إعداد: د. أمين نواهضة
مدير برنامج المياه والبيئة / الإغاثة الزراعية الفلسطينية
تهدف هذه المقالة الى توعية المواطن الفلسطيني وزيادة معرفته المتعلقة بإحدى وسائل ادارة النفايات الصلبة المنزلية او الزراعية لحماية التربة ومصادر المياه والهواء من التلوث في المدى القريب، وتبعات التغير المناخي المحتمل على المدى البعيد. بناءً على ما ورد في تقرير البرنامج البيئي التابع للأمم المتحدة.
فالكثير من دول آسيا وحتى ايضا الدول الأوروبية تعتمد على الكمبوست كمحسن ومسمد للتربة وكوسط لاستنبات البذور والأشتال. ولكن مع هذا الانتشار الواسع، إلا أن إنتاج الكمبوست يتميز بأنه من اكثر التقنيات التي تعاني من الإخفاق على المستوى الإقتصادي والفني عالميا. هذا الإخفاق، وفي ظل المنافسة القوية جدا للسماد الكيميائي الواسع الإنتشار، يعزى في الغالب الى ارتفاع التكلفة التشغيلية والإدارية والعديد من المشاكل الفنية التي سيسلط الضوء عليها لاحقا.
وفي معرض التطرق الى التفاصيل، يتبادر للذهن اسئلة كثيرة مثل لماذا يوجد الكثير من القصص الناجحة لانتاج الكمبوست في الهند والصين باستخدام منشأت إعادة التدوير الصغيرة والمتوسطة اللامركزية، وأيضا في الدول المتطورة التي تعتمد على المنشأت الضخمة المركزية في حين فشلت اغلب المنشأت في الدول الأخرى. هذا وبحسب المعلومات التي قام البرنامج البيئي لدى الأمم المتحدة بتحليلها يعود لللأسباب التالية:
الإخفاق الاقتصادي
يعزى ذلك الى عدم مقدرة المنشأة على توفير كمية النفايات اللازمة لإنتاج الكمبوست أو عدم مقدرتها على تسويقه. في دول آسيا والهند لا يعد توفير النفايات أمرا مكلفا أو صعب المنال لإنتاج الكمبوست على كافة الأصعد والمستويات. ولكن في الدول التي لا تفرض قوانين بيئية صارمة وتكلفة الطمر او حرق النفايات الصلبة اقل بكثير من تكلفة المعالجة البيولوجية فإنه من الصعوبة بمكان انتاج الكمبوست وضمان ديمومة المنشاة المنتجة. وهذا على عكس ما يحدث في الدول المتطورة التي تفرض قوانين بيئية صارمة. من ناحية اخرى ففي البلدان التي تفتقر للوعي البيئي الكامل عن اضرار التلوث البيئي الناتج عن الإدارة الغير سليمة للنفايات الصلبة يتم التقليل من شأن الكمبوست وعدم تفضيله على السماد الكيميائي. لذا من اجل تسويق الكمبوست يفضل ان تكون منشأة الإنتاج على مقربة من المزارعين، او ان تقوم بتزويده للأماكن البعيدة والأهم ان يباع باسعار منافسة للسماد الكيميائي.
الإخفاق الفني
هنالك مشكلتان رئيسيتان تواجهها منشآت انتاج الكمبوست اولا: عطب النظام الميكانيكي الذي يقوم بتزويد واعداد شحنة النفايات الصلبة لعملية المعالجة البيولوجية. حيث يقوم هذا النظام بفرز النفايات القابلة للتدوير والأخرى الغير قابلة للتدوير، ويقوم أيضا بتقطيع النفايات وتفتيتها. والشيء المثير للإنتباه، أن الأنظمة التي لا تعتمد كليا على الآلة بل على التدخل البشري باليد والنظر لا تعاني من حالات عطب كثيرة. ثانيا: عجز عملية التحلل البيولوجي التي تقوم بها البكتيريا والحشرات والكائنات المجهرية الأخرى والتي بحاجة لظروف بيئية ملائمة. عملية التحلل البيولوجي يمكن ان تتم هوائيا او لا هوائياً، ففي التحلل الهوائي يلزم توفر الأوكسجين ونسبة اربعين الى ستين بالمئة من الماء وجزء واحد من النيتروجين مقابل ثلاثين على الأقل، وسبعين جزءاً على الأكثر من الكربون في شحنة النفايات. ينتج عن هذه العملية بخار الماء وثاني اوكسيد الكربون والكمبوست.
أمّا بالنسبة لعملية التحلل اللاهوائي والتي تتم بغياب الأوكسجين فتقوم البكتيريا اللاهوائية باستهلاك النفايات العضوية التي تحوي تراكيزَ عالية من النيتروجين وقليلة من الكربون ولا تتاثر بالنسب العالية للمياه. ينتج من هذه العملية غاز الميثان والكمبوست، وتتم هذه العملية في حيز مغلق يتحمل ضغوطات عالية من اجل تجميع الغاز المنبعث. في كلتا العمليتين تعمل البكتيريا على أسطح المواد العضوية ولذا يلزم تقطيع وتفتيت هذه المواد من اجل زيادة المساحة المتاحة للنشاط البكتيري.
من اجل تقليل الأثار المترتبة عن الإخفاقات الإقتصادية والفنية يتوجب على منشآت انتاج الكمبوست مراعات الأمور التالية: ان تحوي النفايات المجمعة نسبًا عالية من المخلفات العضوية سهلة التحلل وهنا تبرز اهمية عملية فصل النفايات الصلبة في المصدر قبل جمعها. وأيضا التوجه نحو المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتقليل الإعتماد على الآلة، ولكن في حالة الفصل اليدوي في المنشأة يجب مراعاة سلامة العاملين من المخاطر.
الآثار السلبية المحتملة للاستخدام غير المنظم للكمبوست
ان النفايات المنزلية المطبخية بشكل عام آمنة، ولكن اذا ما اختلطت بمخلفات صناعية ونفايات صلبة من محطات معالجة المياه العادمة، فإنها تصبح مصدرا للمعادن الثقيلة في التربة والتي تلحقق الضرر بالمزروعات اذا زادت تراكيزها عن المستويات الآمنة الموصى بها. بالنسبة لعملية التحلل الهوائي، اذا اخفقت المنشأة في توفير كمية الأوكسجين اللازمة للشحنة المعالجة فإن هذا يؤدي الى وجود جيوب لاهوائية والتي تكون مصدرا للرائحة الكريهة المنبعثة من المنشأة والتي تسبب نفور المواطنين والمزارعين منها ومعارضتها.
ومن جهة اخري ينتج مخلفات سائلة مركزة وملوثة في كلتا العمليتين وتحتاج البكتيريا كميات اوكسجين كبيرة لمعالجتها. هذه المخلفات اذا تسربت للمياه السطحية أو الجوفية فإنها تكون مصدرا للتلوث البيئي. وعلى المدى البعيد فإن منشآت النفايات الصلبة تكون مصدرا لغازات تسهم في ظاهرة الإحتباس الحراري المحتملة.
من أجل تقليل الأثار البيئية الخطرة يتوجب المراقبة والمتابعة المستمرة للمنشأة للتأكد من عمل كافة المراحل كما هو موضح في دليل المصنع، وكما هو موصى به من أنظمة وقوانين من طرف المشرع البيئي. وأيضا لابد من أن تأخذ المراكز البيئية دورها في مجال البحث والتطوير من أجل تقليل المكاره البيئية.
تجربة الإغاثة الزراعية في مجال الكمبوست
الإغاثة الزراعية ومنذ ثلاثة عقود اعتمدت استراتيجيتها القائمة على الإنتاج الغذائي الآمن والمستدام وفي ظل الإزدياد المتسارع في استهلاك الأسمدة الكيميائية كانت الإغاثة الزراعية من السباقين في مجال التوعية المستمدة والمستندة على نماذج واقعية لاستخدام الكمبوست المصنّع محليا والتي لم تستهدف المزارعين فحسب، بل طالت فئات كثيرة من المجتمع الفلسطيني. وهي تقوم بكل ذلك بالاستعانة بخبراء محليين وأجانب في هذا المجال. ومن أجل تحقيق الأهداف المنشودة في الحفاظ على البيئة وتوفير مصدر اضافي للدخل، لا بد من تضافر جهود كافة الأطراف المعنية والتي تضم المنظمات غير الحكومية والجهات المانحة والجامعات واتحادات المزارعين وايضا كافة الوزارات المعنية بالمياه والزراعة والبيئة والصناعة والاقتصاد والتربية والتعليم والأوقاف على سبيل الذكر لا الحصر. ومن بين هذه المشاريع التي تعكف الإغاثة الزراعية على تنفيذها خلال الثلاثة أعوام القادمة مشروع تخضير الإقتصاد الفلسطيني والممول من الاتحاد الاوروبي. حيث تقوم الجمعية وبالتعاون مع الجهات المعنية في المناطق التالية: محافظة طولكرم (جمعية ذنابة للخدمات الزراعية)، محافظة الخليل (جميعة دورا التعاونية للتصنيع الزراعي)، مدينة غزة (مؤسسة أكنان)، مدينة رفح( جمعية أصدقاء البيئة الفلسطينية)، والجمعية الإيطالية للكمبوست والغاز العضوي على تنفيذ المشروع. وتشمل انشطة المشروع: زيادة الوعي بإعادة تدوير واستخدام النفايات الصلبة، الزراعة العضوية، الطاقة الخضراء، وإعادة تأهيل وتطوير الاربعة مصانع للكمبوست في فلسطين من أجل زيادة حصة الكمبوست الفلسطيني في الأسواق المحلية. تشمل اللجنة التوجيهية لهذا المشروع ممثلين عن وزارة التربية والتعليم وسلطة جودة البيئة ومؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية، وكما وجهت دعوة لوزارة الزراعة من أجل المشاركة.
المراجع:
1- البرنامج البيئي التابع للامم المتحدة: Sound practices composting: www.unep.or.jp/letc/ESTdir/Pub/MSW/sp/sp4/sp4_1.asp. Accessed Dec, 2016.
2- ملخص مشروع تخضير الاقتصاد الفلسطيني, جمعية التنمية الزراعية (الاغاثة الزراعية), 2017