حصار مائي في الضفة الغربية.. و"قوانين" منزلية قسرية حتى آخر قطرة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
بات من الأمور الاعتيادية اقتصار الاستحمام، وأعمال التنظيف المنزلي، على أيام محددة في الشهر، تحتسب بشكل دقيق، ويمنع مخالفة القوانين لأن العواقب ستكون شديدة. هذه ليست قوانين حكومية في دولة ما، بل هي قوانين منزل وضعتها الأم ليلتزم بها جميع أفراد الأسرة، في ظل سياسة الاحتلال الإسرائيلي تقليص كميات المياه الفلسطينية -المسروقة بالأساس- للقرى والمدن في الضفة الغربية بشكل عام. تسيطر إسرائيل على أكثر من 83% من مصادر المياه في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتسيطر أيضا على الـ 17% المتبقية من ناحية التوزيع، ولا تعطي السلطة الفلسطينية حرية إدارة هذه المصادر، ويستهلك المستوطن سبعة أضعاف كمية المياه التي يستهلكها المواطن الفلسطيني.
|
 |
آبار جوفية وينابيع غنية بالمياه في الضفة الغربية محظورة على الفلسطينيين |
بات من الأمور الاعتيادية اقتصار الاستحمام، وأعمال التنظيف المنزلي، على أيام محددة في الشهر، تحتسب بشكل دقيق، ويمنع مخالفة القوانين لأن العواقب ستكون شديدة.
هذه ليست قوانين حكومية في دولة ما، بل هي قوانين منزل وضعتها الأم ليلتزم بها جميع أفراد الأسرة، في ظل سياسة الاحتلال الإسرائيلي تقليص كميات المياه الفلسطينية -المسروقة بالأساس- للقرى والمدن في الضفة الغربية بشكل عام.
إخلاص اشتية من قرية سالم شرق مدينة نابلس، تستخدم المياه "بالقطارة" كما تقول، للتخفيف من الاستهلاك اليومي، لأن المياه التي تشكل عصب الحياة باتت تصل منزلها في الشهر الواحد ثلاث مرات فقط.
تقول اشتية: "تصلنا المياه كل 10 أيام مرة واحدة لا تتجاوز 12 ساعة متواصلة، في كل مرة منها تأتي شحيحة وضعيفة.. اشترينا مضخة لضخ المياه إلى الخزان".
وتنتظر اشتية المياه بفارغ الصبر لتنهي أعمالها المنزلية المتراكمة بسبب قطع المياه أياماً عدة سابقاً، من أعمال التنظيف المنزلي، والغسيل، واستحمام أطفالها الخمسة، وري مزروعات حديقتها.
لدى اشتية خمسة أطفال يحتاجون للاستحمام اليومي والتنظيف والغسيل، لكن في ظل انقطاع المياه، تضطر لجدولة الاستحمام ضمن برنامج معين "حتى أحافظ على كل قطرة مياه، لأنه في حال نفاد خزان المياه، سنعاني كثيراً.. من الصعب حاليا شراء تنك مياه"، في ظل عدم توفر السيولة بعد تعطل زوجها عن العمل مع بدء الحرب على غزة.
وتعتبر قرى محافظة نابلس الشرقية والجنوبية من أكثر قرى المحافظة تضرراً على مر السنوات السابقة من انقطاع المياه، خاصة لدى اتخاذ الاحتلال الإسرائيلي سياسات عقابية جماعية على الفلسطينيين.
وبحسب سلطة المياه الفلسطينية، فإن تقليص كميات المياه طال محافظة نابلس وتحديداً مناطق صرة، وتل، وكفر قدوم، وجيت، التي تشهد نقصاً كبيرا نتيجة تقليص المياه المزودة من مصدر "قدوميم"، إضافة إلى الإيقاف المتكرر لضخ المياه من محطة بئر بيت ايبا المزود الرئيسي للمحافظة، ما أدى إلى خفض الكميات الخاصة بـ 11 قرية تتزود بالمياه من هذه المحطة.
قرية سالم، من تلك القرى التي باتت تعاني شح المياه بعد قرار شركة "ميكروت" الإسرائيلية تقليص الكميات للفلسطينيين، لصالح المستوطنين في المناطق القريبة من تلك القرى.
يقول رئيس مجلس قروي سالم عدلي اشتية إن الاحتلال الإسرائيلي، قلص منذ بداية موجة الحر في شهر أيار/مايو كمية المياه التي تصل القرية من 22 ألف كوب إلى 15 ألف كوب شهرياً.
"في كل مرة يقلص فيها الاحتلال كمية المياه التي تصل القرية لصالح مستوطنة (ألون موريه) القريبة، فخط المياه المغذي للمستوطنة والقرية واحد يتحكم الاحتلال في إغلاقه وفتحه، ما يؤثر على حياة المواطنين اليومية"، أضاف اشتية لـ "آفاق".
ويشير إلى معاناة الأهالي في القرية البالغ عدد سكانها 8 آلاف نسمة، خاصة في ظل الصيف اللاهب، والحاجة إلى المزيد من المياه لأعمال التنظيف المنزلي والشخصي، وري المزروعات.
ويوزع مجلس قروي سالم المياه على مناطق القرية، مرة واحدة كل 10 أيام، وتأتي ضعيفة جداً وغير كافية لتعبئة الخزانات فوق الأسطح، ما يضطر الميسورين إلى شراء صهاريج المياه.
ويصل سعر الصهريج الواحد سعة 3 كوب إلى 100 شيقل، وصهريج سعة 10 كوب إلى 200 شيقل، ما يثقل كاهل المواطنين.
ويوضح اشتية أن الاحتلال يتحكم بالمياه الواصلة لقريتهم، ولا يسمح بحفر آبار دون تصاريح لا تعطى بالأساس، ومؤخراً وصل عدد الصهاريج التي تدخل القرية يومياً إلى أكثر من 20 صهريجاً.
وتبلغ حصة الفرد الفلسطيني من المياه نظريا حسب اتفاقية اوسلو الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي 75 لترا يومياً، في حين تبلغ حصة المستوطن أضعاف ذلك، بينما يحتاج المواطن الفلسطيني -حسب سلطة المياه- إلى 150 لتر مياه يومياً.

حتى صهاريج المياه التي تبيع المياه للمواطنين الفلسطينيين بأسعار مرتفعة بسبب شح المياه تصادرها قوات الاحتلال الإسرائيلي
وفي إجراء يتكرر سنوياً، خفضت شركة "ميكروت" الإسرائيلية، بداية شهر حزيران/يونيو الماضي، الكميات المخصصة لمحافظتي الخليل وبيت لحم، إذ وصلت نسبة التخفيض من مصدر مياه دير شعر الرئيسي المغذي لهاتين المحافظين إلى ما يقارب 35%، تلاها تخفيض لمناطق امتياز مصلحة مياه رام الله بنسبة تتجاوز 50%.
من جانبه، أشار مدير فرع الشمال في مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين المهندس سامي داود، إلى تنوع مصادر المياه في محافظة نابلس ما بين الآبار الجوفية والينابيع ومن شركة "ميكروت" الإسرائيلية، وآبار الجمع في القرى المنزلية. في حين 25% من تجمعات محافظة نابلس، تتزود بالمياه حصريا من "ميكوروت"، لعدم وجود مصادر خاصة بها.
وأشار إلى أن كمية المياه التي يتم تزويدها لم تتغير، رغم ارتفاع عدد السكان وتطور الحياة، إضافة إلى المضايقات الإسرائيلية. ولهذا السبب فإن كمية المياه المتوفرة لا تتعدى 60% من الاحتياجات الأساسية.
ولفت إلى أن كمية المياه المتوفرة من 50-55 لتراً للفرد يومياً تأتي من الشركة الإسرائيلية، لكن "يوجد لدينا فاقد مرتفع بشبكة المياه بسبب الاهتراء، ووقوع جزء منها في ما يسمى مناطق (ج) التي يمنع فيها الاحتلال إصلاح شبكة المياه أو مد خطوط جديدة أو تطوير الشبكة، فتنخفض كمية المياه الواصلة إلى المنزل بشكل فعلي لا يتعدى من 35-40 لتراً للفرد لجميع الأغراض"، وهي نسبة لا تساوي 40% من معايير منظمة الصحة العالمية، التي تقول إن الحد الأدنى من الاحتياجات المائية الأساسية للفرد يومياً، حتى يعيش ويستخدم المياه للطبيخ والغسيل والتنظيف لا يقل عن 100 لتر، بيد أن المياه التي يحصل عليها الفلسطينيون لا تتعدى 55 لتراً لليوم الواحد في أحسن الأحوال.
وبالنسبة لأسعار المياه، فهي ليست ثابتاً وموحدة في كل المناطق، فيصل سعر الكوب في بعضها إلى 1.5 شيقل، بينما البعض الآخر بـ 6 شيقل، وفق داود. ونوه إلى أن هناك فرقاً بين المواطن الذي تصله المياه والمواطن الذي يشتريها عبر الصهاريج، فقد يتجاوز سعر الكوب 40 شيقلاً، وفي بعض المناطق يسجل السعر عشرة أضعاف السعر الذي يكلف المواطن في المدينة.
بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة في عام 1967 بوقت قصير، بسطت السلطات العسكرية الإسرائيلية سلطتها على كافة مصادر المياه، والبنية التحتية الخاصة بالمياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة. واليوم، بعد مرور 57 عاماً على ذلك، لا تزال إسرائيل تسيطر على إمكانية حصول الفلسطينيين على المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقيِّد تلك الإمكانية إلى الحد الذي لا يلبي احتياجات الفلسطينيين، بحسب منظمة العفو الدولية.
وأكد داوود أن إسرائيل لا تلتزم بالاتفاقيات الموقعة لزيادة حصة الفلسطيني من المياه، سواء من قبل حكومة الاحتلال أو شركة "ميكروت" شبه الحكومية، بل تنتهك الأخيرة الاتفاقيات.
تسيطر إسرائيل وتستغل أكثر من 83% من مصادر المياه في الأراضي المحتلة عام 1967، وتسيطر أيضاً على الـ 17% المتبقية من ناحية التوزيع، ولا تعطي السلطة الفلسطينية حرية إدارة هذه المصادر. ويستهلك المستوطن بين ثلاث إلى سبعة أضعاف الكمية التي يستهلكها المواطن الفلسطيني.

طيلة أشهر الصيف الحارة الطويلة الاحتلال الإسرائيلي لا يسمح بوصول المياه العذبة إلى منازل الفلسطينيين في الضفة سوى بضع ساعات أسبوعيا وأحيانا شهريا بينما المستعمرات الإسرائيلية تتمتع بالمياه الغزيرة دون حدود
وأشار داوود إلى أنه "يوجد لدينا أكثر من 900 مليون متر مكعب مياه في السنة، وحسب اتفاقيات أوسلو حوالي 650 مليون متر مكعب مياه متجددة للجانب الفلسطيني، لكن لا تستهلك، وحسب الاتفاقيات والقيود الإسرائيلية لا تتعدى 440 مليون متر مكعب، والاحتلال يستغل مصادر المياه الفلسطينية ويسيطر على حصة الجانب الفلسطيني في حوض نهر الأردن بحدود 250 مليون متر مكعب".
وفي ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها المواطنون بسبب الشح الشديد للمياه، رغم غنى المنطقة بالمياه الجوفية، يبقى المواطن الفلسطيني حبيس قرارات الاحتلال الإسرائيلي المتحكم بما فوق الأرض وما تحتها، وعجز الحكومة الفلسطينية عن انتزاع الحق بالمياه من أرضه وينابيعه، والاكتفاء بما تقره حكومة الاحتلال بأذرعها بخصوص كميات المياه للفلسطينيين.