l إسرائيل من الدول "الرائدة" في مجال الاستيلاء على الأراضي والموارد الطبيعية في العديد من البلدان الفقيرة
 
 
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
آذار 2013 - العدد 52
 
Untitled Document  

بفضل "الخبرات" اللصوصية الطويلة التي اكتسبها الاحتلال في نهب الأراضي وتدميرها واقتلاع أصحابها واجتثاث ملايين الأشجار ونهب المياه العربية الجوفية والسطحية:
إسرائيل من الدول "الرائدة" في مجال الاستيلاء على الأراضي والموارد الطبيعية في العديد من البلدان الفقيرة
حكومات وشركات رأسمالية أجنبية تستولي على أراضي أكثر من ستين دولة فقيرة بهدف استغلالها في زراعة محاصيل الوقود الحيوي
منظمات دولية تعمل على تجميل الاستعمار الجديد المتمثل في النهب الأجنبي لأراضي الفقراء

فلاحون في أميركا اللاتينية يتظاهرون ضد نهب الشركات الاحتكارية العالمية لأراضيهم بالتواطؤ مع السلطات المحلية

جورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية

وسع الاحتلال الإسرائيلي في السنوات الأخيرة نطاق ممارساته العدوانية المتمثلة في استيلائه على الأراضي ونهبه لمواردها الطبيعية، إلى بعض الدول الآسيوية والأفريقية والأميركية الجنوبية؛ وذلك بتواطؤ من حكومات تلك الدول وشركات رأسمالية مهيمنة فيها.  وقد ازداد الطلب من قبل شركات احتكارية في بعض بلدان الجنوب على الشركات الإسرائيلية المختصة بالاستيلاء على الأراضي الزراعية الخصبة والاستثمار فيها واستغلالها؛ وذلك بفضل "الخبرات" اللصوصية الطويلة التي اكتسبها الاحتلال العسكري الاستيطاني الاقتلاعي والمتمثلة بالجرائم التي اقترفها ويقترفها يوميا ضد العرب بعامة، والفلسطينيين بخاصة، والمتمثلة بمصادرة ملايين الدونمات في فلسطين التاريخية والاستيلاء عليها، واقتلاع الغالبية الساحقة من أصحابها الشرعيين منها بالقوة العسكرية والإرهاب الدموي، ومواصلة ممارساته النازية المتمثلة في حشر ملايين الفلسطينيين داخل معازل عنصرية محاصرة بالجدران والمستعمرات والقواعد العسكرية؛ بل وممارسة حصار تجويعي طيلة سنوات طويلة بحق نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة الصغير جدا بمساحته والأعلى كثافة سكانية في العالم، وقصفهم المكثف من الجو والبحر والبر بكافة أنواع الأسلحة والصواريخ والقذائف التقليدية وغير التقليدية؛ الأمر الذي لم يحدث حتى في معسكرات الاعتقال النازية. ناهيك عن تدمير مئات آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية المزروعة والخصبة التي جُرِّفَت ونُهِبَت، فضلا عن تدمير الغطاء الأخضر، واقتلاع وسرقة مئات آلاف أشجار الخروب، والزيتون، واللوزيات، والنخيل، واجتثاث النباتات البرية النادرة، وسرقة التربة السطحية الخصبة، وتهديد التنوع الحيوي، وبعض الأنواع الحيوانية وتهديدها بالإنقراض.  يضاف إلى ذلك "خبرات" الاحتلال المتراكمة من خلال دوائره وشركاته المختصة، في مجال نهب المياه الفلسطينية الجوفية والسطحية، وتجفيف الآبار الجوفية والينابيع المتدفقة بشكل طبيعي، ما أدى بشكل مباشر إلى تدمير الزراعة الفلسطينية، وبشكل غير مباشر، إلى تصحر بعض الأراضي الفلسطينية. بل، ومنذ أواخر عام 2000، وصلت عمليات التخريب الإسرائيلية الوحشية للبيئة الفلسطينية، إلى ذروة لم تصلها من قبل، من ناحية تجريف وتدمير واسع للأراضي الزراعية والمناطق الحرجية، واقتلاع ملايين الأشجار المثمرة.
لذا، لا غرابة في أن تصبح  إسرائيل من الدول "الرائدة" في العالم في مجال الاستيلاء على الأراضي؛ حيث تستولي حكومات أجنبية وشركات رأسمالية على أراض زراعية في العديد من الدول الفقيرة بهدف استغلالها لأغراض تجارية؛ وبالطبع، فقد نجم عن هذه الظاهرة الاستعمارية الجديدة، عواقب اقتصادية واجتماعية وبيئية رهيبة في الدول الفقيرة التي يتم استغلالها واستنزافها خارجيا.  وهذا، تحديدا، ما أكده أيضا بحث أخير أجراه باحثون إيطاليون وأميركيون حول ظاهرة الاستيلاء على الأراضي (land grabbing ) والذي نشر في كانون ثاني الماضي في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة.  ويشير البحث إلى اتساع هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة لتطال أكثر من ستين دولة فقيرة!  وتتلخص هذه الظاهرة في قيام حكومات أو شركات أجنبية خاصة "بشراء" أراض في دول فقيرة، بهدف استغلالها في الزراعات الغذائية المكثفة، أو في زراعة محاصيل لإنتاج الوقود الحيوي.  وبالطبع، تنفذ هذه العمليات الزراعية القسرية دون استشارة أو إشراك السكان المحليين؛ بمن فيهم الفلاحين الذين دأبوا على فلاحة وزراعة تلك الأراضي، ودون أي اعتبار للعواقب البيئية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والسياسية والوطنية.  

لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بنهب أراضي العرب في فلسطين بل يمتد نهبه للأراضي ومواردها إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية وأسيا

وبحسب البحث المذكور، بلغت مساحة الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من قبل الحكومات  والشركات الأجنبية إلى أكثر من 400 مليون دونم، أي أكبر بنحو 15 ضعف مساحة فلسطين التاريخية.  وقد تم الاستيلاء على جزء كبير من هذه الأراضي في السنوات الأربع الأخيرة.  وتقع نحو 90% من هذه الأراضي في 24 دولة معظمها أسيوية وإفريقية.  وتشكل، أحيانا، المساحة المستولى عليها نسبة مرتفعة من إجمالي مساحة البلد الفقير.  وعلى سبيل المثال، تشكل المساحات المستولى عليها في الفلبين نحو 17.2% من إجمالي المساحات الزراعية في الدولة؛ أما في سيراليون فتصل المساحات المنهوبة من قبل جهات أجنبية إلى نحو 7% من إجمالي المساحات الزراعية في ذلك البلد. 
وإلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، بريطانيا والصين، تعد إسرائيل من الدول "الرائدة" في الاستيلاء على أراضي الدول الفقيرة؛ إذ استولت على مساحات زراعية واسعة في كولومبيا (تحت غطاء شرائها بشكل "قانوني")، لأغراض زراعة قصب السكر كوقود حيوي؛ إضافة إلى استيلائها على مساحات زراعية كبيرة في جمهورية الكونغو الديمقراطية بهدف زراعة نبات الجاتروفا (jatropha ) الذي يستخدم أيضا لإنتاج الوقود الحيوي.
ويشير الباحثون إلى أن بعض الدول الصغيرة، مثل إسرائيل تمارس عمليات الاستيلاء على الأراضي بسبب محدودية الأراضي الزراعية أو الموارد المائية فيها.  أما بالنسبة للدول الأكبر، مثل الصين، فإن شرائها مساحات زراعية في إفريقيا وزراعتها بالمحاصيل الغذائية، أكثر جدوى من نقل تلك المحاصيل في داخل الصين.
ومن أبرز الآثار التي تخلفها هذه الظاهرة الاستعمارية الجديدة، تلك المتصلة بالوضع البيئي وبتوفير الاحتياجات الغذائية الأساسية في البلدان الفقيرة؛ إذ غالبا ما يكون الاستغلال الأجنبي لتلك الأراضي على حساب الغابات والمساحات الأخرى ذات الأهمية الإيكولوجية؛ كما، وفي كثير من الأحيان، تتسبب عمليات الاستيلاء على الأراضي في استنزاف كميات ضخمة من المياه لصالح الدول الغنية.  وفي المحصلة، يعاني السكان المحليون، وبخاصة المقتلعون من أراضيهم، من تراجع خطير في قدرة بلدانهم على الإنتاج الزراعي وتلبية الاحتياجات الغذائية المحلية.  ويمكننا القول إن ظاهرة الاستيلاء الأجنبي على الأراضي في الدول الفقيرة هي شكل جديد من الاستعمار الذي تفاقم خلال السنوات الأربع الأخيرة.
واللافت أن مؤسسات دولية، بمن فيها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) تعمل على تجميل عمليات الاستيلاء، من خلال الزعم بأن "فرصا تنموية" وهمية قد تكمن في مثل هذه الممارسات الاستعمارية الجديدة؛ فتحاول الترويج لترتيبات جديدة لصفقات الاستيلاء على الأراضي، بحيث "تستطيع الدول الفقيرة  أيضا استغلال هذه الصفقات لصالحها، من خلال الابتكارات التكنولوجية وتوفير المزيد من فرص العمل" حسب زعم تلك المنظمات!!  وقد وصل الأمر بمنظمة الفاو أن نشرت العام الماضي أنظمة طوعية يمكن الاستعانة بها لتنفيذ صفقات الاستيلاء على الأراضي، بحيث تأخذ أيضا في الحسبان "احتياجات الدول الضعيفة والفقيرة"!!

التعليقات

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 

 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية