مراجعة شاملة، وتقليل تضخم عدد المركبات لتداعياتها الاقتصادية والبيئية والتنموية، والتوجه نحو شبكات المواصلات العامة الفعّالة بعد تطويرها، ويكفي الربط بين نسب القروض وشراء المركبات في السياق الفلسطيني لإدراك حجم المشكلة.
aabdkh@yahoo.com