خاص بآفاق البيئة والتنمية
تشهد محافظة رام الله والبيرة أزمة مياه متفاقمة، إذ يعاني المواطنون من توزيع غير عادل للمياه، ما يزيد من صعوبة حياتهم اليومية. في هذا السياق، يستغل أصحاب صهاريج المياه الحاجة الماسة للماء عبر رفع الأسعار، الأمر الذي يخلق عبئاً اقتصادياً كبيراً على المواطنن، وسط تنصل من المسؤولية وتبادل للاتهامات بين الجهات المختصة. |
 |
بعض أحياء وقرى رام الله تعاني من انقطاع المياه لبضعة أسابيع متتالية |
تشهد محافظة رام الله والبيرة أزمة مياه متفاقمة، إذ يعاني المواطنون من توزيع غير عادل للمياه، ما يزيد من صعوبة حياتهم اليومية. في هذا السياق، يستغل أصحاب صهاريج المياه الحاجة الماسة للماء عبر رفع الأسعار، الأمر الذي يخلق عبئاً اقتصادياً كبيراً على المواطنين.
يقول أحمد متولي، أحد سكان ضاحية الغدير شمال رام الله: "ننتظر وصول المياه كل ثلاثة أسابيع تقريباً، ولا تصل إلا بضغط ضعيف للغاية، مما يضطرنا لاستخدام مضخة كهربائية لرفع المياه إلى خزاناتنا.. هذا الوضع لا يُحتمل."
ويؤكد متولي أن بيت عائلته في مدينة البيرة تصله المياه ثلاثة أيام في الأسبوع الواحد، وبيت صديقه في حي الطيرة برام الله، تصله المياه أربعة أيام أسبوعياً، مشيراً إلى أنه في أحسن الأحوال تصل المياه إلى بيته في الغدير مرة كل أسبوعين.
وتساءل متولي عن أسباب عدم وجود عدالة في توزيع المياه من قبل الشركة الموزعة، وهي مصلحة مياه محافظة القدس، مبيناً أنه تقدم بشكاوى كثيرة إلى المصلحة، لكنها مع الأسف لم تجد نفعاً.
يقول: يتذرعون بوجود تقليص في كميات المياه من "الجانب الإسرائيلي"، لكن مع الأسف لا يشعر الجميع بهذا التقليص وإنما مناطق دون غيرها.
يتابع متولي: أنا ملتزم بتسديد فواتيري أولاً بأول ومن حقي الاستفادة من المياه دون تمييز، لافتا إلى أن انقطاع المياه يعرضه للابتزاز من قبل أصحاب صهاريج المياه، الذين يبيعون الماء بأسعار خيالية.
ويؤكد متولي أن تكلفة المياه التي يشتريها من خلال الصهاريج تصل 600 شيكل شهرياً، في حين أن فاتورة المياه التي يدفعها للمصلحة عادة لا تتجاوز 40 شيكل عن الشهر الواحد.
أثرت مشكلة انقطاع المياه على استقرار الحياة الأسرية للمواطن متولي وعائلته، حاله كحال كثيرين، فأصبح يذهب للاستحمام ولغسل الملابس في بيت عائلته.
هذه الشهادة تسلط الضوء على التفاوت في توزيع المياه بين المناطق المختلفة، إذ تعاني المناطق المرتفعة مثل ضاحية الغدير من نقص حاد، في حين تتمتع مناطق أخرى بإمدادات أكثر انتظاماً.
 |
 |
احتجاجات على مدخل مخيم الجلزون بسبب انقطاع المياه |
بسبب أزمة المياه العديد من العائلات والمؤسسات في رام الله وقضائها تشتري المياه من بائعيها في الصهاريج |
احتجاجات وإغلاق مكاتب
أدى استمرار انقطاع المياه وعدم الاستجابة لمطالب المواطنين إلى احتجاجات واسعة، إذ أقدمت بلدية بيرزيت على إغلاق مكتب مصلحة المياه احتجاجاً على ما وصفته بتوزيع غير عادل للمياه. وعلق رئيس بلدية بيرزيت نضال شاهين: "لم يكن لدينا خيار آخر سوى إغلاق المكتب بعدما تجاهلت مصلحة المياه مطالبنا العادلة."
ورغم تدخل رئيس الوزراء لحل الأزمة بشكل مؤقت، إلا أن السبب الجوهري للأزمة، وهو ضعف البنية التحتية وشبكات نقل المياه، ما زال قائماً، ما يزيد من تعقيد الوضع.
ويؤكد شاهين أنه تم معالجة المشكلة مؤقتاً بالاتفاق مع مصلحة المياه على توفير المياه لبيرزيت من محطة عين سامية (شرق رام الله)، مرة كل أسبوعين بمقدار 16 ألف كوب.
ضعف شبكات المياه سبب آخر
وأكد شاهين أن مشكلة انقطاع المياه عن بيرزيت سببها الرئيس ضعف شبكات المياه في المنطقة وحاجتها إلى التطوير، وعدم وجود خط ناقل للمياه من المصلحة إلى بيرزيت مباشرة، إذ أن البلدة هي آخر نقطة تصلها المياه في ذلك الخط، بالتالي من المستحيل أن تصل المياه إلى جميع البيوت، حتى لو تم ضخها إلى البلدة في الموعد المحدد.
وأوضح شاهين أن البلدية كانت تعمل مع سلطة المياه لمد خط رئيس لبلدة بيرزيت، إما من عابود أو من المزرعة الغربية، وكانت هناك موافقة إسرائيلية على ذلك، لكن "مع الأسف المماطلة من الجهات الرسمية الفلسطينية عطلت الأمر"، مبيناً أن الحرب على قطاع غزة فاقمت الأمر وحالت دون إتمام المشروع.

صهريج أبو خليل يوزع المياه لمنطقة رام الله وضواحيها
أصحاب الصهاريج يرفعون الأسعار
وفي الوقت الذي ادعت فيه مصلحة المياه بتقليص "الجانب الإسرائيلي" كميات المياه إبان بدء الحرب على قطاع غزة، فإنها في الوقت ذاته أبقت على نقاط تعبئة المياه لأصحاب الصهاريج، فقد وصل سعر الصهريج الواحد قرابة 490 شيقل سعة 19 كوباً، وفقا لأبو خليل وهو صاحب صهريج مياه يوزع لمنطقة رام الله وضواحيها.
المصانع.. "مستفيد أول"
يقول أبو خليل إن لديه صهريجي ماء أحدهما سعة 10 كوب بسعر 400 إلى 450 شيقل، والآخر 19 كوباً بسعر يصل الى 490 شيقل، وغالبية النقليات التي يقوم بإرسالها تذهب لصالح المصانع ومحلات الدواجن واللحوم وغيرها في رام الله.
وعن سبب ارتفاع التسعيرة إلى هذا الحد، أوضح أن هناك عوامل عديدة تدخل في التسعيرة أحدها بعد المسافة، وأيضا ارتفاع البيت، إلى جانب سعر الماء من المصدر.
مؤشر آخر لغياب العدالة
ويملأ أبو خليل صهريجه من محطات متعددة، بينها نقطة لتعبئة الماء وفرتها مصلحة المياه بجانب المجلس التشريعي، تصلها المياه نحو 4 أيام في الأسبوع، لكنها لا تكفي لسد حاجة صهريج أبو خليل، الذي يعمل من السابعة صباحاً حتى الواحدة بعد منتصف الليل، فيضطر إلى ملء الصهريج من مصادر أخرى، مثل نبع عين عريك أو حتى أشخاص لديهم عدادات 2 أنش بتسعيرة 10 شيقل.
وأوضح أبو خليل أن "هناك دائرة في مصلحة المياه تبيع كوبونات دفع مسبق لأصحاب الصهاريج، ولا يوجد حد أدنى أو حد أعلى لعدد الكوبونات، ولكن المشكلة تكمن في أن الماء يتوفر في هذه النقطة 4 أيام في الأسبوع فقط، وأوضح أن سعر الكوب هو ذات السعر الذي تصل فيه المياه إلى بيوت المواطنين.. نحو 12 شيقل".
سلطة المياه تنفي
تقول مديرة دائرة المصادر والرقابة المائية في سلطة المياه الفلسطينية ماجدة علاونة، إن سلطة المياه نظمت ملف أصحاب صهاريج المياه، بتحديد سعر الكوب من نقاط التعبئة بـ 4 شيقل لأصحاب الصهاريج.
وبينت أن لجنة ارشادية في سلطة المياه حددت أسعار بيع المياه لأصحاب الصهاريج ب 25 شيقل للصهريج الصغير و12 شيقل للصهريج الكبير. وأوضحت أن "سلطة المياه على مراجعة الأسعار مرة أخرى وفحص صهاريج المياه وتنظيم عملها من أجل منع الاستغلال من ناحية، وضمان وصول مياه صالحة ونظيفة للمواطنين من ناحية أخرى".
وأكدت علاونة على وجود إجراءات رقابية تتخذها سلطة المياه بحق المخالفين للقانون من أصحاب الصهاريج، تبدأ بالمخالفات المالية وتنتهي بحجز سياراتهم واعتقالهم في بعض الأحيان، بالتعاون مع الضابطة الجمركية والشرطة.

مواطن يملأ الماء بالقوارير من منزله من اجل المساعدة في توفيره للآخرين الذين يعانون من انقطاع متواصل للمياه
تنصل وتبادل اتهامات
فيما يخص الاتهامات بغياب العدالة في توزيع المياه على البلدات، عقبت علاونة أن هذا شأن خاص بمصلحة مياه محافظة القدس، وهي من تقوم بتنظيمه وفقا لقدراتها، فيما يقتصر تدخل سلطة المياه على حل النزاعات التي تقع بين المواطنين والسلطة عند لجوء المواطنين لها.
في حين أن المدير التنفيذي لمجلس تنظيم قطاع المياه محمد الحميدي، يلقي بالمسؤولية على سلطة المياه "عليها التحقق من وجود عدالة في التوزيع". وعن دور مجلسه، قال الحميدي إنه يبدأ بعد وصول المياه إلى الشركات المزودة للخدمة.
وبين الحميدي أن "المشكلة تبدأ من توزيع الشبكة والعدادات والمحابس والمضخات، إذ أن شبكة المياه توسعت بشكل تدريجي مع توسع البلد، دون أي تخطيط، وبالتالي فإن الخطوط الرئيسية أصبحت تحمل 4 أو 5 خطوط فرعية أخرى".
وأضاف الحميدي "هذا يعني أن مصلحة المياه عليها إعادة التفكير بكل الخطوط الناقلة للمياه، وهذا يترتب عليه أعباء مالية كثيرة"، مشيراً إلى أن "الدول المانحة لم تعد تولي موضوع المياه أي اهتمام مقارنة مع مواضيع أخرى يرونها ذات أهمية مثل الدعم والتمكين النفسي وغيره".
وفيما يتعلق بتقليص كميات المياه من قبل "الجانب الإسرائيلي"، أشار الحميدي إلى أن نسبة التقليص وصلت 40% في بعض الدورات في ظل الحرب على قطاع غزة، وتزامن ذلك مع زيادة الطلب على المياه في فصل الصيف وهو ما خلق هذه الأزمة، وفق تعبيره.
وحول قضية نقاط التعبئة التي خصصتها مصلحة المياه بالتعاون مع سلطة المياه لأصحاب الصهاريج، أكد الحميدي أن هذه النقاط وضعت من أجل حالات الطوارئ، وحتى يتم إيصال المياه لأي بيت تُقطع عنه المياه في أقرب وقت ممكن، ولكن ما يحدث هو استغلال أصحاب الصهاريج لهذه النقطة من أجل المتاجرة، على حساب حاجة الناس.
مصلحة المياه لم ترد
حاولنا على مدار أسبوع التواصل مع مدير عام مصلحة المياه، عبد الخالق الكرمي، لأخذ رده على ما ورد في التقرير حول نقاط التعبئة، وغياب العدالة في التوزيع، لكننا لم نستطع الحصول على أي رد، حتى تاريخ نشر التقرير.

مكتب مصلحة المياه في بيرزيت بعد ان تم اغلاقه.